الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأما إذا كان المصحح غير ماهر فالأمر أشد، فإنه قد يصحح الغلط ويخطيء الصواب، وهذا ينقض قيمة المطبوع العلمية والمالية؛ لأن الناظر فيه يرى أن الكتاب لم يصححه عارف ماهر.
وأيضًا ففي ذلك إيقاع لغير العارفين في الغلط، ومع ما تقدم فإننا نقطع أنه لم يطبع كتاب قط على هذه الطريقة مع استيفاء جميع الاختلافات، فإن من نسخ الكتب التي طبعت على هذه الطريقة ما لا نقط فيه البتة أو نقطه قليل، فلو وفي المصحح بهذه الطريقة لكانت الحواشي ثابتة مع كل كلمة منقوطة يمكن تصحيفها.
ومن هنا نعلم أن المصحح فزع إلى الطريقة الرابعة ولكن لم يعتمدها مطلقًا بل خلط وخبط، وفي هذا مفسدة عظيمة؛ فإن ولي أمر المطبعة إنما يأمر المصحح بالتزام
الطريقة الثانية
لأنه لا يرى الاعتماد على معرفته فيحمله ذلك على إحالة التصحيح إلى غير عارف ثقة بأنه لا حاجة للمعرفة وإذ كان الطبع مقيدًا بالنسخ وفي هذا ما فيه.
الطريقة الثانية (*):
وهي الرائجة في بعض المطابع في مصر وغيرها؛ أن يقاول صاحب المطبعة بعض أهل العلم والمعرفة على تصحيح الكتاب الذي يريد طبعه، ويدفع إليه النقل الذي يراد الطبع عليه، وذلك غالبًا بعد مقابلته بالأصل، فيصحح هذا العالم بمعرفته ونظره وبمراجعة المظان من الكتب العلمية، ويكتب تصحيحاته على النقل، ثم يأخذه صاحب المطبعة، ويكتفي به في التصحيح الحقيقي. ويكتفي عند الطبع بمن يصحح تصحيحا مطبعيا أعني الذي يطبق المطبوع على ذلك النقل.
ففي هذه الطريقة ثلاث أيد تناوب التصحيح.
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وذكر محققو [موسوعة آثار المعلمي اليماني ط عالم الفوائد] أن المؤلف رحمه الله: كتب أولًا: "الثالثة"، ثم أصلحها.
الأولى: التصحيح بالمقابلة على الأصل.
الثانية: التصحيح الحقيقي.
الثالثة: التصحيح المطبعي.
وفيها نقائص:
الأولى:
أن التصحيح بالمقابلة كثيرًا ما يُوكل إلى غير أهله، فإن التصحيح بالمقابلة ينبغي أن لا يعتمد فيه إلا على عالم ممارس للتصحيح، أما كونه عالمًا فلأمور:
الأول: أن النسخ القلمية كثيرًا ما تكون غير منقوطة ويكون خطبها رديا أو مغلقا وتشتبه فيه بعض الحروف ببعض، فالمقابل إذا لم يكن عنده أهلية تامة فإنه يقلد الناسخ ويتبعه.
الثاني: أن النسخ القلمية كثيرًا ما يكون فيها الضرب والتضبيب، وغير الماهر قد لا يفهم ذلك.
الثالث: أن النسخ القلمية كثيرًا ما يكون فيها الإلحاق والحواشي، وغير الماهر ربما وضع الإلحاق في غير موضعه، وربما اشتبه عليه الإلحاق بالحواشي فيجعل الحواشي إلحاقا وعكسه، وهذا موجود بكثرة.
الرابع: أن الناسخ إذا كان عارفًا فكثيرا ما يتصرف بمعرفته، فيحرف ويصحف ويبدل ويغير كما وقع في نسخ كتاب "الاعتصام" للشاطبي، ونبه عليه مصحه السيد محمد رشيد رضا. فإذا كان المقابل غير أهل قلد الناسخ.
الخامس: أن غير المتأهل لا يكون عنده غالبًا ما يحمله على شدة التحري.
