الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورد عَلَيْهِ جرير فِي مناقضته بميل هَذَا الْبَيْت فَقَالَ:
(إِذا قيل أَي النَّاس شَرّ قَبيلَة
…
وَأعظم عاراً قيل: تِلْكَ مجاشع)
وقبيلة فِي الْبَيْتَيْنِ بِالنّصب على التَّمْيِيز.
وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة الفرزدق فِي الشَّاهِد الثَّلَاثِينَ.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد السَّابِع بعد السبعمائة)
الوافر تمرون الديار وَلم تعوجوا على أَن حذف الْجَار مِنْهُ على سَبِيل الشذوذ وَالْجَار الْمَحْذُوف إِمَّا الْبَاء وَإِمَّا على فَإِن الْمُرُور يتَعَدَّى بهما.
-
قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَعَن الْأَخْفَش فِي مَرَرْت بزيد أَن الْمَعْنى مَرَرْت على زيد بِدَلِيل: لتمرون عَلَيْهِم. وَأَقُول: إِن كلا من الإلصاق والاستعلاء إِنَّمَا يكون حَقِيقا إِذا كَانَ مقضياً إِلَى
نفس الْمَجْرُور كأمسكت بزيد وصعدت على السَّطْح. فَإِن أفْضى إِلَى مَا يقرب مِنْهُ فمجازي وَكَقَوْلِه: الطَّوِيل وَبَات على النَّار الندى والمحلق فَإِذا اسْتَوَى التقديران فِي المجازية فالأكثر اسْتِعْمَالا أولى بالتخريج عَلَيْهِ كمررت بِهِ ومررت عَلَيْهِ وَإِن كَانَ قد جَاءَ كَمَا فِي: لتمرون عَلَيْهِم يَمرونَ عَلَيْهَا.
وَلَقَد أَمر على اللَّئِيم يسبني
إِلَّا أَن مَرَرْت بِهِ أَكثر فَكَانَ أولى بتقديره أصلا. وَيتَخَرَّج على هَذَا الْخلاف خلاف فِي الْمُقدر فِي قَوْله: تمرون الديار وَلم تعوجوا أهوَ الْبَاء أَو على. اه.
يَعْنِي: فَمن سَاوَى بَين التَّقْدِيرَيْنِ قدر أَيهمَا شَاءَ لصِحَّة الْمَعْنى بهما. وَمن رجح الْبَاء لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال قدرهَا لِأَنَّهُ مَتى أمكن الْمصير إِلَى الأَصْل لم يتَجَاوَز عَنهُ.
وعد ابْن عُصْفُور حذف الْجَار وإيصال الْفِعْل إِلَيْهِ ضَرُورَة. وَالصَّحِيح مَا ذهب إِلَيْهِ الشَّارِح الْمُحَقق بِدَلِيل مَا أوردهُ من الْآيَات.
وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: والأخفش الْأَصْغَر يُجِيز حذف الْجَار مَعَ غَيرهمَا أَيْضا قِيَاسا إِذا تعين والأخفش الْأَصْغَر هُوَ تلميذ أبي الْعَبَّاس وَهُوَ أَبُو الْحسن عَليّ بن سُلَيْمَان الْأَخْفَش. وَلَيْسَ مَا نسبه إِلَيْهِ مذْهبه وَإِنَّمَا مذْهبه أَن يكون الْفِعْل مُتَعَدِّيا بِنَفسِهِ إِلَى مفعول وَاحِد وَإِلَى آخر بِحرف جر فَحِينَئِذٍ يجوز حذفه.)
وَهَذَا كَلَامه فِيمَا كتبه على كَامِل الْمبرد قَالَ: فَأَما قَوْله: الطَّوِيل وأخفي الَّذِي لَوْلَا الأسى لقضاني
فَإِنَّمَا يُرِيد: لقضى عَليّ الْمَوْت كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: فَلَمَّا قضينا عَلَيْهِ الْمَوْت فالموت فِي النِّيَّة وَهُوَ مَعْلُوم بِمَنْزِلَة مَا نطقت بِهِ. وَمثله: وَاخْتَارَ مُوسَى قومه. أَي: لِقَوْمِهِ.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: وَإِذا كالوهم أَو وزنوهم يخسرون وَالْمعْنَى: إِذا كالوا لَهُم أَو وزنوا لَهُم أَي: كالوا لَهُم الشَّيْء ووزنوه لَهُم. والمكيل وَالْمَوْزُون مَعْلُوم بِمَنْزِلَة مَا ذكر فِي اللَّفْظ.
