الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد السبعمائة)
الْكَامِل على أَن رب فِيهِ للتكثير. أَي: كثيرا مَا لففت هيضلاً بهيضل.
وَرب على اخْتِيَار الشَّارِح اسْم ومحلها رفع على الِابْتِدَاء والموجب لبنائها تضمنها معنى الْإِنْشَاء الَّذِي حَقه أَن يُؤدى بالحرف كالاستفهام وَالْأَمر وَالنَّهْي. وَرب هُنَا مُخَفّفَة مَفْتُوحَة الْبَاء.
قَالَ أَبُو عَليّ فِي كتاب الشّعْر: الْحُرُوف على ضَرْبَيْنِ: حرف فِيهِ تَضْعِيف وحرف لَا تَضْعِيف فِيهِ.
-
فَالْأول قد يُخَفف بالحذف مِنْهُ كَمَا فعل ذَلِك فِي الِاسْم وَالْفِعْل بالحذف وَالْقلب وَذَلِكَ نَحْو: إِن وَأَن وَلَكِن وَرب وَالْقِيَاس إِذا حذف المدغم فِيهِ أَن يبْقى المدغم على السّكُون. وَقد جَاءَ:
(أزهير إِن يشب القذال فَإِنَّهُ
…
رب هيضل لجب لففت بهيضل
)
وَيُمكن أَن يكون الآخر مِنْهُ حرك لما لحقه الْحَذف والتأنيث فَأشبه بهما الْأَسْمَاء كَمَا حرك الآخر من ضرب. انْتهى المُرَاد مِنْهُ.
وَرَوَاهُ ابْن جني فِي الْمُحْتَسب بِسُكُون الْبَاء. أنْشد الْبَيْت وَقَالَ: أَرَادَ رب فَحذف إِحْدَى الباءين وبقى الثَّانِيَة مجزومة كَمَا كَانَت قبل الْحَذف.
وَرَوَاهُ العسكري فِي كتاب التَّصْحِيف بِالْوَجْهَيْنِ. أنْشد الْبَيْت
وَقَالَ: رب فِيهِ خَفِيفَة. وَرَوَاهُ وَأنْشد: الوافر
(أَلا رب نَاصِر لَك من لؤَي
…
كريم لَو تناديه أجابا)
وَتقول الْعَرَب: رب بِالتَّشْدِيدِ وَرب بِالتَّخْفِيفِ وَرب رجل فيسكنون الْبَاء ثمَّ يَقُولُونَ: رُبَّت رجل ورُبَتَ رجل ورَبَّ رجل فيفتحون الرَّاء ويشددون وَرُبمَا رجل مشدد ومخفف وربتما فيفتحون. حكى ذَلِك قطرب. انْتهى.)
وَبِهَذَا النَّقْل يرد على أبي عَليّ وعَلى ابْن يعِيش فِي قَوْله تبعا لَهُ: إِنَّهُم قَالُوا: رب بِضَم الرَّاء وَفتح الْبَاء خَفِيفَة وَيحْتَمل ذَلِك وُجُوهًا: أَحدهَا: أَنهم حذفوا إِحْدَى الباءين تَخْفِيفًا كَرَاهِيَة التَّضْعِيف وَكَانَ الْقيَاس أَن يسكن آخرهَا لِأَنَّهُ لم يلتق فِيهَا ساكنان كَمَا فعلوا بإن ونظائرها حِين خففوها إِلَّا أَن المسموع رب بِالْفَتْح نَحْو قَوْله: رب هيضل لجل لففت بهيضل كَأَنَّهُمْ أَبقوا الفتحة مَعَ التَّخْفِيف دلَالَة على أَنَّهَا كَانَت مثقلة مَفْتُوحَة.
وَيُمكن أَن يكون إِنَّمَا فتح بَاء رب لِأَنَّهُ لما لحقه الْحَذف وتاء التَّأْنِيث أشبهت الْأَفْعَال الْمَاضِيَة ففتحت.
