الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَقُول: قد سمع ثلاثية فَلَا شذوذ. وَقَالَ أَبُو الْحسن الْأَخْفَش: لتقربن: لتردن. وَلَيْلَة الْقرب: لَيْلَة الْورْد. وَهَذَا خطاب لناقته.
يَقُول: لتسيرن إِلَى المَاء سيراً حثيثاً. والجلذي بِضَم الْجِيم وَسُكُون اللَّام بعْدهَا ذال مُعْجمَة وَمَعْنَاهُ السَّرِيع الشَّديد فَهُوَ وصف الْقرب. وَقيل. منادى مرخم. وجلذية: اسْم نَاقَته.
وَالضَّمِير فِي فِيهِنَّ عَائِد على الْإِبِل وَدلّ عَلَيْهِ سِيَاق الْكَلَام وَذكر النَّاقة فأضمر وَإِن لم يجر لَهَا ذكر.
والفصيل: ولد النَّاقة وَغنما ذكره لِأَنَّهُ نَاقَته من جملَة الْإِبِل يَسُوقهَا إِلَى المَاء سوقاً حثيثاً.
فَيَقُول: لَا أعذرك مَا دَامَ فِيهِنَّ فصيل يُطيق السّير. ودجا اللَّيْل: أظلم. وهيا هيا زجر لَهَا)
وتصويت حَتَّى تسير أَي: مبادرة. وَلَيْسَ مِنْهُ فعل وَهِي مَكْسُورَة الأول. وَقد حكيت بِالْفَتْح. قَالَه ابْن خلف.
وَقَوله: وَلَيْسَ مِنْهُ فعل يناقضه قَول الجواليقي فِي شرح أدب الْكَاتِب: يُقَال: هوى يهوي هياً وَمُقْتَضَاهُ أَنه بِالْفَتْح لَا بِالْكَسْرِ وَأَنه مصدر لَا اسْم فعل إِلَّا أَن يكون هَذَا هُوَ الأَصْل ثمَّ نقل إِلَى اسْم الْفِعْل.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد السبعمائة)
وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ:
الطَّوِيل
وَإِن شِفَاء عِبْرَة مهراقة على أَنه يجوز أَن يخبر فِي بَاب إِن أَيْضا عَن النكرَة كَمَا هُنَا فَإِن شِفَاء وَقع اسْم مُنْكرا وَأخْبر عَنهُ ب عِبْرَة.
قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: وَكَذَا أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ.
أَقُول: هَذَا نَصه فِي بَاب مَا يحسن عَلَيْهِ السُّكُوت فِي هَذِه الأحرف الْخَمْسَة إِن وَأَخَوَاتهَا قَالَ: وَتقول: إِن قَرِيبا مِنْك زيدا إِذا جعلت قَرِيبا مِنْك موضعا. وَإِن جعلت الأول هُوَ الآخر قلت: إِن قَرِيبا مِنْك زيد وَتقول: إِن بَعيدا مِنْك زيد. وَالْوَجْه إِذا أردْت هَذَا أَن تَقول: إِن زيدا قريب أَو بعيد مِنْك لِأَنَّهُ اجْتمع معرفَة ونكرة.
(وَإِن شِفَاء عِبْرَة مهراقة
…
فَهَل عِنْد رسم دارس من معول)
فَهَذَا أحسن لِأَنَّهُ نكرَة. وَإِن شِئْت قلت: إِن بَعيدا مِنْك زيدا. وقلما يكون بَعيدا مِنْك ظرفا لِأَنَّك لَا تَقول: إِن بعْدك وَتقول: إِن قربك فالدنو أَشد تمكيناً فِي الظّرْف من الْبعد. انْتهى كَلَامه.
وَالرِّوَايَة الْمَشْهُورَة فِي الْبَيْت: وَإِن شفائي بِالْإِضَافَة إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم. وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور الْمَعْرُوف.
وَالْبَيْت من أول معلقَة امْرِئ الْقَيْس وَلم يذكر شراحها تِلْكَ الرِّوَايَة إِلَّا أَن الْخَطِيب التبريزي قَالَ: روى سِيبَوَيْهٍ هَذَا الْبَيْت وَإِن شِفَاء عِبْرَة وَاحْتج فِيهِ بِأَن النكرَة يخبر عَنْهَا بالنكرة.
ويروى:)
وَإِن شفائي عِبْرَة لَو سفحتها
أَي: صببتها. وَلَو: لِلتَّمَنِّي لَا جَوَاب لَهَا. وَالْعبْرَة بِالْفَتْح: الدمعة وَجَمعهَا عبر كبدرة وَبدر.
