الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالتَّشْدِيد وَالْمدّ: طَائِر أَي: كَأَن فُؤَاده على جنَاح طَائِر. وَهَذَا تَحْقِيق لجبنه وتحيره.
وَقَوله: وَلَا خَالف دارية هَذَا أَيْضا بِالْجَرِّ للْعَطْف على مهياف. والخالف بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة: من لَا خير فِيهِ. ودارية بِالْجَرِّ صفة لخالف وَهُوَ الْمُقِيم فِي دَاره لَا
يُفَارِقهُ. وَالتَّاء زَائِدَة للْمُبَالَغَة.
والداري أَيْضا: الْعَطَّار مَنْسُوب إِلَى دارين: فرضة بِالْبَحْرَيْنِ فِيهَا سوق كَانَ يحمل إِلَيْهَا مسك من نَاحيَة الْهِنْد.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: ويحتملهما كَلَامه لِأَن الْعَطَّار يكْتَسب من ريح عطره فَيصير بِمَنْزِلَة المتعطر فَالْمَعْنى لست مِمَّن يتشاغل بتطييب بدنه وثوبه أَو يلازم زَوجته فيكتسب من طيبها. والمتغزل: فِي الصِّحَاح: مغازلة النِّسَاء: محادثتهن ومراودتهن. تَقول: غازلتها وغازلتني وَالِاسْم الْغَزل.
وتغزل أَي: تكلّف الْغَزل. وَجُمْلَة: يروح صفة متغزل أَو حَال من ضَمِيره.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد السَّابِع وَالْعشْرُونَ بعد السبعمائة)
الطَّوِيل
(بتيهاء قفر والمطي كَأَنَّهَا
…
قطا الْحزن قد كَانَت فراخاً بيوضها)
على أَن كَانَ فِيهِ بِمَعْنى صَار.
والتيهاء: الْمَفَازَة الَّتِي لَا يهتدى فِيهَا فعلاء من التيه وَهُوَ التحير. يُقَال: تاه فِي الأَرْض يتيه تيهاً وتيهاناً أَي: ذهب متحيراً.
والقفر: الْمَكَان الْخَالِي يصف الْمطِي بِسُرْعَة السّير كَأَنَّهَا بِمَنْزِلَة قطاً تركت
بيوضاً صَارَت أفراخاً فَهِيَ تمشي بِسُرْعَة إِلَى أفراخها.
وَمعنى كَانَت: صَارَت لِأَن البيوض صَارَت أفراخاً لَا أَنَّهَا كَانَت فراخاً. والقطا: طَائِر سريع الطيران.
-
والحزن بِفَتْح الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُعْجَمَة: مَا غلظ من الأَرْض وَهُوَ ضد السهل وأضاف القطا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ يكون قَلِيل المَاء فَتكون قطاه أَكثر عطشاً فَإِذا أَرَادَ المَاء كَانَ سريع الطيران.
قَالَ الْأَصْمَعِي وَنَقله ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب أَبْيَات الْمعَانِي: أَرَادَ أَنَّهَا شربت من الْغدر فِي الرّبيع فَإِذا فرخت وَدخلت فِي الصَّيف احْتَاجَت إِلَى طلب المَاء على بعد فَيكون أسْرع لطيرانها.
وَإِنَّمَا تفرخ بيضها إِذا جَاءَ الْحر. فَأَرَادَ أَن يخبر عَن سرعَة طيرانها عِنْد حَاجَتهَا إِلَى المَاء.
وَوَجَب تَقْدِير كَانَ بصار هُنَا ليَصِح الْمَعْنى وَلَو قدر بكان لفسد لكَونه محالاً.
وَمثله قَول شمعلة بن أَخْضَر من شعراء الحماسة: الوافر
(فَخر على الألاءة لم يوسد
…
وَقد كَانَ المَاء لَهُ خمارا)
قَالَ ابْن جني فِي إعرابه للحماسة: كَانَ هُنَا بِمَنْزِلَة صَار. أنْشد أَبُو عَليّ: بتيهاء قفر والمطي
…
...
…
. . الْبَيْت أَي: صَارَت.
وَهَذَا وَجه من وُجُوه كَانَ خَفِي. اه.
وَمثله قَول رؤبة: الرجز وَالرَّأْس قد كَانَ لَهُ قتير
وَبَقِي وَجه آخر لم يرتضه الشَّارِح الْمُحَقق وَلِهَذَا لم يذكرهُ وَهُوَ أَن تكون كَانَ على بَابهَا)
ويدعى الْقلب فِي الْكَلَام وَيكون الأَصْل: قد كَانَت فراخها بيوضاً كَقَوْل الآخر: الْكَامِل
(
…
...