وَقد قَالُوا: رب بِالتَّخْفِيفِ وَسُكُون الْبَاء على الْقيَاس حذفوا المتحرك لِأَنَّهُ أبلغ فِي التَّخْفِيف.
انْتهى.
وَقد نقض أول كَلَامه بِآخِرهِ.
وَالْبَيْت من قصيدة لأبي كَبِير الْهُذلِيّ وأولها: الْكَامِل
(أزهير هَل عَن شيبَة من معدل
…
أم لَا سَبِيل إِلَى الشَّبَاب الأول)
(أم لَا سَبِيل إِلَى الشَّبَاب وَذكره
…
أشهى إِلَيّ من الرَّحِيق السلسل)
(ذهب الشَّبَاب وَفَاتَ مني مَا مضى
…
ونضا زُهَيْر كريهتي وتبطلي)
(وصحوت عَن ذكر الغواني وانْتهى
…
عمري وأنكرني الْغَدَاة تقتلي)
(أزهير إِن يشب القذال فَإِنَّهُ
…
رب هيضل مرس لففت بهيضل)
(فلففت بَينهم لغير هوادة
…
إِلَّا لسفك للدماء مُحَلل)
وَقَوله: أزهير
…
إِلَخ الْهمزَة للنداء. وَزُهَيْر: مرخم زُهَيْر وَهِي ابْنَته. قَالَ السكرِي وَكَذَا قَالَ أَبُو سعيد: وَمِنْهُم من يَقُول امْرَأَة وَمِنْهُم من يَقُول: رجل.
-
أَقُول: يرد الْأَخيرينِ قَوْله فِي الرائية كَمَا يَأْتِي. والمعدل: الْعُدُول. والرحيق: الْخمر.
والسلسل: العذب يتسلسل فِي الْحلق تسلسلاً. ونضا بالنُّون وَالضَّاد الْمُعْجَمَة بِمَعْنى انْسَلَخَ وَمضى. وَزُهَيْر منادى مرخم. وكريهته: شدته على الكريهة وَالْحَرب. وتبطله: أَخذه فِي الْبَاطِل.)
والغواني: جمع غانية وَهِي الْمَرْأَة الَّتِي غنيت بحسنها عَن الزِّينَة. والتقتل بِالْقَافِ: التلين والتكسر والتثني.
وَقَوله: أزهير إِن يشب
…
إِلَخ هَذَا أَيْضا منادى مرخم. والقذال: مَا بَين النقرة وَأَعْلَى الْأذن وَهُوَ أَبْطَأَ الرَّأْس شيباً. والهيضل بِفَتْح الْهَاء وَالضَّاد الْمُعْجَمَة: الْجَمَاعَة.
وَقَوله: لففت بهيضل يُرِيد: جمعت بَينهم فِي الْقِتَال. واللجب بِفَتْح اللَّام وَكسر الْجِيم فِي
الصِّحَاح: وجيش لجب: عَرَمْرَم أَي: ذُو جلبة وَكَثْرَة.
واللجب بِفَتْح الْجِيم: الصَّوْت والجلبة. وروى بدله: مرس بِكَسْر الرَّاء أَي: شَدِيد.
وَقَوله: فلففت بَينهم
…
إِلَخ قَالَ السكرِي: يَقُول: إِنَّمَا لففت بَينهم ليقتتلوا لَا لهوادة وَلَا لصداقة وَهُوَ قَوْله: إِلَّا لسفك للدماء مُحَلل أَي: مُحَلل النّذر إِذا بلغه. ومحلل: مِمَّا يسْتَحل.
الهوادة: الصُّلْح وَأَصله من اللين يُقَال: هود فِي السّير إِذا لين.
قَالَ ابْن قيبة فِي كتاب الشُّعَرَاء: أَبُو كَبِير هُوَ عَامر بن حليس وَله أَربع قصائد أَولهَا كلهَا شَيْء وَاحِد. وَلَا يعرف أحد من الشُّعَرَاء فعل ذَلِك. انْتهى.
