الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ رائد الْقَوْم ومقدمهم: أقِيمُوا نُقَاتِل. فَإِن موت كل نفس يجْرِي بِمِقْدَار الله وَقدره لَا الجبين ينجيه وَلَا الْإِقْدَام يرديه.
وَقيل: الضَّمِير للسفينة وَقيل: للخمر. وَالْوَجْه مَا ذكرنَا. اه.
وَيشْهد لما اخْتَار مَا أوردهُ الْكرْمَانِي فِي الموشح وَتَبعهُ العباسي من بَيت بعده وَهُوَ:
(إِمَّا نموت كراماً أَو نفوز بهَا
…
لنسلم الدَّهْر من كد وأسفار)
وَالْعجب من الْكرْمَانِي فِي قَوْله: وصف الشَّاعِر جمَاعَة اللُّصُوص لما رَأَوْا السَّفِينَة طمعوا فِي أَخذهَا فَأمر سيد الْقَوْم الملاحين بإرساء السَّفِينَة. ويعضد هَذَا الْوَجْه مَا بعده: إِمَّا نموت كراماً
…
...
…
...
…
... . . الْبَيْت وَقَالَ الأعلم وَتَبعهُ ابْن يعِيش: وصف شرباً قدمُوا أحدهم يرتاد لَهُم حمراً فظفر بهَا فَقَالَ لَهُم: أسوا أَي: انزلوا نشربها. وَمعنى نزاولها: نخاتل صَاحبهَا عَنْهَا.
وَقَوله: فَكل حتف
…
إِلَخ أَي: لَا بُد من الْمَوْت فَيَنْبَغِي أَن نبادر بإنفاق المَال فِيهَا وَفِي نَحْوهَا إِلَى اللَّذَّات. هَذَا كَلَامه.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الْحَادِي وَالثَّانِي بعد السبعمائة)
وَهُوَ من شَوَاهِد س:
الطَّوِيل
(مَتى
تأته تعشو إِلَى ضوء ناره
…
تَجِد خطباً جزلاً وَنَارًا تأججا)
على أَن جملَة: تعشو جَاءَت حَالا بعد صَرِيح الشَّرْط وَهُوَ تأته وَصَاحب الْحَال الضَّمِير الْمُخَاطب فِي الشَّرْط.
وَالْمعْنَى: مَتى تأته عاشياً أَي: فِي الظلام.
قَالَ الشَّارِح الْمُحَقق: وَيجوز فِي مثله الْبَدَل. أَرَادَ مَا أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ وَهَذَا نَصه فِي بَاب مَا يرْتَفع بَين الجزمين ونيجزم بَينهمَا: أما مَا يرْتَفع بَينهمَا فقولك: إِن تأتني تَسْأَلنِي أعطك وَإِن تَسْأَلنِي تمشي أمش مَعَك. وَذَلِكَ لِأَنَّك أردْت ن تَقول إِن تأتني سَائِلًا يكن ذَلِك وَإِن تأتني مَاشِيا فعلت.
-
وَقَالَ زُهَيْر: الطَّوِيل
(وَمن لَا يزل يستحمل النَّاس نَفسه
…
وَلَا يغنها يَوْمًا من الدَّهْر يسأم)
إِنَّمَا أَرَادَ: من لَا يزل مستحملاً يكون من أمره ذَلِك. وَلَو رفع يغنها جَازَ وَكَانَ حسنا كَأَنَّهُ قَالَ: من لَا يزل لَا يُغني نَفسه. وَمِمَّا جَاءَ أَيْضا مرتفعاً قَول الحطيئة:
(مَتى تأته تعشو إِلَى ضوء ناره
…
تَجِد حطباً جزلاً وَنَارًا تأججا)
وَسَأَلت الْخَلِيل رحمه الله عَن قَوْله وَهُوَ عبيد الله بن الْحر: الطَّوِيل
(مَتى تأتنا تلمم بِنَا فِي دِيَارنَا
…
تَجِد حطباً جزلاً وَنَارًا وتأججا)
قَالَ: تلمم بدل من الْفِعْل. وَنَظِيره فِي الْأَسْمَاء:
مَرَرْت بِرَجُل عبد الله
فَأَرَادَ أَن يُفَسر الْإِتْيَان بالإلمام كَمَا فسر الِاسْم الأول بِالِاسْمِ الآخر.
