الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان الأمير عبد الله بن الناصر يُنكر عليه هذه الحكاية، ويذكر أنه رأى أصل ابن وضاح الذي كتبه بالشرق، وفيه: سألت يحيى بن معين عن الشافعي فقال: هو ثقة، كما حكاه ابن عبد البر في (كتاب العلم).
ولم يَنقل أحدٌ غيره عن ابن معين أنه قال في الشافعي: "ليس بثقة" أو ما يؤدي معناها أو ما يقرب منها، ولابنِ معين أصحابٌ كثيرون أعرفُ به، وألزمُ له، وأحرصُ على النقل عنه من هذا المغربي، وكان في بغداد كثيرون يَسُرُّهُم أن يسمعوا طعنا في الشافعي، فيشيعوه". اهـ.
16 - الاستفادة من دراسة الأحوال التفصيلية للراوي في الحكم عليه، ومناقشة الشيخ المعلمي في بعض ذلك:
• أكتفي هنا بهذين المثالين:
الأول: ترجمة: عبد الرحمن بن أبي الزناد من "التنكيل"(2/ 32 - 35):
قال الشيخ المعلمي:
لم يحتج به صاحبا (الصحيح) وإنما علَّق عنه البخاريُّ، وأخرج له مسلم في المقدمة، ووثقه جماعة، وضعفه بعضهم، وفَصَّل الأكثرون.
ثم بَيَّن هذا التفصيل فقال:
"قال موسى بن سلمة: "قدمت المدينة، فأتيت مالك بن أنس، فقلت له: إني قدمت إليك لأسمع العلم، وأسمع ممن تأمرني به. فقال: عليك بابن أبي الزناد".
ومالك مشهور بالتحري، لا يرضى هذا الرضا إلا عن ثقةٍ لا شك فيه، ولذلك عَدَّ الذهبيُّ هذا توثيقا، بل قال في (الميزان): وثقه مالك، قال سعيد بن أبي مريم: قال لي خالي موسى بن سلمة: قلت لمالك: دلني على رجل ثقة، قال: عليك بعبد الرحمن ابن أبي الزناد.
وقال صالح بن محمد: تكلم فيه مالك لروايته عن أبيه كتاب السبعة -يعني الفقهاء- وقال: أين كنا عن هذا؟
وإنما روى هذا بعد أن انتقل إلى العراق كما يأتي عن ابن المديني.
وقال عبد الله بن علي بن المديني عن أبيه: ما حدث بالمدينة فهو صحيح، وما حدث ببغداد أفسده البغداديون، ورأيت عبد الرحمن بن مهدي يخطُّ على أحاديثه، وكان يقول في حديثه عن مشيختهم: فلان وفلان وفلان، قال: ولَقَّنَهُ البغداديون عن فقهائهم (1).
يعني الرواية عن أبيه عن المشيخة بالمدينة أو الفقهاء بها، وهذا هو الذي حكى صالح بن محمد أن مالكًا أنكره.
تَبَيَّنَ أن ابنَ أبي الزناد إنما وقع منه ذلك بالعراق، وابنُ مهدي إنما كان عنده عن ابن أبي الزناد مما حَدَّث به بالعراق، كما يدل عليه كلامُ ابن المديني، ويأتي نحوه عن عمرو بن علي.
وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق، وفي حديثه ضعف، سمعت علي بن المديني يقول: حديثه بالمدينة مقارب، وما حدَّث به بالعراق فهو مضطرب. قال علي: وقد نظرت فيما روى عنه سليمان بن داود الهاشمي فرأيتها مقاربة (2).
(1) هكذا في "التنكيل" تبعا لـ"تهذيب التهذيب"(6/ 172)، والذي في "تهذيب الكمال" (17/ 99) تبعا لـ "تاريخ بغداد" (10/ 229):"وكان يقول في حديثه عن مشيختهم: ولَقَّنَه البغداديون عن فقهائهم فلان وفلان وفلان".
(2)
"تاريخ بغداد"(10/ 229)، وليس في أوله:"ثقة صدوق"، وهي في نقل المزي في "تهذيب الكمال"(17/ 99).