(أزهير هَل عَن شيبَة من مقصر
…
أم لَا سَبِيل إِلَى الشَّبَاب الْمُدبر)
(فقد الشَّبَاب أَبوك إِلَّا ذكره
…
فاعجب لذَلِك فعل دهر واهكر)
قَالَ السكرِي: الهكر من أَشد الْعجب. وَهَذَا خطاب لنَفسِهِ.
وَثَالِثهَا: الْكَامِل
(
أزهير هَل عَن شيبَة من مصرف
…
أم لَا خُلُود لباذل متكلف)
وَرَابِعهَا: الْكَامِل
(أزهير هَل عَن شيبَة من مَعكُمْ
…
أم لَا خُلُود لباذل متكرم)
قَالَ السكرِي: من مَعكُمْ: من مرجع يقل: عكم يعكم.
وَأَبُو كَبِير الْهُذلِيّ صَحَابِيّ تقدّمت تَرْجَمته مَعَ شرح أَبْيَات من هَذِه القصيدة فِي الشَّاهِد الثَّامِن بعد الستمائة.
وَأنْشد بعده:
(ماوي يَا ربتما غَارة
…
شعواء كاللذعة بالميسم
)
وَتقدم شَرحه قَرِيبا فِي الشَّاهِد السِّتين بعد السبعمائة.)
وَأنْشد بعده الطَّوِيل
(فَإِن تمس مهجور الفناء فَرُبمَا
…
أَقَامَ بِهِ بعد الْوُفُود وُفُود)
على أَن رُبمَا فِيهِ للتكثير. وَهُوَ ظَاهر.
وَأوردهُ الزَّمَخْشَرِيّ عِنْد قَوْله تَعَالَى: قد يعلم الله الَّذين يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُم لِوَاذًا على أَن قد إِذا دخلت على الْمُضَارع كَانَت بِمَعْنى رُبمَا فتوافقها فِي خُرُوجهَا إِلَى معنى التكثير كَمَا فِي الْبَيْت فَإِن الْمُضَارع كَانَت بِمَعْنى رُبمَا فتوافقها فِي خُرُوجهَا إِلَى معنى التكثير كَمَا فِي الْبَيْت فَإِن الْمقَام مقَام مدح لَا يُنَاسب التقليل وَإِلَّا لَكَانَ ذماً. وَرب هُنَا مَكْفُوفَة بِمَا عَن عمل الْجَرّ ومهيئة للدخول على الْجُمْلَة الفعلية.
وَلَا يَتَأَتَّى هُنَا مَا اخْتَار الشَّارِح من أَنَّهَا اسْم مُبْتَدأ إِذْ لَا مجرور مَوْصُوف بجملة فعلية. وَلَا يعرف على اخْتِيَاره مَا موقع الْجُمْلَة بعد رب المكفوفة.
وَالْبَيْت من أَبْيَات أَرْبَعَة أوردهَا أَبُو تَمام فِي بَاب المراثي من الحماسة لأبي عَطاء السندي رثى بهَا يزِيد بن هُبَيْرَة الْفَزارِيّ وَهِي:
(
أَلا إِن عينا لم تَجِد يَوْم وَاسِط
…
عَلَيْك بجاري دمعها لجمود)
(عَشِيَّة قَامَ النائحات وشققت
…
جُيُوب بأيدي مأتم وخدود)
(فَإنَّك لم تبعد على متعهد
…
بلَى كل من تَحت التُّرَاب بعيد)
وَقيل رثاه بهَا معن بن زَائِدَة الشَّيْبَانِيّ وَكَانَ من أَتبَاع ابْن هُبَيْرَة وَمن أكبر أعوانه فِي الحروب وَغَيرهَا.
