الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ ابْن عقيل: الدل قريب الْمَعْنى من الْهَدْي وهما من السكينَة وَالْوَقار فِي الْهَيْئَة والمنظر وَالشَّمَائِل وَغير ذَلِك. قَالَه أَبُو عُبَيْدَة. والصناع: الماهرة الحاذقة بِعَمَل الْيَدَيْنِ.
وَقَالَ الْأَخْفَش فِي حَوَاشِيه على النَّوَادِر: قَوْله: كوني بالمكارم ذكريني تَقْدِيره: كوني مِمَّن أَقُول لَهُ ذَكرنِي إِذا سَهَوْت فَجرى هَذَا على الْحِكَايَة كَمَا قَالَ: أَرَادَ: سَمِعت قَائِلا يَقُول: النَّاس ينتجعون غيثاً فَحكى. هَذَا كَلَامه.
وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: جملَة: ذكريني مؤولة بِالْجُمْلَةِ الخبرية أَي: وكوني تذكرينني. انْتهى.
وَإِنَّمَا أَوله لما عرف من أَن شَرط خبر كَانَ إِذا كَانَت جملَة أَن تكون خبرية. وَقَالَ السخاوي: يجوز أَن يكون الْخَبَر محذوفاً وذكريني أمرا مستأنفاً أَي: كوني بالمكارم مذكرة ذكريني.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ بعد السبعمائة)
الطَّوِيل
(قنافذ هداجون حول بُيُوتهم
…
بِمَا كَانَ إيَّاهُم عَطِيَّة عودا)
على أَن كَانَ فِي الْبَيْت عِنْد الْبَصرِيين إِمَّا شأنية وَإِمَّا زَائِدَة فَيكون عَطِيَّة فِي الأول: مُبْتَدأ وعوداً: فعل مَاض وألفه للإطلاق وفاعله ضمير عَطِيَّة ومفعوله إيَّاهُم الْمُتَقَدّم على الْمُبْتَدَأ وَالْأَصْل عودهم فَلَمَّا
تقدم انْفَصل وَجُمْلَة: عودهم خبر الْمُبْتَدَأ وَالْجُمْلَة الْكُبْرَى أَعنِي عَطِيَّة عودهم فِي مَحل نصب خبر كَانَ وَاسْمهَا ضمير الشَّأْن.
قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الشواهد: وَيجوز أَن يكون اسْم كَانَ ضميراً مستتراً فِيهَا عَائِدًا على مَا الموصولة أَي: بِسَبَب الْأَمر الَّذِي كَانَ هُوَ عَطِيَّة عودهم إِيَّاه وَجُمْلَة: عَطِيَّة عودهم خبر كَانَ وَحذف الْعَائِد لِأَنَّهُ ضمير مَنْصُوب.
وَيجوز أَيْضا أَن يكون عَطِيَّة اسْم كَانَ وَتَقْدِيم مَعْمُول الْخَبَر للضَّرُورَة. وَهَذَا الْجَواب عِنْدِي أولى لاطراده فِي نَحْو قَوْله: الْبَسِيط
(باتت فُؤَادِي ذَات الْخَال سالبة
…
فالعيش إِن حم لي عَيْش من الْعجب)
إِذْ الأَصْل: باتت ذَات الْخَال سالبة فُؤَادِي. وَلَا يجوز تَقْدِير ذَات مُبْتَدأ لنصب سالبة.
وَاعْترض على هَذِه الْأَوْجه بِأَن الْخَبَر الْفعْلِيّ لَا يسْبق الْمُبْتَدَأ فَكَذَا معموله. وَالْجَوَاب: أَن الْمَانِع من تَقْدِيم الْفِعْل خشيَة التباس الاسمية بالفعلية وَذَلِكَ مَأْمُون مَعَ تقدم الْمَعْمُول. انْتهى.)
