الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يصرف بنابيه من الضجر والجهد. ومطلحة: معيية.
وصعر: فِيهَا ميل من الْجهد والهزال.
وَهَذَا نقلته من شرح ديوانه.
وترجمته تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّامِن من أول الْكتاب.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ بعد السبعمائة)
تَحِيَّة بَينهم ضرب وجيع على أَن جعل الضَّرْب الوجيع كالتحية كَمَا جعل الْخَسْف كالأرض الَّتِي يناخ عَلَيْهَا.
يُرِيد أَن الْخَسْف جعل بَدَلا من الأَرْض كَمَا أَن الضَّرْب جعل بَدَلا من التَّحِيَّة
وَلَا يُرِيد أَنَّهُمَا من بَاب التَّشْبِيه فَإِنَّهُ غير صَحِيح فيهمَا فَإِن الأول لَيْسَ فِيهِ من أَرْكَان التَّشْبِيه غير الْخَسْف وَلَا يُقَال لمثله إِلَّا اسْتِعَارَة وَإِن كَانَ أَصله التَّشْبِيه. فَإِن كَانَ الْمُشبه بِهِ مَذْكُورا والمشبه غير مَذْكُور فَهُوَ اسْتِعَارَة تصريحية وَإِن كَانَ بِالْعَكْسِ فَهُوَ استعالة بِالْكِنَايَةِ.
والخسف وَإِن أمكن أَن يَجْعَل من الِاسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ لكنه لما شبه بِمَا بعده علم أَن مُرَاده أَنه من بَاب التنويع كَمَا يَأْتِي بَيَانه.
وَأم الثَّانِي فَهُوَ لَيْسَ من التَّشْبِيه قطعا
إِذْ الْمَعْهُود فِي مثله أَن يشبه الأول بِالثَّانِي لَا الْعَكْس إِذْ لَا يُقَال فِي زيد أَسد: إِن أسداً مشبه بزيد. وَلم يجيزوا أَيْضا أَن تشبه التَّحِيَّة بِالضَّرْبِ لِأَنَّهُ من بَاب التنويع وَهُوَ من خلاف مُقْتَضى الظَّاهِر وَهُوَ ادِّعَاء أَن مُسَمّى اللَّفْظ نَوْعَانِ: مُتَعَارَف وَغير مُتَعَارَف. على طَرِيق التخييل بِأَن ينزل مَا يَقع فِي موقع شَيْء بَدَلا عَنهُ. مَنْزِلَته بِدُونِ تَشْبِيه وَلَا اسْتِعَارَة سَوَاء كَانَ بطرِيق الْحمل كَقَوْلِه: تَحِيَّة بَينهم ضرب وجيع
(وبلدة لَيْسَ بهَا أنيس
…
إِلَّا اليعافير وَإِلَّا العيس)
على معنى أنيسها اليعافير. أَي: إِن كَانَ يعد أنيساً فَلَا أنيس إِلَّا هُوَ. أَو بدونهما كَقَوْلِه: الْكَامِل
(غضِبت حنيفَة أَن تقتل عَامر
…
يَوْم النسار فأعقبوا بالصيلم)
أَي: إِنَّهُم لما طلبُوا إِلَيْنَا العتبى وَضعنَا لَهُم السِّلَاح مَكَانهَا. وَهَذَا تهكم. والصيلم: الداهية.
وَحَيْثُ أطلق التنويع فَالْمُرَاد بِهِ هَذَا كَمَا تراهم يَقُولُونَ: من بَاب: تَحِيَّة بَينهم ضرب وجيع
فيجعلون الْمِثَال أساساً وَقَاعِدَة وَلَيْسَ من الْمجَاز فِي شَيْء لِأَن طَرفَيْهِ مستعملان فِي حقيقتهما وَلَا تَشْبِيها كَمَا صَرَّحُوا بِهِ بل التَّشْبِيه يعكس مَعْنَاهُ ويفسده.
قَالَ الشَّيْخ فِي دَلَائِل الإعجاز: اعْلَم أَنه لَا يجوز أَن يكون سَبِيل قَوْله: الطَّوِيل)
لعاب الأفاعي القاتلات لعابه سَبِيل قَوْلهم: عتابه السَّيْف. وَذَلِكَ لِأَن الْمَعْنى فِي بَيت أبي تَمام على أَنَّك تشبه شَيْئا بِشَيْء لجامع بَينهمَا فِي وصف. وَلَيْسَ الْمَعْنى فِي عتابك السَّيْف على أَنَّك تشبه عتابه بِالسَّيْفِ بَدَلا من العتاب.
