الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الكوثري: "تفرد عن أبي العباس بن سريج بأحاديث لم يروها عنه غيره".
فقال الشيخ المعلمي:
"أما أحاديثه عن ابن سريج فإنما قال حمزة: لا أعلم روى عنه غيره، يعني تلك الأحاديث، لم يستنكر حمزة شيئا منها، وابن سريج كان بابُه الفقه، ولم يكن يبذل نفسه لإملاء الحديث، وكان الغطريفي مُولعا بالإكثار واستيعاب ما عند الشيخ، كما في ترجمته من "تذكرة الحفاظ": "سمع أبا خليفة، حتى استوعب ما عنده"، فكأنه ألحَّ على ابن سريج، حتى أخذ ما عنده ولم يكن غيره يحرص على السماع من ابن سريج؛ لأنه لم يكن مكثرا من الحديث، ولا متجردا له، ولا عالي الإسناد، فإنه مات وعمره بضع وخمسون سنة، على أنه يُحتمل أن يكون غير الغطريفي قد روى عن ابن سريج تلك الأحاديث ولم يعلم حمزة". اهـ.
5 - نماذج من التفرد المردود:
• في "الفوائد"(475):
حديث: "نبات الشعر في الأنف أمان من الجذام".
رواه ابن عدي عن جابر مرفوعًا، وفي إسناده: وضاع. وقد رواه عن أنس مرفوعًا. وفي إسناده أيضًا: وضاع.
ورواه عن أبي هريرة وفي إسناده: رشدين بن سعد، وهو متروك.
فقال الشيخ المعلمي:
"قال السيوطي: لم ينته حاله إلى أن يُحكم على حديثه بالوضع.
أقول: بلى، إذا كان مثل هذا الخبر، فإن متنه منكر، وكذلك سنده، إذ تفرد به رشدين، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا.
ولو تفرد بمثل هذا ثقة لقالوا: باطل، واعتذروا عنه بأنه لعله أُدخل عليه، أو نحو ذلك، مع أنه من رواية أبي صالح عنه، وحال أبي صالح معروفة". اهـ.
• وفيها (ص 244):
تعرض الشيخ المعلمي لنقد طرق حديث: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله"، وَوَهَّنَها كُلَّها، وهو مروي عن عدة من الصحابة، منهم: أبو أمامة رضي الله عنه.
قال المعلمي:
وأما عن أبي أمامة فتفرد به بكر بن سهل الدمياطي، عن عبد الله بن صالح كاتب الليث.
وبكر بن سهل ضعفه النسائي، وهو أهل ذلك فإن له أوابد.
وعبد الله بن صالح أُدخلت عليه أحاديث عديدة، فلا اعتداد إلا بما رواه المتثبتون عنه بعد اطلاعهم عليه في أصله الذي لا ريب فيه، وعلى هذا حُمل ما علَّقه عنه البخاري.
فتفرد بكر بن سهل عن عبد الله بن صالح بهذا الخبر الذي قد عُرف برواية الضعفاء له من طرقٍ أخرى يُوَهِّنُه حتمًا. اهـ.
• وفيها أيضا (ص 481):
حديث: "ما من معمّر يعمّر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعًا من البلاء: الجنون، والجذام، والبرص، فإذا بلغ خمسين
…
" الحديث.
قال المعلمي:
"أَشْبَهُ طرقِه ما في "اللآلىء" (1/ 75): قال إسماعيل بن الفضل الإخشيد في "فوائده": ثنا أبو طاهر بن عبد الرحيم، ثنا أبو بكر بن المقرىء، حدثنا أبو عروبة الحراني، حدثنا مخلد بن مالك، حدثنا الصنعاني -هو حفص بن ميسرة- به.
يعني: عن زيد بن أسلم، عن أنس مرفوعًا".
ثم تكلم المعلمي عن رجال هذا السند واحدًا واحدًا، حتى بلغ مَخْلدًا، وذكر أنه إن صح أنه روى هذا الحديث، فقد تفرد به عن حفص.
ثم قال: فأما ما قيل إن ابن وهب رواه عن حفص، فهذا شيء انفرد به بكر بن سهل الدمياطي، عن عبد الله بن رمح، عن ابن وهب.
ابن وهب إمام جليل، له أصحاب كثير، منهم من وُصِف بأن لديه حديثه كله، وهما: ابن أخيه أحمد بن عبد الرحمن، وحرملة، ولا ذِكْر لهذا الخبر عندهما، ولا عند أحدهما، ولا عند غيرهما من مشاهير أصحاب ابن وهب، ولابن وهب مؤلفات عدّة رواها عنه الناس، وليس هذا فيها.