ومهراقة بِفَتْح الْهَاء أَي: مصبوبة.
قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أدب الْكَاتِب: قد ذكر ابْن قُتَيْبَة فِي بَاب فعلت وأفعلت هرقت المَاء وأهرقته. وَقد قَالَ مثله بعض اللغويين مِمَّن لَا يحسن التصريف وتوهم أَن هَذِه الْهَاء فِي هَذِه الْكَلِمَة أصل. وَهُوَ غلط وَالصَّحِيح أَن هرقت وَأَهْرَقت فعلان رباعيان معتلان أصهلما أرقت.
فَمن قَالَ: هرقت فالهاء عِنْده بدل من همزَة أفعلت كَمَا قَالُوا: أرحت الْمَاشِيَة وهرحتها وأنرت الثَّوْب وهنرته.
وَمن قَالَ: أهرقت فالهاء عِنْده عوض من ذهَاب حَرَكَة عين الْفِعْل عَنْهَا ونقلها إِلَى الْفَاء لِأَن الأَصْل أريقت أَو أروقت بِالْيَاءِ أَو بِالْوَاو على الِاخْتِلَاف فِي ذَلِك ثمَّ نقلت حَرَكَة الْوَاو أَو الْيَاء إِلَى الرَّاء فَانْقَلَبَ حرف الْعلَّة ألفا لانفتاح مَا قبلهَا ثمَّ حذف لسكونه وَسُكُون الْقَاف.
والساقط من أرقت يحْتَمل أَن يكون واواً فَيكون مشتقاً من راق الشَّيْء يروق وَيحْتَمل ن يكون يَاء لِأَن الْكسَائي حكى: راق المَاء يريق إِذا انصب.
وَالدَّلِيل على أَن الْهَاء فِي هرقت وَأَهْرَقت لَيست فَاء الْفِعْل على مَا توهم من ظَنّهَا كَذَلِك أَنَّهَا لَو كَانَت كَذَلِك للَزِمَ أَن يجرى هرقت فِي تصريفه مجْرى ضربت فَيُقَال: هرقت أهرق هرقاً كَمَا تَقول: ضربت أضْرب ضربا أَو مجْرى غَيره من الْأَفْعَال الثلاثية الَّتِي يَجِيء مضارعها بِضَم الْعين وتجيء مصادرها مُخْتَلفَة.
وَكَانَ يلْزم أَن يجرى أهرقت فِي تصريفه مجْرى أكرمت وَنَحْوه من الْأَفْعَال الرّبَاعِيّة المصححة
وَلم تقل الْعَرَب شَيْئا من ذَلِك وَإِنَّمَا يَقُولُونَ فِي تصريف هرقت أهريق يفتحون الْهَاء وَكَذَلِكَ يفتحونها فِي اسْم الْفَاعِل فَيَقُولُونَ: مهريق وَفِي سم الْمَفْعُول مهراق لِأَنَّهَا بدل من همزَة لَو ثبتَتْ فِي تصريف الْفِعْل لكَانَتْ مَفْتُوحَة.
أَلا ترى أَنَّك لَو صرفت أرقت على مَا يَنْبَغِي من التصريف وَلم تحذف الْهمزَة مِنْهُ لَقلت فِي مضارعه يؤريق وَفِي اسْم فَاعله مؤريق وَفِي اسْم مَفْعُوله مؤريق. وَقَالُوا فِي الْمصدر: هراقة كَمَا قَالُوا إِرَاقَة.)
وَإِذا صرفُوا أهرقت قَالُوا فِي الْمُضَارع أهريق وَفِي الْمصدر إهراقة وَفِي اسْم الْفَاعِل مهريق وَفِي اسْم الْمَفْعُول مهراق فأسكنوا الْهَاء فِي جَمِيع تصريف الْكَلِمَة. فَهَذَا يدل على أَنه رباعي معتل وَلَيْسَ بِفعل صَحِيح وَأَن الْهَاء فِيهِ بدل من همزَة. أرقت أَو عوض كَمَا قُلْنَا.
قَالَ العديل بن الفرخ: الطَّوِيل
(فَكنت كمهريق الَّذِي فِي سقائه
…
لرقراق آل فَوق رابية صلد)
وَقَالَ ذُو الرمة: الطَّوِيل فَلَمَّا دنت إهراقة المَاء أنصتت وَقَالَ الْأَعْشَى فِي أَرَاك:
الْخَفِيف
انْتهى كَلَامه ولجودته سقناه بِتَمَامِهِ.