أَلا ترى أَنه يَصح أَن تَقول: مداد قلمه قَاتل كسم الأفاعي وَلَا يَصح أَن تَقول: عتابك كالسيف اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تخرج إِلَى بَاب آخر وَشَيْء لَيْسَ هُوَ غرضهم بِهَذَا الْكَلَام فتريد أَنه قد عَاتب عتاباً خشناً مؤلماً.
ثمَّ إِنَّك إِذا قلت السَّيْف عتابك خرجت بِهِ إِلَى معنى ثَالِث وَهُوَ أَن تزْعم
أَن عتابه قد بلغ فِي إيلامه وَشدَّة تَأْثِيره مبلغا صَار لَهُ السَّيْف كَأَنَّهُ لَيْسَ بِسيف. انْتهى.
وَلَيْسَ هَذَا من قبيل التَّشْبِيه الَّذِي ذكر مَعَه مَا يحل دُخُول أَدَاة التَّشْبِيه كَقَوْلِه: الْكَامِل أَسد دم الْأسد الهزبر خضابه
فَإِنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى التَّصْرِيح بأداة التَّشْبِيه لدلَالَة التَّشْبِيه على أَنه دون الْأسد وَدلَالَة الْوَصْف على أَنه فَوْقه. فالوصف مَانع. وَأما هُنَا فالتشبيه يعكس الْمَعْنى المُرَاد. وَأَيْضًا فَإِن الْمَقْصُود نفي مَا صدر بِهِ يَعْنِي لَا تَحِيَّة بَينهم. والتشبيه لَا يُفِيد هَذَا الْمَعْنى.
وَلَيْسَ الشَّيْخ أَبَا عذرة هَذَا بل صرح بِهِ النُّحَاة مِنْهُم سِيبَوَيْهٍ وَقد فَصله فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء من كِتَابه وَنَقله ابْن عُصْفُور وَابْن الطراوة قَالُوا: إِذا كَانَ الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر معرفتين إِمَّا أَن تكون إِحْدَاهمَا قَائِمَة مقَام الْأُخْرَى أَو مشبهة بهَا أَو هِيَ نَفسهَا.
فَإِن كَانَت قَائِمَة مقَامهَا كَانَ الْخَبَر مَا تُرِيدُ إثْبَاته نَحْو قَول عبد الْملك بن مَرْوَان: كَانَ عُقُوبَتك وَلَو قلت: كَانَ عزلك عُقُوبَتك كَانَ معاقباً لَا معزولاً وَلَو قلت: كَانَ زُهَيْر زيدا أثبت التَّشْبِيه لزهير بزيد.
قَالَ ابْن الطراوة: وَقد غلط فِي هَذَا أجلة من الشُّعَرَاء مِنْهُم المتنبي فِي قَوْله: الطَّوِيل
(ثِيَاب كريم مَا يصون حسانها
…
إِذا نشرت كَانَ الهبات صوانها)
فذمه وَهُوَ يرى أَنه مدحه. أَلا ترى أَنه أثبت الصون وَنفى الهبات كَأَنَّهُ قَالَ: الَّذِي يقوم لَهَا مقَام الهبات أَن تصان. وَقد أُجِيب عَن المتنبي.
فَإِذا لم يكن فِي شَيْء من أَطْرَافه تجوز وَلم يقْصد التَّشْبِيه فَهُوَ حَقِيقَة يَجْعَل بدل الشَّيْء الْقَائِم)
مقَامه فَردا مِنْهُ ادِّعَاء. فالتصرف فِي النِّسْبَة.
أَلا ترى لَو قلت إِن كَانَ الضَّرْب تَحِيَّة فَهُوَ تحيتهم كَانَ حَقِيقَة قطعا. فَجعل الْغَرَض الْمُقدر كَالظَّاهِرِ وَهُوَ نوع على حجَّة من خلاف مُقْتَضى الظَّاهِر.
