الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الخطيب: "بلغني عن الحاكم أبي عبد الله بن البيع النيسابوري قال: سمعت أبا الحسن الدارقطني يذكر ابن الأشناني، فقلت: سألتُ عنه أبا على الحافظ، فذكر أنه ثقة، فقال: بئس ما قال شيخنا أبو علي
…
ولم يذكر الخطيب مَنْ بَلَّغَهُ عن الحاكم.
وقال الذهبي في (الميزان): "يُروى عن الدارقطني أنه كذاب، ولم يصح هذا".
والظاهر أن الذهبي عني هذه الحكاية، وأنها لم تصح؛ للجهالة بمن بَلَّغَ الخطيبَ.
أما ابن حجر فقال في (اللسان): "قال الحاكم: قلت للدارقطني: سألت أبا علي الحافظ عنه؟ فذكر أنه ثقة. فقال: بئسما ما قال شيخنا أبو علي".
كذا جزم، مع أن من عادته أن لا يجزم بما لا يصح.
…
والذي يتجه هو ما أشار إليه الذهبي أن الحكاية التي قال فيها الخطيب: "بلغني عن الحاكم
…
" لا تثبت؛ لجهالة من بَلَّغَ الخطيبَ". اهـ.
الفرع الثالث:
مواضع تعقبتُها على الشيخ للمعلمي، وبَيَّنْتُ فيها عدم ثبوت أقوال الجرح والتعديل التي عَوَّل عليها - لافتقاده للمصادر غالبا:
• خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك الهمداني، أبو هاشم الدمشقي.
في "الفوائد"(241): "ضعيف جدًّا، اتهمه ابن معين بالكذب".
وله ترجمة في "التنكيل" رقم (88):
"قال ابن معين: بالشام كتاب ينبغي أن يدفن، "كتاب الديات" لخالد بن يزيد بن أبي مالك، لم يرض أن يكذب على أبيه حتى كذب على الصحابة. قال أحمد بن أبى الحواري: سمعت هذا الكتاب من خالد ثم أعطيته للعطار فأعطى الناس فيه حوائج.
وقال أحمد: ليس بشيء. وقال النسائي: غير ثقة.
وضعفه الدارقطني وأبو داود، وزاد: متروك الحديث، وقال أبو حاتم: يروي أحاديث مناكير، وقال ابن حبان في المجروحين: هو من فقهاء الشام، كان صدوقًا في الرواية، ولكنه كان يخطىء كثيرًا، وفي حديثه مناكير، لا يعجبني الإحتجاج به إذا انفرد عن أبيه، وما أقربه ممن يشبه إلى التعديل، وهو ممن استخير الله فيه. اهـ.
لكن قال الشيخ المعلمي:
"ومع ذلك فقد وثقه أحمد بن صالح المصري والعجلي وبلديُّهُ أبو زرعة الدمشقي، وقال ابن عديّ: لم أر من أحاديث خالد هذا إلا كل ما يحتمل في الرواية أو يرويه ضعيف فيكون البلاء من الضعيف لا منه.
وكتاب الديات قد يكون ما فيه مما استنكره ابن معين مما أخذه خالد عن الضعفاء فأرسله والله أعلم. اهـ.
قال أبو أنس (1):
أما توثيق أحمد بن صالح المصري وأبي زرعة الدمشقي، فقد أسند ابن عساكر في تاريخه (5 ق 567 - الظاهرية) إلى أبي زرعة الدمشقي -من غير طريق أبي الميمون البجلي راوي التاريخ عن أبي زرعة- قال أبو زرعة في ذكر نفر ثقات: خالد بن أبي مالك، بلغني عن أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين أنه قال:"سألت أحمد بن صالح فقلت له: خالد بن يزيد بن أبي مالك، ثقة؟ فقال: نعم". اهـ.
ففي الاعتداد بهذا النقل نظرٌ من وجوه:
أولًا: ذِكْرُ أبي زرعة لخالد في نفر ثقاتٍ إنما بناه على ما حكاه عن أحمد بن صالح ، وسيأتي ما فيه.
(1) نقلا من تعليقي على ترجمة خالد هذا في القسم الأول من هذا الكتاب رقم (246).
ثانيًا: لم يُبَيِّن أبو زرعة مَنْ بَلَّغَهُ عن أحمد بن رشدين، وفي الاعتداد بهذا البلاغ مقابل ما استفاض عن الأئمة من تضعيف خالد نظرٌ كبير.
ثالثًا: أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين -سبقت ترجمته- ضعيف، بل نقل ابن عدي في "الكامل" قصة فيها تكذيب أحمد صالح المصري له، فلا يمكن التعويل على ما حكاه هنا -إن صَحَّ عنه- كما تقتضيه قواعد أهل الفن في قبول أقوال الجرح والتعديل.
