الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(أَفعَال المقاربة)
أنْشد فِيهِ
(الشَّاهِد السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ بعد السبعمائة)
الطَّوِيل
(إِذا غير النأي المجين لم يكد
…
رسيس الْهوى من حب مية يبرح)
على أَن بَعضهم قَالَ: إِن النَّفْي إِذا دخل على كَاد تكون فِي الْمَاضِي للإثبات وَفِي الْمُسْتَقْبل كالأفعال مستمسكاً بِالْآيَةِ وَهَذَا الْبَيْت.
وَهَذَا الْفَصْل فِي كَاد هُنَا وبِعَيْنِه عبارَة اللّبَاب بتغيير كَلمه. قَالَ صَاحب اللّبَاب: وَإِذا دخل النَّفْي على كَاد فَهُوَ كَسَائِر الْأَفْعَال على الصَّحِيح وَقيل: يكون للإثبات وَقيل: يكون فِي الْمَاضِي دون الْمُسْتَقْبل تمسكاً بقوله تَعَالَى: وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ وَبقول ذِي الرمة: إِذا غير الهجر المحبين لم يكد إِلَخ وَالْجَوَاب نه لنفي مقاربة الذّبْح وَحُصُول الذّبْح بعد لَا ينافيها وَلم يُؤْخَذ من لفظ: وَمَا كَادُوا بل من لفظ: فذبحوها. انْتهى.
قَالَ شَارِحه الفالي: قَوْله: وَإِذا دخل النَّفْي
…
إِلَخ مَعْنَاهُ نفي مَا دخل عَلَيْهِ إدراجاً لَهُ فِي الْأَمر الْعَام الْمَعْلُوم من اللُّغَة وَهُوَ أَنه إِذا دخل النَّفْي على فعل أَفَادَ نفي مضمونه.
وَقيل: يكون للإثبات أَي: لإِثْبَات الْفِعْل الَّذِي دخل عَلَيْهِ كَاد فِي الْمَاضِي وَفِي الْمُسْتَقْبل.
أما فِي الْمَاضِي فَلقَوْله تَعَالَى: وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ وَالْمرَاد أَنهم قد فعلوا الذّبْح. وَأما فِي الْمُضَارع فَلِأَن الشُّعَرَاء خطؤوا ذَا الرمة فِي قَوْله:
…
(
…
...
…
...
…
. لم يكد
…
رسيس الْهوى من حب مية يبرح)
وَهُوَ أَنه يُؤَدِّي إِلَى أَن الْمَعْنى: إِن رسيس الْهوى يبرح وَيَزُول وَإِن كَانَ بعد طول عهد. فلولا أَنهم فَهموا فِي اللُّغَة أَن النَّفْي إِذا دخل على الْمُضَارع من كَاد أَفَادَ إِثْبَات الْفِعْل الْوَاقِع بعده لم يكن لتخطئتهم وَجه.
وَقيل: يكون فِي الْمَاضِي للإثبات دون الْمُسْتَقْبل تمسكاً بقوله تَعَالَى: وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ إِذْ الْمَعْنى قد فعلوا كَمَا ذكرنَا.
وَبقول ذِي الرمة:)
إِذا غير الهجر الْبَيْت إِذْ الْمَعْنى: وَمَا برح حبها من قلبِي.
فَهَذَا الْقَائِل تمسك بقول ذِي الرمة وَالْقَائِل الأول تمسك بتخطئة الشُّعَرَاء ذَا الرمة. وَالْجَوَاب أَنه لنفي مقاربة الذّبْح وَحُصُول الذّبْح بعد أَي: بعد أَن نفى مقاربة الذّبْح لَا ينافيها. وَلم يُؤْخَذ من لفظ: كَادُوا بل من لفظ: فذبحوها.
وَهَذَا جَوَاب عَن الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورين فَإنَّا لَا نسلم أَن النَّفْي الدَّاخِل على كَاد يُفِيد الْإِثْبَات لَا فِي الْمَاضِي وَلَا فِي الْمُسْتَقْبل بل هُوَ بَاقٍ على وَضعه وَهُوَ نفي المقاربة. وَلَيْسَ مَا تمسكوا بِهِ بِشَيْء أما فِي الْآيَة فَهُوَ أَن مَعْنَاهُ أَن بني إِسْرَائِيل مَا قاربوا أَن يَفْعَلُوا للإطناب فِي السؤالات وَلما سبق فِي قَوْلهم: أتتخذنا هزوا وَهَذَا التعنت دَلِيل على أَنهم كَانُوا لَا يقاربون فعله فضلا عَن نفس الْفِعْل.
