الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلم أَقف عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ من هَذَا وَالله أعلم.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الثَّامِن عشر بعد السبعمائة)
الْكَامِل غادرته جزر السبَاع وَهُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ:
(غادرته جزر السبَاع ينشنه
…
مَا بَين قلَّة رَأسه والمعتصم)
على أَن غدر مُلْحق بَصِير فِي الْعَمَل وَالْمعْنَى إِذا كَانَ ثَانِي المنصوبين معرفَة كَمَا فِي الْبَيْت.
وَالْمَشْهُور فِي رِوَايَته: وَتركته جزر السبَاع.
-
وَقد اسْتشْهد بِهِ فِي التفسيرين على أَن ترك فِي قَوْله: وتركهم فِي ظلمات لَا يبصرون كَمَا فِي الْبَيْت.
وَترك فِي الأَصْل يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد لِأَنَّهُ بِمَعْنى طرح وخلى ثمَّ ضمن معنى صَار إِلَّا أَن مَا فِي الْبَيْت مُتَعَدٍّ قطعا إِلَى مفعولين لكَون الثَّانِي معرفَة بِخِلَاف الْآيَة فَإِن ترك فِيهَا يحْتَمل أَن تكون بِمَعْنى الأَصْل متعدية إِلَى مفعول وَاحِد وَيكون فِي ظلمات لَا يبصرون حَالين مترادفتين كَمَا قَالَه ابْن الْحَاجِب:
(ومدجج كرة الكماة نزاله
…
لَا ممعن هرباً وَلَا مستسلم)
(جَادَتْ يداي لَهُ بعاجل طعنة
…
بمثقف صدق الكعوب مقوم)
(فشككت بِالرُّمْحِ الطَّوِيل ثِيَابه
…
لَيْسَ الْكَرِيم على القنا بِمحرم)
وَتركته جزر السبَاع
…
...
…
... . . الْبَيْت وَقَوله: ومدجج أَي: رب مدجج وَهُوَ التَّام السِّلَاح بِكَسْر الْجِيم وَفتحهَا. والكماة: الشجعان. والنزال: المنازلة فِي الْحَرْب.
وَقَوله: لَا ممعن إِلَخ صفة ثَانِيَة لمدجج والإمعان: الْمُبَالغَة وَمَعْنَاهُ لَا يمعن هرباً فيبعد وَلَا هُوَ مستسلم فيؤسر وَلكنه يُقَاتل. وَيُقَال: مَعْنَاهُ لَا يفر فِرَارًا بَعيدا إِنَّمَا هُوَ منحرف لرجعة أَو كرة وَأَرَادَ وَصفه بالحزم فِي الْحَرْب. وَأَرَادَ أَنه وَإِن كَانَ بِهَذِهِ الصّفة وَكَانَ مِمَّن
تكره منازلته فَإِنِّي لم أجبن عَنهُ وَلَا هِبته وَلَكِنِّي أقدمت عَلَيْهِ.
وَقَوله: جَادَتْ يداي
…
. إِلَخ أَي: سبقته بالطعن لِأَنِّي كنت أحذق مِنْهُ. والمثقف: الرمْح الْمُقَوّم. والصدق بِالْفَتْح: الصلب. وَمَا بَين كل أنبوبتين كَعْب.)
وَقَوله: فشككت بِالرُّمْحِ
…
إِلَخ أَي: انتظمت ثِيَابه بِالرُّمْحِ يُرِيد أَن الرماح مولعة بالكرام لحرصهم على الْإِقْدَام. وَقيل: مَعْنَاهُ كرمه لَا يخلصه من الْقَتْل الْمُقدر لَهُ.
وَقَوله: وَتركته جزر السبَاع
…
إِلَخ الجزر: جمع جزرة بِفَتْح الْجِيم وَالزَّاي وَهِي الشَّاة أَو النَّاقة تنحر وتذبح. أَي: تركته لَحْمًا للسباع. والنوش: التَّنَاوُل.
وَقلة رَأسه: أَعْلَاهُ. والمعصم: مَوضِع السوار من الذِّرَاع. وَكَانَ الْوَجْه أَن يَقُول: مَا بَين قلَّة رَأسه والقدم فَلم يُمكنهُ للقافية. وَيحْتَمل أَنه اسْتعَار المعصم لما فَوق الْقدَم من السَّاق لتقاربهما فِي الْخلقَة.