وَقَوله: فَهَل عِنْد رسم
…
. إِلَخ الرَّسْم: الْأَثر. والدارس: المنطمس. وَالْفَاء فِي جَوَاب شَرط مُقَدّر قَالَ ابْن جني فِي سر الصِّنَاعَة: وَمن ذَلِك قَول امْرِئ الْقَيْس: وَإِن شقائي عِبْرَة
…
...
…
... . الْبَيْت فَفِي قَوْله معول مذهبان: أَحدهمَا: أَنه مصدر عولت بِمَعْنى: أعولت أَي: بَكَيْت. أَي: فَهَل عِنْد رسم دارس من إعوال وبكاءٍ.
وَالْآخر: أَنه مصدر عولت على كَذَا أَي: اعتمدت عَلَيْهِ كَقَوْلِهِم: إِنَّمَا عَلَيْك معولي أَي: اتكالي.
وعَلى أَي الْأَمريْنِ حملت الْمعول فدخول الْفَاء على: فَهَل عِنْد رسم حسن جميل أما على الأول فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِن شفائي أَن أسفح عبرتي. ثمَّ خَاطب نَفسه أَو صَاحِبيهِ فَقَالَ: إِذا كَانَ الْأَمر على مَا قدمت من أَن فِي الْبكاء شِفَاء وجدي فَهَل من بكاء أشفي بِهِ غليلي فَهَذَا ظَاهره اسْتِفْهَام لنَفسِهِ وَمَعْنَاهُ التحضيض لَهَا على الْبكاء كَمَا تَقول: قد أَحْسَنت إِلَيّ فَهَل أشكرك أَي: فلأشكرنك. وَقد زرتني فَهَل أكافئك أَي: فلأكافئنك.
وَإِذا خَاطب صَاحِبيهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: قد عرفتكما سَبَب شفائي وَهُوَ الْبكاء والإعوال فَهَل تعولان وتبكيان معي لأشفي وجدي ببكائكما. فَهَذَا التَّفْسِير على قَول من قَالَ: إِن معولي بِمَنْزِلَة إعوالي.)
وَالْفَاء عقدت آخر الْكَلَام بأوله لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ قَالَ: إِن كنتما قد عرفتما مَا أوثره من الْبكاء فابكيا معي.
كَمَا أَنه إِذا استفهم نَفسه فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِذا كنت قد علمت أَن فِي الإعوال رَاحَة لي فَلَا عذر لي فِي ترك الْبكاء.
وَأما من جعل معولي بِمَعْنى تعويل على كَذَا أَي: اعتمادي واتكالي عَلَيْهِ فَوجه دُخُول الْفَاء على فَهَل فِي قَوْله: أَنه لما قَالَ: إِن شفائي عِبْرَة
مهراقة فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا راحتي فِي الْبكاء فَمَا معنى اتكالي فِي شِفَاء غليلي على رسم دارس لَا غناء عِنْده عني. فسبيلي أَن أقبل على بُكَائِي وَلَا أعول فِي برد غليلي على مَا لَا غناء عِنْده.
وَهَذَا أَيْضا معنى يحْتَاج مَعَه إِلَى الْفَاء لتربط آخر الْكَلَام بأوله فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِذا كَانَ شفائي إِنَّمَا هُوَ فِي فيض دمعي فسبيلي أَن لَا أعول على رسم دارس فِي دفع حزني وَيَنْبَغِي أَن أجد فِي الْبكاء الَّذِي هُوَ سَبَب الشِّفَاء. انْتهى كَلَامه.
وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن هِشَام وَهل بِالْوَاو قَالَ فِي الْمُغنِي فِي بحث هَل وَفِي عطف الْإِنْشَاء على الْخَبَر من الْبَاب الرَّابِع: إِن هَل فِيهِ للنَّفْي وَلذَا صَحَّ الْعَطف إِذْ لَا يعْطف الْإِنْشَاء على الْخَبَر.
وَقد تقدم فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالتسْعين بعد الْمِائَة عَن الباقلاني فِي إعجاز الْقُرْآن أَن هَذَا الْبَيْت مُنَاقض لما قبله فَرَاجعه.
وترجمة امْرِئ الْقَيْس تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ.