وأوضحه فِي الْمُغنِي بقوله: ولانتفاء الْأَمريْنِ وهما تهيئة الْعَامِل للْعَمَل مَعَ قطعه وإعمال الضَّعِيف مَعَ إِمْكَان الْقوي جَازَ عِنْد الْبَصرِيين وَهِشَام تَقْدِيم مَعْمُول
الْخَبَر على الْمُبْتَدَأ فِي نَحْو: زيد ضرب عمرا وَإِن لم يجز تَقْدِيم الْخَبَر.
وَقَالَ البصريون فِي نَحْو قَوْله: بِمَا كَانَ إيَّاهُم عَطِيَّة عودا إِن عَطِيَّة مُبْتَدأ وإياهم مفعول عود وَالْجُمْلَة خبر كَانَ وَاسْمهَا
ضمير الشَّأْن.
وَقد خفيت هَذِه النُّكْتَة على ابْن عُصْفُور فَقَالَ: هربوا من مَحْذُور وَهُوَ أَن يفصلوا بَين كَانَ وَاسْمهَا بمعمول خَبَرهَا فوقعوا فِي مَحْذُور آخر وَهُوَ تَقْدِيم مَعْمُول الْخَبَر حِين لَا يتَقَدَّم الْخَبَر. وَقد بَينا أَن امْتنَاع تقدم الْخَبَر فِي ذَلِك لِمَعْنى مَفْقُود فِي تقدم معموله. انْتهى.
وبهذه الْأَجْوِبَة يرد على الْكُوفِيّين قَوْلهم: يجوز أَن يَلِي كَانَ أَو إِحْدَى أخواتها مَعْمُول خَبَرهَا غير الظّرْف. وَاحْتَجُّوا بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ. قَالَ ابْن النَّاظِم وَبِقَوْلِهِ: الْبَسِيط
(فَأَصْبحُوا والنوى عالي معرسهم
…
وَلَيْسَ كل النَّوَى يلقِي الْمَسَاكِين)
وَقد خطأه ابْن هِشَام فِيهِ بِأَنَّهُ لَو كَانَ الْمَسَاكِين اسْما لَكَانَ يجب أَن يُقَال: يلقون أَو تلقي وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ عِنْد الْفَرِيقَيْنِ مُسندَة إِلَى ضمير الشَّأْن.
وَالْبَيْت من قصيدة للفرزدق مَذْكُورَة فِي النقائض هجا بهَا جَرِيرًا.
وَقَوله: قنافذ هداجون: جمع قنفذ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة الْمُهْملَة وَهُوَ حَيَوَان مَعْرُوف يضْرب بِهِ الْمثل فِي سرى اللَّيْل يُقَال: أسرى من قنفذ. وَهُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هم قنافذ. وَهَذَا تَشْبِيه بليغ كَمَا
حَقَّقَهُ السعد التَّفْتَازَانِيّ لَا اسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ كَمَا توهم الْعَيْنِيّ مَعَ اعتراضه بِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ كَمَا ذكرنَا.
وهداجون: فعالون من الهدج بالإسكان والهدجان بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ السّير السَّرِيع. وَفعله كضرب. ويروى: دراجون من درج الصَّبِي وَالشَّيْخ وَفعله كدخل وَمَعْنَاهُ تقَارب الخطو بِمَنْزِلَة مشي الصَّبِي.
وعطية: أَبُو جرير. يَقُول: إِن رَهْط جرير كالقنافذ لمشيهم فِي اللَّيْل للسرقة والفجور وَإِن أَبَا جرير هُوَ الَّذِي عودهم ذَلِك.
وَقد هجاه الأخطل بِمثل هَذَا أَيْضا قَالَ من قصيدة: الْبَسِيط)
(أما كُلَيْب بن يَرْبُوع فَلَيْسَ لَهَا
…
عِنْد التفاخر إِيرَاد وَلَا صدر)
(مخلفون وَيَقْضِي النَّاس أَمرهم
…
وهم بِغَيْب وَفِي عمياء مَا شعروا)
(مثل القنافذ هداجون قد بلغت
…
نَجْرَان أَو بلغت سوءاتهم هجر)
وترجمة الفرزدق قد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ من أَوَائِل الْكتاب.