وَمثل ذَلِك قَوْله أنشدنيهما الْأَصْمَعِي عَن أبي عَمْرو لبَعض بني أَسد: مجزوء الْكَامِل
(إِن يبخلوا أَو يجبنوا
…
أَو يغدروا لَا يحفلوا)
(يغدوا عَلَيْك مرجلي
…
ن كَأَنَّهُمْ لم يَفْعَلُوا)
فَقَوله: يغدوا بدل من لَا يحفلوا. وغدوهم مرجلي يُفَسر أَنهم لم يحفلوا.
وَسَأَلته رحمه الله: هَل يكون إِن تأتنا تسألنا نعطك فَقَالَ: هَذَا يجوز على غير أَن يكون مثل الأول لِأَن الْفِعْل الآخر تَفْسِير لَهُ وَهُوَ هُوَ. وَالسُّؤَال لَا يكون الْإِتْيَان وَلكنه يجوز الْغَلَط)
وَالنِّسْيَان مِمَّن يتدارك كَلَامه. وَنَظِير ذَلِك فِي الْأَسْمَاء: مَرَرْت بِرَجُل حمَار كَأَنَّهُ نسي ثمَّ وَعلم من هَذَا أَن من أنْشدهُ الشَّارِح مركب من بَيْتَيْنِ سَهوا. فصدره للحطيئة وعجزه لِابْنِ الْحر.
وَرفع يستحمل النَّاس فِي الْبَيْت الأول لِأَنَّهُ خبر زَالَ النَّاقِصَة.
وَقَوله: تلمم بِنَا فِي الْبَيْت الثَّالِث بدل من تأتنا وَتَفْسِير لَهُ لِأَن الْإِلْمَام إتْيَان. وَلَو أمكنه رَفعه على تَقْدِير الْحَال لجَاز.
وَقَوله: يغدوا عَلَيْك فِي الْبَيْت الرَّابِع بدل من قَوْله: لَا يحفلوا لِأَن غدوهم مرجلين دَلِيل على أَنهم لم يحفلوا بقبيح مَا أَتَوْهُ فَهُوَ
تَفْسِير لَهُ وتبيين. والترجيل: مشط الشّعْر وتليينه بالدهن. وحفلت بِكَذَا أَي: باليت بِهِ.
وَقَوله: مَتى تأته تعشو
…
إِلَخ قَالَ المرزوقي فِي شرح الفصيح: يُقَال: عشا يعشو إِذا سَار فِي ظلمَة تسمى عشوة مُثَلّثَة الْعين. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت.
وَقَالَ ابْن يعِيش: يُقَال: عشوته أَي: قصدته فِي الظلام ثمَّ اتَّسع فَقيل لكل قَاصد: عَاشَ.
وَقَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل: قَوْله: تعشو إِلَى ضوء ناره قَالَ الْأَصْمَعِي: تَأتيه على غير هِدَايَة. وَقَالَ غَيره: تَجِيء على غير بصر ثَابت فتهتدي بناره.
وَقَالَ القتبي: يُقَال: عشوت إِلَى نارك أعشو عشواً إِذا قصدنها بلَيْل ثمَّ سمي كل قَاصد قَالَ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: وَمن يَعش عَن ذكر الرَّحْمَن إِذا حصلت الآفة فِي الْبَصَر قيل: عشي كفرح وَإِذا نظر نظر الْعشي وَلَا آفَة بِهِ قيل: عشا يعشو. وَنَظِيره: عرج لمن بِهِ الآفة وعرج لمن مَشى مشْيَة العرجان من غير عرج.
