الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الله وَاجِبَة. وَقَالَ غَيره: عَسى فِي الْقُرْآن وَاجِبَة إِلَّا فِي موضِعين فِي سُورَة بني إِسْرَائِيل: عَسى ربكُم أَن يَرْحَمكُمْ يَعْنِي بني النَّضِير فَمَا رَحِمهم رَبهم بل قَاتلهم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ وأوقع الْعقُوبَة بهم.
وَفِي سُورَة التَّحْرِيم: عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن أَن يُبدلهُ أَزْوَاجًا فَمَا أبدله الله بِهن أَزْوَاجًا وَلَا بن مِنْهُ حَتَّى قبض عليه السلام. وَقَالَ تَمِيم بن أبي بن مقبل فِي كَون عَسى إِيجَابا:
(ظن بهم كعسى وهم بتنوفة
…
يتنازعون جوائز الْأَمْثَال)
أَرَادَ: ظن بهم كيقين. ويروى: سوائر الْأَمْثَال. ويروى: جوائب الْأَمْثَال.
وأنشدنا أَبُو الْعَبَّاس: الوافر عَسى الكرب الَّذِي أمسيت فِيهِ الْبَيْت فَعَسَى فِي هَذَا الْبَاب على معنى الشَّك. انْتهى كَلَامه.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ بعد السبعمائة)
الرجز
على أَن الْمُتَأَخِّرين استدلوا بِهَذَا وبالمثل وَهُوَ: عَسى الغوير أبؤساً بِوُقُوع الْمُفْرد مَنْصُوبًا بعد مَرْفُوع على أَن أنْ وَالْفِعْل فِي قَوْلهم: عَسى
زيد أَن يفعل فِي مَوضِع نصب على أَنه خبر لعسى وَهِي تعْمل عمل كَانَ.
قَالَ ابْن هِشَام فِي شرح أَبْيَات النَّاظِم: طعن فِي هَذَا الْبَيْت عبد الْوَاحِد الطراح فِي كِتَابه بغية الآمل ومنية السَّائِل. فَقَالَ: هُوَ بَيت مَجْهُول لم ينْسبهُ الشُّرَّاح إِلَى أحد فَسقط الِاحْتِجَاج بِهِ.
وَلَو صَحَّ مَا قَالَه لسقط الِاحْتِجَاج بِخَمْسِينَ بَيْتا من كتاب سِيبَوَيْهٍ فَإِن فِيهِ ألف بَيت قد عرف قائلوها وَخمسين بَيْتا مَجْهُولَة الْقَائِلين. انْتهى.
أَقُول: الشَّاهِد الَّذِي جهل قَائِله إِن أنْشدهُ ثِقَة كسيبويه وَابْن السراج والمبرد وَنَحْوهم فَهُوَ مقبل يعْتَمد عَلَيْهِ وَلَا يضر جهل قَائِله فَإِن الثِّقَة لَو لم يعلم أَنه من شعر من يَصح الِاسْتِدْلَال بِكَلَامِهِ لما أنْشدهُ.
وَمُرَاد عبد الْوَاحِد أَنه لم ينْسبهُ الشُّرَّاح إِلَى أحد مِمَّن أنْشدهُ من الثِّقَات أَو إِلَى قَائِل معِين يحْتَج بِكَلَامِهِ.
ثمَّ قَالَ ابْن هِشَام: وَقد حرف ابْن الشجري هَذَا الرجز فأنشده: الرجز
(قُم قَائِما قُم قَائِما
…
إِنِّي عَسَيْت صَائِما)
وَإِنَّمَا قُم قَائِما صدر رجز آخر يَأْتِي فِي بَاب الْحَال وَلَا يتركب قَوْله: إِنِّي عَسَيْت صَائِما عَلَيْهِ بل أَصله:
(أكثرت فِي العذل ملحاً دَائِما
…
لَا تكثرن إِنِّي عَسَيْت صَائِما)
فَإِن مَعْنَاهُ: أَيهَا العاذل الْملح فِي عذله إِنَّه لَا يُمكن مُقَابلَة كلامك بِمَا يُنَاسِبه من السب فإنني صَائِم. وَهُوَ مقتبس من الحَدِيث: فَلْيقل
إِنِّي صَائِم. ويروى: لَا تلحني مَكَان لَا تكثرن وَهُوَ بِفَتْح التَّاء. يُقَال: لحيته ألحاه لحياً إِذا لمته.
وَالشَّاهِد فِي قَوْله: صَائِما فَإِنَّهُ اسْم مُفْرد جِيءَ بِهِ خَبرا عَسى.
