الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا أَرَاك تتقذر وحياتك عَليّ لأنشدنك فِيهِ ألف بَيت بَعْضهَا يلعن بَعْضًا إِلَّا أَن يعطيني خاتميه عَطاء صغرياً.
فَقَالَ الْأُسْتَاذ: أَمر الخاتمين أسهل فَمَا السَّبَب فقصصت الْقِصَّة عَلَيْهِ فَمَال إِلَيْهِ وَقَالَ: أشهد أَنَّك سَاقِط الهمة أما علمت أَنه إِن قمر أَو قمر أعْطى الْخطر ثمَّ تنَاول الخاتمين وناولنيهما وسألني السُّكُوت عَنهُ وعاهدني أَن لَا أَزِيد. انْتهى.
ونشد بعده
(الشَّاهِد السَّابِع وَالتِّسْعُونَ بعد السبعمائة)
الْخَفِيف على أَن الْأَكْثَر مُرَاعَاة الأَصْل فِي وُقُوع صفة مجرور رب جملَة فعلية سَوَاء كَانَت مَذْكُورَة أَو مقدرَة.
-
وَقد اجْتَمَعنَا فِي هَذَا الْبَيْت. أما الأول فَهُوَ جملَة: هرقته صفة لرفد وَهُوَ الْقدح الْكَبِير.
وإراقة الرفد كِنَايَة عَن الْقَتْل والإماتة.
وَأما الثَّانِي فَإِن أسرى مجرور ب رب الْمَذْكُورَة بطرِيق التّبعِيَّة وَمن معشر مُتَعَلق بأسرى وَصفَة أسرى مَحْذُوف تَقْدِيره: حصلت لي وَلَا جَوَاب لرب فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِأَن معنى الْكَلَام تَامّ لَا يفْتَقر إِلَى شَيْء سوى الصّفة الْمقدرَة. وَرب اسْم محلهَا الرّفْع على الِابْتِدَاء لَا خبر لَهَا للاستغناء بِالصّفةِ عَن الْخَبَر. هَذَا تَقْدِير كَلَامه.
وَأَقُول يُؤْخَذ من تَقْدِيره حصلت لي أَن تَاء هرقته مَضْمُومَة. وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن هَذَا الْكَلَام خطاب للأسود بن الْمُنْذر كَمَا يَأْتِي بَيَانه فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: حصلت لَك بِالْخِطَابِ. وَقد أصَاب فِيمَا يَأْتِي قَرِيبا: وَأسرى من معشر أقيال أَي: أسرتهم.
وَقَوله: رفد الرفد: الْقدح الضخم وَهُوَ قَول الْأَصْمَعِي فِيمَا نَقله أَبُو حنيفَة فِي كتاب النَّبَات عِنْد ذكر أَقسَام الْأَوَانِي وَضَبطه بِكَسْر الرَّاء وَأنْشد هَذَا الْبَيْت وَقَالَ: وَكَذَلِكَ المرفد بِكَسْر الْمِيم.
وَكَذَا نقل ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات عَن أَحْمد بن عبيد تلميذ الْأَصْمَعِي. قَالَ: وروى أَحْمد: رب رفد الرفد بِالْكَسْرِ وَقَالَ: هُوَ الْقدح. والرفد بِالْفَتْح: الْعَمَل.
قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الرفد بِفَتْح الرَّاء: الْقدح الضخم بِمَا فِيهِ من الْقرى. والرفد بِالْكَسْرِ: المعونة. يُقَال: رفدته عِنْد الْأَمِير أَي: أعنته. هرقته أَصله أرقته فالهاء بدل من الْهمزَة.
وَقَوله: هريق رفده كِنَايَة عَن الْمَوْت هُوَ أحد قَوْلَيْنِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي أساس البلاغة: هريق رفد فلَان إِذا قتل كَمَا يُقَال: صفرت وطابه وكفئت جفنته.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي عِنْد قَول سَلمَة بن الخرشب الْأَنمَارِي: الطَّوِيل
(
هرقن بساحوق جفاناً كَثِيرَة
…
وغادرن أُخْرَى من حقين وحازر))
قَوْله: هرقن يَعْنِي الْخَيل. وساحوق: مَوضِع. أَي: قتلت أَصْحَاب الجفان وَمن كَانَ يقري فِيهَا ويحتلب فَكَأَنَّهَا لما قتلت أَصْحَابهَا هراقتها كَمَا قَالَ الْأَعْشَى: رب رفد هرقته ذَلِك الْيَوْم إِلَخ.