ثم تكلم المعلمي عن ابن رمح، وذكر أنه مقلّ، وأن ابن ماجه روى عنه حديثين غريبين.
ثم قال: وبكر حاول ابنُ حجر تقويته، ولم يصنع شيئًا، بكر ضَعَّفَهُ النسائي، ولم يوثقه أحد، وله أوابد، تقدم بعضها في التعليق صفحات 135 و 226 و 245 و 467، وقال الذهبي في ترجمته من "الميزان": "ومنْ وَضْعِه
…
" فذكر قول بكر: هَجَّرت -أي بكَّرت- يوم الجمعة فقرأت إلى العصر ثمان ختمات.
قال الذهبي: فاسمع إلى هذا وتعجب.
وأرى أن تفرد بكر، عن ابن رمح، عن ابن وهب مردود من جهة التفرد عن ابن وهب بمثل هذا الخبر مع شدة رغبة الناس فيه، فمن هنا لا يصلح هذا متابعة لخبر ابن الأخشيد، ولا خبر ابن الأخشيد متابعة لهذا. اهـ.
قال أبو أنس:
قال المحقق الفاضل لكتاب "المعجم" لابن الأعرابي (2/ 623) تعقيبا على الشيخ المعلمي: "على فرض أنه -يعني هذا الحديث- من بكرٍ، فهل يُعدّ هذان -
يعني هذا وحديث: أعروا النساء
…
سببًا في طرح الرجل مع باقي روايته؟ وقد يقال: هذا من الباب الذي يقال فيه: حديثٌ اسْقَطَ ألفَ حديثٍ، فرواية مثل هذا يدل على غفلة، ولكن إذا علمنا أن الثقة!! قد يَدخل له إسنادٌ في إسناد، ويخطىء في الرواية فيجعل ما يُستنكر من أحاديث الضعفاء من رواية الثقات، لكان لزامًا تقويمُ ما يرويه على أساسِ الحكم للغالب والأكثر
…
"
ثم راح يذكر أمثلةً على هذا، وهو كلام متين، فليس من شرط الثقة ألا يخطىء، لكن هاهنا ملاحظات:
الأولى: أن هذا فيمن ثبت توثيقه أو تَرَجَّحَ، وبكر لم يوثقه أحدٌ باعتراف المحقق نفسه (ص 624)، فقد نفى ما ادَّعاه الحافظ ابن حجر في "القول المسدد" - أن بكرًا قَوَّاهُ جماعة، فقال: فليس في ترجمة بكر لَدَى كل من ترجم له مما توصلت إليه ما يَنُمُّ عن هذا أو يدل عليه
…
إلا إن كان -أي: ابن حجر- يعني أصحاب "طبقات القراء" - أو المفسرين، وهؤلاء يغلب على ظن العوني أنهم يعنون القراءة والتفسير، وهذا مجالٌ، ورواية الأحاديث مجالٌ آخر". اهـ.
أقول: إذًا، ما ساقه المحقق من الأمثلة على احتمال الأئمة لبعض أخطاء الثقات، لا علاقة له ببكر؛ لأنه لا يدخل في زمرة الموثَّقيِن.
الثانية: أن الأخطاء فيها ما هو محتمل، ومنها ما يدل على وهن الراوي، كما أشار إليه المحقق بقوله: وقد يقال: هذا من الباب الذي يقال فيه
…
ثم إن هذا الأمر مخصوصٌ بنظر النقاد، والنسائي: من المقدَّمين في هذا الشأن، فتضعيفه له لأحاديث تفرد بها يدل على أنها -مع عدم توثيقه- غير محتملة.
الثالثة: لا يكفي في الحكم على الرجل النظرُ في بعض أحاديثَ له، قد وافق فيها الثقات، والحكم عليها بالاستقامة، مع عدم الاعتداد بتليين من ليَّنَهُ من أهل العلم؛
لأن كما أنه ليس من شرط الثقة ألا يخطىء، فكذلك ليس من لازم الضعيف ألا يُصيب، فاستقامة بعض أحاديث الرجل لا تدل على ثقته -إذا ثبت التضعيف- والله الموفق.
• وفي "الفوائد"(ص 321):
حديث: "كُلُّ نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي". فجاء رجل فقال: ما نسبك؟ فقال: "العرب". قال: فما سببك؟ قال: "الموالي"
…
".
قال الشوكاني: في إسناده خارجة بن مصعب، وقد تفرد به، وليس بثقة.
قال في "اللآلىء": روى له الترمذي وابن ماجة، وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه.
وقال الشوكاني: في هذا المتن نكارةٌ لا تخفى على من له ممارسة لكلامه صلى الله عليه وسلم.