وترجمة عنترة تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي عشر من أَوَائِل الْكتاب.
وَأنْشد بعده الوافر
(سَمِعت النَّاس ينتجعون غيشاً
…
فَقلت لصيدح انتجعي بِلَالًا
)
على أَن الْفِعْل التَّالِي لاسم الْعين بعد سمع يجوز أَن لَا يكون بِمَعْنى النُّطْق كَمَا فِي الْبَيْت فَإِن الانتجاع التَّرَدُّد فِي طلب العشب وَالْمَاء وَلَيْسَ قولا والمسموع مُطلق الصَّوْت سَوَاء كَانَ قولا أَو حَرَكَة فَإِن الْمَشْي فِيهِ صَوت تَحْرِيك الْأَقْدَام.
وَكَذَا الانتجاع هُوَ طلاب النجعة وَهِي مَكَان الْمَطَر إِذا أجدبوا. والطلب إِمَّا بالسؤال وَهُوَ قَول أَو بالتردد ذَهَابًا ومجيئاً وَفِيه حركات مسموعة.
وَالشَّارِح الْمُحَقق مَسْبُوق بِهَذَا الِاخْتِيَار.
وَقَالَ ابْن مَالك فِي التسهيل: ألْحقُوا بِرَأْي العلمية الحلمية وَسمع الْمُعَلقَة يعين وَلَا يخبر بعْدهَا إِلَّا بِفعل دَال على صَوت. اه.
وَهَذَا مُخَالف لصريح كَلَام الرضي. وَقَوله فِي أَمَالِيهِ إِن قِيَاس سَمِعتك تمشي على سَمِعت أَنَّك تمشي قِيَاس مَعَ الْفَارِق لِأَنَّهُ بِتَقْدِير الْبَاء وَلَيْسَ من هَذَا الْقَبِيل الَّذِي يدْخل على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر.
أَقُول: مُرَاده أَن سمع فِي المثالين مُتَعَلّقه مُطلق الصَّوْت سَوَاء كَانَ من اسْتِعْمَال وَاحِد أَو من استعمالين. فَإِن سمع فِي أَكثر استعمالاته مُتَعَلقَة الصَّوْت وَلَا يسْتَعْمل فِي غير مسموع إِن اللَّفْظَة مَوْضُوعَة لَهُ وَلَا يلْزم الدّلَالَة على الصَّوْت وضعا بل يَكْفِي الدّلَالَة عَلَيْهِ وَلَو التزاماً.)
وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: بِنصب النَّاس فِيهِ رد على الحريري بإنكاره النصب فَإِنَّهُ قَالَ فِي درة الغواص: وَمن أوهامهم فِي هَذَا الْمَعْنى أَنهم ينشدون بَيت ذِي الرمة: سَمِعت النَّاس ينتجعون غيثاً
فَيَنْصبُونَ لفظ النَّاس على الْمَفْعُول وَلَا يجوز ذَلِك لِأَن النصب بِجعْل الانتجاع مِمَّا يسمع وَمَا هُوَ كَذَلِك. إِنَّمَا الصَّوَاب أَن ينشد بِالرَّفْع على وَجه الْحِكَايَة. اه.
وَقد تبع فِي هَذَا الْمبرد فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْكَامِل: قَوْله سَمِعت النَّاس ينتجعون غيثاً حِكَايَة وَالْمعْنَى إِذا حقق إِنَّمَا هُوَ: سَمِعت هَذِه اللَّفْظَة أَي: قَائِلا يَقُول: النَّاس ينتجعون غيثاً وَمثل هَذَا قَوْله: الوافر
(وجدنَا فِي كتاب بني تَمِيم
…
أَحَق الْخَيل بالركض المعار)
فَمَعْنَاه وجدنَا هَذِه اللَّفْظَة مَكْتُوبَة.
فَقَوله: أَحَق الْخَيل ابْتِدَاء والمعار: خَبره. وَكَذَلِكَ النَّاس ابْتِدَاء وينتجعون خَبره.
وَمثل هَذَا فِي الْكَلَام: قَرَأت الْحَمد لله رب الْعَالمين إِنَّمَا حكيت مَا قَرَأت وَكَذَلِكَ: قَرَأت على
وَقد روى النصب فِي الْبَيْت جمَاعَة ثِقَات مِنْهُم ابْن السَّيِّد فِي أَبْيَات الْمعَانِي وَمِنْهُم الفارقي فِي شرح أَبْيَات الْإِيضَاح وَمِنْهُم الزَّمَخْشَرِيّ وَغَيره.