وأما العجلي فحاله في التوثيق معلوم.
والظن بالشيخ المعلمي: أنه لو اطلع على ما سبق لما عَوَّل عليه وأنه إنما اعتمد على نقل المتأخرين توثيق أبي زرعة وأحمد بن صالح لخالد بن يزيد، دون إيراد إسناد هذا التوثيق عند ابن عساكر؛ لأن من منهج المعلمي اعتبار أسانيد الجرح والتعديل كما هو واضح مما سبق.
والمقصود أن ما ورد من توثيق أبي زرعة وأحمد بن صالح لخالد لا تقوم به الحجة من حيث النقل، ولا يصلح أن يكون خادشًا في اتفاق الأئمة على ضعف خالد وطرحه.
وأما ابن عدي فكلامه محمول على نحو كلام ابن حبان، وهو أنه صدوق في الأصل، وأن ما في روايته من الضعف فمما يحتمل، فلا يسقط أو يترك لأجله، وإن كان هو في نفسه ضعيف لا يحتج به، لا سيما وفي أسانيد بعض ما استُنكر عليه ضعفاءُ غيره، فرأى ابن عدي أنه بريء من ذلك، وأن البلاء فيه من غيره.
لكن إذا كان هذا هو اجتهاد ابن عدي ونحوه ابن حبان في حال خالد بن يزيد، فإن الأئمة المتقدمن هم أعلمُ، وأمكنُ، وأقربُ إلى خالد، وأَدْرَى بحقيقة حاله، والله تعالى الموفق.
• عبد الله بن زياد بن سمعان:
قال الشيخ المعلمي في التنكيل (1/ 151) - تعقيبا على قول الكوثري: أجمعوا على ترك حديثه، قال:
"فيه نظر؛ فقد أكثر عنه ابن وهب ووثقه على ما في "مختصر كتاب العلم لابن عبد البر" ص: 199، ومجموع كلامهم فيه يدل أنه صدوق في الأصل، فلا بأس بإيراده في المتابعات والشواهد. اهـ.
قال أبو أنس (1):
ابنُ سمعان كَذَّبَه: هشام بن عروة، ومالك بن أنس، وابن إسحاق، وإبراهيم بن سعد، وابن معين، وأحمد بن صالح المصري، وأبو داود السجستاني، وغيرهم.
وقال البخاري: "سكتوا عنه" -وهو لا يقولها إلا فيمن لا تحل الرواية عنه-، وقال أبو حاتم:"سبيله سبيل الترك"، وتركه جماعة.
وأما ابن وهب، ففي تاريخ أبي زرعة الدمشقي (ص 397): حدثنا أحمد بن صالح قال: قلت لابن وهب: ما كان مالك يقول في ابن سمعان؟ قال: لا يقبل قول بعضهم في بعض. اهـ.
ورواه -بهذا اللفظ- ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(10 / ق 46 - الظاهرية) ورواية التاريخ من طريق أبي محمد بن أبي نصر، واسمه عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم التميمي -وهو ثقة عدل عفيف كانت عنده أصول حسنة بخطوط الوراقين المعروفين، ترجمته في "تاريخ دمشق" (10 / ق 46 - الظاهرية) - عن أبي الميمون البجلي الدمشقي واسمه: عبد الرحمن بن عبد الله بن راشد، صاحب أبي زرعة وراوي كتاب التاريخ عنه - عن أبي زرعة.
(1) نقلا من تعليقي على ترجمة ابن سمعان من القسم الأول رقم (395).
وروى ابن عدي هذه الحكاية في ترجمة ابن سمعان من "الكامل" عن شيخه يوسف بن الحجاج -وهو يوسف بن أحمد بن عبد الرحيم بن الحجاج أبو يعقوب الاستراباذي، له ترجمة في "تاريخ جرجان" رقم (999) ولم يذكر حمزة السهمي فيه جرحًا ولا تعديلا- قال: ثنا أبو زرعة الدمشقي، بمثل رواية أبي الميمون البجلي عن أبي زرعة.
وأورد الحكاية بمثل هذا اللفظ كُلٌّ من: المزي والذهبي وابن حجر، ولم يذكروا توثيق ابن وهب لابن سمعان صراحةً.
لكن قال ابن عبد البر في كتاب "جامع بيان العلم وفضله" في باب: حكم قول العلماء بعضهم في بعض ص (510): أخبرنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا أبو الميمون البجلي، قال حدثنا أبو زرعة الدمشقي، قال: حدثنا أحمد بن صالح قال: سألت عبد الله بن وهب، عن عبد الله بن يزيد (كذا والصواب: زياد) ابن سمعان فقال: ثقة، فقلت: إن مالكًا يقول فيه: كذاب، فقال: لا يقبل قول بعضهم في بعض. اهـ.
