الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الْأَرْبَعُونَ بعد السبعمائة)
وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الرجز مَا دَامَ فِيهِنَّ فصيل حَيا على أَنه يجوز فِي بَاب كَانَ الْإِخْبَار عَن النكرَة الْمَحْضَة إِذا حصلت الْفَائِدَة كَمَا هُنَا فَإِن قَوْله: فصيل اسْم دَامَ. وَحيا خَبَرهَا وحصلت الْفَائِدَة من تَقْدِيم فِيهِنَّ وَهُوَ مُتَعَلق بالْخبر وَلَو حذفت فِيهِنَّ انْقَلب الْمَعْنى لِأَنَّك إِذا قلت: مَا دَامَ فصيل حَيا فَالْمُرَاد أبدا كَمَا تَقول: مَا طلعت شمس وَمَا ناح قمري. فَلَمَّا لم تتمّ الْفَائِدَة إِلَّا بِهِ حسن تَقْدِيمه لمضارعته الْخَبَر فِي الْفَائِدَة.
وَمثله قَوْله تَعَالَى: وَلم يكن لَهُ كفوا أحد فَإِن قَوْله: لَهُ وَإِن لم يكن خَبرا فَإِنَّهُ بِهِ يتم الْمَعْنى لِأَن سُقُوطهَا يبطل معنى الْكَلَام إِلَى ذكر لَهُ صَار بِمَنْزِلَة الْخَبَر الَّذِي لَا يسْتَغْنى عَنهُ وَإِن لم يكن خَبرا.
وَلم يكن بِمَنْزِلَة قَوْله: مَا كَانَ فِيهَا أحد خيرا مِنْك لِأَنَّك لَو حذفت فِيهَا كَانَ كلَاما صَحِيحا.
وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب الْإِخْبَار عَن النكرَة بالنكرة وأمثلته فِي كَانَ
وَأَخَوَاتهَا قَالَ فِيهِ: وَتقول: مَا كَانَ فِيهَا أحد خيرا مِنْك وَمَا كَانَ أحد مثلك فِيهَا وَلَيْسَ أحد فِيهَا خير مِنْك إِذا جعلت
فِيهَا مُسْتَقرًّا وَلم تَجْعَلهُ على قَوْلك: فِيهَا زيد قَائِم أجريت الصّفة على الِاسْم.
فَإِن جعلته على قَوْلك: فِيهَا زيد قَائِم نصبتها تَقول: مَا كَانَ فِيهَا أحد خيرا مِنْك وَمَا كَانَ أحد خيرا مِنْك فِيهَا إِلَّا أَنَّك إِذا أردْت الإلغاء فَكلما أخرت الَّذِي تلغيه كَانَ أحسن.
وَإِذا أردْت أَن يكون مُسْتَقرًّا مكتفى بِهِ فَكلما قَدمته كَانَ أحسن لِأَنَّهُ إِذا كَانَ عَاملا فِي شَيْء قَدمته كَمَا تقدم أَظن وأحسب. وَإِذا ألغيته أَخَّرته كَمَا تؤخرهما لِأَنَّهُمَا ليسَا يعملان شَيْئا.
والتقديم هَاهُنَا وَالتَّأْخِير والإلغاء والاستقرار عَرَبِيّ جيد كثير. فَمن ذَلِك قَوْله عز وجل: وَلم)
يكن لَهُ كفوا أحد.
وَأهل الْجفَاء يَقُولُونَ: وَلم يكن كُفؤًا لَهُ أحد كَأَنَّهُمْ أخروها حَيْثُ كَانَت غير مُسْتَقِرَّة.
قَالَ الشَّاعِر: الرجز
(لتقربن قرباً جلذياً
…
مَا دَامَ فِيهِنَّ فصيل حَيا)
وَقد دجا اللَّيْل فهيا هيا انْتهى كَلَام سِيبَوَيْهٍ.
قَالَ ابْن يعِيش: سِيبَوَيْهٍ يُسَمِّي الظّرْف الْوَاقِع خَبرا: مُسْتَقرًّا لِأَنَّهُ يقدر باستقر وَإِن لم يكن خَبرا سَمَّاهُ لَغوا. وَتَقْدِيم الظّرْف وتأخيره إِذا كَانَ مُسْتَقرًّا جَائِز عِنْده وَإِنَّمَا يخْتَار تَقْدِيمه.
فَإِن قيل: فَمَا تصنع بقوله سُبْحَانَهُ: وَلم يكن لَهُ كفوا أحد قدم الظّرْف
. مَعَ أَنه لَغْو قيل: لما كَانَت الْحَاجة ماسة وَالْكَلَام غير مستغن عَنهُ كَأَنَّهُ خبر مقدم لذَلِك.
