الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن عشر:
(ص 348): "أنا مدينة العلم، وعليٌّ بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب".
قال الشوكاني:
رواه الخطيب عن ابن عباس مرفوعًا. ورواه الطبراني، وابن عدي، والعقيلي، وابن حبان عن ابن عباس أيضًا مرفوعًا.
وفي إسناد الخطيب: جعفر بن محمد البغدادي، وهو متهم.
وفي إسناد الطبراني: أبو الصلت الهروي عبد السلام بن صالح، قيل: هو الذي وضعه.
وفي إسناد ابن عدي: أحمد بن سلمة الجرجاني، يحدث عن الثقات بالأباطيل.
وفي إسناد العقيلي: عمر بن إسماعيل بن مجالد، كذاب.
وفي إسناد ابن حبان: إسماعيل بن محمد بن يوسف، ولا يحتج به.
وقد رواه ابن مردويه عن علي مرفوعًا. وفي إسناده: من لا يجوز الاحتجاج به.
ورواه أيضًا ابن عدي عن جابر مرفوعًا بلفظ هذا -يعني: عليًا- أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله. أما مدينة العلم وعلي بابها. فمن أراد العلم فليأت الباب.
قيل: لا يصح. ولا أصل له، وقد ذكر هذا الحديث ابن الجوزي في الموضوعات من طرق عدة، وجزم ببطلان الكل، وتابعه الذهبي وغيره (1).
(1) والحديث أورده ابن الجوزي في "الموضوعات"(1/ 259)، والكتاني في "تنزيه الشريعة"(1/ 377)، والسيوطي في "اللآلىء المصنوعة"(1/ 299).
وقال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصح".
وأجيب عن ذلك: بأن محمد بن جعفر البغدادي الفيدي، قد وثقه يحيى بن معين، وأن أبا الصلت الهروي قد وثقه ابن معين والحاكم. وقد سئل يحيى عن هذا الحديث، فقال: صحيح. وأخرجه الترمذي عن علي رضي الله عنه مرفوعًا. وأخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس مرفوعًا. وقال: صحيح الإسناده
قال الحافظ ابن حجر: والصواب خلاف قولهما معًا، يعني: ابن الجوزي، والحاكم. وأن الحديث من قسم الحسن، لا يرتقي إلى الصحة، ولا ينحط إلى الكذب. انتهى. وهذا هو الصواب؛ لأن يحيى بن معين، والحاكم قد خولفا في توثيق أبي الصلت ومن تابعه، فلا يكون مع هذا الخلاف صحيحًا، بل حسنًا لغيره، لكثرة طرقه كما بيناه، وله طرق أخرى ذكرها صاحب اللآلىء وغيره (1).
(1) أخرجه: الحاكم وصححه (3/ 137)، والطبراني في "الكبير"(11/ 65)، والخطيب في "التاريخ"(11/ 48) من حديث أبي الصلت الهروي عن أبي معاوية، عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعًا به.
وتابع أبا الصلت عليه كل من:
أحمد بن سلمة أبو عمرو الجرجاني عند ابن عدي (1/ 189)، والحسن بن علي بن راشد عنده أيضًا (2/ 341)، وجعفر بن محمد البغدادي عند الخطيب في "التاريخ"(7/ 172)، والقاسم بن سلام عند ابن حبان في المجروحين (2/ 151) كلهم عن أبي معاوية بإسناده به.
والحديث أجمع الأئمة على نكارته ووهائه، وهذا الحديث مما تفرد به أبو الصلت الهروي عن أبي معاوية بهذا الإسناد، وتكلم فيه الأئمة من أجله، وقد رواه غير واحد عن أبي معاوية إلا أن العلماء يرون أنه حديث أبي الصلت. وكل من رواه عن أبي معاوية إنما سرقه من أبي الصلت.
راجع كلام ابن عدي في "الكامل"(1/ 189)(2/ 314)(3/ 412).
والحديث استنكره الإِمام أحمد فيما نقل ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 264)، وابن معين كما في "تاريخ بغداد"(11/ 203).
وقال العقيلي في "الضعفاء"(3/ 149 - 150): "ولا يصح في هذا المتن حديث".
وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" بجميع طرقه (1/ 263 - 264): "هذا حديث لا يصح من جميع الوجوه".
وقال ابن حبان في "المجروحين"(2/ 151): "هذا خبر لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
[قال المعلمي: "كنت من قبل أميل إلى اعتقاد قوة هذا الخبر حتى تدبرته، وله لفظان:
الأول: "أنا مدينة العلم وعلي بابها".