وَقد أوردهُ بِالرَّفْع الزَّمَخْشَرِيّ أَيْضا فِي أول سُورَة الْبَقَرَة على أَن جملَة: النَّاس ينتجعون محكي والحكاية إِمَّا بقول مُقَدّر على مَذْهَب من اشْترط فِي الْحِكَايَة القَوْل أَو بسمعت على خلاف.
وَتَقْدِيره كثير.
وَاعْلَم أَن نَحْو: سَمِعت زيدا يَقُول كَذَا اخْتلف فِيهِ: فَعِنْدَ الْأَخْفَش وَأبي عَليّ
الْفَارِسِي فِي الْإِيضَاح وَابْن مَالك وَصَاحب الْهَادِي وجم غفير أَنه يتَعَدَّى إِلَى مفعولين: الأول: الذَّات وَالثَّانِي: الْجُمْلَة الْمَذْكُورَة بعد.
قَالَ البعلي فِي شرح الْجمل: وَأما سمع فَإِن وليه مَا يسمع تعدى إِلَى مفعول وَاحِد تَقول: سَمِعت الحَدِيث وَسمعت الْكَلَام. وَإِن وليه مَا لَا يسمع تعدى إِلَى مفعولين كَقَوْلِك: سَمِعت زيدا يَقُول كَذَا.
وَلم يجز بَعضهم سَمِعت زيدا قَائِلا إِلَّا أَن يعلقه بِشَيْء آخر لِأَن قَائِلا من صِفَات الذَّات والذات لَا تسمع.)
وَأما قَوْله تَعَالَى: هَل يسمعونكم إِذْ تدعون فعلى حذف الْمُضَاف تَقْدِيره: هَل يسمعُونَ قَالَ فِي شرح الْهَادِي: وَفِيه نظر فَإِن الثَّانِي من قَوْلنَا: سَمِعت زيدا يَقُول: جملَة وَالْجُمْلَة لَا تقع مَفْعُولا إِلَّا فغي الْأَفْعَال الدَّاخِلَة على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر نَحْو: ظَنَنْت وَسمعت لَيْسَ مِنْهَا بل الْحق أَنه مِمَّا
يتَعَدَّى إِلَى مفعول وَاحِد وَلَا يكون إِلَّا مِمَّا يسمع.
فَإِن عديته إِلَى غير مسموع فَلَا بُد من قرينَة بعده تدل على أَن المُرَاد مَا يسمع فِيهِ. فَإِن قلت: سَمِعت زيدا يَقُول: فزيداً مفعول على تَقْدِير مُضَاف أَي: سَمِعت قَول زيد وَيَقُول فِي مَوضِع الْحَال. اه.
وَهَذَا النّظر غير وَارِد وَفِي كَلَامهم مَا يَدْفَعهُ. كَذَا فِي التسهيل وَقد نقلنا عِبَارَته.
فَعلم أَن من قَالَ بنصبها مفعولين جعلهَا مِمَّا يدْخل على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر لِأَن الْحَواس الظَّاهِرَة لما أفادت الْإِدْرَاك وَالْعلم إِذْ كَانَت طَرِيقا لَهُ أجروها مجْرى رأى وَعلم لذَلِك فأعلموا عَملهَا.
-
وَذهب بَعضهم إِلَى جعل الْجُمْلَة حَالا بعد الْمعرفَة وَصفَة بعد النكرَة. قَالَ القَاضِي فِي تَفْسِير: سمعنَا فَتى يذكرهم. صفة مصححة لِأَن يتَعَلَّق بِهِ السّمع وَهُوَ أبلغ فِي نِسْبَة الذّكر إِلَيْهِ.
وَوجه كَونه أبلغ إِيقَاع الْفِعْل على المسموع مِنْهُ وَجعله بِمَنْزِلَة المسموع مُبَالغَة فِي عدم الْوَاسِطَة بَينهمَا ليُفِيد التَّرْكِيب أَنه سَمعه مِنْهُ بِالذَّاتِ. وَضمير هُوَ رَاجع إِلَى التَّعَلُّق.
