الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَقد تهب الْجَيْش الَّذِي جَاءَ غازيا
…
لسائلك الْفَرد الَّذِي جَاءَ عافيا)
يَقُول: إِذا غزاك جَيش أَخَذته فَوَهَبته لسائل وَاحِد أَتَاك يَسْأَلك.
وَقَوله: وتحتقر الدُّنْيَا
…
إِلَخ هُوَ بِالْخِطَابِ. وَجُمْلَة: يرى
…
إِلَخ صفة لمجرب.
يَقُول: أَنْت تحتقر الدُّنْيَا احتقار من جربها فعرفها وَعلم أَن جَمِيع مَا فِيهَا يفنى وَلَا يبْقى أَي: فَلذَلِك تهبها وَلَا تدخرها.
وَقَوله: وحاشاك اسْتثِْنَاء مِمَّا يفنى. وَذكر هَذَا الِاسْتِثْنَاء تحسيناً للْكَلَام واستعمالاً
للأدب فِي مُخَاطبَة الْمُلُوك وَهُوَ حسن الْموقع.
وترجمه المتنبي تقدّمت فِي الشَّاهِد الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد الستمائة)
وَهُوَ من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ: الطَّوِيل.
(فَقلت تحمل فَوق طوقك إِنَّهَا
…
مطبعة من يأتها لَا يضيرها)
على أَن التَّقْدِير عِنْد سِيبَوَيْهٍ: لَا يضيرها من يأتها فَهُوَ مُؤخر من تَقْدِيم.
وَقَالَ الْهُذلِيّ: فَقلت تحمل فَوق طوقك
…
...
…
... الْبَيْت
هَكَذَا أنشدناه يُونُس كَأَنَّهُ قَالَ: لَا يضيرها من كَمَا كَانَ وَأَنِّي مَتى أشرف نَاظر على الْقلب.
وَلَو أُرِيد بِهِ حذف الْفَاء جَازَ فَجعلت كَإِن. اه.
قَالَ الأعلم: وَهَذَا عِنْد الْمبرد على إِرَادَة الْفَاء لِأَن يضير إِذا تقدّمت على من ارْتَفَعت من بِهِ.
وَيلْزم مِنْهُ أَن يبطل عَملهَا من الْجَزْم لِأَن حرف الشَّرْط لَا يعْمل فِيهِ مَا قبله.
-
وَالْحجّة لسيبويه أَنه يقدر الضَّمِير فِي يضير على مَا هُوَ عَلَيْهِ فِي التَّأْخِير. وَمن مبتدأه على أَصْلهَا فَلَا يلْزم أَن يرْتَفع من بِهِ وَتبطل من عمل الْجَزْم. هَذَا كَلَامه.
وسننقل كَلَام الْمبرد فِي الشَّاهِد الثَّالِث والثمانين.
وَقد تكلم أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر على فَاعل يضير على التَّقْدِيرَيْنِ فَقَالَ: من قدر فِيهِ التَّقْدِيم كَانَ فَاعل لَا يضيرها ضير فأضمر الضير لَهُ لدلَالَة يضير عَلَيْهَا. والضير قد اسْتعْمل اسْتِعْمَال الْأَسْمَاء فِي نَحْو لَا ضير كَأَنَّهُ قد صَار اسْما لما يكره وَلَا يُرَاد. وَمن قدر الْفَاء محذوفة أمكن أَن يكون الْفَاعِل عندنَا أحد شَيْئَيْنِ.
أَحدهمَا: الضير كَقَوْل من قدر التَّقْدِيم. وَيجوز أَن يكون فَاعل يضير ضميراً من الَّذِي تقدم أَرَادَ بِمَا تقدم التَّحَمُّل فَوق الطَّاقَة.
وَالْبَيْت من قصدية عدتهَا سَبْعَة عشر بَيْتا لأبي ذُؤَيْب الْهُذلِيّ قَالَهَا فِي ابْن أُخْته خَالِد بن زُهَيْر وَكَانَ خَاله أَبُو ذُؤَيْب فِي صغره رَسُولا من وهب بن جَابر إِلَى امْرَأَة من هُذَيْل كَانَ يتعشقها وهب وَكَانَ أَبُو ذُؤَيْب
جميلاً فرغبت فِيهِ واطرحت وهباً فَفَشَا أَمرهمَا فِي هُذَيْل فَكَانَ يُرْسل إِلَيْهَا ابْن أُخْته خَالِد بن زُهَيْر وعاهده على أَن لَا يخونه فِيهَا فَلم تلبث أَن عشقت خَالِدا وَتركت أَبَا ذُؤَيْب.