وَأنْشد بعده: الوافر
يكون مزاجها عسل وَمَاء على أَنه يجوز أَن يخبر فِي بَابي كَانَ وَإِن بِمَعْرِِفَة عَن نكرَة فِي الِاخْتِيَار كَمَا هُنَا فَإِن مزاجها رُوِيَ بِالنّصب على أَنه خبر مقدم وَهُوَ معرفَة وَعسل اسْم كَانَ مُؤخر وَهُوَ نكرَة.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: لَا يجوز هَذَا إِلَّا فِي ضَرُورَة الشّعْر.
وَهَذَا مَذْهَب ابْن جني قَالَ فِي الْمُحْتَسب: رُوِيَ عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ: وَمَا كَانَ صلاتَهم عِنْد الْبَيْت نصبا إِلَّا مكاءٌ وتصديةٌ رفعا. ولحنه الْأَعْمَش. وَقد رُوِيَ هَذَا الْحَرْف أَيْضا عَن أبان بن تغلب أَنه قَرَأَهُ كَذَلِك.
ولسنا ندفع أَن جعل اسْم كَانَ نكرَة وخبرها معرفَة قَبِيح فَإِنَّمَا جَاءَت مِنْهُ أَبْيَات شَاذَّة وَهُوَ فِي)
ضَرُورَة الشّعْر أعذر وَالْوَجْه اخْتِيَار الْأَفْصَح الأعرب وَلَكِن وَرَاء ذَلِك مَا أذكرهُ. اعْلَم أَن نكرَة الْجِنْس تفِيد مفَاد مَعْرفَته.
أَلا ترى أَنَّك تَقول: خرجت فَإِذا أَسد بِالْبَابِ فتجد مَعْنَاهُ معنى قَوْلك: خرجت فَإِذا الْأسد بِالْبَابِ لَا فرق بَينهَا. وَذَلِكَ أَنَّك فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَا تُرِيدُ أسداً وَاحِدًا معينا وَإِنَّمَا تُرِيدُ خرجت فَإِذا بِالْبَابِ وَاحِد من هَذَا الْجِنْس.
وَإِذا كَانَ كَذَلِك جَازَ هُنَا الرّفْع فِي مكاء وتصدية جَوَازًا قَرِيبا حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: وَمَا كَانَ صلَاتهم عِنْد الْبَيْت إِلَّا مكاءُ والتصديةُ أَي: إِلَّا هَذَا الْجِنْس من الْفِعْل.
وَإِذا كَانَ كَذَلِك لم يجر هَذَا مجْرى قَوْلك: كَانَ قَائِم أَخَاك وَكَانَ جَالس أَبَاك لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي جَالس وقائم من معنى الجنسية الَّتِي تلاقي معنيا نكرتها ومعرفتها.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يجوز مَعَ النَّفْي من جعل اسْم كَانَ وَأَخَوَاتهَا نكرَة مَا لَا يجوز مَعَ الْإِيجَاب فَكَذَلِك هَذِه الْقِرَاءَة لما
دَخلهَا النَّفْي قوي وَحسن جعل اسْم كَانَ نكرَة. هَذَا إِلَى مَا ذكرنَا من مشابهة نكرَة اسْم الْجِنْس لمعرفته.
وَلِهَذَا ذهب بَعضهم فِي قَول حسان:
(كَأَن سبيئة من بَيت رَأس
…
يكون مزاجها عسل وَمَاء)
أَنه إِنَّمَا جَازَ ذَلِك من حَيْثُ كَانَ عسل ومكاء جِنْسَيْنِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: يكون مزاجها الْعَسَل وَالْمَاء. فَبِهَذَا تسهل هَذِه الْقِرَاءَة وَلَا تكون من الْقبْح واللحن الَّذِي ذهب إِلَيْهِ الْأَعْمَش. انْتهى.
وَإِلَيْهِ أَيْضا ذهب ابْن السَّيِّد فِي أَبْيَات الْمعَانِي قَالَ: هَذَا لَا يجوز إِلَّا فِي ضَرُورَة الشّعْر فَأَما فِي الْكَلَام فَلَا يجوز.
وَقَالَ اللَّخْمِيّ: حسن ذَلِك أَن مزاجاً مُضَاف إِلَى ضمير نكرَة. قَالَ السيرافي عِنْدَمَا أنْشد سِيبَوَيْهٍ: الوافر أظبي كَانَ أمك أم حمَار إِن ضمير النكرَة لَا تستفيد مِنْهُ إِلَّا نكرَة. أَلا ترى إِذا قلت: مَرَرْت بِرَجُل فكلمته لم تكن الْهَاء بموجبة تعريفاً لشخص بِعَيْنِه وَإِن كَانَت معرفَة من حَيْثُ علم الْمُخَاطب أَنَّهَا ترجع إِلَى ذَلِك المنكور. انْتهى.