ولقد طاش قلمي في التعليق على هذا الموضع من القسم الأول من "النكت الجياد"(ص 464)، فقلت:"ولم أر هذا النص في "المعرفة والتاريخ" ليعقوب، فكأنه ساقط منه". وهذا ذهول قبيح مني، فصاحب "المعرفة" هو يعقوب بن سفيان الفسوي، وهو غير ابن شيبة بلا شك فاللهم غفرانك.
وقال عمرو بن علي: فيه ضعف، فما حدَّث بالمدينة أصح مما حدَّث ببغداد، كان عبد الرحمن يخط على حديثه.
وقال الساجي: فيه ضعف، وما حدث بالمدينة أصح مما حدث ببغداد.
وقال أبو داود عن ابن معين: أثبت الناس في هشام بن عروة: عبد الرحمن بن أبي الزناد" هذا مع أنه قد روى عن هشام: مالكٌ والكبار.
وفيما حكاه الساجي عن ابن معين: عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة حجة.
وقال معاوية بن صالح وغيره عن ابن معين: ضعيف.
وفيما حكاه الساجي عن أحمد: أحاديثه صحاح.
وقال أبو طالب عن أحمد: يُرْوَى عنه، قال أبو طالب: قلت: يُحتمل؟ قال: نعم.
وقال صالح بن أحمد عن أبيه: مضطرب الحديث.
وقال العجلي: ثقة.
وقال الترمذي في "اللباس" من (جامعه)(1): ثقة حافظ.
وصحح عدةً من أحاديثه. وأخرج له في "المسح على الخفين"(2) حديثه عن أبيه، عن عروة بن الزبير، عن المغيرة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما. ثم قال: "حديث المغيرة حديث حسن صحيح، وهو حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد
…
ولا نعلم أحدًا يذكر عن عروة عن المغيرة: "على ظاهرهما" - غيره
…
قال محمد -يعني البخاري- وكان مالك يشير بعبد الرحمن بن أبي الزناد".
(1)(4/ 234).
(2)
رقم (98).
فإذا تدبرنا ما تقدم تبين لنا أن لابن أبي الزناد أحوالًا:
الأولى: حاله فيما يرويه عن هشام بن عروة، قال ابن معين إنه أثبت الناس فيه، فهو في هذه الحال في الدرجة العليا من الثقة.
الثانية: حاله فيما يرويه عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة، ذكر الساجي عن ابن معين أنه حجة وهذا قريب من الأول، وظاهر الإطلاق أنه سواء في هاتين الحالين: ما حدث به المدينة وما حدث به بغداد، وهذا ممكن بأن يكون أتقن ما يرويه من هذين الوجهين حفظًا، فلم يؤثر فيه تلقين البغداديين، وإنما أثر فيه فيما لم يكن يُتقن حفظه، فاضطرب فيه، واشتبه عليه.
الثالثة: حاله فيما رواه من غير الوجهين المذكورين بالمدينة، فهو في قول عمرو بن علي والساجي أصح مما حدث به ببغداد، ونحو ذلك قول علي بن المديني على ما حكاه يعقوب، وصرح ابن المديني في حكاية ابنه أنه صحيح.
قال أبو أنس:
وفي رواية يعقوب بن شيبة عنه: "حديثه بالمدينة مقارب".
أقول: السياق يفيد أن ما حدث به ابن أبي الزناد ببغداد، فقد لقنه البغداديون وأفسدوه، فصار ما يحدث به ليس من حديثه، أما ما حَدَّث به بالمدينة فهو صحيح: أي هو من حديثه لم يُلَقَّنْهُ، ويبقى النظر في حال ابن أبي الزناد في نفسه، لا أن ما حدث به في المدينة فهو حديث صحيح أي يحتج به.
والأئمة لا يعتبرون بما يحدث به الرجل إلا إذا كان من حديثه، لم يُلَقَنْهُ أو يُدخل عليه أو يَدخل له إسناد في إسناد، أو نحوه، ولذلك يميزون أولًا بين ما هو من حديثه الذي سمعه، وبن ما ليس من حديثه، لأن ما ليس من حديثه ريح لا قيمة له، ثم ينظرون في حديثه بالسَّبرِ والاعتبار وعرضه على أحاديث الثقات.
