الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15 - من معانى قولهم: "فيه بعض الشيء
":
• في ترجمة: محمد بن جعفر بن الهيثم الأنباري من "التنكيل"(197):
في "تاريخ بغداد"(2/ 151): سألت البرقاني عن ابن الهيثم، فقلت: هل تكلم فيه أحد؟ قال: لا، وكان سماعه صحيحا بخط أبيه، ثم حكى عن ابن أبي الفوارس: كان قريبَ الأمر، فيه بعض الشيء، وكانت له أصول بخط أبيه جياد.
فقال الشيخ المعلمي:
"والظاهر أن بعض الشيء إنما هو فيما يتعلق بالسيرة لا بالرواية، ولم يفسر، فلعله تقصير خفيف لا يُعد جرحا". اهـ.
16 - قولهم: "لا أحب حديثه ولا ذِكْرَهُ
":
قال الشيخ المعلمي في ترجمة الإمام الشافعي من "التنكيل"(1/ 427):
"لا يعطي معنى "ليس بثقة" ولا ما يقرب منها". اهـ.
17 - قولهم: "لا يحدث عنه إلا من هو شرٌّ منه
":
• في ترجمة: محمد بن جابر بن سَيَّار بن طارق الحنفي اليمامي من "التنكيل"(196):
"قال ابن حبان: كان أعمى
…
قال أحمد بن حنبل: لا يحدث عنه إلا من هو شر منه".
قال الشيخ المعلمي:
"فَنَاسِبُ الكلمة إلى أحمد هو ابن حبان، وبين ابن حبان وأحمد مفازة، ولا يُدرى مِمَّنْ سمع تلك الكلمة، ولو صَحَّتْ عن أحمد لكانت الكلمة أقرب إلى الاطراء البالغ منها إلى الذم؛ فقد روى عن محمد بن جابر من يَعتقد أحمد وغيره أنهم أفاضل عصرهم وخيار أهل زمانهم؛ مثل أيوب بن أبي تميمة السختياني، وعبد الله بن عون، وسفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك، وآخرين، فلا معنى لأن يقال: إن هؤلاء شر منه إلا إطراؤه بأنه خير منهم.
وعلى كل حال فالحكاية منقطعة منكرة
…
". اهـ.
قال أبو أنس:
قد نظرت في هذه العبارة: قائلها، ومدلولها، في ترجمته من القسم الأول من "النكت الجياد"(ص 571 - 576) فأحب إيراد ذلك هنا لمناسبته للمقام، فأقول:
"ناسب الكلمة إلى أحمد إنما هو الحافظ ابن حجر، ففي "تهذيب التهذيب" (9/ 90):
"وقال ابن حبان: كان أعمى، يُلحق في كتبه ما ليس من حديثه، ويسرق ما ذوكر به فيحدث به. قال أحمد بن حنبل: لا يحدث عنه إلا شرٌ منه". اهـ.
فقول ابن حجر: قال أحمد بن حنبل، قولٌ مستأنفٌ، لا علاقة له بابن حبان؛ وقول ابن حبان الذي نقله ابن حجر، قد قاله في كتاب "المجروحين"(2/ 275) ولا أثر فيه للنقل عن أحمد ولا غيره هذه الكلمة.
وإنما أُتي الشيخ المعلمي من جهة أنه لم يَرَ كتاب "المجروحين" فاعتمد على "التهذيب".
ثم يظهر لي أن في نسبة هذا القول لأحمد وهمًا، قد سبق ابنَ حجر فيه: الذهبيُّ في غير موضع من كتبه، فأخشى أن يكون ابن حجر قد تابعه فيه.
وذلك أني فتشت في الكتب التي تُعنى بنقل أقوال الإمام أحمد في الرواة، فلم أجد هذا القول عنه، وإنما وجدت في كتاب "العلل ومعرفة الرجال" لأحمد (1/ 145) قال عبد الله بن أحمد: سألت يحيى بن معين عن محمد بن جابر: فذمَّهُ، وقال: ما يحدث عنه إلا من هو شرٌّ منه. ومثله في الموضع (1/ 52) وفيه: فغلَّظ فيه وقال:
…
وقول الشيخ المعلمي: لو صَحَّتْ عن أحمد لكانت الكلمة أقرب إلى الاطراء البالغ منها إلي الذم
…
- فيه نظرٌ من وجوه:
الوجه الأول: سَبَق النقل عن عبد الله بن أحمد أنه صَدَّر حكايته عن ابن معين بقوله: "فذمَّه"، وفي موضع آخر:"فغلَّظ فيه" وهذا أقطعُ للاحتمال وأبْيَنُ في مراد ابن معين من هذه الكلمة؛ أنه أراد بها الذمَّ، لا الإطراء.
الوجه الثاني: اجتماع كلمة النقلة عن ابن معين -بل وأحمد- على تضعيف ابن جابر وذَمِّه.
قال الدوري في تاريخه (2/ 507) عن ابن معين: "سمعت يحيي يقول: كان محمد ابن جابر أعمى. قلت ليحيى: فإنما حديثه كذا لأنه كان أعمى؟ قال: لا، ولكنه عمي واختلط عليه، وكان محمد بن جابر كوفيًا، انتقل إلى اليمامة. قلت: أيوب أخوه، كيف حديثه؟ قال: ليس هو بشيء، ولا محمد. قلت: أيهما كان أمثل؟ قال: لا، ولا واحد منهما".
وبنحوه قال الدارمي عنه (تاريخه: الترجمة 742).
وقال ابن طهمان عنه: لا يكتب حديثه، ليس بثقة (سؤالاته: الترجمة 375، 94).
وبنحوه قال ابن الجنيد عنه (سؤالاته: 232، 448).