فقال الشيخ المعلمي:
"هذا من إسفاف السيوطي، فإنه يعلم أن خارجة وضع كتبه عند غياث بن إبراهيم الوضاع المشهور، فأفسد غياث كتب خارجة، وضع فيها ما شاء، وكان خارجة متساهلا كما قال ابن المبارك، فلم يبال بذلك، وروى تلك البلايا.
وفوق ذلك كان يسمع الأكاذيب من غياث، فيسكت عن غياث، ويرويها عمن روى عنه غياث تدليسًا.
وهذا الخبر لم يصرح فيه بالسماع، فهو محتمل للأمرين: أن يكون مما وضعه غياث في كتب خارجة، وأن يكون مما سمعه خارجة عن غياث فدلَّسَهُ.
على أن تفرد خارجة بمثل هذا الحديث، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس مرفوعًا كافٍ لسقوطه، فكيف إذا كان المعنى منكرًا؟.
• وفيها أيضا (ص 243):
حديث: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله".
رُوي من حديث ابن عمر، وأبي سعيد، وأبي أمامة، وثوبان، وأنس.
وزعم السيوطي أن الحديث بهذه الطرق حسن صحيح، واعترضه الشوكاني بأن الحديث عنده حسن لغيره، وأما صحيح فلا، فاعترض الشيخ المعلمي عليهما جميعًا، ووهَّن الحديث من جميع طرقه.
وتعرض الشيخ لطرق هذه الروايات بالنقد على الترتيب المذكور، حتى بلغ رواية أنس، فقال:
"أما عن أنس فتفرد به أبو بشر بكر بن الحكم المزلق، عن ثابت، عن أنس رفعه: إن لله عز وجل عبادًا يعرفون الناس بالتوسم".
والمزلق قال فيه جماعة من الذين أخذوا عنه وليسوا من أهل الجرح والتعديل: كان ثقة. يريدون أنه كان صالحًا خيرًا فاضلًا.
أما الأئمة، فقال أبو زرعة: ليس بالقوي.
أقول: وهو مقلّ جدًّا من الحديث، فإذا كان مع إقلاله ليس بالقوي، ومع ذلك تفرد بهذا عن ثابت عن أنس (فلا ينبغي وهنه)(1).
وذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد" أنه حسن، وهذا بالنظر إلى حال المزلق في نفسه، فأما إذا نظرنا إلى: تفرده، مع إقلاله، ومع قول أبي زرعة: ليس بقوى، فلا أراه يستقيم الحكم بحسنه، وإن كان معناه صحيحًا. والله أعلم. اهـ.
(1) هكذا جاء في "الفوائد" وفي العبارة تحريف حتمًا، ومن المحتمل أن يكون الصواب:"فلا ينبغي إلا وهنه"، أو "فالذي ينبغي وهنه"، أو "فلا ينبغي دفع وهنه"، أو نحو ذلك، ومقتضى هذه العبارة بعد تصويبها إثبات وهن الحديث من هذا الطريق أيضا بالإضافة إلى وهنه من الطرق الأخرى.
• وفيها (ص 314):
ذكر المعلمي خبر: "ما أنزل الله من وَحْي قط عَلى نبيّ بينه وبينه إلا بالعربية، ثم يكون هو مبلغه قومه بلسانهم". وقال: في سنده العباس أبو الفضل الأنصاري، عن سليمان بن أرقم، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة مرفوعًا.
قال ابن الجوزي: سليمان متروك، فنازع السيوطي بأن سليمان أخرج له (د س ت)، ولم يُتهم بكذب ولا وضع، وأن له شاهدًا.
أقول: سليمان ساقط، قال أبو داود والترمذي وغيرهما: متروك الحديث. وقال النسائي: لا يكتب حديثه. والكلام فيه كثير، وإنما ذكرت كلام الذين أخرجوا له ليعلم أن إخراجهم له لا يدفع كونه متروكًا، والمتروك إن لم يكذب عمدًا فهو مظنة أن يقع له الكذب وهمًا، فإذا قامت الحجة على بطلان المتن، لم يمتنع الحكم بوضعه، ولا سيما مع التفرد المريب، كتفرد سليمان هنا عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، وفوق هذا، فالراوي عن سليمان وهو العباس بن الفضل الأنصاري تالف
…
وأما الشاهد فيكفي أنه عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس
…
والكلبي كذاب وشيخه تالف
…
". اهـ.
• وفي "الأنوار الكاشفة"(193 - 194):
ما روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحببتُه، فكنت سَمْعَه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها
…
وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته"