الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من غير أَن تضمن معنى الظَّن لانقلب الهجو على الهاجي. اه.
وترجمة الفرزدق تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ بعد السبعمائة)
الطَّوِيل
(فَمَا زَالَت الْقَتْلَى تمج دماءها
…
بدجلة حَتَّى مَاء دجلة أشكل
)
على أَن فَائِدَة حَتَّى الابتدائية هُنَا التَّعْظِيم وَالْمُبَالغَة وَهُوَ تغير مَاء دجلة من كثر دِمَاء الْقَتْلَى حَتَّى صَار أشكل وَهُوَ حمرَة مختلطة ببياض. الشكلة كالحمرة وزنا وَمعنى لَكِن يخالطها بَيَاض. وَهُوَ مَأْخُوذ من أشكل الْأَمر أَي: الْتبس.
فَإِن قلت: أَيْن مَا اشْترط الشَّارِح الْمُحَقق من كَون خبر الْمُبْتَدَأ بعد حَتَّى من جنس الْفِعْل الْمُقدم عَلَيْهَا قلت: مَا قبل حَتَّى فِي قُوَّة قَوْله: فَمَا زَالَت الْقَتْلَى تغير مَاء دجلة بالدماء.
والقتلى: جمع قَتِيل. وتمج: تقذف يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد يُقَال: مج الرجل المَاء من فِيهِ مجاً من بَاب قتل:: رمى بِهِ. ويروى بدله: يمور دماؤها مضارع مار الدَّم: سَالَ. ومار الشَّيْء: تحرّك بِسُرْعَة. ومار: تردد فِي غَرَض. ومار الْبَحْر: اضْطربَ فَهُوَ فعل لَازم ودماؤها فَاعله.
قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: ويعدى بِنَفسِهِ وبالهمزة أَيْضا فَيُقَال: ماره وأماره إِذا أساله. فعلى هَذَا يجوز نصب دماءها بِهِ على أَنه
مُتَعَدٍّ. ودجلة بِفَتْح الدَّال وَكسرهَا: النَّهر الَّذِي يمر بِبَغْدَاد لَا ينْصَرف للعلمية والتأنيث. وَالْبَاء بِمَعْنى فِي.
وَالْبَيْت من قصيدة لجرير هجا بهَا الأخطل وَذكر مَا أوقعه الجحاف ببني تغلب قَالَ بعد أَبْيَات: الطَّوِيل
(بَكَى دوبل لَا يرقئ الله دمعه
…
أَلا إِنَّمَا يبكي من الذل دوبل)
(جزعت ابْن ذَات القلس لما تداركت
…
من الْحَرْب أَنْيَاب عَلَيْك وكلكل)
(فَإنَّك والجحاف يَوْم تحضه
…
أردْت بِذَاكَ الْمكْث والورد أعجل)
(سما لكم لَيْلًا كَأَن نجومه
…
قناديل فِيهِنَّ الذبال المفتل)
(فقد قذفت من حَرْب قيس نِسَاؤُهُم
…
بِأَوْلَادِهَا مِنْهَا تَمام ومعجل
))
(ومقتولة صبرا ترى عِنْد رجلهَا
…
بقيراً وَأُخْرَى ذَات بعل تولول)
(وَقد قتل الجحاف أَزوَاج نسْوَة
…
يَسُوق ابْن خلاس بِهن وعزهل)
…
(تَقول لَك الثكلى الْمُصَاب حَلِيلهَا
…
أَبَا مَالك مَا فِي الظعائن مغزل)
(حضضت عَن الْقَوْم الَّذين تَركتهم
…
تعل الردينيات فيهم وتنهل)
(عِقَاب المنايا تستدير عَلَيْهِم
…
وشعث النواصي لجمهن تصلصل)
(بدجلة إِذْ كروا وَقيس وَرَاءَهُمْ
…
صُفُوفا وَإِن راموا المخاضة أَو حلوا)
(فَمَا زَالَت الْقَتْلَى تمج دماءها
…
بدجلة حَتَّى مَاء دجلة أشكل)
(فَإِن لَا تعلق من قُرَيْش بِذِمَّة
…
فَلَيْسَ على أسياف قيس معول)
(لنا الْفضل فِي الدُّنْيَا وأنفك راغم
…
وَنحن لكم يَوْم الْقِيَامَة أفضل)
(وَقد شققت يَوْم الحروب سُيُوفنَا
…
عواتق لم يثبت عَلَيْهِنَّ محمل)
(أَجَارَ بَنو مَرْوَان مِنْهُم دماءكم
…
فَمن من بني مَرْوَان أَعلَى وَأفضل)
وَيَنْبَغِي أَن نقدم أَولا سَبَب مَا أوقعه الجحاف ببني تغلب ثمَّ نشرح الأبيات فَنَقُول: إِن عُمَيْر بن الْحباب السّلمِيّ خرج على عبد الْملك فِي أول خِلَافَته
فاجتمعت إِلَيْهِ قيس وعامر وَكَانَ نازلاً فِي الْقرب من بني تغلب قَبيلَة الأخطل وَكَانَت مَنَازِلهمْ بَين الخابور والفرات ودجلة فأساء الْمُجَاورَة مَعَ تغلب فَوَقع بَينهم شَرّ فَمَا زَالَ الْحَرْب بَينهم سجالاً إِلَى أَن قتل بَنو تغلب عُمَيْرًا وَأَرْسلُوا بِرَأْسِهِ إِلَى عبد الْملك
فِي سنة سبعين من الْهِجْرَة فأنعم عبد الْملك على الْوَفْد وكساهم.
ثمَّ إِن الأخطل وَفد على عبد الْملك فَدخل عَلَيْهِ الجحاف بن حَكِيم السّلمِيّ فَقَالَ عبد الْملك: أتعرف هَذَا يَا أخطل قَالَ: وَمن هُوَ قَالَ: الجحاف. فَقَالَ الأخطل: الطَّوِيل
(أَلا سَائل الجحاف هَل هُوَ ثَائِر
…
بقتلى أُصِيبَت من سليم وعامر)
حَتَّى فرغ من القصيدة وَكَانَ الجحاف يَأْكُل رطبا فَجعل النَّوَى يتساقط من يَده غيظاً ثمَّ أَجَابَهُ فَقَالَ: الطَّوِيل
(بلَى سَوف نبكيهم بِكُل مهند
…
ونبكي عُمَيْرًا بِالرِّمَاحِ الشواجر)
ثمَّ قَالَ: يَا ابْن النَّصْرَانِيَّة مَا ظننتك تجترئ عَليّ بِمثل هَذَا وَلَو كنت مأسوراً لَك فَحم الأخطل خوفًا. فَقَالَ عبد الْملك: أَنا جَارك مِنْهُ. فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هبك أجرتني مِنْهُ فِي)
الْيَقَظَة فَمن يجيرني مِنْهُ فِي النّوم ثمَّ قَامَ الجحاف وَمَشى يجر ثَوْبه وَهُوَ لَا يعقل حَتَّى دخل بَيْتا من بيُوت الدِّيوَان فَقَالَ لِلْكَاتِبِ: أَعْطِنِي طوماراً من طوامير العهود فَأَتَاهُ بطومار وَلَيْسَ فِيهِ كتاب فَخرج إِلَى أَصْحَابه من القيسية فَقَالَ: إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ ولاني صدقَات بكر وتغلب.
فَلحقه زهاء ألف فَارس فَسَار حَتَّى أَتَى الرصافة ثمَّ قَالَ لمن مَعَه: إِن الأخطل قد أسمعني مَا علمْتُم وَلست بوال فَمن كَانَ يحب أَن يغسل عَنهُ الْعَار فليصحبني فَإِنِّي قد آلَيْت أَن لَا أغسل رَأْسِي حَتَّى أقع ببني تغلب.
فَرَجَعُوا غير ثلثمِائة فَسَار ليلته فَصبح الرحوب وَهُوَ مَاء لبني جشم بن بكر رَهْط
الأخطل فصادف عَلَيْهِ جمَاعَة كَثِيرَة من تغلب فَقتل مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة وَأخذ الأخطل وَعَلِيهِ عبائة وسخة فظنوه عبدا وَسُئِلَ فَقَالَ: أَنا عبد فَخلوا سَبيله
فخشي أَن يرَاهُ من يعرفهُ فَرمى بِنَفسِهِ فِي جب فَلم يزل فِيهِ حَتَّى انصرفت القيسية فنجا وَقتل أَبوهُ غوث وأسرف الجحاف فِي الْقَتْل وشق الْبُطُون عَن الأجنة وَفعل أمرا عَظِيما. فَلَمَّا عَاد عَنْهُم قدم الأخطل على عبد الْملك فأنشده: الطَّوِيل
(لقد أوقع الجحاف بالبشر وقْعَة
…
إِلَى الله مِنْهَا المشتكى والمعول)
والبشر بِكَسْر الْمُوَحدَة وَسُكُون الْمُعْجَمَة: اسْم مَاء. فَطلب عبد الْملك الجحاف فهرب إِلَى الرّوم فَكَانَ يتَرَدَّد فِيهَا ثمَّ بعث إِلَى بطانة عبد الْملك من قيس فطلبوا لَهُ الْأمان فآمنه فَلَمَّا ثمَّ تنسك الجحاف وَصلح وَمضى حَاجا فَتعلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة وَجعل يَقُول: اللَّهُمَّ اغْفِر لي وَمَا أَظُنك تفعل فَسَمعهُ مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة فَقَالَ: يَا شيخ قنوطك شَرّ من ذَنْبك.
وَمن هُنَا نرْجِع إِلَى شرح الأبيات. فَقَوله: بَكَى دوبل هُوَ اسْم الأخطل. قَالَ شَارِحه: كَانَ الأخطل يلقب بِهِ صَغِيرا. وبكاؤه لقَوْله: لقد أوقع الجحاف بالبشر وقْعَة
…
...
…
... الْبَيْت وَابْن منادى. والقلس بِفَتْح الْقَاف: حَبل ضخم من لِيف أَو خوص أَرَادَ بِهِ زنار النَّصَارَى.
والجحاف بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد
الْحَاء الْمُهْملَة. وتحضه: تحثه. يُقَال: حضه على الْأَمر أَي: حمله عَلَيْهِ. والمكث: البطء. والورد بِالْكَسْرِ: الْوُرُود.
وذر قرن الشَّمْس: طلعت. والكردوس بِالضَّمِّ: الْقطعَة من الْخَيل الْعَظِيمَة
والكراديس: الْفرق)
مِنْهُم. يُقَال: كردس الْقَائِد خيله أَي: جعلهَا كَتِيبَة كَتِيبَة. ويهديهن: يدلهن ويقودهن. والورد: الْأسد عَنى بِهِ الجحاف.
وأتمت الحبلى فَهِيَ متم إِذا تمت أَيَّام حملهَا وَولدت لتَمام بِفَتْح التَّاء وَكسرهَا وَولد الْمَوْلُود لتَمام كَذَلِك. ومعجل: خلاف التَّمام.
وَالصَّبْر: الْقَتْل أسراً. والبقير: المبقور وَهُوَ الَّذِي شقّ بَطْنه. وتولول: تصوت وتصيح.
وخلاس وعزهل: رجلَانِ من قيس. والحليل: الزَّوْج. وَأَبُو مَالك: كنية الأخطل. والظعائن: جمع ظَعِينَة وَهِي الهودج. والمغزل كجعفر قَالَ شَارِحه: من الْغَزل وَهُوَ محادثة النِّسَاء واللعب. وَإِنَّمَا هزئ بِهِ. يَقُول: قد شغلك مَا صنعت عَن التغزل. اه.
والردينيات: الرماح. والنهل: الشّرْب الأول. والعلل: الشّرْب الثَّانِي. وعقاب المنايا: الرَّايَة شبهها بالعقاب. واللجم: جمع لجام. وتصلصل: تصوت. وَأَرَادَ بشعث النواصي الْخَيل.
وأوحلوا بِالْبِنَاءِ للْفَاعِل أَي: وَقَعُوا فِي الوحل.
وَقَوله: فَإِن لَا تعلق استهزاء فِي معرض النَّصِيحَة أَي: إِن لم تتَعَلَّق بِذِمَّة قُرَيْش فَلَا طَاقَة لكم بسيوف قيس.
وَقَوله: لنا الْفضل فِي الدُّنْيَا الْبَيْت أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن اللَّام تَأتي بِمَعْنى من أَي: وَنحن أفضل مِنْك. وشققت: قطعت. وعواتق: جمع عاتق وَهُوَ مَا بَين الْمنْكب والعنق.