فَجرى بَين أبي ذُؤَيْب وَبَين خَالِد أشعار كَثِيرَة مِنْهَا هَذِه القصيدة وأجابه خَالِد بقصيدة على)
رويها مِنْهَا: الطَّوِيل
(فَلَا تجزعن من سنة أَنْت سرتها
…
فَأول رَاض سنة من يسيرها
)
وَقد شرحنا حَالهمَا وَمَا لَهما فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ بعد الثلثمائة وَفِي الشَّاهِد السِّتين بعد الستمائة.
وَهَذِه الأبيات من أول قصيدة أبي ذُؤَيْب:
(مَا حمل البختي عَام غياره
…
عَلَيْهِ الوسوق برهَا وشعيرها)
(أَتَى قَرْيَة كَانَت كثيرا طعامها
…
كرفغ التُّرَاب كل شَيْء يميرها)
(بِأَكْثَرَ مِمَّا كنت حملت خَالِدا
…
وَبَعض أمانات الرِّجَال غرورها)
قَوْله: مَا حمل البختي عَام غياره مَا: نَافِيَة. والبختي: نَائِب فَاعل حمل وَهُوَ وَاحِد البخت وَهُوَ نوع من الْإِبِل.
والغيار بِكَسْر الْمُعْجَمَة مصدر غارهم يغيرهم إِذا مارهم أَي: أَتَاهُم بالميرة بِالْكَسْرِ وَهِي الطَّعَام.
والوسوق: جمع وسق وَهُوَ حمل بعير وَجُمْلَة: عَلَيْهَا الوسوق تَفْسِير لقَوْله: حمل البختي.
وبرها وشعيرها بدل من الوسوق بدل مفصل من مُجمل. وَإِضَافَة الْبر وَالشعِير إِلَى ضمير الوسوق لأدنى مُلَابسَة لِأَنَّهُمَا
يصيران وسوقاً.
وَاخْتَارَ البختي على الْبَعِير لِأَنَّهُ أَشد مِنْهُ وَأقوى على زِيَادَة التَّحَمُّل. وَلِهَذَا قَالَ: عَلَيْهَا الوسوق. يَعْنِي أَن هَذَا البختي حمل أَضْعَاف مَا يحملهُ غَيره من الْإِبِل.
-
وَقَوله: أَتَى قَرْيَة
…
إِلَخ فَاعل أَتَى ضمير البختي. وَالْجُمْلَة حَال من البختي.
وَقَوله: كرفغ التُّرَاب أَي: ككثرة التُّرَاب وأصل الرفغ اللين والسهولة وَهُوَ بِالْفَاءِ والغين الْمُعْجَمَة.
وَقَوله: يميرها هُوَ على الْقلب أَي: كل شَيْء تميره هَذَا الْقرْيَة فَقلب فَجعل الْفَاعِل وَهُوَ ضمير الْقرْيَة مَفْعُولا وَأسْندَ الْفِعْل إِلَى ضمير كل شَيْء. والنكتة فِيهِ أَن كل شَيْء يُعْطي هَذِه الْقرْيَة وَقَالَ الْقَارِي فِي شَرحه: قَوْله: يميرها يُرِيد يمتار من الْقرْيَة. قَالَ الْبَاهِلِيّ: كل شَيْء يمير لَهَا.
أَقُول: الْوَجْه الأول: معنى الْكَلَام قبل الْقلب وَالثَّانِي: مَعْنَاهُ بعد الْقلب كَمَا قُلْنَا فِيهَا.
وَقَوله: فَقلت تحمل
…
إِلَخ رِوَايَة السكرِي: فَقيل تحمل وَهِي الجيدة أَي: وَقيل للبختي تحمل فَوق طاقتك وَقَوله: إِنَّهَا أَي: إِن هَذِه الْقرْيَة مطبعة أَي: مختومة بالطابع.)
يَعْنِي أَن هَذِه الْقرْيَة مَمْلُوءَة بِالطَّعَامِ لِأَن الْخَتْم إِنَّمَا يكون غَالِبا بعد الملء. وَفِيه مُبَالغَة لَا تخفى.
وَجُمْلَة: إِنَّهَا مطبعة اسْتِئْنَاف بياني كَأَنَّهُ سَأَلَ البختي هَل يدعونني أَن أتحمل فَوق طاقتي من هَذِه الْقرْيَة.
فَهُوَ سُؤال عَن السَّبَب الْخَاص للْحكم لَا عَن سَبَب الحكم مُطلقًا فَلهَذَا أكد بإن. وَالْجُمْلَة الشّرطِيَّة خير ثَان لإن. وضاره ضيراً من بَاب بَاعَ: أضرّ بِهِ.