أَلا ترى أَن قَوْله تَعَالَى: الله الصَّمد مُبْتَدأ وَخبر. وَقَوله: وَلم يكن لَهُ كفوا أحد مَعْطُوف عَلَيْهِ وَمَا عطف على الْخَبَر
كَانَ فِي حكم الْخَبَر فَلذَلِك لم يكن من الْعَائِد فِي قَوْله: لَهُ بُد لِأَن الْجُمْلَة إِذا وَقعت خَبرا افْتَقَرت إِلَى الْعَائِد. قَالَ: وَأهل الْجفَاء يَقُولُونَ: وَلم يكن كُفؤًا لَهُ أحد. أَرَادَ بِأَهْل الْجفَاء الْأَعْرَاب الَّذين لم يبالوا بِخَط الْمُصحف وَلم يعلمُوا كَيفَ هُوَ.
فَأَما قَوْله: مَا دَامَ فِيهِنَّ فصيل حَيا فَإِنَّهُ قدم الظّرْف هَاهُنَا وَإِن لم يكن مُسْتَقرًّا فَإِنَّهُ مُتَعَلق بالْخبر وَذَلِكَ لجَوَاز التَّقْدِيم عِنْده مَعَ أَنه قد تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ وَلَا يسوغ حذفه إِذْ حذفه يُغير الْمَعْنى وَيصير بِمَعْنى الْأَبَد كَقَوْلِك: مَا طلعت الشَّمْس. فَلَمَّا كَانَ الْمَعْنى مُتَعَلقا بِهِ صَار كالمستقر فقدمه لذَلِك. انْتهى.
وَقد أورد الشَّارِح الْمُحَقق هَذَا الْكَلَام فِي آخر الْبَحْث فِي الْحُرُوف المشبهة بِالْفِعْلِ وَقَالَ: يجوز الْإِخْبَار عَن النكرَة فِي بَاب إِن وَفِي بَاب كن بالنكرة والمعرفة.
وَجوزهُ أَبُو حَيَّان فِي الأول دون الثَّانِي قَالَ فِي تَذكرته: نصب إِن وَأَخَوَاتهَا للنكرات لَا ينْحَصر وَقد أخبر بالمعرفة وَهَذَا غَرِيب وَلَا يجوز فِي الِابْتِدَاء وَلَا فِي كَانَ. حكى سِيبَوَيْهٍ: إِن قَرِيبا مِنْك زيد وَإِن بَعيدا مِنْك زيد.
وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ:
الطَّوِيل)
وَحكى: إِن ألفا فِي دراهمك بيض وَإِن بِالطَّرِيقِ أسداً رابض.
وَجَاز عِنْدِي أَن يكون الْمعرفَة خَبرا عَن النكرَة هُنَا لما كَانَ الْمَعْنى وَاحِدًا وَأَنه لما كَانَ فضلَة فَكَأَنَّهُ غير مُسْند إِلَيْهِ فَجَاز تنكيره وَلما كَانَ الْخَبَر مَرْفُوعا صَار كَأَنَّهُ مُسْند إِلَيْهِ فَكَانَ معرفَة.
وَذكر الْجرْمِي هَذِه الْمَسْأَلَة فِي الفرخ وَقَالَ: إِنَّه يبتدأ بالنكرة ويخبر بالمعرفة عَنْهَا فِي هَذَا الْبَاب.
وَقَالَ: جَائِز ذَلِك لأَنهم لَا يقدمُونَ خبر إِن كَمَا يتسعون فِي ذَلِك فأعطوا إِن مَا منعُوا فِي كَانَ.
وَقد منعُوا خبر كَانَ وَمنعُوا أَن يكون خَبَرهَا معرفَة وَاسْمهَا نكرَة فأعطوا كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا مَنعه صَاحبه. انْتهى.
وَالشَّارِح تَابع فِي ذَلِك لِابْنِ مَالك. وَكَثْرَة السماع يشْهد لصِحَّة قَوْلهمَا.
وَهَذِه الأبيات الثَّلَاثَة نَسَبهَا ابْن السيرافي وَابْن خلف لِابْنِ ميادة. وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد التَّاسِع عشر من أَوَائِل الْكتاب.
وَقَوله: لتقربن قَالَ ابْن السيرافي: هُوَ جَوَاب قسم مَحْذُوف وَهُوَ بِضَم الرَّاء وَكسر الْبَاء.
قَالَ الْجَوْهَرِي: قربت أقرب قرَابَة مثل كتبت أكتب كِتَابَة إِذا سرت إِلَى المَاء وَبَيْنك وَبَينه لَيْلَة.
وَالِاسْم الْقرب بِفتْحَتَيْنِ.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: قلت لأعرابي: مَا الْقرب قَالَ: سير اللَّيْل لورد الْغَد. قلت: مَا الطلق قَالَ: سير اللَّيْل لورد الغب. وَقَالَ: أقرب الْقَوْم فهم قاربون وَلَا يُقَال: مقربون. قَالَ أَبُو عبيد: هَذَا الْحَرْف شَاذ.