وَابْن هُبَيْرَة مولده الشَّام فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ ولي قنسرين للوليد بن يزِيد بن عبد الْملك وَكَانَ مَعَ مَرْوَان بن مُحَمَّد آخر مُلُوك بني أُميَّة يَوْم غلب على دمشق وَجمع لَهُ ولَايَة العراقين فَلَمَّا أَدْبَرت دولة بني مَرْوَان خرج قَحْطَبَةَ بن شبيب فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة أحد دعاة بني الْعَبَّاس فِي جيوش خُرَاسَان ثمَّ وَلَده الْحسن من بعده فهزموه وَلحق ابْن هُبَيْرَة بِمَدِينَة وَاسِط فحاصره أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور مَعَ الْحسن وَجَرت السفراء بَين أبي جَعْفَر وَابْن هُبَيْرَة حَتَّى جعل لَهُ أَمَانًا وَكتب بِهِ كتابا.
فَمَكثَ يشاور فِيهِ الْعلمَاء أَرْبَعِينَ لَيْلَة حَتَّى رَضِي بِهِ ابْن هُبَيْرَة ثمَّ أنفذه إِلَى أبي جَعْفَر فأنفذه)
أَبُو جَعْفَر إِلَى أَخِيه السفاح فَأمره بإمضائه لَهُ.
وَلما تمّ الْكتاب خرج ابْن هُبَيْرَة إِلَى أبي جَعْفَر فِي ألف وثلثمائة فَأَرَادَ أَن يدْخل الْحُجْرَة على دَابَّته فَقَامَ إِلَيْهِ الْحَاجِب فَقَالَ: مرْحَبًا أَبَا خَالِد انْزِلْ راشداً وَقد أطاف بالحجرة عشرَة آلَاف من أهل خُرَاسَان. فَنزل ودعا لَهُ بوسادة ثمَّ قَالَ لَهُ الْحَاجِب: ادخل أَبَا خَالِد.
-
فَقَالَ لَهُ: أَنا وَمن معي من القواد. فَقَالَ لَهُ: إِنَّمَا اسْتَأْذَنت لَك وَحدك. فَدخل على أبي جَعْفَر وحادثه سَاعَة ثمَّ انْصَرف. فَقَالَ أَبُو جَعْفَر للحاجب: قل لِابْنِ هُبَيْرَة يدع الْجَمَاعَة ويأتينا بحاشيته.
وَجَاء بعد فِي نَحْو من ثَلَاثِينَ فَكَانَ بعد ذَلِك يَأْتِي فِي ثَلَاثَة من أَصْحَابه يتغذى ويتعشى عِنْده وألح أَبُو الْعَبَّاس على أبي جَعْفَر يَأْمُرهُ بقتْله وَهُوَ يُرَاجِعهُ فَكتب إِلَيْهِ: وَالله لتقتلنه أَو لأرسلن إِلَيْهِ من يُخرجهُ من حجرتك ثمَّ يقْتله. فعزم على قَتله وَأرْسل الْهَيْثَم بن شُعْبَة فِي نَحْو من مائَة فأرسلوا إِلَى ابْن هُبَيْرَة: إِنَّا جِئْنَا لنأخذ هَذَا المَال. فَقَالَ ابْن هُبَيْرَة لحاجبه: انْطلق فدلهم عَلَيْهِ.
فأقاموا عِنْد كل بَيت نَفرا ثمَّ جعلُوا ينظرُونَ فِي نواحي الدَّار وَمَعَ ابْن هُبَيْرَة ابْنه دَاوُد وكاتبه وحاجبه وعدة من موَالِيه وَبني لَهُ صَغِير فِي حجره فَأَقْبَلُوا نَحوه فَقَامَ حَاجِبه فِي وُجُوههم فَضَربهُ الْهَيْثَم فَقتله وَقَاتل ابْنه دَاوُد فَقتل وَقتل موَالِيه ونحي الصَّبِي من حجره وخر سَاجِدا فَقتل وَهُوَ ساجد.
وَكَانَ قَتله بواسط يَوْم الِاثْنَيْنِ لثلاث عشرَة لَيْلَة بقيت من ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة.