وَمثله قَول امْرِئ الْقَيْس: الوافر
(وأفلتهن علْبَاء جريضاً
…
وَلَو أدركنه صفر الوطاب)
وعلباء: رجل. والجريض: الَّذِي قَارب الْمَوْت فَهُوَ يجرض بريقه أَي: يغص. والوطاب: جمع وطب وَهُوَ سقاء اللَّبن.
وَقَوله: وغادرن أُخْرَى أَي: تركن جفاناً لم يرقنها. وروى: وأدين أُخْرَى أَي: جئن بأسرى وَغير ذَلِك. فاللفظ على اللَّبن وَالْمعْنَى على الْقَوْم.
وَقَوله: من حقين وحازر أَي: من سيد وشريف وَدون ذَلِك. وَمثله قَول أبي زبيد: الْبَسِيط.
(يَا جَفْنَة كنضيح الْحَوْض قد كفئت
…
بثني صفّين يَعْلُو فَوْقهَا القتر)
أَي: قتل صَاحبهَا فَذَهَبت وَبَطلَت. وَمثله قَول الآخر: الوافر
(
وماذا بالقليب قليب بدر
…
من الشيزى تكلل بالسنام)
انْتهى.
وَكَذَا فِي شرح الفصيح للمرزوقي قَالَ فِيهِ: الصفر بِالْكَسْرِ: الْخَالِي يُقَال: صفرت الْآنِية تصفر صفراً فَهِيَ صفرَة.
وَقيل اشتقاق الصفر فِي الشُّهُور مِنْهُ لِأَن وطابهم كَانَت حِينَئِذٍ تَخْلُو من الألبان. وَيُقَال فِي الْكِنَايَة عَن الْهَلَاك: صفرت وطابهم. وَهَذَا كَمَا يُقَال: أريق جفانهم.
انْتهى.
وَكَذَا نقل ابْن المستوفي عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: يُرِيد قتلت صَاحب ذَلِك الرفد فَبَطل رفده.
والرفد: اللَّبن والعطية والمعونة. والرفد الْمصدر.
وَيُقَال للقدح الَّذِي يقرى فِيهِ رفد. والرفد: المحلب الَّذِي يحلب فِيهِ. وَأما القَوْل الآخر فَهُوَ نهب الْمَاشِيَة وَأَخذهَا.
قَالَ شَارِح ديوَان الْأَعْشَى: مَعْنَاهُ رب رجل كَانَت لَهُ إبل يحلبها فاستقتها فَذهب مَا كَانَ يحلبه فِي الرفد وَهُوَ الْقدح.
وَقَوله: وَأسرى: هُوَ جمع أَسِير كجرحى جمع جريح. والمعشر: الْجَمَاعَة من النَّاس. وأقيال:)
رُوِيَ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة والفوقية.
أما الأول فَهُوَ جمع قيل بِفَتْح الْقَاف مخفف قيل كسيد وَهُوَ الْملك مُطلقًا وَقيل: الْملك من مُلُوك حمير وَقيل: هُوَ دون الْملك الْأَعْلَى سمي بِهِ لِأَنَّهُ يَقُول مَا يَشَاء فَينفذ. وَالْمَرْأَة قيلة وَيجمع على أَقْوَال أَيْضا حَكَاهُ ابْن السّكيت.
فَالْأول على اللَّفْظ وَالثَّانِي بِالنّظرِ إِلَى الِاشْتِقَاق من القَوْل كَمَا قَالُوا فِي جمع: ريح أرياح وأرواح.