كَذَا قَالُوا وَالْحق خِلَافه وَإِن عَسى هُنَا فعل تَامّ خبري لَا فعل نَاقص إنشائي. يدلك على أَنه خبري وُقُوعه خَبرا لإن وَلَا يجوز بالِاتِّفَاقِ: إِن زيدا هَل قَامَ وَأَن هَذَا الْكَلَام يقبل التَّصْدِيق)
والتكذيب وعَلى هَذَا فَالْمَعْنى: إِنِّي رَجَوْت أَن أكون صَائِما. فصائماً خبر لَكَانَ وَأَن وَالْفِعْل مفعول لعسى. وسيبويه يُجِيز حذف أَن وَالْفِعْل إِذا قويت الدّلَالَة على الْمَحْذُوف.
أَلا ترى أَنه قدر فِي قَوْله: من لد شولاً
وَمن وُقُوع عَسى فعلا خبرياً قَوْله تَعَالَى: قَالَ هَل عسيتم إِن كتب عَلَيْكُم الْقِتَال أَلا تقاتلوا أَلا ترى أَن الِاسْتِفْهَام طلب فَلَا يدْخل على الْجُمْلَة الإنشائية وَأَن الْمَعْنى قد طمعتم أَن لَا تقاتلوا إِن كتب عَلَيْكُم الْقِتَال.
وَمِمَّا يحْتَاج إِلَى النّظر قَول الْقَائِل: عَسى زيد أَن يقوم فَإنَّك قد قدرت عَسى فِيهِ فعلا إنشائياً كَمَا قَالَه النحويون أشكل إِذْ لَا يسند
فعل الْإِنْشَاء إِلَّا إِلَى منشئه وَهُوَ الْمُتَكَلّم كبعت واشتريت وَأَقْسَمت وَقبلت وحررتك. وَأَيْضًا فَمن الْمَعْلُوم أَن زيدا لم يترج وَإِنَّمَا المترجي الْمُتَكَلّم.
وَإِن قدرته خَبرا كَمَا فِي الْبَيْت وَالْآيَة فَلَيْسَ الْمَعْنى على الْإِخْبَار وَلِهَذَا لَا يَصح تَصْدِيق قَائِله وَلَا تَكْذِيبه.
فَإِن قلت: يخلص من هَذَا الْإِشْكَال أَنهم نصوا على أَن كَانَ وَمَا أشبههَا أَفعَال جَارِيَة مجْرى الأدوات فَلَا يلْزم فِيهَا حكم سَائِر الْأَفْعَال.
قلت: قد اعْتَرَفُوا مَعَ ذَلِك بِأَنَّهَا مُسندَة إِذْ لَا يَنْفَكّ الْفِعْل الْمركب عَن الْإِسْنَاد إِلَّا إِن كَانَ زَائِدا أَو مؤكداً على خلف فِي هذَيْن أَيْضا. وَقَالُوا: إِن كَانَ مُسندَة إِلَى مَضْمُون الْجُمْلَة.
وَقد بَينا أَن الْفِعْل الإنشائي لَا يُمكن إِسْنَاده لغير الْمُتَكَلّم. وَإِنَّمَا الَّذِي يخلص من الْإِشْكَال أَن يدعى أَنَّهَا هُنَا حرف بِمَنْزِلَة لَعَلَّ كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ والسيرافي بحرفيتها فِي نَحْو: عَسى وعساك وعساه.
وَقد ذهب أَبُو كبر وَجَمَاعَة إِلَى أَنَّهَا حرف دَائِما. وَإِذا حملناها على الحرفية زَالَ الْإِشْكَال إِذْ الْجُمْلَة الإنشائية حِينَئِذٍ اسمية لَا فعلية كَمَا تَقول: لَعَلَّ زيدا يقوم. فاعرف الْحق ودع التَّقْلِيد واستفت نَفسك وَإِن أفناك النَّاس.
هَذَا كَلَام ابْن هِشَام وَهُوَ خلاف مَسْلَك الشَّارِح الْمُحَقق.)
وَقَالَ ابْن هِشَام فِي شرح الْمثل: إِن عَسى للإشفاق والغوير: مَاء لكَلْب
مَعْرُوف. قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ. وَهُوَ فِي الأَصْل مصغر غور أَو غَار. والأبؤس: جمع بؤس وَهُوَ الشدَّة.
وأصل الْمثل أَن الزباء لما قتلت جذيمة جَاءَ قصير إِلَى عَمْرو بن عدين فَقَالَ: أَلا تَأْخُذ ثأر خَالك فَقَالَ:
كَيفَ السَّبِيل إِلَى ذَلِك.