وَلما قتل كَانَ معن بن زَائِدَة غَائِبا عِنْد السفاح فَسلم فرثاه أَبُو عَطاء السندي بِهَذِهِ الأبيات قَالَ ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه الْكَبِير: كَانَ ابْن هُبَيْرَة إِذا أصبح أَتَى بعس وَهُوَ الْقدح الْكَبِير وَفِيه لبن قد حلب على عسل وَأَحْيَانا على
سكر فيشربه فَإذْ صلى الْغَدَاة جلس فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى يحركه اللَّبن فيدعو بالغداء فيأكل دجاجتين وفرخي حمام وَنصف جدي وألواناً من لحم ثمَّ يخرج فَينْظر فِي أُمُور النَّاس إِلَى نصف النَّهَار ثمَّ يدْخل فيدعو جمَاعَة من خواصه وأعيان النَّاس وَيَدْعُو بالغداء فيتغدى ويعظم اللقم ويتابع فَإِذا فرغ من الْغَدَاء دخل إِلَى نِسَائِهِ حَتَّى يخرج إِلَى صَلَاة الظّهْر ثمَّ ينظر فِي أُمُور النَّاس.)
فَإِذا صلى الْعَصْر وضع لَهُ سَرِير وَوضعت الكراسي للنَّاس فَإِذا أخذُوا مجَالِسهمْ
أتوهم بعساس اللَّبن وَالْعَسَل وألوان الْأَشْرِبَة ثمَّ تُوضَع السفرة وَالطَّعَام للعامة وَيُوضَع لَهُ ولإخوانه خوان مُرْتَفع فيأكل مَعَه الْوُجُوه ثمَّ يتفرقون للصَّلَاة ثمَّ يَأْتِيهِ سماره فيحضرون مَجْلِسه فيسامرونه حَتَّى يذهب عَامَّة اللَّيْل.
وَكن يسْأَل كل لَيْلَة عشر حوائج فَإِذا أَصْبحُوا قضيت. وَكَانَ رزقه سِتّمائَة ألف دِرْهَم فَكَانَ يقسم كل شهر فِي أَصْحَابه من قومه وَمن الْفُقَهَاء وَالْوُجُوه وَأهل البيوتات أَكثر من نصفهَا.
رُوِيَ أَن شريك بن عبد الله النمري سايره يَوْمًا فبرزت بغلة شريك فَقَالَ لَهُ ابْن هُبَيْرَة: غض من لجامها. فَقَالَ شريك: إِنَّهَا مَكْتُوبَة أصلح الله الْأَمِير فَقَالَ ابْن هُبَيْرَة: مَا ذهبت حَيْثُ أردْت.
وَقَول ابْن هُبَيْرَة: غض من لجامها يُشِير إِلَى قَول جرير: الوافر
(فغض الطّرف إِنَّك من نمير
…
فَلَا كَعْبًا بلغت وَلَا كلابا)
فَعرض لَهُ شريك بقول ابْن دارة: الْبَسِيط
(لَا تأمنن فزارياً خلوت بِهِ
…
على قلوصك واكتبها بأسيار)
وَكَانَ بَنو فَزَارَة فِي الْعَرَب يرْمونَ بإتيان الْإِبِل.
وأخبار ابْن هُبَيْرَة ومحاسنه كَثِيرَة.
وَقَوله: أَلا إِن عينا لم تَجِد
…
إِلَخ افْتتح كَلَامه بِحرف التَّنْبِيه ثمَّ أَخذ يعظم أَمر الفجيعة وَيبين موقعها من النُّفُوس وتأثيرها فِي الْقُلُوب فَقَالَ: إِن عينا لم تَجِد بدمعها عَلَيْك يَوْم وَاسِط لشديدة الْبُخْل بِمَا فِي شؤونها من المَاء.
قَالَ الجواليقي فِي شرح أدب الْكَاتِب: لم تَجِد: لم تسمح بالبكاء.
وجمود: قَليلَة الدمع يُقَال: عين جامدة وجمود. وَسنة جماد: قَليلَة الْقطر.
وَقَوله: عَشِيَّة قَامَ النائحات
…
إِلَخ عَشِيَّة بدل من يَوْم وَاسِط.
