الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الشافعي في (الأم)(ج 7 ص 250): "باب حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها" ثم ذكر مناظرته لهم. ثم قال بعدُ: "باب حكاية قول من رد خبر الخاصة" فذكر كلامه معهم، وبسط الكلام في ذلك في (الرسالة)، وفي كتاب (اختلاف الحديث).
ثم كانت المحنة وويلاتها، وكان دعاتُها لا يجرؤون على ردِّ الحديث، وسيأتي في ترجمة: علي بن عبد الله بن المديني بعضُ ما يتعلق بذلك، ثم جاء محمد بن شجاع بن الثلجي فلم يجرؤ على الرد، إنما لَفَّقَ ما حاول به إسقاط حماد بن سلمة، كما يأتي في ترجمة حماد إن شاء الله تعالى، وجمع كتابا تكلف فيه تأويل الأحاديث، وتبعه من الأشعرية ابن فورك في كتابه المطبوع.
ثم اشتهر بين المتكلمين أن النصوص الشرعية من الكتاب والسنة لا تصلح حجة في صفات الله عز وجل ونحوها من الاعتقادت، وصرحوا بذلك في كتب الكلام والعقائد كالمواقف وشرحها، والأمر أشد من ذلك كما يأتي في الاعتقاديات إن شاء الله تعالى.
وأستاذ يدين بالكلام ويتشدد، ومع هذا كله فغالب أصحاب الرأي وغلاة المقلدين وأكثر المتكلمين لم يُقْدِمُوا على اتهام الرواة الذين وثقهم أهل الحديث، وإنما يحملون على الخطأ والغلط والتأويل، وذلك معروف في كتب أصحاب الرأي والمقلدين، أما الأستاذ فبرز على هؤلاء جميعا! ". اهـ.
31 - محنة خلق القرآن وعلاقتها بعلم الرواية:
• قال الشيخ المعلمي في "التنكيل"(1/ 18 - 21):
"ذكر الكوثري في (التأنيب) أسبابًا اقتضت المنافرة بين الحنفية ومخالفيهم، وأطنب في فتنة القول بخلق القرآن، ثم ذكر في "الترحيب" (ص 18 - 19) أنه يتحتم عليَّ أن أدرس ملابسات تلك الفتنة، يريد أن الدعاة إليها كانوا من أتباع أبي حنيفة؛ كبشر
المريسى وابن أبي داود، ونسبوا تلك المقالة إلى أبي حنيفة، وساعدهم حفيده إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، واستحوذوا على الدولة، فَسَعَتْ في تنفيذ تلك المقالة بكل قُواها في جميع البلدان، فكان علماء السنة يُكَلَّفُون بأن يقولوا: إن القرآن مخلوق، فمن أجاب مُظهرًا الرضا والاعتقاد صار له منزلة وجاه في الدولة، وأُنعم عليه بالعطاء وولاية القضاء وغير ذلك، ومن أَبَى حُرم عطاءه وعُزل عن القضاء أو الولاية ومنع من نشر العلم، وكثير منهم سُجنوا ومنهم من جُلد، ومنهم من قُتل.
وأسرف الدعاةُ في ذلك حتى كان القُضاة لا يُجيزون شهادةَ شاهدٍ حتى يقول: إن القرآن مخلوق، فإن أَبَى ردوا شهادته، ومن أجاب مكرهًا ربما سجنوه وربما أطلقوه مسخوطًا عليه، وفي كتاب "قضاة مصر" طرفٌ من وصف تلك المحنة.
فيرى الأستاذ أن ذلك أوغرَ صدور أصحاب الحديث على أبي حنيفة، فكان فيهم من يذمه، ومنهم من يختلق الحكايات في ثلبه.
فأقول: ليس في ذلك ما يبرر صنيع الأستاذ.