قَالَ الحطيئة:
مَتى تأته تعشو إِلَى ضوء ناره أَي: تنظر إِلَيْهَا نظر الْعشي لما يضعف بَصرك من عظم الْوقُود واتساع الضَّوْء.
وَهُوَ بَين فِي معنى قَول حَاتِم: السَّرِيع
(أعشو إِذا مَا جارتي برزت
…
حَتَّى يواري جارتي الخدر)
. اه.
وَقَول الْعَيْنِيّ: تعشو من عشا إِذا أَتَى نَارا يَرْجُو عِنْدهَا خيرا أَو هدى لَيْسَ مَعْنَاهُ مَا ذكره.)
وَكَذَلِكَ قَول ابْن المستوفي: يُقَال: عشا إِلَى النَّار يعشو إِذا اسْتدلَّ عَلَيْهَا ليبصر. ضَعِيف.
قَالَ عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ فِي شرح نقد الشّعْر لقدامة: وَصفه بِأَن ناره موقدة بِاللَّيْلِ وَهَذَا عِنْد الْعَرَب غَايَة الْمَدْح بِالْكَرمِ وقرى الضيفان. ثمَّ دلّ بقوله: تعشو إِلَى ضوء ناره أَن السابلة تستضيء بهَا وتقصد نَحْوهَا. وَهَذَا صفة النَّار إِذا كَانَت على نشز وَلَا يفعل ذَلِك إِلَّا السَّيِّد وَقَوله: تَجِد خير نَار عِنْدهَا خير موقد أَي: مَتى أَتَيْته عاشياً إِلَى ضوء ناره وجدت خير نَار أَي: أَنْفَع نَار للدفء وَالْأكل عِنْدهَا خير موقد يحْتَمل مَعْنيين.
أَحدهمَا: أَن يُرِيد بِمن عِنْدهَا من يوقدها من الغلمان والخول.
وَيُرِيد بقوله: خير موقد كَثْرَة كرمهم واحتفالهم بالوارد عَلَيْهِم وَحسن الْقيام عَلَيْهِ بِجَمِيعِ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ.
-
وَالثَّانِي: يُرِيد بِهِ الممدوح وَوَصفه بالإيقاد وَإِن كَانَ سيداً لِأَنَّهُ آمُر بِهِ فَكَأَنَّهُ فَاعله. وَيُرِيد بقوله: خير موقد أكْرم موقد وأسخى موقد وَأفضل موقد.
فعلى هَذَا يكون قد وَصفه فِي هَذَا الْبَيْت بجماع الْفَضَائِل. وعَلى
التَّأْوِيل الأول إِنَّمَا وَصفه بالسخاء فَقَط لَكِن ذكره أَولا مفصلا وَهنا مُجملا فاعرف ذَلِك. اه.
ويروى أَن هَذَا الْبَيْت لما أنْشد لعمر بن الْخطاب قَالَ: كذب تِلْكَ نَار مُوسَى صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه.
وَالْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة للحطيئة مدح بهَا بغيض بن عَامر بن شماس بن لأي بن أنف النَّاقة
(فَمَا زَالَت الوجناء تجْرِي ضفورها
…
إِلَيْك ابْن شماس تروح وتغتدي)
(تزور امْرأ يُؤْتِي على الْحَمد مَاله
…
وَمن يُعْط أَثمَان المحامد يحمد)
(يرى الْبُخْل لَا يبقي على الْمَرْء مَاله
…
وَيعلم أَن الشُّح غير مخلد)
(كسوب ومتلاف إِذا مَا سَأَلته
…
تهلل واهتز اهتزاز المهند)
مَتى تأته تعشو
…
...
…
...
…
... . . الْبَيْت
(تزور امْرأ إِن يعطك الْيَوْم نائلاً
…
بكفيه لَا يمنعك من نائل الْغَد)
(هُوَ الْوَاهِب الكوم الصفايا لجاره
…
يروحها العبدان فِي عَازِب ندي))
وَهَذَا آخر القصيدة.