وَقَالَ الدماميني فِي الْحَاشِيَة الْهِنْدِيَّة: وَقَالَ جمَاعَة: لهَذِهِ الْكَلِمَة اشتقاقان: فَمن قَالَ أَقْوَال فَهُوَ من القَوْل وَمن جمعه على أقيال فَهُوَ من قَوْلهم: تقيل أَبَاهُ أَي: اتبعهُ فِي النّسَب كَمَا تسمي تبعا
قَالَ هَؤُلَاءِ: وَلَو كَانَ من القَوْل لم يجز فِي جمعه إِلَّا أَقْوَال كَمَا لَا يُقَال فِي الْمَيِّت المخفف إِلَّا أموات وَلَا يُقَال أميات على اللَّفْظ.
قَالَ ابْن الشجري: وَلَا يلْزم ذَلِك لأَنهم قَالُوا من جفوت وَمن الشوب: مجفو ومشوب على الأَصْل ومجفي ومشيب على لفظ جفي وشيب. وَلم يطردوا ذَلِك فِي نَحْو: مغزو ومدعو فَلم يَقُولُوا: مغزي ومدعي وَإِن قَالُوا: غزي ودعي.
فَكَذَلِك قَالُوا: أقيال على لفظ قيل وَإِن لم يَقُولُوا أميات. قلت: يرد هَذَا بِأَنَّهُ لَا يُصَار إِلَى خلاف الأَصْل مَا وجد عَنهُ
مندوحه.
وَلَا شكّ أَن جمع قيل الْمُشْتَقّ من القَوْل على أقيال رِعَايَة للفظ الْيَاء خَارج عَن الأَصْل فَإِذا وجد مشتقاً عِنْد جمعه كَذَلِك من التقيل لم يخرج عَن الأَصْل لَكَانَ قَول أُولَئِكَ الْجَمَاعَة بالاشتقاقين هُوَ الرَّاجِح لَا محَالة. انْتهى كَلَامه.
وَأما الرِّوَايَة بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة فَهُوَ جمع قتل بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الْمُثَنَّاة وَله مَعْنيانِ: أَحدهمَا: الْعَدو الْمقَاتل.
وَالثَّانِي: الشّبَه والنظير أَي: الْعدْل فِي الْمُقَاتلَة كَمَا يُقَال: سبّ للعديل فِي المسابة. يُقَال هما: قتلان أَي: مثلان. وكل مِنْهُمَا قيل بِهِ هُنَا.
وَأما أَبُو عُبَيْدَة فَإِنَّهُ قَالَ: هم الْأَشْبَاه. وَأنْشد فِي أَنهم الْأَعْدَاء لِابْنِ قيس الرقيات: الْخَفِيف
(واغترابي عَن عَامر بن لؤَي
…
فِي بِلَاد كَثِيرَة الأقتال
)
وَأنْشد أَحْمد فِي الْقَتْل الْمثل والشبه فِي وصف بَعِيرَيْنِ: الرجز)
(من كل قتلين إِذا مَا ازدحما
…
أدْرك هَذَا غرب هَذَا بَعْدَمَا)
أغرب ذَاك ذرعه فانصرما وَقَول الشَّارِح الْمُحَقق: إِن صفة أسرى محذوفة تقديرها مَا ذكره هَذَا مُسْتَغْنى عَنهُ يَجْعَل من معشر مُتَعَلقا بِفعل صفة لأسرى وَالتَّقْدِير:
وَأسرى حصلت من معشر أقيال كَمَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل: هرقته وَمن معشر: صفتان لرفد وَأسرى.
وَكَأن الشَّارِح علق من معشر بأسرى لِأَنَّهُ بِمَعْنى رب مأخوذين من معشر. وَلَا ضَرُورَة إِلَيْهِ.
وَاعْلَم أَن مَا اخْتَارَهُ الشَّارِح من جعل رب مُبْتَدأ لَا خبر لَهُ مُخَالف للبصريين والكوفيين.
أما البصريون فقد قَالُوا: إِنَّهَا حرف لِأَنَّهَا لَا تقبل شَيْئا من خَواص الِاسْم من الْإِخْبَار عَنهُ وَالْإِضَافَة وعود الضَّمِير إِلَيْهِ وَدخُول أل والتنوين.