فَعمد قصير إِلَى أَنفه فجدعها فَقيل: لأمر مَا جدع قصير أَنفه وأتى الزباء وَزعم أَنه فر إِلَيْهَا وَأَنَّهُمْ آذوه بِسَبَبِهَا وَأقَام فِي خدمتها مُدَّة يتجر لَهَا ثمَّ إِنَّه أَبْطَأَ عَنْهَا فِي السّفر فَسَأَلت عَنهُ فَقيل: أَخذ فِي طَرِيق الغوير فَقَالَت: عَسى الغوير أبؤساً.
ثمَّ لم يلبث أَن جَاءَ بالجمال عَلَيْهَا صناديق فِي جوفها الرِّجَال فَلَمَّا دخلُوا الْبَلَد خَرجُوا من الصناديق وانضاف إِلَيْهِم الرِّجَال الموكلون بالصناديق فَقتلُوا فِي النَّاس قتلا ذريعاً وَقتلُوا أهل الزباء وأسروها وفقؤوا عينهَا وَأتوا بهَا عمرا فَقَتلهَا.
وَقيل: إِنَّهَا امتصت خَاتمًا كَانَ مَعهَا مسموماً. وَمعنى الْمثل: لَعَلَّ الشَّرّ يَأْتِي من قبل الغوير.
يضْرب للرجل يتَوَقَّع الشَّرّ من جِهَة بِعَينهَا.
وَجَاء رجل إِلَى عمر رضي الله عنه يحمل لقيطاً فَقَالَ لَهُ عمر: عَسى الغوير أبؤساً. قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: عرض بِهِ أَي: لَعَلَّك صَاحب اللَّقِيط.
وَوهم ابْن الخباز فِي أصل الْمثل فَقَالَ: قالته الزباء حِين ألجأها قصير إِلَى غارها. انْتهى.
وَفِي الصِّحَاح: قَالَ الْأَصْمَعِي: أَصله أَنه كَانَ غَار فِيهِ نَاس فانهار عَلَيْهِم أَو أَتَاهُم فِيهِ عَدو فَقَتلهُمْ فَصَارَ مثلا لكل شَيْء يخَاف أَن يَأْتِي مِنْهُ شَرّ.
قلت: وَتَكون الزباء تَكَلَّمت بِهِ تمثلاً. وَهَذَا حسن لِأَن الزباء فِيمَا زَعَمُوا رُومِية فَكيف يحْتَج بكلامها وَقد يُقَال: وَجه الْحجَّة أَن الْعَرَب تمثلت بِهِ بعْدهَا.
وَاخْتلف فِي ناصب أبؤساً فَعِنْدَ سِيبَوَيْهٍ وَأبي عَليّ أَنه عَسى
وَأَن ذَلِك من مُرَاجعَة الْأُصُول.
وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: يصير محذوفة. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: التَّقْدِير: أَن يكون أبؤساً كَقَوْلِه: الوافر لعمر أَبِيك إِلَّا الفرقدان وَمنع سِيبَوَيْهٍ أَن يكون إِضْمَار فِيهِ لِأَن فِيهِ إِضْمَار الْمَوْصُول وَقدر إِلَّا صفة. وَقيل التَّقْدِير: يكون أبؤساً وَفِيه مَجِيء الْفِعْل بعد عَسى بِغَيْر أَن وإضمار كَانَ غير وَاقعَة بعد أَدَاة تطلب الْفِعْل. وَقيل التَّقْدِير: عَسى الغوير يَأْتِي بأبؤس وَفِيه ترك أَن وَإِسْقَاط الْجَار توسعاً.)
وَلَكِن يشْهد لَهُ قَول الْكُمَيْت: الْبَسِيط
(قَالُوا أَسَاءَ بَنو بكر فَقلت لَهُم
…
عَسى الغوير بإبآس وإغوار)
وتلخص: أَن أبؤساً خبر لعسى أَو لَكَانَ أَو لصار أَو مفعول بِهِ. وَأحسن من ذَلِك كُله أَن يقدر يبأس أبؤساً فَيكون مَفْعُولا مُطلقًا وَيكون مثل قَوْله تَعَالَى: فَطَفِقَ مسحاً أَي: يمسح مسحاً وَقَول أبي دهبل الجُمَحِي: الطَّوِيل
(لَأَوْشَكَ صرف الدَّهْر تَفْرِيق بَيْننَا
…
وَلَا يَسْتَقِيم الدَّهْر والدهر أَعْوَج)
أَي: لَأَوْشَكَ يفرق بَيْننَا تفريقاً ثمَّ حذف الْفِعْل وأقيم الْمصدر مقَامه وأضيف إِلَى ظرفه.