وَلَا يجوز مَرَرْت زيدا وَأَنت تُرِيدُ بزيد لِأَنَّهُ لَا يتَعَدَّى إِلَّا بِحرف وَذَلِكَ أَنه فعل الْفَاعِل فِي نَفسه وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيل على مفعول وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَة مَا يتَعَدَّى إِلَى مفعولين فيتعدى إِلَى أَحدهمَا بِحرف الْجَرّ وَإِلَى الآخر بِنَفسِهِ لِأَن قَوْلك: اخْتَرْت الرِّجَال
زيدا قد علم بذكرك زيدا أَن حرف الْجَرّ مَحْذُوف من الأول. فَأَما قَول جرير وإنشاد أهل الْكُوفَة لَهُ وَهُوَ قَوْله: وَرِوَايَة بَعضهم لَهُ: أتمضون الديار وَلم تحيا فليستا بِشَيْء لما ذكرت لَك. وَالسَّمَاع الصَّحِيح وَالْقِيَاس المطرد لَا تعترض عَلَيْهِ الرِّوَايَة الشاذة. أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يزِيد قَالَ: قَرَأت على عمَارَة بن عقيل بن بِلَال بن جرير: مررتم بالديار وَلم تعوجوا
فَهَذَا يدلك على أَن الرِّوَايَة مُغيرَة. اه.
وَالْبَيْت من قصيدة لجرير هجا بهَا الأخطل النَّصْرَانِي. وَهَذَا مطْلعهَا:
(مَتى كَانَ الْخيام بِذِي طلوح
…
سقيت الْغَيْث أيتها الْخيام)
(تنكر من معالمها ومالت
…
دعائمها وَقد بلي الثمام)
(أَقُول لصحبتي لما ارتحلنا
…
ودمع الْعين منهمر سجام)
(تمرون الديار وَلم تعوجوا
…
كلامكم عَليّ إِذا حرَام)
وَمِنْهَا:
(لقد ولد الأخيطل أم سوء
…
على بَاب استها صلب وشام)
قَوْله: مَتى كَانَ الْخيام
…
. إِلَخ. أورد ابْن هِشَام عَجزه فِي الْمُغنِي
على أَنه قد تولدت وَاو من)
والخيمة عِنْد الْعَرَب: كل بَيت يبْنى من عيدَان الشّجر. وَذُو طلوح بمهملتين: مَكَان. والطلح: شجر عَظِيم لَهُ شوك.
والمعالم: جمع معلم كمقعد: مَظَنَّة الشَّيْء وَمَا يسْتَدلّ بِهِ. والدعامة بِالْكَسْرِ: عماد الْبَيْت.
والثمام بِضَم الْمُثَلَّثَة: نبت ضَعِيف لَهُ خوص رُبمَا حشي بِهِ الوسائد ويسد بِهِ خصاص الْبيُوت.
والمنهمر: المنسكب. والسجام بِالْكَسْرِ: مصدر سجم الدمع إِذا سَالَ.
وَقَوله: وَلم تعوجوا يُقَال: عاج رَأس الْبَعِير إِذا عطفه بالزمام. وكلامكم مُبْتَدأ وَهُوَ مصدر مُضَاف إِلَى مَفْعُوله الْفَاعِل مَحْذُوف أَي: كَلَامي إيَّاكُمْ. وَحرَام: خَيره وَعلي مُتَعَلق بالْخبر.
وَقَوله: لقد ولد الأخيطل أوردهُ صَاحب الْكَشَّاف شَاهدا لقِرَاءَة إِبْرَاهِيم
النَّخعِيّ: وَلم يكن لَهُ صَاحِبَة بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة على أَنه لم يؤنث الْفِعْل الْمسند إِلَى الْمُؤَنَّث الْحَقِيقِيّ للفصل.
والأخيطل: مصغر الأخطل صغره تحقيراً لَهُ. والصلب: جمع صَلِيب.
وشام: جمع شامة وَهِي الْعَلامَة. يُرِيد أَن أمه فعلت فعل الموشمات نقشت صُورَة الصَّلِيب فِي ذَلِك الْموضع.
وَفِي الْقَامُوس أَن الأخطل كَانَ يلقب بِذِي صَلِيب.