…
... . كَمَا
…
كَانَ الزناء فَرِيضَة الرَّجْم)
أَرَادَ: كَمَا كَانَ الرَّجْم فَرِيضَة الزِّنَى.
وَمَا اخْتَارَهُ الشَّارِح الْمُحَقق هُوَ مَذْهَب ثَعْلَب وَأبي عَليّ وَابْن جني وَهُوَ الْجيد لِأَن الْقلب لَا يُصَار إِلَيْهِ إِذا وجد وَجه آخر.
وَأما قَوْله: بيوضها فقد رَوَاهُ ثَعْلَب بِضَم الْبَاء. وَمَشى عَلَيْهِ فِي الْإِيضَاح مستشهداً بِهِ على أَنه جمع بيض كبيت وبيوت وَخَالفهُ فِي التَّذْكِرَة وَجزم بِأَن بيوضها بِفَتْح الْبَاء بِمَعْنى ذَات الْبيض واستبعد رِوَايَة الضَّم وَقَالَ: فَإِن قلت مَا تنكر أَن يكون بيوضها بِضَم الْبَاء فَالْقَوْل فِي ذَلِك أَنه يبعد وَإِن كَانُوا قد قَالُوا التمور لاخْتِلَاف الْجِنْس لِأَن الْبيض هُنَا ضرب وَاحِد وَلَيْسَ بمختلف فَلَا يجوز أَن يجمع.
وَهَذَا الاستبعاد مَبْنِيّ على أَن يكون جمع بيض وَالصَّحِيح أَنه جمع بَيْضَة كَمَا أَن مؤوناً جمع مأنة وَهِي السُّرَّة وَمَا حولهَا لَا أَنه جمع بيض لعدم الِاخْتِلَاف المسوغ للْجمع. وَهَذَا أولى من الطعْن فِي رِوَايَة ثَعْلَب.
(يضل القطا الكدري فِيهَا بيوضه
…
ويعوي بهَا من خيفة الهلك ذيبها)
وَقَول الْجَعْدِي:
لَهُنَّ أداحي بِهِ وبيوض فَإِن قَالَ قَائِل: هَذَا جعل بيوضاً جمع بَيْضَة كَمَا جعل سخالاً جمع سخلة ومؤوناً جمع مأنة.
فَالْجَوَاب أَن نقُول: إِنَّمَا جعل سخالاً جمع سخلة لَا سخل وَإِن كَانَ بَاب كل وَاحِد مِنْهُمَا أَن لَا يكسر لِأَن امْتنَاع التكسر فِي أَسمَاء الْأَجْنَاس أقوى.
أَلا ترى أَن أَسمَاء الْأَجْنَاس كلهَا لَا يجوز تكسير شَيْء مِنْهَا بِقِيَاس. وَقد نَص على ذَلِك سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب جمع الْجمع. والآحاد المخلوقة كلهَا يجوز تكسيرها بِقِيَاس فِيمَا عدا هَذَا الْبَاب فَكَانَ جعل سخال جمع سخلى أولى من جعلهَا جمع سخل لذَلِك.
وَأما بيوض فَالَّذِي أوجب عَلَيْهِ أَن يَجْعَلهَا جمع بيض لَا بَيْضَة أَنه رأى أَن فعولًا فِي جمع فعل مقيس نَحْو: فلس وفلوس وفعول فِي جمع فعله نَحْو: بدرة وبدور غير مقيس فيرجح عِنْده جعل بيوض جمع بيض لذَلِك. وَمن صخور وتمور وأشباهه.)
وَلَيْسَ كَذَلِك فعال فَإِنَّهُ جمع لفعلة وَفعل بِقِيَاس نَحْو: جنان وكلاب. وَجعل مؤوناً جمع مأنة لما لم يسمع مأن.
وَأما على قَول أبي عَليّ فَلَا بُد من تَقْدِير مُضَاف وَالتَّقْدِير: كَانَت بيوضها ذَات أفراخ وَلَا قلب فِي الْكَلَام حِينَئِذٍ كَمَا فِي صُورَة جعل كَانَ بِمَعْنى صَار مَعَ رِوَايَة الْبَاء وَإِنَّمَا يدعى الْقلب فِي صُورَة جعل كَانَ على بَابهَا مَعَ رِوَايَة ضم الْبَاء.
والقطا: ضرب من الطير وَهُوَ نَوْعَانِ: كدري وجوني. فالكدري غبر الألوان رقش الظُّهُور والبطون صفر الحلوق قصار الأذناب.