وَقَوله: فَمَا زَالَت الوجناء
…
إِلَخ النَّاقة الوجناء: الغليظة. وضفورها: أتساعها وَإِنَّمَا تجْرِي لِأَنَّهَا قلقت من الضمر. وَابْن شماس: منادى.
وَقَوله: تززور امْرأ
…
. إِلَخ قَالَ عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ فِي شرح نقد الشّعْر لقدامة: فِيهِ صنفان من الْمَدْح:
أَحدهمَا: أَنه يُؤْتِي مَاله لاكتسب الْحَمد فخلص بِهِ من رذيلة التبذير الَّذِي هُوَ إِنْفَاق لَا لغَرَض صَحِيح.
وَالثَّانِي: أَنه ينْفق مَاله لطلب الْحَمد لَا لعوض آخر فخلص بِهِ من رذيلة التقتير وَهُوَ أَخذ الْعِوَض المحسوس فِيمَا يُنْفِقهُ فَحِينَئِذٍ تمحض الْوسط للفضيلة.
وَقَوله: وَمن يُعْط
…
إِلَخ أَتَى بقضية كُلية مَشْهُورَة تَقْتَضِي اسْتِحْقَاقه للحمد.
وَقَوله: يرى الْبُخْل لَا يبقي
…
. إِلَخ. دلّ بِهِ على أَن كرمه لَيْسَ لمُجَرّد الطَّبْع فَقَط بل عَن فكرة وروية واعتقاد صَحِيح وَنظر فِي العواقب مُسْتَقِيم.
قَالَ أفلاطون فِي هَذَا الْمَعْنى: نعم الْبُخْل لَو كَانَ المَال لَا يُؤْتى عَلَيْهِ إِلَّا من جِهَة الْبَذْل. وَلَكِن لما كَانَ المَال معرضًا للتلف بالحوادث الْخَارِجَة الَّتِي لَا يُمكن الاحتراس مِنْهَا كَانَ إِتْلَافه على يَدي مَالِكه أفضل لِأَنَّهُ يحوز بِهِ الْحَمد.
وَقَوله: كسوب ومتلاف
…
. إِلَخ قَالَ عبد اللَّطِيف: وَصفه بالشجاعة والسخاء جَمِيعًا.
فبالشجاعة يكْتَسب وبالسخاء يبْذل ويتلف.
وَيجوز
أَن يُرِيد بكسوب أَنه يكْتَسب الْحَمد وَبِقَوْلِهِ متلاف الْبَذْل فَلَا يخرج إِذن عَن وَصفه بالسخاء بل يَصح أَن يُقَال إِنَّه وَصفه مَعَ السخاء بِالْعقلِ لِأَن السَّعْي فِي كسب الْحَمد من أَفعَال الْعُقَلَاء.
وَقَوله: إِذا مَا سَأَلته تهلل أَي: استبشر واستنار محياه. وَهَذَا إِنَّمَا يكون عِنْد تناهي الْجُود.
وَقَوله: اهتز اهتزاز المهند وَصفه مَعَ البشاشة بالجمال والشهامة واعتدال الحركات فَإِن اهتزاز المهند مِمَّا يُوصف بِهِ الشهم الشجاع. وَأما اهتزاز الْقَضِيب والغصن الرطيب فمما يُوصف بِهِ النِّسَاء والمترفون.
وَقَوله: هُوَ الْوَاهِب الكوم
…
إِلَخ الكوم: جمع كوماء وَهِي النَّاقة
الْعَظِيمَة السنام. والصفايا:)
جمع صَفِيَّة وَهِي النَّاقة الغزيرة اللَّبن. والعبدان بِالْكَسْرِ: جمع عبد.
والعازب: النبت الْبعيد عَن النَّاس فَلم يرع فَهُوَ أتم لَهُ. وَهُوَ بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُعْجَمَة. وَقد حرف الْعَيْنِيّ هَذِه الْكَلِمَة لفظا وَمعنى فَقَالَ: وَالْغَارِب بالغين الْمُعْجَمَة وَالرَّاء: مَا بَين السنام والعنق.