وَلِأَنَّهَا لَو كَانَت اسْما لجَاز أَن يتَعَدَّى إِلَيْهَا الْفِعْل بِنَفسِهِ إِن كَانَ مُتَعَدِّيا وبحرف الْجَرّ إِن كَانَ لَازِما فَيُقَال: رب رجل أكرمت وبرب رجل مَرَرْت كَمَا يُقَال: كم رجل أكرمت وبكم رجل مَرَرْت إِذْ لَيْسَ فِي كَلَامهم اسْم يتَعَدَّى إِلَيْهِ الْفِعْل بِنَفسِهِ إِلَّا وَيجوز أَن يتَعَدَّى إِلَيْهِ الْفِعْل اللَّازِم بِوَاسِطَة حرف الْجَرّ. وَالشَّارِح معترف بِجَمِيعِ هَذَا.
وَأما الْكُوفِيُّونَ فقد قَالُوا: إِنَّهَا اسْم مثل كم وَقَالُوا: محلهَا رفع بِالِابْتِدَاءِ قَوْلنَا: رب رجل كريم لَقيته وَفِي نَحْو: وَرب قتل عَار. ومحلها نصب على الْمصدر فِي نَحْو: رب ضرب ضربت مثل كم ضَرْبَة ضربت.
وعَلى الظّرْف فِي نَحْو: رب يَوْم سرت مثل: كم يَوْم سرت. وعَلى الْمَفْعُول بِهِ فِي نَحْو: رب رجل ضربت نَحْو: كم رجل ضربت.
-
وَالشَّارِح تبع الْكُوفِيّين فِي اسميتها وَخَالفهُم فِي جعلهَا مُبْتَدأ لَا خبر لَهُ أبدا. وَهَذَا لَا يتمشى لَهُ فِي نَحْو: رب ضَرْبَة ضربت وَلَا يطرد لَهُ
فِي المكفوفة بِمَا كَقَوْلِه تَعَالَى: رُبمَا يود الَّذين كفرُوا كَمَا اعْترف بِهِ وَجعلهَا فِي هَذَا حرفا. وَجعلهَا نَوْعَيْنِ بِحَسب الاستعمالين مَعَ اتِّحَاد الْمَعْنى تعسف لَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَيْهِ.
وَمَا أوردهُ من الإشكالين على حرفيتها يضمحلان بجعلها حرفا زَائِدا لَا يتَعَلَّق بِشَيْء وَهُوَ مَذْهَب جمَاعَة من النَّحْوِيين كالباء وَمن الزائدتين فِي نَحْو: كفى بِاللَّه شَهِيدا وهَل من خَالق وَلَعَلَّ الجارة فِي لُغَة عقيل وَلَوْلَا الجارة الضَّمِير نَحْو: لولاي ولولاك ولولاه وكاف التَّشْبِيه)
فَهَذِهِ الْحُرُوف كلهَا لَا تتَعَلَّق بِشَيْء. ذكرهَا ابْن هِشَام فِي الْبَاب الثَّالِث من الْمُغنِي. فَيكون مَحل مجرور رب فِي نَحْو: رب رجل كريم عِنْدِي رفعا على الِابْتِدَاء وَمِنْه: وَرب قتل عَار وَفِي نَحْو: رب رجل كريم لقِيت نصبا على المفعولية وَلَا يجوز أَن يكون مُبْتَدأ وَالْجُمْلَة بعده خبر والرابط مَحْذُوف أَي: لَقيته لِأَن فِي ذَلِك تهيئة الْعَامِل للْعَمَل وقطعه عَنهُ.
وَمثله: رب رفد هرقته الْبَيْت.
وَكَذَلِكَ: أسرى من معشر فَإِنَّهُ بِتَقْدِير: أسرتهم. وَفِي نَحْو: رب رجل كريم لَقيته رفعا أَو نصبا وَفِي نَحْو: رب ضرب ضربت نصبا على الْمَفْعُول الْمُطلق وَفِي نَحْو: رب يَوْم سرت نصبا أَيْضا على الظّرْف.