والجوني سود الْبُطُون سود بطُون الأجنحة والقوادم بيض الصُّدُور غبر الظُّهُور وَفِي عنق كل وَاحِد مِنْهَا طوقان: أصفر وأسود.
وَقَوله: بتيهاء قفر الْجِدَار يتَعَلَّق بقوله: والعيس تجْرِي غروضها فِي بَيت قبله.
وَالْبَيْت من أبات لِابْنِ أَحْمَر وَهِي:
(لعمري لَئِن حلت قُتَيْبَة بَلْدَة
…
شَدِيدا بِمَال المقحمين عضيضها)
(فَللَّه عينا أم فرع وعبرة
…
ترقرقها فِي عينهَا أَو تفيضها)
(أَلا لَيْت شعري هَل أبيتن لَيْلَة
…
صَحِيح السرى والعيس تجْرِي غروضها)
(بتيهاء قفر والمطي كَأَنَّهَا
…
قطا الْحزن قد كَانَت فراخاً بيوضها)
وَفِي شرحها: قُتَيْبَة: بطن من باهلة. والمقحمون: الَّذين أقحمتهم السّنة وَهِي القحمة بِالضَّمِّ أَي: الْقَحْط.
وعضيضها: عضها. وصحيح السرى أَي: غير جَائِر عَن الْقَصْد فَيكون أسْرع لقصده لصِحَّة سراه. فتمنى أَن يَصح سراه ويستقيم ليعجل إِلَى مقْصده.
وغروضها: اتساعها. أَي: إِنَّهَا قد أضمرت حَتَّى قد كَانَت أَي: قد صَارَت. بيوضها: جمع الْبيض. انْتهى.
وَمعنى الْبَيْت أَن الْمطِي براها السّير وَحملهَا على المتاعب حَتَّى صَارَت كالفراخ فِي الضعْف والهزال بعد مَا كَانَت قَوِيَّة سماناً كالدجاج البيوض بِإِضَافَة الْفِرَاخ إِلَيْهَا. انْتهى.
وَهَذَا كَلَام من لم يقف على الرِّوَايَة. وَالَّتِي فِي عَامَّة نسخ شعره:
(أريهم سهيلاً والمطي كَأَنَّهَا
…
قطا الْحزن
…
... . الْبَيْت)
. قَالَ شَارِحه: قَوْله أريهم سهيلاً يَعْنِي أَصْحَابه وَإِن لم يجر لَهُ ذكرن لدلَالَة الْحَال عَلَيْهِ أَي:)
يُرِيهم مطلعه الَّذِي بِبِلَاد أحبابه الَّتِي يقصدها فَهُوَ يتَمَنَّى أَن يَصح سراه إِلَى مقْصده لِيُرِيَهُمْ مطلع سُهَيْل بِبِلَاد أحبابه الَّتِي يقصدها فَهُوَ يتَمَنَّى أَن يَصح سراه إِلَى مقْصده لِيُرِيَهُمْ مطلع سُهَيْل بِبِلَاد أحبابه وَتَكون الْمطِي على الْحَال الَّتِي وصفهَا من قلق غروضها وأتساعها. لحثه إِيَّاهَا على السرى الَّذِي أهزلها
فقلقت أنساعها. وَشبههَا بِسُرْعَة القطا الَّتِي فَارَقت فراخها لتحمل إِلَيْهَا المَاء فتسقيها فَهُوَ أسْرع لطيرانها.
وَدلّ كَلَام الشَّاعِر على أَنه أَرَادَ: يُرِيهم سهيلاً من آخر اللَّيْل لِأَن القطا إِنَّمَا تصير كَمَا ذكر فِي الصَّيف. وطلوع سُهَيْل بالحجاز يكون عِنْد فتور الْحر فِي عشري آب من شهور الرّوم.
وَقَوله: والمطي كَأَنَّهَا حَال من فَاعل تجْرِي فِي الْبَيْت الْمُتَقَدّم على الرِّوَايَة الأولى وَصَاحب الْحَال فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة ضمير الْجمع فِي أريهم سهيلاً. وَالْعَامِل أرى كَقَوْلِك: جئْتُك وَالشَّمْس طالعة.
وَقَوله: قد كَانَت
…
إِلَخ حَال من القطا وَالْعَامِل مَا فِي كَانَ من معنى التَّشْبِيه. وفراخاً خبر مقدم لَكَانَ وبيوضها اسْمهَا الْمُؤخر.
وَابْن أَحْمَر شَاعِر إسلامي مخضرم تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السِّتين بعد الأربعمائة.