وَهَذَا معنى قَوْله فِي تَفْسِير: سمعنَا منادياً يُنَادي للْإيمَان حَيْثُ قَالَ: أوقع الْفِعْل على المسمع وَقَالَ الْفَاضِل فِي حَوَاشِي الْكَشَّاف: فِي مثل هَذَا يَجْعَل مَا يسمع صفة للنكرة وَحَالا للمعرفة فأغنى عَن ذكر المسموع. لَكِن لَا يخفى أَنه
لَا يَصح إِيقَاع فعل السماع على الرجل إِلَّا بإضمار أَو مجَاز أَي: سَمِعت كَلَامه.
وَأَن الأوفق بِالْمَعْنَى فِيمَا جعل وَصفا أَو حَالا أَن يَجْعَل بَدَلا بِتَأْوِيل الْفِعْل على مَا يرَاهُ بعض النُّحَاة لكنه قَلِيل فِي الِاسْتِعْمَال فَلِذَا آثر الوصفية والحالية. اه.
وَإِنَّمَا كَانَ الْبَدَل أوفق لِأَنَّهُ يَسْتَغْنِي عَن التَّجَوُّز والإضمار إِذْ هُوَ حِينَئِذٍ بدل اشْتِمَال وَلَا يلْزم فِيهِ قصد تعلق الْفِعْل بالمبدل مِنْهُ حَتَّى يحْتَاج إِلَى إِضْمَار أَو تجوز كَمَا فِي: سلب زيد ثَوْبه إِذْ لَيْسَ زيد مسلوباً. وَلم يؤوله أحد لِأَنَّهُ غير مَقْصُود بِالنِّسْبَةِ بل تَوْطِئَة لما بعده.
وإبدال الْجُمْلَة من الْمُفْرد جَائِز نَحْو: وأسروا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا هَل هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ.
وَفِي شرح الْمُغنِي: الْمُحَقِّقُونَ على أَنَّهَا متعدية إِلَى مفعول وَاحِد وَأَن الْجُمْلَة الْوَاقِعَة بعده حَال.
)
وَقَالَ التَّفْتَازَانِيّ: أَو بدل أَو بَيَان بِتَقْدِير الْمصدر. وَيلْزم عَلَيْهِ حذف أَن وَرفع الْفِعْل وَجعله بِمَعْنى الْمصدر بِدُونِ سابك وَلَيْسَ مثله بمقيس. وَهَذَا لَيْسَ بوارد لِأَنَّهُ إِشَارَة إِلَى أَن بدل الْجُمْلَة من الْمُفْرد بِاعْتِبَار مُحَصل الْمَعْنى لِأَنَّهُ سبك وَتَقْدِير.
بَقِي لسمع استعمالات غير مَا تقدم وَهِي ثَلَاثَة: أَحدهَا: أَن تتعدى إِلَى مسموع. وَقد حقق السُّهيْلي أَن جَمِيع الْحَواس الظَّاهِرَة لَا تتعدى إِلَّا مفعول وَاحِد نَحْو: سَمِعت الْخَبَر وأبصرت الْأَثر ومسست الْحجر ودقت الْعَسَل وشممت الطّيب.
ثَانِيهَا: تعديتها بإلى أَو اللَّام وَهِي حِينَئِذٍ بِمَعْنى الإصغاء
وَالظَّاهِر أَنه حَقِيقَة لَا تضمين قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: لَا يسمعُونَ إِلَى الملاء الْأَعْلَى. فَإِن قلت: أَي فرق بَين سَمِعت فلَانا يتحدث وَسمعت إِلَيْهِ يتحدث وَسمعت حَدِيثه وَإِلَى حَدِيثه قلت: المعدى بِنَفسِهِ يُفِيد الْإِدْرَاك والمعدى بإلى يُفِيد الإصغاء مَعَ الْإِدْرَاك.
قَالَ الْجَوْهَرِي: استمعت لَهُ أَي: أصغيت وتسمعت إِلَيْهِ وَسمعت إِلَيْهِ وَسمعت لَهُ.
وَأما قَوْله: سمع الله لمن حَمده فَإِنَّهُ مجَاز عَن المقبول.
ثَالِثهَا: تعديتها بِالْبَاء وَهُوَ مَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب وَمَعْنَاهُ الْإِخْبَار وَنقل ذَلِك إِلَى السَّامع.