وَأما وَجه بلاغته وعَلى مَاذَا يدل فقد حَقَّقَهُ صَاحب الْكَشَّاف فِي مَوَاضِع: مِنْهَا انه قَالَ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون الْآيَة. هُوَ من بَاب: تَحِيَّة بَينهم ضرب وجيع وَمَا ثَوَابه إِلَّا السَّيْف. وَبَيَانه أَن يُقَال: هَل لزيد مَال وبنون فَتَقول: مَاله وَبَنوهُ سَلامَة قلبه. تُرِيدُ وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: إِنَّه يدل على إِثْبَات النَّفْي فَمَعْنَى: لَيْسَ بهَا أنيس إِلَّا اليعافير أَي: إِنَّه لَا أنيس بهَا قطعا. لِأَنَّهُ جعل أنيسها اليعافير دون غَيرهَا. وَهِي لَيست بأنيس قطعا. فَدلَّ على أَنه لَا أنيس بهَا.
وَهُوَ قريب مِمَّا لَو قلت: إِن كَانَت اليعافير أنيساً فَإِنَّهَا أنيس. وَوجه دلَالَته على إِثْبَات النَّفْي أَنه استعملته الْعَرَب مرَادا بِهِ الْحصْر فَإِن الْكَلَام قد يدل عَلَيْهِ نَحْو: الْجواد زيد وَالْكَرم فِي
الْعَرَب وَشر أهر ذَا نَاب. وَلذَا ذكره النُّحَاة فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء. والحصر الملاحظ فِيهِ جَار على نهج الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع لِأَنَّهُ من التنويع عِنْد
الْخَلِيل. فعلى هَذَا وضح إفادته ثبات النَّفْي وَظهر عدم التَّجَوُّز فِي مفرداته وَأَنه لَا يتَصَوَّر فِيهِ التَّشْبِيه.
وَأما قَوْله فِي الْمَائِدَة فِي تَفْسِير: بشر من ذَلِك مثوبة فَإِن قلت: المثوبة مُخْتَصَّة بِالْإِحْسَانِ فَكيف جَاءَت فِي الْإِسَاءَة قلت: وضعت المثوبة مَوضِع الْعقُوبَة على طَريقَة قَوْله: تَحِيَّة بَينهم ضرب وجيع وَمِنْه: فبشرهم بِعَذَاب أَلِيم. انْتهى.
فمراده أَن الْآيَة من بَاب الإيجاز وَأَن فِي الْكَلَام تنويعاً مُقَدرا. وَهَذَا تَفْرِيع مَبْنِيّ عَلَيْهِ.
وَالتَّقْدِير: إِن نقمتم مِنْهُم وادعيتم لَهُم الْعقُوبَة فعقوبتهم المثوبة. وَقد صرح فِي سُورَة مَرْيَم وَقَالَ فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: والباقيات الصَّالِحَات خير عِنْد رَبك ثَوابًا فَإِن قل: كَيفَ قيل خير ثَوابًا كَأَن لمفاخراتهم ثَوابًا حَتَّى يَجْعَل ثَوَاب الصَّالِحَات خيرا مِنْهُ قلت: كَأَنَّهُ قيل: ثوباهم النَّار على طَريقَة قَوْله:
فأعتبوا بالصيلم)
وَقَوله: تَحِيَّة بَينهم ضرب وجيع ثمَّ بني عَلَيْهِ خير ثَوابًا. وَفِيه ضرب من التهكم الَّذِي هُوَ أَغيظ للمتهدد من أَن يُقَال لَهُ: عقابك النَّار. انْتهى.
وَالْمرَاد أَن بعض التنويع قد يسْتَعْمل فِي مقَام التهكم. وَقد صرح بِهِ ابْن فَارس فِي فقه اللُّغَة للصاحبي فِي بَاب مَا يجْرِي مجْرى التهكم والهزء فَقَالَ: وَمن هَذَا الْبَاب أَتَانِي فقريته جفَاء وأعطيته حرما.
وَقَول الفرزدق: قريناهم المأثورة الْبيض انْتهى.
وَقد يسْتَعْمل بِدُونِهِ كَمَا فِي قَوْله: يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون الْآيَة. وَفِي الحَدِيث: من كَانَ لَهُ إِمَام فقراءة الإِمَام قِرَاءَة لَهُ وَقد فسر بِهَذَا الْمَعْنى وَلَا يُمكن فِيهِ التهكم.