وقال معاوية بن صالح عنه: ضعيف (الكامل لابن عدي: 6/ 2158).
أما الإمام أحمد، فقد قال ابنه عبد الله عنه: كان ربما ألحق أو يلحق في كتابه - يعني الحديث. (العلل ومعرفة الرجال: 1/ 394، والجرح والتعديل: 7 / الترجمة 1215).
وقال عبد الله أيضًا عنه (2/ 136): محمد روى أحاديث مناكير، وهو معروف بالسماع، يقولون: رأوا في كتبه لحقًا، حديثه عن حماد فيه اضطراب.
والمقصود أن حمل هذه العبارة على الذم هو الموافق لسائر الروايات عن ابن معين، بل وأحمد.
الوجه الثالث: أن كلمة سائر النقاد تكاد تكون مجتمعة على توهين ابن جابر وعدم الاحتجاج به.
قال عمرو بن علي الفلاس: صدوق، كثير الوهم، متروك الحديث. (الجرح: 7 / ت 1215) و (الكامل: 6/ 2158).
وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم (ضعفاؤه الصغير: ت 313) ونحوه في (التاريخ الكبير: 1 / ت 111).
وقال في (التاريخ الأوسط: 2/ 139): يتكلمون فيه.
ونقل الترمذي عنه في (العلل الكبير: 2/ 722) قوله: ذاهب الحديث.
وقال أبو زرعة: ساقط الحديث عند أهل العلم (الجرح).
وقال أبو حاتم: ذهبت كتبه في آخر عُمره، وساء حفظه، وكان يُلقَّن، وكان عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه ثم تركه بَعْدُ، وكان يروي مناكير، وهو معروف بالسماع جيد اللقاء، رأو في كتبه لحقًا، وحديثه عن حماد فيه اضطراب، روى عنه عشرة من الثقات. (الجرح).
وقال أبو داود: ليس بشيء. (تهذيب الكمال: 24/ 568).
وقال النسائي: ضعيف. (ضعفاؤه: ت 533).
وذكره العقيلي في (الضعفاء: 4/ 41) وذكر له حديثين، وقال: لا يتابع عليهما، ولا على عامة حديثه.
وذكره يعقوب الفسوي فيمن يرغب عن الرواية عنهم (المعرفة والتاريخ: 3/ 60). وقال (2/ 121): حدثنا أبو الوليد ثنا محمد بن جابر ثنا أيوب بن عتبة، ضعيفان لا يفرح بحديثهما
…
قال أبو الوليد: أفادني عنه ابن المبارك، فرجعت إلى ابن المبارك. فأخبرته، فقال: ليس بشيء، غلط فيها. قال: فمحوته. اهـ.
وقال الدارقطني: ليس بالقوي، ضعيف (السنن: 2/ 163).
وذكره ابن عدي في (الكامل: 6/ 2158) وساق له مناكير تفرد بها، وقال: قد روى عن محمد بن جابر من الكبار: أيوب، وابن عون، وهشام بن حسان، والثوري، وشعبة، وابن عيينة، وغيرهم ممن ذكرتهم، ولولا أن محمد بن جابر في ذلك المحل لم
يرو عنه هؤلاء الذين هو دونهم، وقد خالفهم في أحاديث، ومع ما تكلم فيه من تكلم يكتب حديثه. اهـ.
أقول: رواية هؤلاء الكبار عنه إنما هي لحديثه عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء من مسِّ الذكر، وليس له في الكتب الستة غيره، رواه أبو داود وابن ماجه من رواية مسدد ووكيع عنه.
قال ابن عدي: "هذا يعرف بمحمد بن جابر، عن قيس بن طلق. ولشهرته رواه عنه أيوب السختياني، وابن عون، وشعبة، .... وكل هؤلاء الذين رُوي عنهم، منهم من هو أكبر سنًا منه، وأقدم موتًا منه، ومنهم من هو في عصره روى عنه، وهم اثنا عشر نفسًا؛ لأن الحديث لا يُعرف إلا به.
وقد روى هذا الحديث عن قيس بن طلق غيرُ محمد بن جابر، إلا أنه معروف به. اهـ.
أقول: فقد بيَّن ابن عدي العلة التي لأجلها روى هؤلاء الكبار ذاك الحديث عن محمد بن جابر، ألا وهي اشتهاره به، وأنه عُرف من طريقه، وهذا لا يكفي في الدلالة على حال ابن جابر عند هؤلاء؛ فإن روايتهم عنه ليست بمستفيضة بحيث يقال إنها مما تقويه، وإنما هي لعِزَّةِ هذا الحديث وضيق مخرجه، ثم إن ابن جابر في نفسه لم يكن بالساقط ولا بالمتهم، وإنما كان محله الصدق، إلا أن في حديثه تخاليط، وأما كتبه فكانت صحاحًا، حتى عمي فأُلحق فيها أشياء، نَبَّه عليها غير واحد من أهل العلم، ثم ذهبت كتبه، فخلَّط، وصار يُلَقَّن، فتُرك، وكان ابن مهدي وغيره يحدثون عنه، ثم تركوه لأجل هذا، فالذي ينبغي أن تحمل عليه رواية من روى عنه من الأكابر هو أن يكون ذلك قبل أن يطرأ عليه ما طرأ، حيث كان ممن يكتب حديثه، أما بعد ذلك فقد اجتمعت كلمتهم على طرحه، كما قال أبو زرعة: ساقط الحديث عند أهل العلم. وقال البخاري: يتكلمون فيه، وفي رواية الترمذي عنه: ذاهب الحديث، وهما من أشد الصيغ عند البخاري، كما هو معلوم.