وَيدخل حِينَئِذٍ على غير المسموع وَلَيْسَت الْبَاء فِيهِ زَائِدَة تَقول: مَا سَمِعت بِأَفْضَل مِنْهُ.
وَفِي الْمثل: تسمع بالمعيدي خير من أَن ترَاهُ قابله بِالرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ بِمَعْنى الْإِخْبَار عَنهُ المتضمن للغيبة.
-
وَقَالَ الحماسي: الْكَامِل وَقَالَ آخر: الْخَفِيف
(صَاح هَل ريت أَو سَمِعت براع
…
رد فِي الضَّرع مَا قرى فِي العلاب)
وَقَالَ ربيعَة بن مقروم: الْبَسِيط
(وَقد سَمِعت بِقوم يحْمَدُونَ فَلم
…
أسمع بمثلك لَا حلماً وَلَا جوداً)
وَإِنَّمَا أطلت الْكَلَام فِي هَذِه الْكَلِمَة لِأَن الشَّارِح الْمُحَقق أوجز فِيهَا كل الإيجاز.
وَالْبَيْت من قصيدة لذِي الرمة مدح بهَا بِلَال بن أبي بردة بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ.
وَبعده:)
(تناخي عِنْد خير فَتى يمَان
…
إِذا النكباء ناوحت الشمالا)
(ندى وتكرماً ولبات لب
…
إِذا الْأَشْيَاء حصلت الرجالا)
(وأبعدهم مَسَافَة غور عقل
…
إِذا مَا الْأَمر ذُو الشُّبُهَات عالا
)
وَهِي قصيدة طَوِيلَة جدا وَسَيَأْتِي إِن شَاءَ الله بَيت مِنْهَا أَيْضا فِي أَفعَال الْمَدْح والذم.
وَقَوله: سَمِعت النَّاس
…
. إِلَخ الْغَيْث: الْمَطَر وَأَرَادَ بِهِ مَا يحصل بِسَبَبِهِ من الكلإ وَالْخصب.
وصيدح بإهمال الطَّرفَيْنِ: اسْم نَاقَة ذِي الرمة. وبلال هُوَ الممدوح وَتَقَدَّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السِّتين بعد الْمِائَة.
قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: وَكَانَ بِلَال داهية لقناً أديباً.
وَلما سمع قَوْله: سَمِعت النَّاس الْبَيْت قَالَ لغلامه: مر لَهَا بقت وَنوى. أَرَادَ أَن ذَا الرمة لَا يحسن الْمَدْح. اه.
فَلَمَّا خرج ذُو الرمة قَالَ لَهُ أَبُو عَمْرو وَكَانَ حَاضرا: هلا قلت لَهُ إِنَّمَا عنيت بانتجاع النَّاقة صَاحبهَا كَمَا قَالَ الله عز وجل: واسأل الْقرْيَة الَّتِي كُنَّا فِيهَا يُرِيد أَهلهَا.
وهلا أنشدته قَول الْحَارِثِيّ: الوافر
(وقفت على الديار فكلمتني
…
فَمَا ملكت مدامعها القلوص)
يُرِيد صَاحبهَا.
-
فَقَالَ لَهُ ذُو الرمة: يَا أَبَا عَمْرو أَنْت مُفْرد فِي عَمَلك وَأَنا فِي عَمَلي وشعري ذُو أشباه. اه.
وَقَالَ ابْن عبد ربه فِي العقد الفريد: وَلما أنْشد هَذَا الشّعْر بِلَالًا قَالَ: يَا غُلَام مر لصيدح بقت وعلف فَإِنَّمَا هِيَ انتجعتنا. وَهَذَا من التعنت الَّذِي لَا إنصاف مَعَه لِأَنَّهُ قَوْله: انتجعي إِنَّمَا أَرَادَ نَفسه. وَمثله فِي كتاب الله تَعَالَى: واسأل الْقرْيَة الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعير الَّتِي أَقبلنَا فِيهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ أهل الْقرْيَة وَأهل العير.
وَقَوله: إِذا النكباء إِلَخ قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: النكباء: الرّيح الَّتِي تَأتي من بَين ريحين فَتكون بَين الشمَال وَالصبَا أَو الشمَال وَالدبور أَو الْجنُوب وَالدبور أَو الْجنُوب وَالصبَا.
فَإِذا كَانَت النكباء تناوح