-
وَالدَّلِيل على مَا ذكرنَا أَنه يجوز مُرَاعَاة مَحل مجرورها كثيرا نَحْو: رب امْرَأَة صَالِحَة لقِيت ورجلاً صَالحا وَإِن لم يجز نَحْو: مَرَرْت بزيد وعمراً إِلَّا قَلِيلا كَمَا يَأْتِي نَقله من الْمُغنِي.
لكنه قَالَ فِي الْكَلَام على أَقسَام الْعَطف على الْمحل: إِنَّه لَهُ ثَلَاثَة شُرُوط: أَحدهَا: إِمْكَان ظُهُور ذَلِك الْمحل فِي الفصيح. وَهَذَا الشَّرْط مَفْقُود هُنَا وَلَعَلَّه مُسْتَثْنى مِنْهُ.
وَقد ذهب ابْن هِشَام فِي الْبَاب الثَّالِث من الْمُغنِي إِلَى أَنَّهَا لَا تتَعَلَّق بِشَيْء فَقَالَ: الرَّابِع أَي: مِمَّا اسْتثْنِي من قَوْلهم: لَا بُد لحرف الْجَرّ من مُتَعَلق: رب فِي نَحْو: رب رجل صَالح لَقيته أَو لقِيت لِأَن مجرورها مفعول فِي الثَّانِي ومبتدأ فِي الأول أَو مفعول على حد: زيدا ضَربته وَيقدر الناصب بعد الْمَجْرُور بِهِ لَا قبل الْجَار لِأَن رب لَهَا الصَّدْر من بَين حُرُوف الْجَرّ وَإِنَّمَا دخلت فِي المثلين لإِفَادَة التكثير أَو التقليل لَا لتعدية عَامل. هَذَا قَول الرماني وَابْن طَاهِر.
وَقَالَ الْجُمْهُور: هِيَ فيهمَا حرف جر معد. فَإِن قَالُوا: إِنَّهَا عدت الْعَامِل الْمَذْكُور فخطأ لِأَنَّهُ يتَعَدَّى بِنَفسِهِ ولاستيفائه معموله فِي الْمِثَال الأول.
وَإِن قَالُوا: عدت محذوفاً تَقْدِيره حصل أَو نَحوه كَمَا صرح بِهِ جمَاعَة فَفِيهِ تَقْدِير لما معنى الْكَلَام مستغن عَنهُ وَلم يلفظ بِهِ فِي وَقت. انْتهى.
وَقَالَ أَيْضا فِي بحث رب من الْبَاب الأول: وتنفرد رب بِوُجُوب تصديرها وَوُجُوب تنكير مجرورها ونعته إِن كَانَ ظَاهرا وإفراده وتذكيره وتمييزه بِمَا يُطَابق الْمَعْنى إِن كَانَ ضميراً وَغَلَبَة)
حذف معداها
ومضيه وإعمالها محذوفة بعد الْفَاء كثيرا وَبعد الْوَاو أَكثر وَبعد بل قَلِيلا وبدونهن أقل.
وبأنها زَائِدَة فِي الْإِعْرَاب دون الْمَعْنى فَمحل مجرورها فِي نَحْو: رب رجل صَالح عِنْدِي رفع على الِابْتِدَاء. وَفِي نَحْو: رب رجل صَالح لقِيت نصب على المفعولية. وَنَحْو: رب رجل صَالح لَقيته رفع أَو نصب كَمَا فِي زيدا لَقيته.
وَيجوز مُرَاعَاة مَحَله كثيرا وَإِن لم يجز نَحْو: مَرَرْت بزيد وعمراً إِلَّا قَلِيلا. قَالَ: الطَّوِيل
(
وَسن كسنيق سناء وسنماً
…
ذعرت بمدلاج الهجير نهوض)
فعطف سنماً على مَحل سنّ. وَالْمعْنَى: ذعرت بِهَذَا الْفرس ثوراً وبقرة عَظِيمَة. وسنيق: جبل بِعَيْنِه. وسناء: ارتفاعاً. وَزعم الزّجاج وموافقوه أَن مجرورها لَا يكون إِلَّا فِي مَحل نصب.