وَهَذَا المصراع عجز وصدره:
(وخيل قد دلفت لَهَا بخيل
…
تَحِيَّة بَينهم ضرب وجيع)
وَالْخَيْل: اسْم جمع الْفرس لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه وَالْمرَاد بِهِ الفرسان كَمَا فِي قَوْله صلى الله عليه وسلم َ: يَا خيل الله ارْكَبِي. وَأَرَادَ بِالْخَيْلِ الأول خيل الْأَعْدَاء وَبِالثَّانِي خيله وَالضَّمِير فِي بنهم للخيلين.
ودلفت: دَنَوْت وزحفت من دلف الشَّيْخ من بَاب ضرب إِذا مَشى مشياً لينًا. وَالْبَاء للتعدية أَي: جَعلتهَا دالفة إِلَيْهَا. فَاللَّام بِمَعْنى إِلَى. وتحية مُضَاف
وَبينهمْ مُضَاف إِلَيْهِ مجرور بِكَسْر النُّون لِأَنَّهُ ظرف متصرف وَلَو فتح كَانَ مَبْنِيا لِإِضَافَتِهِ للمبني.
وَزعم ميربادشاه فِي حَاشِيَة الْبَيْضَاوِيّ أَن مَعْنَاهُ إِن ضَربهمْ الوجيع كتحية بَينهم على التَّشْبِيه البليغ المقلوب. وَقد بَينا بُطْلَانه.
وَوصف الضَّرْب بالوجيع مجَازًا. وَيجوز أَن يكون وجيع بِمَعْنى موجع وَالْمعْنَى رب خيل للأعداء أَقبلت عَلَيْهِم بخيل أُخْرَى كَانَ التَّحِيَّة بَينهم ضربا وجيعاً أَي: كَانَ مَكَان التَّحِيَّة هَذَا وَقد أوردهُ سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب الِاسْتِثْنَاء وَقَالَ: جعلُوا الضَّرْب تَحِيَّة كَمَا جعلُوا اتِّبَاع الظَّن علمهمْ.)
وَأوردهُ ثَانِيًا فِي بَاب أَو وَقَالَ: الْعَرَب تَقول: تحيتك الضَّرْب وعتابك السَّيْف وكلامك الْقَتْل.
قَالَ الأعلم: الشَّاهِد فِيهِ جعل الضَّرْب تَحِيَّة على الاتساع الْمُقدم ذكره. وَإِنَّمَا ذكر هَذَا تَقْوِيَة لجَوَاز الْبَدَل فِيمَا لم يكن من جنس الأول.
يَقُول: إِذا تلاقوا فِي الْحَرْب جعلُوا بَدَلا من تَحِيَّة بَعضهم لبَعض الضَّرْب الوجيع.
وَهَذَا الْبَيْت نسبه شرَّاح أَبْيَات الْكتاب وَغَيرهم إِلَى عَمْرو بن معد يكرب الصَّحَابِيّ وَلم أره فِي شعره.
وَالْعجب من شَيخنَا الشهَاب الخفاجي أَنه نسبه إِلَيْهِ فِي حَاشِيَة الْبَيْضَاوِيّ وَقَالَ: هُوَ من قصيدة مسطورة لَهُ فِي المفضليات مَعَ أَنه غير مَوْجُود شعره فِي المفضليات لَا من كَثِيره وَلَا من قَلِيله.
قَالَ ابْن رَشِيق فِي الْعُمْدَة فِي بَاب السرقات الشعرية: وَمِمَّا يعد سرقاً وَلَيْسَ بسرق اشْتِرَاك اللَّفْظ الْمُتَعَارف كَقَوْل عنترة: الوافر
(وخيل قد دلفت لَهَا بخيل
…
عَلَيْهَا الْأسد تهتصر اهتصارا)
وَقَول عَمْرو بن معد يكرب: الوافر وَقَول الخنساء ترثي أخاها صخراً: الوافر وخيل قد دلفت لَهَا بخيل فدارت بَين كبشيها رحاها وَقَول الْأَعرَابِي: الوافر
(وخيل قد دلفت لَهَا بخيل
…
ترى فرسانها مثل الْأسود)
وأمثال هَذَا كثير. انْتهى.