الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر الثالث من المرتبة الثالثة من مراتب نقد الخبر
3 -
السبر والاعتبار
- الشواهد والمتابعات
قال أبو أنس:
هذه مباحث هامة، ومطالب عزيزة، في: السبر والاعتبار، وطريقة البحث عن العلة، وكيف تُلصقُ تبعةُ الحديث براوٍ دون آخر، وأمارات النكارة في الرواية، وما يتعلق بالمتابعات والشواهد، وهي أمور لابد منها لمن يطالع كتب هذا الفن، وهي مقاصد شريفة، نشير هنا إلى طرفٍ منها من خلال تحقيقات الشيخ المعلمي، وعلى الله المعتمد، وبه التوفيق.
السبر والاعتبار:
• في ترجمة: الحسين بن إدريس الهروي من "التنكيل"(81):
يقول عنه ابن أبي حاتم بعد أن ذكر له أحاديث باطلة: لا أدري البلاء منه أم من خالد بن هياج.
فقال الشيخ المعلمي:
"الحسين بن إدريس يروي عن سعيد بن منصور وعثمان بن أبي شيبة وداود بن رشيد وهشام بن عمار وابن عمار -وهو محمد بن عبد الله بن عمار- وخلق منهم خالد بن هياج.
وخالد بن هياج يروي عن جماعة منهم أبوه هياج بن بسطام، وهياج قال فيه الإمام أحمد:"متروك الحديث"، وقال يحيى بن معين:"ضعيف الحديث ليس بشيء"، وقال أبو داود:"تركوا حديثه"، وأَلان أبو حاتم القول فيه قال:"يكتب حديثه ولا يحتج به".
وخالد بن هياج يروي عن أبيه مناكير كثيرة، روى عنه الحسين بن إدريس عدة منها، فتلك الأحاديث التي أنكرها ابن أبي حاتم يجوز أن يكون البلاء فيها من هياج، ويبرأ منها خالد والحسين، ويجوز أن تكون من خالد، ويبرأ منها هياج والحسين، ويجوز أن تكون من الحسين، ويبرأ منها هياج وخالد.
فأما ابن أبي حاتم فكان عنده عن أبيه أن هياجًا: "يكتب حديثه ولا يحتج به" وهذه الكلمة يقولها أبو حاتم فيمن هو عنده صدوق ليس بحافظ، يحدث بما لا يتقن حفظه فيغلط ويضطرب، كما صرح بذلك في ترجمة إبراهيم بن المهاجر.
فرأى ابن أبي حاتم أن تلك المناكير التي رآها فيما كتب به إليه الحسين لا يحتملها هياج، ولم يكن يعرف خالدًا ولا الحسين، فجعل الأمر دائرًا بينهما.
ومقتضى كلام الإمام أحمد ويحيى بن معين وأبي داود في هياج أن تبرأته منها ليست في محلها.
والطريق العِلْمي في هذا: اعتبار ما رواه غير خالد من الثقات عن هياج، وما رواه خالد عن الثقات غير هياج، وما رواه الحسين عن الثقات غير خالد، وبذلك يتبين الحال.
فإذا وجدنا غير خالد من الثقات قد رووا عن هياج مناكير يتجه الحمل فيها عليه، ووجدنا خالدا قد روى عن غير هياج من الثقات أحاديث عديدة كلها مستقيمة، ووجدنا الحسين قد روى عن الثقات غير خالد أحاديث كثيرة كلها مستقيمة، سقط هياج، وبرىء خالد والحسين.
وهذا هو الذي تبين لابن حبان، فذكر هياجًا في (الضعفاء) وقال:"كان مرجئًا يروي الموضوعات عن الثقات"، وذكر خالدًا في (الثقات)، وكذلك ذكر الحسين، وقال:"كان ركنًا من أركان السنة في بلده"، وأخرج له في "صحيحه"
…
". اهـ.
• وفي ترجمة: محمد بن سعيد البورقي (206):
في "تاريخ بغداد"(13/ 335) من طريقه: "حدثنا سليمان بن جابر بن سليمان بن ياسر بن جابر حدثنا بشر بن يحيى قال: أخبرنا الفضل بن موسى السيناني عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في أمتي رجلا اسمه النعمان وكنيته أبو حنيفة هو سراج أمتي هو سراج أمتي هو سراج أمتي".
قال الخطيب:
"قلت: وهو حديث موضوع، تفرد بروايته البورقي، وقد شرحنا فيما تقدم أمره وبينَّا حاله".
يعني في ترجمته، وهي في (التاريخ)(5/ 308 - 309).
قال الكوثري (ص 30): "استوفى طرقه البدر العيني في "تاريخه الكبير" واستصعب الحكم عليه بالوضع، مع وروده بتلك الطرق الكثيرة، وقد قال: " .... فهذا الحديث كما ترى قد روي بطرق مختلفة ومتون متباينة ورواة متعددة عن النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا يدل على أن له أصلا، وإن كان بعض المحدثين بل أكثرهم ينكرونه، وبعضهم يدَّعون أنه موضوع، وربما كان هذا من أثر التعصب
…
"
فقال الشيخ المعلمي:
"قد تأملت روايات هذا الحديث في (مناقب أبي حنيفة) وغيرها، فرأيته يدور على جماعة:
أولهم: البورقي، وقد عرفتَ حاله، رواه عن مجهول، عن مثله، عن السيناني بذاك السند ..
الثاني: أبو علي أحمد بن عبد الله بن خالد الجويباري الهروي، وهو مشهور بالوضع، مكشوف الأمر جدا، وله فيه أربع طرق:
الأولى: عن السيناني بذاك السند.
الثانية: عن أبي يحيى المعلم، عن حميد، عن أنس.
الثالثة: عن أبي يحيى، عن أبان، عن أنس.
الرابعة: عن عبد الله بن معدان، عن أنس، والراوي عنه في بعض هذه: مأمون ابن أحمد السلمي، وهو شبيهه في الشهرة بالوضع الفاحش.
الثالث: أبو المعلى بن مهاجر، إن كان له ذنب، وهو مجهول، رواه محمد بن يزيد المستملي، وهو متهم، عن مجهول، عن مثله، عن أبي المعلى، عن أبان، عن أنس.
ورواه النضري بثلاثة أسانيد أخرى، كلهم مجاهيل عن أبي المعلى، عن أبان، عن أنس.
الرابع: أبو علي الحسن بن محمد الرازي، وهو متهم، قد تقدم بعض ما يتعلق به في ترجمة: أحمد بن محمد بن الصلت رقم (34) رواه النضري من طريقه بسند كلهم مجاهيل، إلى عبد الله بن مغفل (؟) عن علي بن أبي طالب قوله.
الخامس: النضري، قال فيه ابن السمعاني في "الأنساب":"الخِيُّوِي" باسم: "أبي القاسم يونس بن طاهر بن محمد بن يونس بن خيُّو النضري الخيوي، من أهل بلخ الملقب شيخ الإسلام .. ".
ولم يذكر فيه توثيقا ولا جرحا، والله أعلم به، وبعض الطرق المتقدمة من طريقه، وزاد بسند كلهم مجاهيل، عن أبان، عن أنس، وبسند كلهم مجاهيل عن أبي هدبة، عن أنس، وبسند كلهم مجاهيل عن موسى الطويل، عن ثابت، عن أنس، وبسند كلهم مجاهيل عن حماد، عن رجل، عن نافع، عن ابن عمر، وبسند كلهم مجاهيل عن أبي قتادة الحراني، عن جعفر بن محمد، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس. هذا ما وقفتُ عليه، فالأربعة الأولون قد عرفتُهم، وأما الخامس وهو النضري، فالله أعلم به، وعلى كُلِّ حالٍ فكان بين قومٍ أعاجم جهال متعصبين، لا بِدع أن يتقربوا
إلى الله عز وجل بتكثير الطرق، وكلهم مجاهيل، وأبان وأبو هدبة وموسى الطويل، ثلاثتهم هلكي، ومع ذلك لا أراهم إلا أبرياء من هذا الحديث، وإلا لاشتهر في زمانهم.
