الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال الشيخ "المعلمي":
"
…
أما أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي، فليفي في نفسه بعمدة، حتى لقد اتهموه بوضع الحديث.
ومع ذلك فليس من شرط الثقة أن يُتابَعَ في كل ما حدَّث به، وإنما شرطه أن لا ينفرد بالمناكير عن المشاهير فيكثر.
والظاهر أن الأزدي إنما عني الحديث الذي ذكره البيهقي، وهو ما رواه مسلم هذا عن مخلد بن الحسين، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا: "لا يَقُلْ أحدُكم زرعته، ولكن ليقل حرثته. قال أبو هريرة: ألم تسمع على قول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 63، 64].
وهذا الحديث أخرجه ابن جرير في تفسير الواقعة، عن أحمد بن الوليد القرشي، عن مسلم. وفي "اللسان" أن البيهقي أخرجه في "شعب الإيمان" من وجهين [عنه]، وقال: إن مسلمًا غيرُ قويّ.
ولعل ابن حبان إنما أشار بقوله: "ربما أخطأ" إلى هذا الحديث، على أن الصواب موقوف، وأخطأ مسلم في رفعه.
ومسلم مكثر في التفسير كما يُعلم من "تفسير ابن جرير"، فإن ترجح خطؤه في هذا الحديث الواحد لم يضره ذلك إن شاء الله، وابن حبان والخطيب أعرف بالفن ودقائقه من البيهقي. اهـ.
الفرع الخامس: عدم الركون لأقوال الجرح والتعديل من المتأخرين، والتي لا يُعلم لهم فيها سلف:
• في ترجمة: عباد بن كثير الثقفي البصري من "التنكيل"(116):
قال الكوثري: كان الثوري يكذبه، ويحذر الناس من الرواية عنه، فكيف يتصور أن يروي الثوري عن مثله؟
فقال الشيخ المعلمي:
"تحذير الثوري من الثقفي معروف، فأما تكذيبه له فإنما حكاه الحاكم وأبو نعيم الأصبهاني، ولا أدري من أين أخذاه، فإن صح، فإنما أراد الوهم والغلط، وقد أثنى على الثقفي بالصلاح جماعة، منهم: ابن المبارك، وأحمد، وابن معين، وأبو زرعة، والعجلي، ووصفوه مع ذلك بأنه ليس بشيء في الحديث، وأنه يحدث بما لم يسمع، لِبُلْهِهِ وغفلته،
…
(1).
وعلى كل حال فلا مانع أن يحكي الثوري عن عباد ما يظهر له صحته، وفي ترجمة محمد بن السائب الكلبي من "الميزان":"يعلى بن عبيد قال: قال الثوري: اتقوا الكلبي، فقيل: فإنك تروي عنه؟ قال: أنا أعرف صدقه من كذبه". اهـ.
الفرع السادس: ما هي حدود أهل العصر في الحكم على الرواة؟
قال الشيخ المعلمي في مبحث "التهمة بالكذب" من "التنكيل":
"الأستاذ -يعني الكوثري - يطعن في جماعة من أئمة السنة والموثقن من رواتها، فيرمي بعضهم بتعمد الكذب، وبعضهم بالتهمة بذلك، ويجمع لبعضهم الأمرين؛ يُكذب أحدهم في خبرٍ ويتهمه في آخر، ويجزم بأنهم متهمون في كل ما يتعلق بالغض من أبي حنيفة وأصحابه، ولو على بُعْدٍ بعيد كما يأتي في ترجمة أحمد بن إبراهيم، ويصرح في بعضهم بأنهم مقبولون فيما عدا ذلك، فهل يريد أنهم عدول مقبولون ثقات مأمونون مطلقًا.
ولا يُعتد عليهم بتكذيب الأستاذ، ولا اتهامه؛ لأنه خرق للإجماع في بعضهم ومخالف للصواب في آخرين، ولأن الأستاذ لم يتأهل للاجتهاد في الكلام في القدماء،
…
(1) وقال المعلمي في "الفوائد"(ص 361): "تالف".
وينبغي أن يُعلم أن التهمة تقال على وجهين:
الأول: قول المحدثين: "فلان متهم بالكذب".
وتحرير ذلك أن المجتهد في أحوال الرواة قد يثبت عنده -بدليلٍ يصح الاستنادُ إليه- أن الخبر لا أصل له، وأن الحمل فيه على هذا الراوي، ثم يحتاج بعد ذلك إلى النظر في الراوي: أتعمد الكذب أم غلط؟
فإذا تدبر وأنعم النظر، فقد يتجه له الحكم بأحد الأمرين جزمًا، وقد يميل ظنه إلى أحدهما، إلا أنه لا يبلغ أن يجزم به، فعلى هذا الثاني إذا مال ظنه إلى أن الراوي تعمد الكذب قال فيه:"متهم بالكذب" أو نحو ذلك مما يؤدي هذا المعنى.
ودرجة الاجتهاد المشار إليه لا يبلغه أحدٌ من أهل العصر فيما يتعلق بالرواة المتقدمين، اللهم إلا أن يَتهم بعض المتقدمين رجلًا في حديثٍ يزعم أنه تفرد به، فيجد له بعض أهل العصر متابعاتٍ صحيحة، وإلا حيث يختلف المتقدمون فيسعى في الترجيح.
فأما من وثقه إمام من المتقدمين أو أكثر، ولم يتهمه أحد من الأئمة، فيحاول بعض أهل العصر أن يكذبه أو يتهمه، فهذا مردود؛ لأنه إن تهيأ له إثباتُ بطلان الخبر، وأنه ثابت عن ذلك الراوي ثبوتًا لا ريب فيه، فلا يتهيأ له الجزم بأنه تفرد به، ولا أن شيخه لم يروه قط، ولا النظر الفني الذي يحق لصاحبه أن يجزم بتعمد الراوي للكذب أو يتهمه به.
بلى قد يتيسر بعض هذه الأمور فيمن كذبه المتقدمون، لكن مع الاستناد إلى كلامهم، كما يأتي في ترجمة أحمد بن محمد بن الصلت وترجمة محمد بن سعيد البورقي، كان كان الأستاذ يخالف في ذلك فيصدق من كذبه الأئمة، وكذبه واضح، كما يكذب أو يتهم من صدقوه وصدقه ظاهر، شأن المحامين في المحاكم، معيار الحق عند أحدهم مصلحةُ مُوَكِّلِهِ! ". اهـ.
• وفي ترجمة: أحمد بن خالد الكرماني من "التنكيل"(16):
قال الكوثري (ص 183): "الكرماني مجهول".
فقال الشيخ المعلمي:
"أنا أيضًا لم أظفر له بترجمة ولا خبر إلا في هذه الرواية، أو ذكره في شيوخ التمار، لكن مثل هذا لا يُسَوِّغُ لأمثالنا أن يقول: "مجهول". اهـ.
• وفي ترجمة: إسماعيل بن عيسى بن علي الهاشمي منه (53):
قال الكوثري ص 77: "إسماعيل بن عيسى من المجاهيل".
فقال الشيخ المعلمي:
"الصواب أن يقول: "لم أعرفه" فإن عدم معرفة مثل الأستاذ بالرجل لا يستلزم أن يكون مجهولًا". اهـ.
* * *