أما أولًا: فلأن أصحاب الحديث منهم من صرح بأنه لم يثبت عنده نسبة تلك المقالة إلى أبي حنيفة، كما رواه الخطيب من طريق المروذي عن أحمد بن حنبل، ومنهم من وقعت له رواياتٌ تُنسب إلى أبي حنيفة بأن القرآن غير مخلوق، وتلك الروايات معروفة في "تاريخ بغداد" و"مناقب أبي حنيفة" وغيرها، فكيف يُظن بهم أن يحملوا على أبي حنيفة ذنبًا يرونه بريئًا منه، ويخرجوه من صَفِّهم، مع عدم استغنائهم عنه إلى صَفِّ مخالفهم؟.
وأما ثانيًا: فهل يريد الأستاذ أن يستنتج من ذلك أن أصحاب الحديث صاروا كلُّهم بين سفيهٍ فاجرٍ كذاب، وأحمق مغفل يستحل الكذب الذي هو في مذهبه من أكبر الكبائر وأقبح القبائح؟ فليت شعري عند من بقي العلم والدين؟ أعند الجهمية الذين يعزلون الله وكتبه ورسله عن الاعتداد في عظم الدين وهو الاعتقاديات، ويتبعون فيها الأهواء
والأوهام؟! يقال لأحدهم: قال الله عز وجل
…
، وقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فتلتوي عنقه ويتقبض وجهه تبرمًا وتكرهًا، ويقال له: قال ابن سينا
…
، فيستوي قاعدًا ويسمو رأسه وينبسط وجهه وتتسع عيناه وتصغي أذناه، كأنه يتلقى بُشرى عظيمة كان يتوقعها. فهل هذا هو الإيمان الذي لا يزيد ولا ينقص يا أستاذ!!
…
". اهـ.
• وفي ترجمة: إسماعيل بن إبراهيم بن معمر أبي الهذلي الهروي الكوفي (47): قال الشيخ المعلمي:
"ما جاء عن الإمام أحمد أنه كان ينهى عن الكتابة عن الذين أجابوا في المحنة فليس ذلك على معنى جَرْح من أجاب مُكرها، بل أراد بذلك تثبيت أهل العلم والعامَّة، أما أهل العلم فخشية أن يبادروا بالإجابة قيل تحقق الإكراه، وأما العامَّة فخشية أن يتوهموا أن الذين أجابوا أجابوا عن انشراح صدر". اهـ.
• وفي ترجمة: الحسن بن علي بن محمد الحلواني (77):
قال المعلمي:
"إنما لم يحمده أحمد؛ لأنه بلغه عنه أنه مع قوله: "القرآن كلام الله غير مخلوق ما نعرف غير هذا" امتنع من إطلاق الكفر على القائلين بخلق القرآن، فكان أحمد رأى أن امتناع العالم في ذاك العصر من إطلاق الكفر عليهم يكون ذريعةً لانتشار تلك البدعة التي جَدَّ أهلُها والدولةُ معهم في نشرها وحَمْل الناس عليها، ولعل الحلواني لم ينتبه لهذا، وعارض ذلك عنده ما يراه مفسدة أعظم". اهـ.
• وفي ترجمة: عبد الرحمن بن محمد بن إدريس أبي محمد بن أبي حاتم الرازي (140): قال المعلمي:
"إن صح عن ابن أبي حاتم إطلاقُ أن قولَ: "لفظي بالقرآن مخلوق" كفرٌ مخرجٌ عن الملة، فمراده بذلك قولُ تلك الكلمة معنيًا بها أن القرآن مخلوق.
وأهل العلم قد يحكمون على الأمر بأنه كفر، ولا يحكمون بأن كل من وقع منه خارج عن الملة؛ لأن شرط ذلك أن لا يكون له عذر مقبول، ويأتي مثل هذا في الزنا والربا وغيرهما.