والثاني: "أنا دار الحكمة وعلي بابها".
ولا داعي للنظر في الطرق التي لا نزاع في سقوطها، وانظر فيما عدا ذلك على ثلاثة مقامات:
المقام الأول: سند الخبر الأول إلى أبي معاوية والثاني: إلى شريك.
روى الأول عن أبي معاوية: أبو الصلت عبد السلام بن صالح، وقد تقدم حال أبي الصلت في التعليق (ص 292) وتبين مما هناك أن من يأبى أن يكذبه يلزمه أن يكذب علي بن موسى الرضا وحاشاه، وتبعه محمد بن جعفر الفيدي، فعدَّه ابن معين متابعًا، وعده غيره سارقًا، ولم يتبين من حال الفيدي ما يشفي، ومن زعم أن الشيخين أخرجا له أو أحدهما فقد وهم.
وروى جعفر بن درستويه، عن أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز، عن ابن معين في هذا الخبر قال:"أخبرني ابن نمير قال: حدث به أبو معاوية قديمًا ثم تركه" وهذه شهادة قوية.
لكن قد يقال: يحتمل أن يكون ابن نمير ظن ظنًا، وذلك أنه رأى ذينك الرجلين زعما أنهما سمعاه من أبي معاوية، وهما ممن سمع منه قديمًا، وأكثر أصحاب أبي معاوية لا يعرفونه فوقع في ظنه ما وقع.
هذا مع أن ابن محرز له ترجمة في تاريخ بغداد لم يذكر فيها من حالة إلا أنه روى عن ابن معين وعنه جعفر بن درستويه. نعم: ثَمَّ ما يشهد لحكايته، وهو ما في ترجمة عمر بن إسماعيل بن مجالد من كتاب ابن أبي حاتم، أنه حدث بهذا عن أبي معاوية،
فذكر ذلك لابن معين، فقال: "قل له: يا عدو الله
…
إنما كتبت عن أبي معاوية ببغداد، ولم يحدث أبو معاوية هذا الحديث ببغداد".
وروى اللفظ الثاني: محمد بن عمر بن الرومي، عن شريك. وابن الرومي، ضعفه أبو زرعة، وأبو داود، وقال أبو حاتم:"صدوق قديم روى عن شريك حديثًا منكرًا" يعني هذا، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر في التقريب:"لين الحديث" ووهم من زعم أن الشيخين أخرجا له أو أحدهما، وأخرجه الترمذي من طريقه، ثم قال:"غريب منكر"، ثم قال: وروى بعضهم هذا الحديث عن شريك، ولم يذكروا فيه "الصنابحي".
فزعم العلائي أن هذا ينفي تفرد ابن الرومي، ولا يخفى أن كلمة "بعضهم" تصدق بمن لا يعتد بمتابعة، ولم يذكر في اللآلىء أحدًا رواه عن شريك غير ابن الرومي إلا عبد الحميد بن بحر، وهو هالك يسرق الحديث، فالحق أن الخبر غير ثابت عن شريك.
المقام الثاني: على فرض أن أبا معاوية حدث بذاك، وشريكًا حدث بهذا، فإنما جاء ذاك عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد" وجاء هذا عن "شريك عن سلمة بن كهيل" وأبو معاوية، والأعمش، وشريك، كلهم مدلسون متشيعون، ويزيد شريك بأنه يكثر منه الخطأ.
فإن قيل: إنما ذُكروا في الطبقة الثانية من طبقات المدلسين، وهي طبقة من "احتمل الأئمة تدليسه، وأخرجوا له في الصحيح".
قلت: ليس معنى هذا أن المذكورين في الطبقة الثانية تقبل عنعنتهم مطلقًا، كمن ليس بمدلس البتة، إنما المعنى أن الشيخين انتقيا في المتابعات ونحوها من معنعناتهم، ما غلب على ظنهما أنه سماع، أو أن الساقط منه ثقة، أو كان ثابتًا من طريق أخرى، ونحو ذلك، كشأنهما فيمن أخرجا له ممن فيه ضعف.