ونقل مغلطاي في إكماله (4 / ق 270 ب) هذا التوثيق عن هذا الموضع، فالظاهر أنه لم يرد مصرحًا به إلا فيه، وهو محلُّ نظر، فأبو محمد بن أبي نصر بلديُّ أبي الميمون البجلي، وراوي كتاب التاريخ عنه، والذي اعتمده المصنفون في رواية التاريخ - لم يذكر هذا التوثيق، وكذا لم يذكره شيخُ ابن عدي عن أبي زرعة.
وخلف بن القاسم -شيخ ابن عبد البر- ثقة مكثر، وهو قرطبي سمع بدمشق من أبي الميمون، إلا أن بلديَّ الرجل أعرف به وأمكن في الرواية عنه في الغالب -كما هو معلوم، ودخول الخلل في رواية خَلَف بن القاسم- كالرواية بالمعنى أو الوهم وغير ذلك ممكن هنا؛ لأنه قد يُفهم من رَدِّ ابن وهب تكذيب مالك لابن سمعان ما يقتضي توثيق ابن وهب له، وليس بلازم، فقد يَرُدُّ التكذيب، ويُثبت ما دونه.
وعلى كل حال، لو فرضنا ثبوت هذا التوثيق عن ابن وهب، فابن وهب كان من المكثرين، ولم يُعرف عنه التوقي في انتقاء مشايخه، وكان حسن الظن بابن سمعان، وكان يجالسه ويأخذ عنه، كما كان بعض الأئمة والثقات يجالسونه ويأخذون عنه، إلا أنه قد تبين لهم ما لم يتبين لابن وهب، فمنهم من صرح بكذبه، ومنهم من تركه.
قال عبد الله بن المبارك: أقمت عليه -يعني: ابن سمعان- كذا وكذا، وحملت عنه، فحدث يومًا عن مجاهد عن ابن عباس، فقلت: إنك كنت ذكرت هذا عن مجاهد، فقال: أو ليس مجاهد يحدث عن ابن عباس! فكرهت حديثه وتركته.
وقال أبو بكر بن أبي أويس: كنت أجالس عبد الله بن زياد بن سمعان، فكنا نرى أنه أخذ كتبًا غير سماع، فبينا هو يحدث إذ انتهى إلى حديثٍ لشهر بن حوشب، فقال: شهر بن جوست. فقلت: من هذا؟ فقال: رجل من أهل خراسان، اسمه من أسماء العجم. فقلت: لعلك تريد: شهر بن حوشب. فقلنا حينئذ: إنه يأخذ من الكتب. قال أبو معشر معقبًا: ابن سمعان إنما أخذ كتبه من الدواوين والصحف.
وكان عبد الله بن سمعان يحدث عن: عبد الله بن عبد الرحمن، فكان أحمد بن صالح المصري يقول إنه يغير أسماء الله، قال: وهذا كذب، ولما سأل ابنُ وهب ابنَ سمعان عن: عبد الله بن عبد الرحمن هذا، قال له ابن سمعان: لقيتُه في البحر.
وابن وهب لم يُعرف بتتبع أحوال الرواة ونقدهم كما عُرف غيره ممن كشف حقيقة ابن سمعان وطعن فيه، فهذه واقعة واحدة، دَلَّس فيها ابنُ سمعان تدليسًا فاحشًا، فحدَّث عمن لا وجود له، واستعار له هذا الاسم المخترع، فعدَّه أحمد بن صالح كذبًا، ومَشَّاه ابن وهب، مع مراوغة ابن سمعان له حين سأله عنه، فقال: لقيته في البحر، ومقتضى ذلك أنه لا سبيل لابن وهب ولا لغيره إلى معرفته أو الوصول إليه!
والحاصل أن ابن سمعان إن لم يكن يضع الحديث وضعًا - كما ظنه أحمد بن صالح، فهو يكذب ويدَّعي سماع أقوام لم يسمع منهم بل لم درهم -كما قال غير واحد- ويأخذ صحفًا فيرويها من غير سماع، فليس هو بأهلٍ أن يُكتب عنه أصلًا، وعلى هذا قول النقاد من أهل العلم -كما سبق النقل عنهم آنفًا-، وقول ابن وهب في مثل هذا شذوذ لا يُلتفت إليه، والله تعالى أعلم (1).
* * *
(1) انظر نموذجا آخر في ترجمة: علي بن زيد بن عبد الله أبي الحسن الفرائضي من القسم الأول رقم (528).