وقد جاء في الحديث تعريفُ الغِيبة بأنها ذِكْرُك أخاك بما يكره، وقد يذكر المؤمن أخاه بما يكره غير شاعر بأنه يكرهه، بل ظانا أنه يحبه، فلا يلحقه الإثم، وإن صح أن يُسمى ما وقع منه غيبة، وصح أن يقال: الغيبة حرام يأثم صاحبها، وقد قال الله تبارك وتعالى:{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106].
المختار في معنى الآية أن التقدير: "من كفر بالله بعد إيمانه فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"، فحذف هذا الجواب وهو قولنا "فعليهم غضب
…
" لدلالة ما بعد ذلك عليه.
فدل الاستثناء على أن من أُكره فأظهر الكفر ؤقلبه مطمئن بالإيمان، فقد كفر من بعد إيمانه، وإن كان لا غضب عليه ولا عذاب.
ومع هذا فقد يكون أطلق في القرآن في مواضع كثيرة ترتب العقوبة على الكفر، فعلم بذلك جواز ذاك الإطلاق، وإن كان الحكم مختصًا بغير المكره؛ لأنه قد قام الدليل على إخراج المكره، فلا محذور في الإطلاق.
فكذلك هنا، لا حرج في إطلاق أن قول تلك الكلمة كفر مخرج عن الملة، وإن كان هذا الحكم مختصًا بمن ذكرنا". اهـ.
• وفي ترجمة: علي بن عبد الله بن المديني (163):
قال الشيخ المعلمي:
"أما مسايرته لابن أبي داود، فقد أجاب عنها مرارًا بأنه مُكره، وكان في أيام المحنة إذا خلا بمن يثق به من أهل السنة ذكر له ذلك، وأنه يرى أن الجهمية كفار، جاء ذلك من طرق.
فإن قيل: لم يكن الدعاةُ يُكرهون أحدًا أن يكون معهم، وإنما كانوا يُكرهون على قولِ مثلِ مقالتهم، كما فعلوا بيحيى بن معين وغيره، فكيف أَكرهوا ابن المديني على مسايرتهم؟
قلت: كان الدعاة يرون أنه لا غنى لهم عن أن يكون بجانبهم من يعارضون به الإمام أحمد، ولم يكن هناك إلا ابن المديني أو يحيى بن معين، فأما ابن معين فإنه وإن كان أضعف صبرًا وأقل ثباتًا من أحمد بحيث أنه أجاب عند الإكراه إلى إجراء تلك المقالة على لسانه، فلم يكن من الضعف بحيث إذا هددوه وخوفوه على أن يسايرهم ليجيبهم إلى ذلك، ولعلهم قد حاولوا ذلك منه فأخفقوا، فما بقي إلا ابن المديني، وكان هو نفسه شهد على نفسه بالضعف قال:"قوي أحمد على السوط ولم أقو". وقال لابن عمار: "خفتُ أن أُقتل، وتَعلم ضعفي، أني لو ضُربت سوطًا واحدًا لمت" أو نحو هذا. وقال لأبي يوسف القلوسي لما عاتبه: "ما أهون عليك السيف". وقال لعلي بن الحسين: "بَلِّغْ قومَك عَنِّي أن الجهمية كفار، ولم أجد بُدًا من متابعتهم؛ لأني حُبست في بيتٍ مظلمٍ، وفي رجلي قيد، حتى خفت على نفسي". وذُكر عند يحيى بن معين فقال: "رجل خاف" ..... ". اهـ.
• وفي ترجمة: نعيم بن حماد (258):
قال المعلمي:
"نعيم من أخيار الأمة وأعلام الأئمة وشهداء السنة، ما كفى الجهمية الحنفية أن اضطهدوه في حياته، إذ حاولوا إكراهه على أن يعترف بخلق القرآن، فأبى، فخلدوه في السجن مثقلًا بالحديد حتى مات، فَجُرَّ بحديده، فأُلقي في حفرة، ولم يكفن ولم يُصل عليه -صلت عليه الملائكة- حتى تتبعوه بعد موته بالتضليل والتكذيب
…
". اهـ.