والمحمل بِكَسْر الْمِيم الأولى: سيور السَّيْف.
والمصراع الْأَخير تَقْدِيره: فَمن أَعلَى وَأفضل من بني مَرْوَان.
وترجمة جرير تقدّمت فِي الشَّاهِد الرَّابِع من أول الْكتاب.
-
وَأنْشد بعده الْكَامِل بَطل كَأَن ثِيَابه فِي سرحة على أَن فِي بِمَعْنى على فِيهِ لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَن ثِيَابه لَيست فِي جَوف سرحة وَهِي الشَّجَرَة الْعَالِيَة وَإِنَّمَا هِيَ على بدنه.
قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: وَالْأولَى أَن تكون على بَابهَا لِأَن ثِيَابه إِذا كَانَت عَلَيْهَا فقد صَار السرحة موضعا لَهَا.)
وَهَذَا المصراع صدر وعجزه: يحذى نعال السبت لَيْسَ بتوأم وَالْبَيْت من معلقَة عنترة الْعَبْسِي وَقَبله:
(ومشك سابغة هتكت فروجها
…
بِالسَّيْفِ عَن حامي الْحَقِيقَة معلم)
…
(ربذ يَدَاهُ بِالْقداحِ إِذا شتا
…
هتاك غايات التُّجَّار ملوم)
(بَطل كَأَن ثِيَابه فِي سرحة
…
يحذى نعال السبت لَيْسَ بتوأم)
(فطعنته بِالرُّمْحِ ثمَّ علوته
…
بمهند صافي الحدية مخذم
)
(لما رَآنِي قد نزلت أريده
…
أبدى نَوَاجِذه لغير تَبَسم)
قَوْله: ومشك سابغة بِكَسْر الْمِيم وَفتح الشين الْمُعْجَمَة قَالَ الأعلم فِي شرح الْأَشْعَار السِّتَّة: أَرَادَ رب مشك درع سابغة.
والمشك: الَّتِي شكّ بَعْضهَا فِي بعض. والمشك: مسامير الدروع. والسابغة: الْكَامِلَة.
وَقَالَ الْخَطِيب التبريزي: مشك الدرْع: حَيْثُ يجمع جيبها بسير. وَكَانَت الْعَرَب تجْعَل سيراً فِي جيب الدرْع يجمع جيبها فَإِذا أَرَادَ أحد الْفِرَار جذب السّير فَقَطعه واتسع الجيب فألقاها عَنهُ وَهُوَ يرْكض. وَقيل: الدرْع الَّتِي شكّ بَعْضهَا إِلَى بعض. وَقيل: المشك: المسامير الَّتِي تكون فِي حلق الدرْع. وَمن جعل المشك الدرْع يكون من إِضَافَة الصّفة إِلَى الْمَوْصُوف وتأويله عِنْد الْبَصرِيين: ومشك حَدِيدَة سابغة. وهتكت: جَوَاب رب.
وَكَذَلِكَ على قَول من جعله بِمَعْنى السّير والمسامير لِأَنَّهُمَا من الدرْع فَيصير الْإِخْبَار عَن الدرْع. وهتكت فروجها أَي: شققتها وخرقتها. وفروجها: جيبها وكماها وَاحِدهَا فرج بِفَتْح الْفَاء. وحامي الْحَقِيقَة أَي: يحمي مَا يحِق عَلَيْهِ أَن يحميه. والمعلم: اسْم فَاعل من أعلم نَفسه بعلامة وَهُوَ
الَّذِي شهر نَفسه بعلامة إدلالاً بشجاعته وإعلاماً بمكانه.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر: هُوَ اسْم مفعول وَكَذَلِكَ المسوم يقالان بِالْفَتْح. والسومة
بِالضَّمِّ: الْعَلامَة. وَقَالَ الزوزني: الْمعلم بِكَسْر اللَّام: الَّذِي أعلم نَفسه بعلامة يعرف بهَا فِي الْحَرْب حَتَّى تبرز لَهُ الْأَبْطَال.
يَقُول: وَرب مشك درع أَي: رب مَوضِع انتظام درع وَاسِعَة شققت أوساطه بِالسَّيْفِ عَن رجل حام لما يجب عَلَيْهِ حفظه شاهر نَفسه فِي حومة الْحَرْب أَو مشار إِلَيْهِ فِيهَا. يُرِيد أَنه هتك مثل هَذِه الدرْع على مثل هَذَا الشجاع فَمَا الظَّن بِغَيْرِهِ)
وَقَوله: ربذ يَدَاهُ هُوَ بِالْجَرِّ صفة لحامي الْحَقِيقَة. وَكَذَا: هُنَاكَ. والربذ بِفَتْح الرَّاء الْمُهْملَة وَكسر الْمُوَحدَة: السَّرِيع.
قَالَ أَبُو جَعْفَر والخطيب: لم يقل ربذة يَدَاهُ لِأَن الْيَد مُؤَنّثَة وَوَجهه أَن قَوْله: يَدَاهُ بدل من الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي ربذ الْعَائِد إِلَى حامي الْحَقِيقَة كَمَا تَقول: ضربت زيدا يَده.
وَمذهب الْفراء فِي هَذَا أَنه يجوز أَن يذكر الْمُؤَنَّث فِي الشّعْر إِذا لم يكن فِيهِ عَلامَة التَّأْنِيث.
والقداح هِيَ سِهَام الميسر جمع قدح بِالْكَسْرِ أَي: هُوَ حاذق بالقمار وَالْميسر خَفِيف الْيَد بِضَرْب القداح. وَهَذَا كَانَ مدحاً عِنْد الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة.
وَقَوله: إِذا شتا يُرِيد أَنه إِذا اشْتَدَّ الزَّمَان وَكَانَ أَشد الزَّمَان عِنْدهم زمن الشتَاء وَكَانَ لَا ييسر فِيهِ إِلَّا أهل الْجُود وَالْكَرم.
وَقَوله: هُنَاكَ غايات التُّجَّار هُوَ جمع تجر وَهُوَ جمع تَاجر كَمَا يجمع صَاحب على صحب وَصَحب على صِحَاب. وَأَرَادَ بهم تجار الْخمر. والغايات: عَلَامَات تكون للخمارين.
يَقُول: فَهُوَ يهتك رايات تجار الْخمر لِأَنَّهُ لَا يتْرك شَيْئا من الْخمر إِلَّا اشْتَرَاهُ
وَإِذا فني مَا عِنْدهم رفعوا علاماتهم.
وَقيل الْمَعْنى: أَنه يعطيهم مَا يطْلبُونَ فِي السّوم بهَا. والملوم: الَّذِي يكثر اللوم عَلَيْهِ فِي تبذير مَاله.
-
وَقَوله: بَطل كَأَن ثِيَابه
…
. إِلَخ بَطل بِالْجَرِّ صفة حامي الْحَقِيقَة وَيجوز رَفعه على تَقْدِير: هُوَ بَطل وَهُوَ الشجاع الَّذِي تبطل عِنْده شجاعة غَيره. والسِّرحة بِفَتْح السِّين وَسُكُون الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ فحاء مُهْملَة: وَاحِدَة السِّرْح وَهُوَ الشّجر الْعَظِيم العالي.
يُرِيد أَنه طَوِيل الْقَامَة كَامِل الْجِسْم فَكَأَن ثِيَابه على شَجَرَة عالية. وَالْعرب تمدح بالطول وتذم بِالْقصرِ.
قَالَ أَثَال بن عَبدة بن الطَّبِيب: الطَّوِيل
(وَلما التقى الصفان وَاخْتلف القنا
…
نهالاً وَأَسْبَاب المنايا نهالها)
(تبين لي أَن القماءة ذلة
…
وَأَن أعزاء الرِّجَال طوالها)
يرد أَن القنا وَردت الدَّم وَلم تثن وَذَلِكَ أَن الناهل الَّذِي يشرب أول شربة فَإِذا شرب ثَانِيَة فَهُوَ علل. وَقَوله: نهالها أَي: أول مَا يَقع مِنْهَا يكون سَببا لما بعده.
وَقَالَ بعض بني العنبر:
الطَّوِيل)
وَقَالَ آخر: الطَّوِيل
(أَشمّ طَوِيل الساعدين كَأَنَّمَا
…
تناط إِلَى جذع طَوِيل حمائله
)
ولسلم الخاسر: الطَّوِيل
(يقوم مَعَ الرديني قَائِما
…
وَيقصر عَنهُ طول كل نجاد)
وَقَوله: يحذى نعال السبت يحذى بِالْحَاء الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة على الْبناء للْمَفْعُول ونائب الْفَاعِل ضمير البطل. ونعال مفعول ثَان لَهُ أَي: تجْعَل لَهُ النِّعَال السبتية حذاء بِالْكَسْرِ وَالْمدّ.
فِي الصِّحَاح: الْحذاء: النَّعْل. واحتذى: انتعل. وأحذيته نعلا إِذا أَعْطيته نعلا. والسبت بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُوَحدَة: الْجلد المدبوغ بالقرظ وَلم ينجرد من شعره.
قَالَ أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي النَّبَات: الْجلد مَا لم يدبغ فَهُوَ محرم وَكَذَلِكَ إِذا دبغ فَلم يُبَالغ فِيهِ الدّباغ فَفِيهِ تَحْرِيم. والفطير مثله وَهُوَ الخام. وأجود مَا يدبغ بِهِ الإهاب بِأَرْض الْعَرَب الْقرظ وَهُوَ يدبغ بورقه.
وَيُقَال للَّذي يَأْخُذهُ من شَجَره: القارظ وَالَّذِي يَبِيعهُ: الْقَرَّاظ. فَمَا كَانَ مِنْهَا من جُلُود الْبَقر خَاصَّة فَإِن الْأَصْمَعِي زعم أَنه السِّبت. وَمَا أَبُو عَمْرو فَزعم أَن كل جلد مدبوغ سِبْتٌ بالقرظ أَو بِغَيْرِهِ.
وَقد اخْتلف علينا فِي ذَلِك فروى مَا حكيناه عَن الْأَصْمَعِي عَن أبي عَمْرو وَمَا ذَكرْنَاهُ عَن أبي عَمْرو عَن الْأَصْمَعِي. وَقَالَ أَبُو زِيَاد: السبت: جُلُود الْبَقر. قَالَ: وَلَا تَقول للجلد سِبت حَتَّى
يصير حذاء فَذَاك حِين تنسبه إِلَى السبت فَتَقول: نعل سبتٍ ونعال سِبت.
وَأنْشد قَول عنترة: يحذى نعال السبت لَيْسَ بتوأم وَقَالَ أَبُو زيد: نعل سبت وَهِي من جُلُود الْبَقر خَاصَّة وَقَالَ: السبت جُلُود
الْبَقر خَاصَّة مدبوغة وَلَا يُقَال لغير جُلُود الْبَقر سبت والجميع سبوت وأسبات. فَأَما مَا كَانَ من جُلُود الضَّأْن خَاصَّة فَهُوَ السّلف والواحدة سلفة وَهِي أَضْعَف من الماعز وألين.
وَقَالَ أَبُو زِيَاد: خَيرهَا مَا دب بالقرظ ثمَّ الأرطى ثمَّ السّلم. وشرها مَا دبغ بالآلاء. وَقَالَ: الألاء شَدِيد المرارة شَدِيد الخضرة طيب الرّيح. انْتهى مَا أردنَا مِنْهُ.
وَقَول عنترة: يحذى نعال السِّبت يُرِيد أَنه من الْمُلُوك الَّذين يلبسُونَ النِّعَال السبتية الرقيقة الطّيبَة)
الرّيح. وهم يتمدحون بجودة النِّعَال كَمَا يتمدحون بجودة الملابس.
قَالَ النَّابِغَة: الطَّوِيل
(رقاق النِّعَال طيب حجزاتهم
…
يحيون بالريحان يَوْم السباسب)
أَرَادَ أَنهم مُلُوك لَا يخصفون نعَالهمْ إِنَّمَا يخصفها من يمشي. والحجزة: الْوسط. أَرَادَ أَنهم يشدون أزرهم على عفة. والسباسب: يَوْم الشعانين. وَأَرَادَ برقة النِّعَال أَن نعَالهمْ لَيست بمطبقة.
وَقَالَ النَّجَاشِيّ:
الطَّوِيل لَا يَأْكُل الْكَلْب السروق نعالنا إِنَّمَا يَأْكُل الْكَلْب الفطير من النِّعَال. وَأما السِّبت فَلَا.