السادس: أن النساخة كثيرًا ما يكون بالإملاء؛ يمسك شخص الأصل ويملي على الناسخ، فينسخ هذا بحسب ما يسمع، وكثيرا ما تتشابه الكلمات لفظًا وتختلف
خطأ؛ مثل علا وعلى، وحاذر وحازر، عند من ينطق بالذال زايا، ونحوه حامد وهامد، وثائر وسائر، وقال وغال، وترتيب واريب وغريب، وأشباه ذلك كثيرة.
والمقابلة تكون بين اثنين أيضًا، فإذا لم يكن المقابل أهلًا لم يتنبه لتصحيح الأغلاط الناشئة عما ذكر إلى غير ذلك.
وأما كونه ممارسا للتصحيح فلأن غير الممارس لا يكون عنده صبر الممارس وتأنية وتثبته ومعرفته بمظان الغلط، وسيأتي إيضاح هذا إن شاء الله تعالى في شروط المصحح.
النقيصة الثانية:
أن المصحح الأوسط وإن كان بغاية العلم والمعرفة قد لا يتبين له الغلط أو يتبين له ويرى أن ما وقع في النقل محتمل من حيث المعنى فيدعه، وينبه عليه في الحاشية، وفي ذلك تكثير حجم الكتاب.
وإن أهل العلم لا يعتمدون على التصحيح في الحاشية اعتمادهم على ما هو ثابت في الأصل. وأهم من ذلك أن أهل العلم يرون أن الأصل المنقول منه غير صحيح ولا معتمد، والشاهد على هذا كتاب "الاعتصام" للشاطبي، فإن العلامة السيد محمد رشيد رضا صححه معتمدًا على نقل كان ينسخ من النسخة التي في المكتبة الخديوية، وكان يجد أغلاطا في النقل كثيرة، فمنها ما أصلحه، ومنها ما نبه عليه، ومنها ما تركه وكان يظن أن الخلل في الأصل، ثم تبين له بعدُ أن الأصل صحيح في الجملة، وأن معظم الخلل إنما هو في النقل إذ كان الناسخ يغير برأيه.
وثانيًا: أن هذا المصحح الأوسط لا يكون عنده في الغالب مكتبة جامعة تتوفر فيها الكتب التي ينبغي للمصحح مراجعتها.
وثالثًا: أنه يكون غالبًا ممن لم يمارس التصحيح، وسيأتي في شرائط المصحح أن الممارسة من أهمها.
ورابعًا: أنه في الغالب لا يكون له معاون مثله أو قريبًا منه في المعرفة، وسيأتي في شرائط المصحح أن اجتماع مصححين ذوي أهلية له أهمية عظيمة.
وخامسًا: أنه يكون في الأكثر غير منتصب لتصحيح الكتب ولا متخذ لذلك حرفة، ولا شك أن المتخذ لذلك حرفة أحرص على الإتقان من غيره.
وسادسًا: الغالب أن ذوي المطابع لا يعطون هذا المصحح الأوسط الأجرة التي ترضيه، بل يساومونه، فيأخذ منهم ما سمحوا به، وبقدر ما نقصوه تضعف همته عن احتمال المشقات في إتقان العمل كما في سائر الصنائع.
النقيصة الثالثة:
أن صاحب المطبعة يكتفي في هذه الطريقة بأن يكل التصحيح المطبعي إلى من ليس عنده أهلية تامة ولا ممارسة كافية؛ لأنه يرى أنه ليس على هؤلاء إلا التصحيح المطبعي، أعني تطبيق المطبوع على النقل الذي صححه المصحح.
ولكن هذا التصحيح معناه المقابلة بأن يمسك شخص النقل المصحح وآخر الأوراق المطبوعة فيقرأ ممسك الأوراق غالبًا، وربما يقع في الأوراق المطبوعة أغلاط تشتبه مع الأصل لفظًا فلا يتنبه لها ممسك الأصل، وربما لا يكون عند هذين من الممارسة للتصحيح ما يحملهما على التثبت والتأني والمقابلة كلمة بكلمة.
وأيضًا فقد يعرض عند الطبع تبدل وتغير مثل: كلمة ابن بين علمين يكون في النقل في السطر الأول فتسقط الألف، ثم تكون في الطبع أول سطر، فيدعها هذان بلا ألف أيضًا مع أن الصواب إثبات الألف حينئذ.