قَالَ ابْن السَّيِّد فِي شرح أدب الْكَاتِب إِن قيل: كَيفَ جَازَ أَن يعْمل فِيهِ لم يجد وَقد حَال الْخَبَر وَهُوَ الجمود بَين الْعَامِل والمعمول.
وَلَو قلت: إِن الضَّارِب أَخُوك زيدا أَو إِن خَارِجا غير مُصِيب يَوْم الْجُمُعَة لم يجز وَإِنَّمَا يجب فيهمَا تَقْدِيم الْمَعْمُول على الْخَبَر قلت: إِن العشية لما كَانَت بَدَلا من يَوْم والمبدل يقدر من جملَة)
أُخْرَى وَيقدر مَعَه إِعَادَة الْعَامِل جَازَ ذَلِك.
وَقد أجَاز النحويون تَأَخّر الصّفة بعد الْخَبَر فِي نَحْو: إِن زيدا خَارج الْكَرِيم وَالصّفة أَشد اتِّصَالًا بالموصوف من الْبَدَل. وأجازوا ذَلِك فِي الْمَعْطُوف نَحْو: إِن زيدا خَارج وعمراً وَعَمْرو: على اللَّفْظ وعَلى الْموضع. وَإِذا جَازَ فِي الصّفة كَانَ فِي الْبَدَل أجوز.
وَقَوله: قَامَ النائحات أَي: تهيأن للنوح. والمأتم: النِّسَاء
يجتمعن فِي الْخَيْر وَالشَّر قَالَ الْخَطِيب: وَأَصله من الأتم وَهُوَ التقاء المسلكين وَمِنْه الأتوم فِي صفة النِّسَاء.
وَقَوله: فَإِن تمس مهجور
…
إِلَخ الفناء بِكَسْر الْفَاء وَالْمدّ: ساحة الدَّار.
والوفود: الزوار وطلاب الْحَاجَات. قَالَ المرزوقي: الرِّوَايَة المختارة: وَرُبمَا أَقَامَ بِالْوَاو.
وَذَلِكَ أَن جَوَاب الشَّرْط فِي قَوْله: فَإنَّك لم تبعد على متعهد
وَالْمعْنَى: إِن مت وصرت مهجور الساحة وَرُبمَا كَانَت الْوُفُود تزدحم على بابك فَإنَّك السَّاعَة لم تبعد على من يتعهدك وَيُرِيد قَضَاء حَقك وَإِقَامَة الرَّسْم فِي زيارتك.
ثمَّ قَالَ مستدركاً على نَفسه: بلَى كل من تَحت التُّرَاب بعيد وَيُرِيد بالمتعهد متتبع العهود بِالْحِفْظِ لَهَا ومنعها من الدُّرُوس. وَإِذا رويت فَرُبمَا وَجَعَلته جَوَاب الشَّرْط يكون فَإنَّك لم تبعد اسْتِئْنَاف كَلَام.
وَالْمعْنَى: إِن هجر فناؤك الْيَوْم فَرُبمَا كَانَ مألفاً للوفود أَيَّام حياتك. وَتقول الْعَرَب: هَذَا بِذَاكَ أَي: عوض من ذَاك.
وَقَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: يَنْبَغِي أَن يكون جَوَاب الشَّرْط مُسْتَقْبلا وَرُبمَا جَاءَت مَكَانَهُ جملَة مَاضِيَة وَالشّرط لَا يَصح إِلَّا بالاستقبال والمستقبل لَا يكون عِلّة للماضي لِئَلَّا
يتَقَدَّم الْمَعْلُول على علته.
وَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَالْكَلَام مَحْمُول على مَعْنَاهُ دون لَفظه. أَلا ترى أَن مَعْنَاهُ إِن أمسيت هَكَذَا فتسل عَنهُ بِذكر مَا مضى أَي: فَلْيَكُن هَذَا بِإِزَاءِ ذَلِك. انْتهى.