فما باله لم يُعرف له أثر إلا بعد أن وضعه الجويباري في القرن الثالث؟
وأبو قتادة الحراني فسد بأخرة، ومع ذلك لا أراه إلا بريئا من هذا، وحماد الذي روى عنه، عن رجل، عن نافع، عن ابن عمر: لا أدري من هو، وربما يكون المقصود حماد بن أبي حنيفة، فإنه قد قيل إنه يروي عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، فكأن بعضَ المجاهيل سمع بذلك، فرَكَّبَ السندَ إليه بهذا الحديث، فاستحيا النضري عن أن يقول عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، فيكون أشنع للفضيحة فكنى عن مالك برجل!
هذا، ومن شأن الدَّجَّالين أن يُرَكِّبَ أحدُهم للحديث الواحد عدةَ أسانيد؛ تغريرا للجهال، وأن يضعَ أحدُهم فيسرق الآخر، ويركب سندا من عنده، ومن شأن الجهال المتعصبين أن يتقربوا بالوضع والسرقة وتركيب الأسانيد.
وقد قال أبو العباس القرطبي: "استجاز بعض الفقهاء أهل الرأى نسبة الحكم الذي يدل عليه القياس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .... ولهذا ترى كتبهم مشحونة بأحاديث تشهد متونها بأنها موضوعة؛ لأنها تشبه فتاوى الفقهاء
…
ولأنهم لا يقيمون لها سندا صحيحا.
وقد أشار إلي هذا ابن الصلاح بقوله: "وكذا المتفقهة الذين استجازوا نسبة ما دل عليه القياس الى النبي صلى الله عليه وسلم". اهـ.
• وقال الشيخ المعلمي في ترجمة (9) منه:
"كثرة الغرائب إنما تضر الراوي في أحد حالين:
الأولى: أن تكون مع غرابتها منكرة عن شيوخ ثقات بأسانيد جيدة.
الثانية: أن يكون مع كثرة غرائبه غير معروف بكثرة الطلب.
ففي الحال الأولى تكون تبعة النكارة على الراوي نفسه لظهور براءة من فوقه عنها، وفي الحال الثانية يقال من أين له هذه الغرائب الكثيرة مع قلة طلبه؟ فيتهم بسرقة الحديث، كما قال ابن نمير في أبي هشام الرفاعي:"كان أضعفنا طلبا وأكثرنا غرائب". اهـ.
• وفي ترجمة القاسم بن حبيب (177):
روى القاسم بن حبيب عن نزار بن حيان عن عكرمة حديثًا في ذمّ القدرية والمرجئة، استنكره غير واحد من أهل العلم، فبحث الشيخ المعلمي فيمن تلصق به تبعةُ هذا الحديث، فقال:
نزار بن حيان لم يوثقه أحد، وذكره ابن حبان في الضعفاء (1) وقال: يأتي عن عكرمة بما ليس من حديثه، حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد
…
فكأن ابن حبان يشير إليه - يعني هذا الحديث (2).
والقاسم قد روى عن عكرمة .. فلو أراد الكذب لروى ذاك الحديث عن عكرمة رأسًا، وربح العُلُوَّ وشهادة نزار له. وقد تابع القاسم على رواية هذا الحديث عن نزار: ابنه عليُّ بن نزار، وقال ابن معين في علي بن نزار: ليس حديثه بشيء. لعله أراد هذا الحديث (3).
(1) المجروحين (3/ 56) وأوَّل كلامه: "قليل الرواية، منكر الحديث جدًّا
…
".
(2)
عن نزار بن حيان عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا القدر فإنه شعبة من النصرانية"، وهو الحديث المشار إليه آنفًا، فقد ذكره ابن عدي في ترجمة: على بن نزار بهذا اللفظ أيضًا، ثم قال في اللفظين جميعًا: وهذا أحد ما أنكروه عَلَى عَلِي بن نزار، وعَلَى والده نزار (الكامل: 5/ 1838).
(3)
قال ابن عدي: وعلى بن نزار لا أعلم له كثير رواية، وهو أشهر عند الناس بحديثه الذي رواه عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس في القدرية اهـ.