وَقَالَ ابْن خلف: فِي هَذَا أَرْبَعَة أَقْوَال: قيل هُوَ على وَجه الضَّرُورَة وَقيل: أَرَادَ
مزاجاً لَهَا فَنوى)
بِالْإِضَافَة الِانْفِصَال فَأخْبر بنكرة عَن نكرَة.
وَقَالَ أَبُو عَليّ: نصب مزاجها على الظّرْف الساد مسد الْخَبَر كَأَنَّهُ قَالَ: يكون مُسْتَقرًّا فِي مزاجها. فَإِذا كَانَ ظرفا تعلق بِمَحْذُوف يكون
الناصب لَهُ وَقدم على عسل وَمَاء كعادتهم فِي ثمَّ نقل تَوْجِيه ابْن جني. وَكَذَلِكَ نقل اللَّخْمِيّ عَنهُ قَالَ: وَعَن أبي عَليّ أَن مزاجها ينْتَصب على الظّرْف تَقْدِيره على الْمَعْنى: يكون مَكَان مزاجها عسل وَمَاء.
قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وتأويله الْفَارِسِي على أَن انتصاب المزاج على الظَّرْفِيَّة المجازية.
وَزعم شَارِحه ابْن الملا أَن كَانَ على تَأْوِيل أبي عَليّ تكون تَامَّة.
وَذهب الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل إِلَى أَن هَذَا وَنَحْوه من الْقلب الَّذِي شجع عَلَيْهِ أَمن الإلباس.
وَإِلَيْهِ جنح ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي قَالَ فِي الْبَاب الثَّامِن: من فنون كَلَامهم الْقلب وَأكْثر وُقُوعه فِي الشّعْر. وَأنْشد الْبَيْت. وَقَالَ فِي الْبَاب الرَّابِع مِنْهُ: إِنَّه ضَرُورَة. وَلم يذكر الْقلب.
وَرُوِيَ فِي الْبَيْت رفع مزاجها وَنصب عسل وَرفع مَاء وبرفع الْجَمِيع.
وَقد تقدم كُله مشروحاً مَعَ القصيدة فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ بعد السبعمائة.
وَأنْشد بعده: الوافر وَلَا يَك موقف مِنْك الوداعا
لما تقدم قبله من أَنه يجوز فِي الِاخْتِيَار أَن يخبر عَن نكرَة بِمَعْرِِفَة فِي ذَيْنك الْبَابَيْنِ.
قَالَ ابْن مَالك فِي التسهيل: وَقد يخبر هُنَا وَفِي بَاب إِن بِمَعْرِِفَة عَن نكرَة اخْتِيَارا.
وَقَالَ فِي شَرحه: لما كَانَ الْمَرْفُوع هُنَا مشبهاً بالفاعل والمنصوب مشبهاً بالمفعول جَازَ أَن يُغني هُنَا تَعْرِيف الْمَنْصُوب عَن تَعْرِيف الْمَرْفُوع كَمَا جَازَ فِي بَاب الْفَاعِل لَكِن بِشَرْط الْفَائِدَة وَكَون النكرَة غير مَحْضَة.
من ذَلِك قَول حسان: يكون مزاجها عسل وَمَاء وَلَيْسَ بمضطر إِذْ يُمكنهُ أَن يَقُول: مزاجها بِالرَّفْع فَيجْعَل اسْم يكون ضمير الشَّأْن.
وَقَول الْقطَامِي: وَلَا يَك موقف مِنْك الوداعا وَلَيْسَ بمضطر إِذْ لَهُ ن يَقُول: وَلَا يَك موقفي. والمحسن لهَذَا شبه الْمَرْفُوع بالفاعل والمنصوب)
بالمفعول. وَقد حمل هَذَا الشّبَه فِي بَاب إِن كَقَوْل الفرزدق: الطَّوِيل
(وَإِن حَرَامًا أَن أسب مجاشعاً
…
بآبائي الشم الْكِرَام الخضارم)
انْتهى.
وَهَذَا مَبْنِيّ على تَفْسِير الضَّرُورَة بِمَا لَا مندوحة للشاعر عَنهُ. وَهَذَا
فَاسد من وُجُوه تقدم بَيَانهَا فِي شرح أول شَاهد. وَعند الْجُمْهُور هُوَ من الضَّرُورَة وَمَعْنَاهَا مَا وَقع فِي الشّعْر سَوَاء كَانَ عَنهُ مندوحة أَو لَا.