-
وَقَالَ كثير وَذكر نعلا: الطَّوِيل
(إِذا طرحت لَا يطبي الْكَلْب رِيحهَا
…
وَإِن طرحت فِي مجْلِس الْقَوْم شمت)
أَي: هِيَ طيبَة الرّيح لَيست بفطير لِأَن النَّعْل إِذا كنت غير مدبوغة وظفر بهَا الْكَلْب أكلهَا.
وَقَوله: لَيْسَ بتوأم يُرِيد أَنه لم يزاحمه أَخ فِي بطن أمه فَيكون ضَعِيف الْخلقَة.
والتوأم: الَّذِي يكون مَعَ آخر فِي بطن أمه. فنفى عَنهُ ذَلِك وَوَصفه بِكَمَال الْخلق وَتَمام الشدَّة وَالْقُوَّة.
يَقُول: هُوَ بَطل مديد الْقَامَة كَأَن ثِيَابه ألبست شَجَرَة عَظِيم من طول قامته واستواء خلقه ويتخذ النِّعَال من جُلُود الْبَقر المدبوغة وَلم تحمله أمه مَعَ غَيره.
وَقد بَالغ فِي وَصفه بالشدة وَالْقُوَّة بامتداد قامته وَعظم أَعْضَائِهِ وَتَمام غذائه عِنْد إرضاعه إِذْ كَانَ غير توأم.
وَقَوله: بمهند هُوَ السَّيْف الْهِنْدِيّ. وَقَوله: صافي الحديدة أَي: مجلو صقيل. والمخذم بِكَسْر الْمِيم والمعجمتين: الْقَاطِع من خذمه أَي: قطعه.
وَقَوله: لما رَآنِي قد نزلت
…
إِلَخ النواجذ: آخر الأضراس. وَمعنى أبدى نَوَاجِذه أَي: كلح غيظاً عَليّ. وَيُقَال: بل كلح كَرَاهَة لِلطَّعْنِ. وَقيل: الْمَعْنى لما رَآنِي قَاصِدا لَهُ كلح وكشر أَسْنَانه فَصَارَ كَأَنَّهُ متبسم.
وَقيل: الْمَعْنى لما قتلته تقلصت شفتاه عَن أَسْنَانه فصرت إِذا نظرت إِلَيْهِ كَأَنَّهُ يتبسم. يَقُول: لما)
نزلت عَن فرسي أُرِيد قَتله كشر عَن أَسْنَانه غير متبسم. أَي: لفرط كلوحه من كَرَاهِيَة الْمَوْت تقلصت شفتاه عَن أَسْنَانه.
وَقَوله: عهدي بِهِ أَي: مشاهدتي لَهُ وَقد تخضب بدمه فَكَأَنَّهُ قد خضب
بالعظم كزبرج وَهُوَ شجر يتَّخذ مِنْهُ الوسمة. يُقَال: إِنَّه الكتم. وَإِنَّمَا شبه الدَّم بِهِ لم انْعَقَد وَضرب إِلَى السوَاد.
وَيُقَال: عهدته أعهده عهدا إِذا لَقيته. قَالَ الْخَطِيب: عهدي بِهِ مُبْتَدأ وَالْخَبَر فِي الِاسْتِقْرَار.
وَقَوله: مد النَّهَار بدل من الِاسْتِقْرَار كَمَا تَقول: الْقِتَال الْيَوْم وكما تَقول: عهدي قَرِيبا أَي: وقتا قَرِيبا. إِلَّا أَنه يجوز فِي هَذَا أَن تَقول قريب على أَن تجْعَل الْقَرِيب الْعَهْد. وَمد النَّهَار: ارتفاعه.
وروى: شدّ النَّهَار بِمَعْنَاهُ. وَيُرِيد بالبنان الْأَصَابِع. وروى بدله: اللبان بِفَتْح اللَّام وَهُوَ الصَّدْر. يَقُول: رَأَيْته طول النَّهَار وامتداده بعد قَتْلِي إِيَّاه وجفوف الدَّم عَلَيْهِ كَأَن بنانه أَو سدره وَرَأسه مخضوب بِهَذَا النبت.
وترجمة عنترة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي عشر من أَوَائِل الْكتاب.