وَالصَّوَاب مَا قدمْنَاهُ. انْتهى.
وَقَوله: بِوُجُوب تصدرها أَي: فِي جُمْلَتهَا وَإِن كَانَت مَبْنِيَّة على مَا قبلهَا. أَلا ترى أَن مَا حرف نفي لَهُ صدر الْكَلَام وَأَنه يَصح: إِن زيدا مَا قَامَ. وَكَذَلِكَ رب تقع جُمْلَتهَا خَبرا لإن نَحْو: الطَّوِيل
(أماوي إِنِّي رب وَاحِد أمه
…
أخذت فَلَا قتل لدي وَلَا أسر)
وخبراً لِأَن المخففة كَقَوْلِه: الطَّوِيل
(تيقنت أَن رب امْرِئ خيل خائناً
…
أَمِين وخوان يخال أَمينا)
وجواباً للواو. هُوَ غَرِيب كَقَوْلِه:
الطَّوِيل وَمنع أَبُو حَيَّان وجوب تصدرها بِهَذِهِ الأبيات وَغلط فِيهِ.
وَقَوله: وَغَلَبَة حذف معداها أَي متعلقها. وَكَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يذكر هَذَا فَإِنَّهُ لَا يُنَاسب مَا اخْتَارَهُ من عدم التَّعَلُّق بِشَيْء.
وَأجَاب عَنهُ الشمني بِأَن مُرَاده بِهِ الْفِعْل الَّذِي مجرورها مَفْعُوله.
-
وَقَوله: وبأنها زَائِدَة فِي الْإِعْرَاب أورد عَلَيْهِ بِأَن هَذَا لَا يخْتَص بِرَبّ بل لَعَلَّ وَلَوْلَا وأخواتهما كَذَلِك. وَهُوَ حق. وَيُمكن أَن يُجَاب بِأَن رب تنفرد بِجَمِيعِ مَا ذكر لَا بِكُل وَاحِد.
وَقَوله: لِأَن مجرورها مفعول فِي الثَّانِي قيل فِيهِ أَمْرَانِ: الأول: أَن كَونه مَفْعُولا لَا يُنَافِي التَّعَلُّق.)
وَالثَّانِي: أَن التَّعَلُّق مَعْنَاهُ أَن الْمُتَعَلّق مَعْمُول بِحَسب الْمحل إِلَّا أَن يُرَاد أَنه مفعول لفعل يتَعَدَّى بِنَفسِهِ فَلَا حَاجَة لتَعلق الْحَرْف بِمَعْنى تعديته للْفِعْل بِدَلِيل مُقَابلَته هَذَا الْكَلَام بقوله: وَقَالَ الْجُمْهُور هِيَ فيهمَا حرف جر معد.
ثمَّ إِنَّه يُمكن الْجَواب عَن اعتراضه على الْجُمْهُور بِاخْتِيَار الشق الأول وتعدي الْفِعْل بِنَفسِهِ لَا يمْنَع تعديه بالحرف إِذا قصد معنى لَا يحصل بِدُونِ تعديه بذلك الْحَرْف فَإِنَّهُ لَو عدي هُنَا بِنَفسِهِ فَاتَ معنى التقليل أَو التكثير.
وَنَظِيره صِحَة قَوْلك: أخذت من الدَّرَاهِم فعديت الْفِعْل بِمن لإِفَادَة معنى التَّبْعِيض وَإِن كَانَ يتَعَدَّى بِنَفسِهِ. وَأخذ مَفْعُوله فِي الْمِثَال الثَّانِي لَا يمْنَع جعله مَعْمُولا لمثله كَمَا فِي: زيدا ضَربته.
وَاعْترض الدماميني على الْجُمْهُور بِأَنَّهُ لَو كَانَ كَمَا يَقُولُونَ لم يعْطف على مَحل مجرورها رفعا ونصباً فِي الفصيح وَقد جَازَ كَمَا تَقول: رب رجل وأخاه أكرمت فيجعلون لَهَا حكم الزَّائِد فِي الْإِعْرَاب وَإِن لم تكن زَائِدَة فِي الْمَعْنى. وَلَا يجوز فِي الفصيح: بزيد وأخاه مَرَرْت.