وقد قرر ابن حجر في "نخبته" و"مقدمة اللسان"، وغيرهما، أن من نوثقه، ونقبل خبره من المبتدعة، يختص ذلك بما لا يؤيد بدعته، فأما ما يؤيد بدعته، فلا يقبل منه البتة، وفي هذا بحث، لكنه حَق فيما إذا كان مع بدعته مدلسًا، ولم يصرح بالسماع، وقد أعل البخاري في تاريخه الصغير (ص 68)، خبرًا رواه الأعمش، عن سالم يتعلق بالتشيع بقوله:"والأعمش لا يدري، سمع هذا من سالم أم لا، قال أبو بكر بن عياش، عن الأعمش أنه قال: "نستغفر الله من أشياء كنا نرويها على وجه التعجب، اتخذوها دينًا".
ويشتد اعتبار تدليس الأعمش في هذا الخبر خاصة؛ لأنه عن مجاهد، وفي ترجمة الأعمش، من تهذيب التهذيب:"قال يعقوب بن شيبة في مسنده: ليس يصح للأعمش، عن مجاهد إلا أحاديث يسيرة، قلت: لعلي بن المديني، كما سمع الأعمش من مجاهد؟ قال: لا يثبت منها إلا ما قال سمعت، هي نجو من عشرة، وإنما أحاديث مجاهد عنده عن أبي يحيى القتات، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه، في أحاديث الأعمش عن مجاهد: قال أبو بكر بن عياش، عنه: حدثنيه ليث [بن أبي سليم] عن مجاهد".
أقول: والقتات وليث، ضعيفان، ولعل الواسطة في بعض تلك الأحاديث من هو شر منهما، فقد سمع الأعمش من الكلبي أشياء، يرويها عن أبي صالح باذام، ثم رواها الأعمش عن باذام تدليسًا، وسكت عن الكلبي، والكلبي كذاب، ولا سيما فيما يرويه عن أبي صالح، كما مر في التعليق (ص 315).
ويتأكد وهن الخبر بأن من يثبته عن أبي معاوية، يقول إنه حدث به قديمًا، ثم كف عنه، فلولا أنه علم وهنه لما كف عنه، والخبر عن شريك اضطربوا فيه، رواه الترمذي من طريق ابن الرومي "عن شريك، عن سلمة بن كهيل، عن سويد بن غفلة، عن الصنابحي، عن علي"، وذكر الترمذي أن بعضهم رواه عن شريك، فأسقط الصنابحي، والخبر في اللآلىء من وجه آخر، عن ابن الرومي نفسه. وعن عبد الحميد بن بحر،
بإسقاط سويد ابن غفلة، وفيها (1/ 171) "قال الدارقطني: حديث علي رواه سويد بن غفلة عن الصنابحي، فلم يسنده، وهو مضطرب، وسلمة لم يسمع من الصنابحي".
فالحاصل أن الخبر إن ثبت عن أبي معاوية لم يثبت عن الأعمش، ولو ثبت عن الأعمش، فلا يثبت عن مجاهد، وأن المروي عن شريك، لا يثبت عنه، ولو ثبت لم يتحصل منه على شيء، لتدليس شريك وخطئه، والاضطراب الذي لا يوثق منه على شيء.
وفي اللآلىء طرق أخرى، قد بين سقوطها، وأخرى سكت عنها، وهي:
(أ) للحاكم بسند إلى جابر، فيه أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني، المؤدب، المترجم في اللسان (1/ 197) رقم (620)، قال ابن عدي:"كان بسامرا يضع الحديث".
(ب) لعلي بن عمر الحربي السكري، بسند إلى علي، فيه "إسحاق [بن محمد] بن مروان "عن أبيه" وهما تالفان، مترجمان في اللسان، وفيه بعد ذلك من لم أعرفه، وفي آخره "سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباته" شيعيان متروكان.
(ج) للفضلى، بسند إلى جابر، فيه من لم أعرفه عن "الحسن بن عبد الله التميمي" أراه الحسين بن عبيد الله، المترجم في اللسان (2/ 296) وهو مجهول واهٍ "ثنا خبيب" صوابه:"حبيب بن النعمان" شيعي مجهول، ذكر في اللسان أن الطوسي ذكره في رجال الشيعة.
(د) للديلمي بسند إلى سهل بن سعد، عن أبي ذر، فيه من لم أعرفه، عن "محمد بن علي ابن خلف العطار" متهم، ترجمته في اللسان (5/ 289) رقم (988)، ثنا موسى بن جعفر ابن إبراهيم
…
" تالف، ترجمته في اللسان (6/ 114) "ثنا عبد المهيمن بن العباس" متروك.
المقام الثالث: النظر في المتن الخبر.
كل من تأمل منطوق الخبر، ثم عرضه على الواقع، عرف حقيقة الحال، والله المستعان". اهـ.