الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَوله: فشركما لخيركما الْفِدَاء قَالَ السُّهيْلي: فِي ظَاهر هَذَا اللَّفْظ شناعة لِأَن الْمَعْرُوف أَن لَا يُقَال: هُوَ شرهما إِلَّا وَفِي كليهمَا شَرّ. وَكَذَلِكَ شَرّ مِنْك وَلَكِن سِيبَوَيْهٍ قَالَ: تَقول: مَرَرْت بِرَجُل شَرّ مِنْك إِذا نقص عَن أَن يكون مثله. وَهَذَا يدْفع الشناعة عَن الْكَلَام الأول.
وَنَحْو مِنْهُ قَوْله عليه السلام: شَرّ صُفُوف الرِّجَال آخرهَا يُرِيد: نُقْصَان حظهم عَن حَظّ الصَّفّ الأول كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ. وَلَا يجوز أَن يُرِيد التَّفْضِيل فِي الشَّرّ. وَالله أعلم.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ بعد السبعمائة)
الطَّوِيل على أَن قد فصل بالجار وَالْمَجْرُور أَعنِي الْجُمْلَة القسمية وَهُوَ وَأبي دهماء بَين لَا النافية وَبَين زَالَت.
وَهَذَا الْفَصْل شَاذ. وَإِلَيْهِ ذهب ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي إِلَّا أَنه لم يُقَيِّدهُ بالشذوذ وَلَا بالقلة. وَكَأَنَّهُ مطرد عِنْده. قَالَ فِي بحث الْجُمْلَة المعترضة: ويفصل بني حرف النَّفْي ومنفيه كَقَوْلِه: المنسرح وَلَا أَرَاهَا تزَال ظالمة
وَقَوله: فَلَا وَأبي دهماء زَالَت عزيزة قَالَ شَارِحه ابْن الملا الْحلَبِي: وَيجوز أَن تكون لَا ردا وحرف النَّفْي محذوفاً وَلَا اعْتِرَاض.
انْتهى.
وَقد رد الشَّارِح الْمُحَقق هَذَا الْجَوَاز فَقَالَ: وَلَيْسَ مِمَّا حذف مِنْهُ حرف النَّفْي إِلَخ.
وَمرَاده الرَّد على الْفراء فَإِنَّهُ ذهب فِي موضِعين من تَفْسِيره إِلَى أَن حرف النَّفْي مِنْهُ مَحْذُوف: الأول فِي سُورَة يُوسُف عِنْد قَوْله تَعَالَى: تالله تفتؤ تذكر يُوسُف قَالَ: أَي لَا تزَال تذكر يُوسُف. وَلَا قد تضمر مَعَ الْأَيْمَان لِأَنَّهَا إِذا كَانَت خَبرا لَا يضمر فِيهَا لَا لم تكن إِلَّا بلام.
أَلا ترى أَنَّك تَقول: وَالله لآتينك. وَلَا يجوز: وَالله آتِيك إِلَّا أَن تكون تُرِيدُ لَا. فَلَمَّا تبين قَالَ امْرُؤ الْقَيْس: الطَّوِيل فَقلت يَمِين الله أَبْرَح قَاعِدا
…
...
…
... الْبَيْت وأنشدني بَعضهم:
(فَلَا وَأبي دهماء زَالَت عزيزة
…
على قَومهَا مَا فتل الزند قَادِح)
يُرِيد: لَا زَالَت.
والموضع الثَّانِي فِي سُورَة الْكَهْف عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قَالَ مُوسَى لفتاه لَا أَبْرَح.
قَالَ: لَا يكون تزَال وأبرح وأفتأ إِلَّا بجحد ظَاهر أَو مُضْمر. فَأَما الظَّاهِر فقد ترَاهُ فِي الْقُرْآن: وَلَا يزالون مُخْتَلفين. والمضمر فِيهِ الْجحْد قَول الله تَعَالَى: تفتؤ مَعْنَاهُ لَا تفتؤ.
وَمثله قَول الشَّاعِر:)
فَلَا وَأبي دهماء زَالَت عزيزة
…
...
…
... . الْبَيْت وَكَذَلِكَ قَول امْرِئ الْقَيْس: فَقلت يَمِين الله أَبْرَح قَاعِدا
…
...
…
...
…
. الْبَيْت انْتهى.
وَقد جعله ابْن عُصْفُور من بَاب حذف النَّافِي وَهُوَ مَا لَكِن روى صَدره على خلاف هَذَا
(لعمر أبي دهماء زَالَت عزيزة
…
على قَومهَا مَا فتل الزند قَادِح)
يُرِيد: مَا زَالَت عزيزة. انْتهى.
وَكَذَا رَوَاهُ الْمرَادِي فِي شرح التسهيل وخرجه. إِلَّا أَنه قَالَ: أَي لَا زَالَت عزيزة. انْتهى.