من ذلك ما رواه الخطيب في تاريخ بغداد (11/ 48) من طريق القاسم بن عبد الرحمن الأنباري، قال حدثنا أبو الصلت الهروي، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا مدينة العلم وعليُّ بابها، فمن أراد العلم فليأت بابه".
قال القاسم: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث، فقال: هو صحيح.
قال الخطيب: أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية، وليس بباطل، إذ قد رواه غير واحد عنه. اهـ.
ومقصود ابن معين فيما رواه القاسم عنه أن الحديث معروف من حديث أبي معاوية، لم ينفرد به أبو الصلت الهروي عنه، بل قد تابعه عليه محمد بن جعفر الفيدي، كما قال ابن معين في رواية الدوري (تاريخ بغداد: 11/ 50).
أما الحديث في نفسه، فاستنكره الأئمة، منهم ابن معين نفسه، فقد قال في رواية عبد الخالق بن منصور عنه: ما هذا الحديث بشيء (تاريخ بغداد: 11/ 49).
وللعلامة المعلمي بحث ممتع حول هذا الحديث في حاشية "الفوائد المجموعة" ص (349 - 353)، وهو منشور في تراجم البعض مثل: الأعمش، والفيدي وغيرهما، من القسم الأول من هذا الكتاب.
وكذلك قولهم في الراوي: "كتابه صحيح" فهو يقتضي أن في حفظه شيئًا، ومع ذلك فليس معناه أن كل حديث في كتابه هو صحيح يحتج به، وإنما معناه أنه يُنظر في أحاديثه من خلال كتابه، وأما حفظه فلا يُعتمد عليه.
مع الأخذ في الاعتبار أن الكتاب لا يُعفي صاحبه من أوجه الخلل المعروفة الناشئة عن سوء الأخذ، والوهم في السماع، وأثناء الكتابة، من التصحيف والتحريف، والأخطاء الواقعة أثناء التحويل من كتاب إلى كتاب، أو الاعتماد على الغير في إدراك ما فات سماعه أو كتابته - إلى غير ذلك من مداخل الخلل في الكتب.
وهذا كله يرجع لحال الراوي في نفسه من الإتقان والتحري والضبط والاحتياط واليقظة وغير ذلك.
قال الشيخ المعلمي:
"ويوافقه ما روي عن مالك من توثيقه إذ كان بالمدينة، والإرشاد إلى السماع منه مُخَصِّصًا له من بين محدثي المدينة، ويلتحق بذلك ما رواه بالعراق قيل أن يُلَقِّنُوه ويُشَبِّهُوا عليه، أو بعد ذلك ولكن من أصل كتابه، وعلى ذلك تُحمل أحاديثُ الهاشمي عنه لثناء ابن المدينى عليها، بل الأقرب أن سماع الهاشمي منه من أصل كتابه، فعلى هذا تكون أحاديثه عنه أصح مما حدث به بالمدينة من حفظه.
الرابعة: بقية حديثه ببغداد، ففيه ضعف، إلا أن يُعلم في حديثٍ من ذلك أنه كان يتقن حفظه مثل إتقانه لما يرويه عن أبيه، عن الأعرج، عن أبي هريرة، فإنه يكون صحيحًا، وعلى هذا يدل صنيع الترمذي في انتقائه من حديثه، وتصحيحه لعدة أحاديث منه.
وقد دَلَّ كلامُ الإمام أحمد أن التلقين إنما أوقعه في الاضطراب، فعلى هذا إذا جاء الحديث من غير وجهٍ عنه على وتيرةٍ واحدةٍ دلَّ ذلك على أنه من صحيح حديثه. اهـ.
قال أبو أنس:
قد نقل عبد الله والميموني عن أحمد تضعيفه مطلقا، وكذلك نقل صالح عنه قوله: مضطرب الحديث. دون إشارة إلى قضية التلقين، فحمل هذا على ذاك فيه نظر.