والحطيئة تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَة.
وَأما الْبَيْت الآخر وَهُوَ:
(مَتى تأتنا تلمم بِنَا فِي دِيَارنَا
…
تَجِد حطباً جزلاً وَنَارًا تأججا)
فَإِن تلمم فِيهِ بدل من تأتنا لِأَن الثَّانِي من جنس الأول فَإِنَّهُ يُقَال: ألم الرجل بالقوم إلماماً: أَتَاهُم فَنزل بهم. وَمِنْه قيل: ألم بِالْمَعْنَى
إِذا عرفه وألم بالذنب: فعله. كَذَا فِي الْمِصْبَاح.
كَمَا أَن تعشو من جنس الْإِتْيَان فلولا أَنه فِي شعر لجازم جزمه.
وَيدل عَلَيْهِ كَلَام سِيبَوَيْهٍ الْمُتَقَدّم وَكَلَام الشَّارِح الْمُحَقق فَإِنَّهُ لَو كَانَ مُرَاده بالمثلية فِي قَوْله: وَيجوز فِي مثله الْبَدَل وُقُوع الْمُضَارع بَين الشَّرْط وَالْجَزَاء فَقَط لقَالَ: إِذا كَانَ الثَّانِي من جنس الأول وَلم يقل لِأَن الثَّانِي إِلَخ.
وَكَذَا قَالَ اللَّخْمِيّ فِي شرح أَبْيَات الْجمل قَالَ: وَلَو كَانَ تعشو فِي مَوضِع يقوم بِالْجَزْمِ فِيهِ وزن الْفِعْل لجَاز أَن يُبدل من تأته لِأَن مَعْنَاهُمَا وَاحِد لِأَنَّهُ كثر فِي كَلَامهم حَتَّى صَار كل قَاصد عاشياً. والحطب الجزل بِفَتْح الْجِيم: الغليظ مِنْهُ.
يُرِيد أَنهم يوقدون الجزل من الْحَطب لتقوى نارهم فَينْظر إِلَيْهَا الضيوف على بعد ويقصدونها.
-
والتأجج: توقد النَّار. وتأججا فِي الْبَيْت مَاض وَالْألف للإطلاق وفاعله ضمير النَّار.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي كتاب النَّبَات: النَّار تذكر وَهُوَ قَلِيل وَأنْشد هَذَا الْبَيْت.
وَيشْهد لَهُ قَول الشمرذل: الطَّوِيل
(أناخوا فصالوا بِالسُّيُوفِ وأوقدوا
…
بعلياء نَار الْحَرْب حَتَّى تأججا)
وَقَالَ بَعضهم: النَّار مُؤَنّثَة لَا غير وَإِنَّمَا رد الضَّمِير مذكراً لِأَنَّهُ أَرَادَ بهَا الشهَاب وَهُوَ مُذَكّر.
وَقيل: لِأَن تَأْنِيث النَّار غير حَقِيقِيّ فَيكون على طَريقَة:
وَلَا أَرض أبقل وَقيل: الضَّمِير رَاجع للحطب لِأَنَّهُ أهم إِذْ النَّار إِنَّمَا تكون بِهِ. وَقيل: لَيست الْألف للإطلاق)
وَإِنَّمَا هِيَ ضمير الِاثْنَيْنِ: الْحَطب وَالنَّار وَإِنَّمَا ذكر الضَّمِير لتغليب الْحَطب على النَّار.
-
وَكَذَا فِي قَوْله:
(من يأتنا يَوْمًا يقص طريقنا
…
يجد حطباً جزلاً وَنَارًا تأججا)
قَالَ أَبُو عَليّ: قَالَ أَبُو الْحسن: يَعْنِي النَّار والحطب.
وَقَالَ بَعضهم: تأججا فعل مضارع مَحْذُوف من أَوله التَّاء وَالْألف مبدلة من نون التوكيد الْخَفِيفَة وَالْأَصْل تتأججن فَالضَّمِير الْمُسْتَتر للنار المؤنثة وَلِهَذَا أنث الْفِعْل.