وَقَوله: فَلَا وَأبي دهماء
…
إِلَخ الْفَاء فِي التَّقْدِير دَاخِلَة على وَاو الْقسم أَي: فو أبي دهماء لَا زَالَت عزيزة.
أقسم الشَّاعِر بوالد هَذِه الْمَرْأَة. فَأبى مُضَاف إِلَى دهماء وَهِي اسْم امْرَأَة وَاسم زَالَت الضَّمِير الرَّاجِع إِلَى دهماء وعزيزة خَبَرهَا وَهِي من الْعِزَّة بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالزاء الْمُعْجَمَة وَجُمْلَة:
لَا زَالَت جَوَاب الْقسم وعَلى قَومهَا مُتَعَلق بعزيزة وَمَا مَصْدَرِيَّة ظرفية.
وفتل بِالْفَاءِ بعْدهَا مثناة فوقية روى بشدها وتخفيفها وَهُوَ فعل مَاض والزند مَفْعُوله وقادح فَاعله.
وَقد ذكر أَبُو حنيفَة الدينَوَرِي فِي كتاب النَّبَات صفة الزند والزندة وَكَيْفِيَّة الفتل فَلَا بَأْس بإيراده هُنَا قَالَ: أفضل مَا اتَّخذت مِنْهُ الزِّنَاد شجرتا المرخ والعفاء بِفَتْح الْعين المهلمة بعْدهَا فَاء فَتكون الْأُنْثَى وَهِي الزندة السُّفْلى مرخاً وَيكون الذّكر وَهُوَ الزند الْأَعْلَى عفاراً. أَخْبرنِي بعض عُلَمَاء الْأَعْرَاب وَأما المرخ فقد رَأَيْته ينْبت قضباناً سَمْحَة طوَالًا لَا ورق لَهَا. ولفضل هَاتين الشجرتين فِي سرعَة الوري وَكَثْرَة النَّار سَار قَول الْعَرَب فيهمَا مثلا فَقَالُوا: فِي كل الشّجر نَار واستمجد المرخ والعفار أَي: ذَهَبا بالمجد فَكَانَ الْفضل لَهما.
وَلذَلِك قَالَ الْأَعْشَى: المتقارب
(زنادك خير زناد الملو
…
ك خالط فِيهِنَّ مرخ عفارا)
ويختار أَن تكون الزندة من المرخ والزند من العفار.)
وَمن فَضِيلَة المرخ فِي كَثْرَة النَّار وَسُرْعَة الوري مَا ذكر أَبُو زِيَاد الْكلابِي فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي الشّجر كُله أورى زناداً من المرخ قَالَ: وَرُبمَا كَانَ المرخ مجتمعاً ملتفاً وهبت الرّيح فحك بعضه بَعْضًا فأورى فَاحْتَرَقَ الْوَادي كُله. وَلم نر ذَلِك فِي شَيْء من الشّجر.
ثمَّ بعد أَن ذكر الْأَشْجَار الَّتِي تتَّخذ مِنْهَا الزِّنَاد قَالَ: وَصفَة الزندة: عود مربع فِي طول الشبر أَو أَكثر وَفِي عرض إِصْبَع أَو أشف وَفِي صفحاتها فرض وَهِي
نقر الْوَاحِدَة مِنْهَا فرضة وَتجمع فراضاً أَيْضا. والزند الْأَعْلَى نَحْوهَا غير أَنه مستدير وطرفه أدق من سائره.
فَأَما وصف الاقتداح بهَا فَإِن المقتدح إِذا أَرَادَ أَن يقتدح بالزناد وضع الزندة ذَات الْقَرَاض بِالْأَرْضِ وَوضع رجلَيْهِ على طرفيها ثمَّ وضع طرف الزند الْأَعْلَى فِي فرضة من فراض الزندة وَقد تقدم فَهَيَّأَ فِي الفرضة مجْرى للنار إِلَى جِهَة الأَرْض يحز وَقد حزه بالسكين فِي جَانب الفرضة ثمَّ فتل الزند بكفه كَمَا يفتل المثقب وَقد ألْقى فِي الفرضة شَيْئا من التُّرَاب يَسِيرا يَبْتَغِي بذلك الخشنة ليَكُون الزند أعمل فِي الزندة وَقد جعل إِلَى جَانب الفرضة عِنْد مفضى الحز رية تَأْخُذ فِيهَا النَّار فَإِذا فتل الزند لم يلبث الدُّخان أَن يظْهر ثمَّ تتبعه النَّار فتنحدر فِي الحز وَتَأْخُذ فِي الربة. وَتلك النَّار هِيَ السقط. انْتهى كَلَامه بِاخْتِصَار كثير.
وَقد صحف بَعضهم قَوْله: مَا فتل الزند قَادِح وروى: مَا قيل للزند قَادِح على أَنه فعل مَاض مَجْهُول من القَوْل. وجر الزند بِاللَّامِ.
وَهَذَا الْبَيْت لم أَقف لَهُ على تَتِمَّة وَلَا قَائِل. وَالله أعلم.