قَالَ اللَّخْمِيّ: جعل موقفا وَهُوَ نكرَة اسْم يَك والوداع وَهُوَ معرفَة الْخَبَر ضَرُورَة لإِقَامَة الْوَزْن. وَحسن الضَّرُورَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن النكرَة قد قربت من الْمعرفَة بِالصّفةِ.
وَالثَّانِي: أَن الْمصدر جنس فمفاد نكرته ومعرفته وَاحِد.
وَالثَّالِث: أَن الْخَبَر هُوَ الْمُبْتَدَأ فِي الْمَعْنى.
وَقَالَ صَاحب اللّبَاب: وهما أَي: الْمَرْفُوع والمنصوب بكان على شرائطهما فِي بَاب الِابْتِدَاء.
وَزعم بعض المنتمين إِلَى هَذِه الصَّنْعَة أَن بِنَاء الْكَلَام على بعضهما من غير تَقْدِير دُخُول على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر سَائِغ بِدَلِيل قَوْله: وَلَا يَك موقف مِنْك الوداعا وَلَيْسَ بمحمول على الضَّرُورَة إِذْ لَا يتم الْمَعْنى الْمَقْصُود إِلَّا هَكَذَا إِذْ لَو عرفهما لم يؤد أَنه لم يرخص أَن يكون مَا سوى ذَلِك من المواقف وداعاً. وَلَو نكرهما لم يؤد أَن الْوَدَاع قد كره إِلَيْهِ حَتَّى صَار نصب عَيْنَيْهِ. وَلَو عرف الأول ونكر الثَّانِي لجمع بَين الهجنتين.
وَالْجَوَاب بعد تَسْلِيم جَمِيع مَا ذكره أَنه لَو أَرَادَ إِيرَاد هَذَا الْمَعْنى بطرِيق النَّفْي دون النَّهْي لَا بُد أَن يَقُول: مَا موقف مِنْك الْوَدَاع بِعَين مَا ذكره. على أَن
الْمَقْصُود أَن لَا يكون الْوَدَاع موقفا مِنْهَا يكون مزاجها عسل وَمَاء
انْتهى.
أَرَادَ بالهجنتين ترخيص كَون مَا سوى هَذَا الْموقف الْمعِين موقف وداع وفوات النُّكْتَة المستفادة من تَعْرِيف الْوَدَاع. وَحَاصِله أَنه لما اخْتَار أَو وجود شَرَائِط الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي هَذِه الْأَفْعَال لَازم ذهب إِلَى أَن الْبَيْت مَحْمُول على الضَّرُورَة لِأَنَّهَا دعت إِلَى الْقلب.)
وَأجَاب عَن اسْتِدْلَال الْمُخَالف بِوَجْهَيْنِ: الأول: أَن يُقَال: لَا نسلم أَنَّهُمَا إِن كَانَا معرفتين يلْزم قبح لِأَن مبناه أَن اللَّام فِي الْموقف للْعهد وَهُوَ مَمْنُوع لجَوَاز أَن تكون للْجِنْس أَي: لَا يَك جنس الْموقف الْوَدَاع.
وَفِيه عُمُوم سلمناه لَكِن لَا نسلم أَنَّهُمَا إِن كَانَا منكرين يلْزم قبح لِأَنَّهُ مَبْنِيّ على أَن اللَّام فِي الْوَدَاع للْعهد إِلَى الشَّيْء الْمُكْره عِنْده وَهُوَ مَمْنُوع لجَوَاز كَونه للْجِنْس.
سلمناه لكنه منقوض بِنَقْض إجمالي وتوجيهه لَو صَحَّ مَا ذكرت لَكَانَ الْوَاجِب أَن يُقَال عِنْد إِرَادَة هَذَا الْمَعْنى بطرِيق النَّفْي دون النَّهْي: مَا موقف مِنْك الْوَدَاع بِعَين مَا ذكرت. لَكِن التَّالِي بَاطِل لِأَن تنكير الْمُبْتَدَأ وتعريف الْخَبَر بعد النَّفْي لَيْسَ حد الْكَلَام الَّذِي يجب أَن يكون عَلَيْهِ الِاتِّفَاق.
وعَلى هَذَا كَانَ الْوَدَاع اسْم كَانَ