وَهَذَا الْبَيْت من الِاسْتِدْرَاك وَهُوَ من محَاسِن الشّعْر. والاستدراك: أَن يَأْخُذ الشَّاعِر فِي معنى وَأَبُو عَطاء السندي قيل اسْمه مَرْزُوق وَهُوَ قَول ابْن قُتَيْبَة. وَقَالَ أَبُو
عبيد الْبكْرِيّ فِي شرح)
أمالي القالي: هُوَ أَفْلح بن يسَار مولى لبني أَسد. وَكَانَ يسَار سندياً أعجمياً لَا يفصح وَأَبُو عَطاء ابْنه عبد أسود لَا يكَاد يفصح أَيْضا جمع بَين لثغة ولكنة وَهُوَ مَعَ ذَلِك من أحسن النَّاس بديهة وأشدهم عارضة وتقدماً.
وَهُوَ شَاعِر فَحل فِي طبقته أدْرك الدولتين. وَكَانَ من شعراء بني أُميَّة وشيعتهم وهجا بني هَاشم وَمَات عقب أَيَّام الْمَنْصُور.
وَدخل يَوْمًا على الْمَنْصُور وَهُوَ يسحب الوشي والخز فَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور: أَنى لَك هَذَا يَا أَبَا عَطاء فَقَالَ: كنت ألبس هَذَا فِي الزَّمن الصَّالح. ثمَّ ولى ذَاهِبًا فاستخفى فَمَا ظهر حَتَّى مَاتَ الْمَنْصُور.
فمما قَالَ فِي بني هَاشم: الطَّوِيل
(بني هَاشم عودوا إِلَى نخلاتكم
…
فقد قَامَ سعر التَّمْر صَاع بدرهم)
(فَإِن قُلْتُمْ رَهْط النَّبِي صَدقْتُمْ
…
فهذي النَّصَارَى رَهْط عِيسَى بن مَرْيَم)
انْتهى.
وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الشُّعَرَاء: أَبُو عَطاء السندي اسْمه مَرْزُوق وَكَانَ جيد الشّعْر وَكَانَت قَالَ حَمَّاد الراوية: كنت يَوْمًا وَحَمَّاد عجرد وَحَمَّاد بن الزبْرِقَان مُجْتَمعين فَنظر بَعْضنَا إِلَى بعض فَقُلْنَا: لَو بعثنَا إِلَى أبي عَطاء.
فَبَعَثنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا: من يحتال حَتَّى يَقُول: جَرَادَة وزج وَشَيْطَان فَقلت: أَنا. وَجَاء فَقَالَ: من هَاهُنَا فَقُلْنَا: ادخل. فَدخل فَقُلْنَا: أتتعشى فَقَالَ: قد تأسيت. قلت: أفتشرب قَالَ: بلَى.
فَشرب حَتَّى استرخى. فَقَالَ حَمَّاد الراوية: كَيفَ بَصرك باللغز قَالَ: هسن. قَالَ: الوافر
(
فَمَا صفراء تكنى أم عَوْف
…
كَأَن رجيلتيها منجلان)
فَقَالَ: زرادة. قَالَ: أصبت. ثمَّ قَالَ: الوافر
(فَمَا اسْم حَدِيدَة فِي الرمْح ترسى
…
دوين الصَّدْر لَيست بِالسِّنَانِ)
قَالَ: زز. قَالَ: أَحْسَنت. ثمَّ قَالَ: الوافر
(أتعرف مَسْجِدا لبني تَمِيم
…
فويق الْميل دون بني أبان)
قَالَ: بني سيتان. فَقُلْنَا: أصبت يَا أَبَا عَطاء وضحكنا. انْتهى.
وَفِي رِوَايَة غَيره أَنه أَجَابَهُ فِي الأول بِبَيْت وَهُوَ:)
(فَتلك زرادة وَأذن ذناً
…
بأنك قد عنيت بِهِ لساني)
يُرِيد بالزرادة: الجرادة. وَأذن ذناً أَي: أَظن ظنا.