وقد ضعفه ابن معين في رواية غير واحد عنه.
وزاد في رواية بعضهم: لا يحتج بحديثه.
وكذا نقل عن النسائي.
وقال ابن المديني: كان عند أصحابنا ضعيفا. وهو المفرق بين روايته بالمدينة وبغداد.
وقال الفلاس: كان يحيى -القطان- وعبد الرحمن -ابن مهدي- لا يحدثان عنه.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، وورقاء، والمغيرة بن عبد الرحمن، وشعيب بن أبي حمزة: من أحب إليك فيمن يروي عن أبي الزناد؟
قال: كلهم أحب إلي من عبد الرحمن بن أبي الزناد (الجرح والتعديل 5 / ت 1202).
وقال البرذعي عن أبي زرعة: الدراوردي وابن أبي حازم أحب إلي من فليح بن سليمان وعبد الرحمن بن أبي الزناد وأبي أويس. (أبو زرعة الرازي: 424 - 425)
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به، وهو أحب إلي من عبد الرحمن بن أبي الرجال، ومن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (الجرح).
ووصفه ابن حبان بسوء الحفظ وكثرة الخطأ، وقال: فلا يجوز الاحتجاج بخيره إذا انفرد (المجروحين 2/ 56)
ولم يخرج له صاحبا الصحيح، إنما استشهد به البخاري، وروى له مسلم في مقدمة صحيحه.
واعلم أن جمهور الأئمة على ضعف عبد الرحمن بن أبي الزناد: أحمد، وابن معين، ويحيى القطان، وابن مهدي.
وقدم أبو زرعة عليه: الدراوردي، وقد قال هو في الدراوردي: سيء الحفظ، فربما حدث من حفظه الشىء فيخطىء. (الجرح 5 / ت 1833)
ولخَّص أبو حاتم حاله فقال: "يكتب حديثه ولا يحتج به".
فهو صالح للاعتبار والاستشهاد، هذا فيما ثبت أنه من حديثه، أما ما لُقنه فلا عبرة به، وهذا مراد من فصَّل بين حال تحديثه في المدينة، وحاله في بغداد.
واعلم أن قبول ابن أبي الزناد لتلقين البغداديين، ليس عن اختلاط طرأ عليه، وإنما عن ضعف في نفسه من سوء حفظ وغفلة.
وأما توثيق الترمذي لابن أبي الزناد -فهو مع تساهله في التوثيق والتصحيح- مخالف لاتفاق الكلمة على ضعفه، وقد بناه على ما يأتي.
وأما دلالة مالك على السماع من ابن أبي الزناد، فقد تكلم فيه مالك أيضا، وأنكر عليه ما رواه عن أبيه، وقال: أين كنا عن هذا؟.
والظاهر أنه دل عليه قيل أنه ينكر عليه ذلك، أو لا تدل دلالته تلك على التوثيق المصطلح عليه، فابن أبي الزناد على ضعفه لم يتركه سوى ابن مهدي، وقال أحمد: يحتمل أن يروى عنه، فدلالة مالك على مجرد السماع منه لا تنهض في مدافعة تضعيف الأئمة له، والله تعالى أعلم.
النموذج الثاني:
ترجمة: علي بن عاصم بن صهيب الواسطي التيمي مولاهم.
قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" رقم (162):
"الذي يظهر من مجموع كلامهم فيه أنه خلط في أول أمره ثم تحسنت حاله، وبقي كثرة الغلط والوهم، فما حدث به أخيرًا ولم يكن مظنة الغلط فهو جيد". اهـ.
قال أبو أنس:
أقول: لم أرَ من فصّل بين أولِ أمر علي وآخره، لكن في "تهذيب التهذيب" لابن حجر (7/ 348): "قال محمود بن غيلان: أسقطه أحمد وابن معين وأبو خيثمة. ثم قال لي عبد الله بن أحمد أن أباه أمره أن يدور على كل من نهاه عن الكتابة عن علي بن عاصم فيأمره أن يحدث عنه. اهـ.