وَالْبَيْت من قصيدة تزيد على ثَلَاثِينَ بَيْتا لِعبيد الله بن الْحر قَالَهَا وَهُوَ فِي حبس مُصعب بن الزبير فِي الْكُوفَة.
وَكَانَ ابْن الْحر لشهامته لَا يُطِيع أحدا فَقَالَ النَّاس لمصعب: إِن عبيد الله بن الْحر كَانَ قد أَبى على الْمُخْتَار غير مرّة وَخَالفهُ وقاتله وَفعل مصل ذَلِك بعبيد الله ابْن زِيَاد من قبل فَلَيْسَ لأحد عَلَيْهِ طَاعَة وَنحن نتخوف أَن يثور فِي السوَاد فيكسر عَلَيْك الْخراج كَمَا كَانَ يفعل وَقد أظهر طرفا من الْخلاف فألطف لَهُ حَتَّى تحبسه.
فَلم يزل مُصعب يتلطف بِهِ ويعده يمنيه الْأَمَانِي حَتَّى أَتَاهُ فَلَمَّا أَتَاهُ أَمر بِهِ فحبس فَقَالَ فِي ذَلِك قصائد وَقَالَ هَذِه القصيدة وَهُوَ فِي السجْن لرجل من أَصْحَابه وَكَانَ
حبس مَعَه وَيُقَال لَهُ عَطِيَّة بن عَمْرو الْبكْرِيّ وَذَلِكَ أَن عَطِيَّة جزع فِي السجْن.
ومطلعها:
(أَقُول لَهُ صبرا عطي فَإِنَّمَا
…
هُوَ السجْن حَتَّى يَجْعَل الله مخرجا)
إِلَى أَن قَالَ:
(ومنزلة يَا ابْن الزبير كريهة
…
شددت لَهَا من آخر اللَّيْل أسرجا)
(لفتيان صدق فَوق جرد كَأَنَّهَا
…
قداح براها الماسخي وسحجا)
(إِذا خَرجُوا من غمرة رجعُوا لَهَا
…
بِأَسْيَافِهِمْ والطعن حَتَّى تفرجا
)
مَتى تأتنا تلمم بِنَا فِي دِيَارنَا
…
...
…
... . الْبَيْت وَالْقَصِيدَة بِتَمَامِهَا فِي كتاب اللُّصُوص.
وعطي: منادى مرخم عَطِيَّة. وَالْوَاو فِي قَوْله: ومنزلة وَاو رب. وَابْن الزبير هُنَا مُصعب.
وأسرج: جمع سرج. والجرد: جمع أجرد وَهُوَ الْقصير الشّعْر من الْخَيل.)
والقداح: جمع قدح بِكَسْر الْقَاف فيهمَا وَهُوَ عود السهْم قبل أَن يَجْعَل لَهُ نصل. والماسخي بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة: الَّذِي يصنع السِّهَام. وسحجا بتَشْديد الْحَاء الْمُهْملَة وَقبلهَا سين مُهْملَة أَي: نحته والغمرة بِفَتْح الْمُعْجَمَة: الشدَّة. والطعن مَعْطُوف على الأسياف وتفرجا أَصله تتفرجن بنُون توكيد خَفِيفَة فقلبت ألفا وحذفت التَّاء من أَوله وَمَعْنَاهُ تتكشف. والفرجة: الثلمة. وفاعله ضمير الغمرة.
وَقَوله: مَتى تأتنا فَاعله مستتر فِيهِ رَاجع لفتيان. وَكَذَلِكَ الْحَال فِي تلمم وتجد وَلَيْسَت التَّاء فِيهَا للخطاب.
وَرَوَاهُ صَاحب كتاب اللُّصُوص:
(مَتى تأتني فِي منزل قد نزلته
…
تَجِد حطباً جزلاً
…
الْبَيْت)