وَنفي المقاربة قد يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الْفِعْل وَقد لَا يَتَرَتَّب وَهُوَ قَوْله: وَحُصُول الذّبْح بعد لَا ينافيها.
وَأما إِثْبَات الذّبْح فمأخوذ من الْخَارِج وَهُوَ قَوْله:
فذبحوها
وَأما الْبَيْت فَكَذَلِك مَعْنَاهُ لِأَن حبها لم يُقَارب أَن يَزُول فضلا عَن أَن يَزُول. وَهُوَ مُبَالغَة فِي نفي الزَّوَال فَإنَّك إِذا قلت: مَا كَاد زيد يُسَافر فَمَعْنَاه أبلغ من: مَا يُسَافر زيد أَي: لم يُسَافر وَلم يقرب من أَن يُسَافر أَيْضا. فالبيت مُسْتَقِيم وَلَا وَجه لتخطئة الشُّعَرَاء إِيَّاه. انْتهى.
وَقد بَين الشَّارِح الْمُحَقق فَسَاد هذَيْن الْقَوْلَيْنِ فِي آخر الْبَاب. وَقَوله كَغَيْرِهِ: إِن الشُّعَرَاء خطؤوا ذَا قَالَ المرزباني فِي الموشح: حَدثنِي أَحْمد بن مُحَمَّد الْجَوْهَرِي وَأحمد بن إِبْرَاهِيم الْجمال قَالَا: حَدثنَا الْحسن بن عليل الْعَنزي قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن مُحَمَّد بن الْمُهلب بن الْمُغيرَة بن حبيب بن الْمُهلب بن أبي صفرَة قَالَ: حَدثنَا عبد الصَّمد ابْن المعذل عَن أَبِيه عَن جده غيلَان بن الحكم قَالَ: قدم علينا ذُو الرمة الْكُوفَة فَوقف على رَاحِلَته بالكناسة ينشدنا قصيدته الحائية فَلَمَّا بلغ إِلَى هَذَا الْبَيْت: إِذا غير النأي المحبين
…
...
…
. . إِلَخ فَقَالَ لَهُ ابْن شبْرمَة: يَا ذَا الرمة أرَاهُ قد برح. ففكر سَاعَة ثمَّ قَالَ:
(إِذا غير النأي المحبين لم أجد
…
رسيس الْهوى
…
...
…
إِلَخ))
قَالَ: فَرَجَعت إِلَى أبي الحكم بن البخْترِي بن الْمُخْتَار فَأَخْبَرته
الْخَبَر فَقَالَ: أَخطَأ ابْن شبْرمَة حَيْثُ أنكر عَلَيْهِ وَأَخْطَأ ذُو الرمة حَيْثُ رَجَعَ إِلَى قَوْله. إِنَّمَا هَذَا كَقَوْل الله عز وجل: إِذا أخرج يَده لم يكد يَرَاهَا أَي: لم يَرَاهَا وَلم يكد. انْتهى.
وَقَالَ السَّيِّد المرتضى فِي أَمَالِيهِ: روى عبد الصَّمد بن المعذل عَن غيلَان
عَن أَبِيه عَن جده غيلَان قَالَ: قدم علينا ذُو الرمة الْكُوفَة فأنشدنا بالكناسة وَهُوَ على رَاحِلَته قصيده الحائية إِذا غير النأي المحبين إِلَخ فَقَالَ لَهُ عبد الله بن شبْرمَة: قد برح يَا ذَا الرمة. ففكر سَاعَة ثمَّ قَالَ: إِذا غير النأي المحبين لم أجد إِلَخ قَالَ: فَأخْبرت أبي بِمَا كَانَ من قَول ذِي الرمة وَاعْتِرَاض ابْن شبْرمَة عَلَيْهِ فَقَالَ: أَخطَأ ذُو الرمة فِي رُجُوعه عَن قَوْله الأول وَأَخْطَأ ابْن شبْرمَة فِي اعتراضه عَلَيْهِ. وَهَذَا كَقَوْل الله تَعَالَى: إِذا أخرج يَده لم يكد يَرَاهَا. انْتهى.
وَهَذَا الْبَيْت من قصيدة لذِي الرمة مطْلعهَا:
(أمنزلتي مي سَلام عَلَيْكُمَا
…
على النأي والنائي يود وَينْصَح)
وَبعده:
(فَلَا الْقرب يُبْدِي من هَواهَا ملالة
…
وَلَا حبها إِن تنزح الدَّار ينْزح)
…