وَالْبَيْت الشَّاهِد من قصيدة للأعشى مَيْمُون أَولهَا:
(مَا بكاء الْكَبِير بالأطلال
…
وسؤالي وَمَا يرد سُؤَالِي)
وَتقدم شَرحه مَعَ أَبْيَات مِنْهَا قَرِيبا.
ومدح بِهَذِهِ القصيدة الْأسود بن الْمُنْذر أَخا النُّعْمَان بن الْمُنْذر اللَّخْمِيّ وَكَانَ قد أغار على الحليفين أَسد وذبيان ثمَّ أغار على الطف فَأصَاب نعما وَأسرى
وسبى من بني سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثَعْلَبَة رَهْط الْأَعْشَى والأعشى غَائِب فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ وأنشده هَذِه القصيدة سَأَلَهُ أَن يهب لَهُ الأسرى فَفعل.
وَهَذِه أَبْيَات مِنْهَا يُخَاطب نَاقَته:
(لَا تشكي إِلَيّ من ألم النس
…
ع وَلَا من حفى وَلَا من كلال)
(فرع نبع يَهْتَز فِي غُصْن المج
…
د غزير الندى شَدِيد الْمحَال)
(عِنْده الْبر والتقى وأسا الش
…
ق وَحمل للمعضلات الثقال)
(وصلات الْأَرْحَام قد علم النا
…
س وَفك الأسى من الأغلال)
(وهوان النَّفس الْكَرِيمَة للذك
…
ر إِذا مَا الْتَقت صُدُور العوالي)
(ووفاء إِذا أجرت فَمَا عز
…
ت حبال وصلتها بحبال))
(وَعَطَاء إِذا سَأَلت إِذا الع
…
ذرة كَانَت عَطِيَّة البخال)
(أريحي صلت تظل لَهُ القو
…
م ركوداً قيامهم للهلال)
(إِن يُعَاقب يكن غراماً وَإِن يع
…
ط جزيلاً فَإِنَّهُ لَا يُبَالِي)
(يهب الجلة الجراجر كالبس
…
تان تحنو لدردق أَطْفَال)
(والبغايا يركضن أكسية الإض
…
ريج والشرعبي ذَا الأذيال)
…
(والمكاكيك والصحاف من الف
…
ضة والضامرات تَحت الرّحال)
(وجياداً كَأَنَّهَا قضب الشو
…
حط يحملن شكة الْأَبْطَال)
(ودروعاً من نسج دَاوُد فِي الْحر
…
ب وسوقاً يحملن فَوق الْجمال)
(لم ينشرن للصديق وَلَكِن
…
لقِتَال الْعَدو يَوْم الْقِتَال
)
(وشيوخ حربى بشط أريك
…
وَنسَاء كأنهن السعالي)
(وشريكين فِي كثير من الما
…
ل وَكَانَا محالفي إقلال)
(قسما الطارف التليد من الغن
…
م فآبا كِلَاهُمَا ذُو مَال)
(لن يزَالُوا كذلكم ثمَّ لَا زل
…
ت لَهُم خَالِدا خُلُود الْجبَال)
قَوْله: لَا تشكي إِلَيّ من ألم النسع
…
. إِلَخ هُوَ بِكَسْر النُّون وَسُكُون الْمُهْملَة واحده نسعة وَهِي الَّتِي تنسج عريضاً للتصدير. والحفى بِفَتْح الْمُهْملَة وَالْقصر: رقة الْخُف والحافر والقدم من كَثْرَة الْمَشْي. والكلال: مصدر كل الْبَعِير وَغَيره من الْمَشْي إِذا أعيا.
والندى: الْجُود. والفعال بِالْفَتْح: الْكَرم والجميل. وغزير: كثير. والمحال بِالْكَسْرِ: الْقُوَّة كَقَوْلِه تَعَالَى: وَهُوَ شَدِيد الْمحَال. كَذَا فِي الْعباب.
وَقَوله: وأسا الشق قَالَ شَارِح ديوانه: أَي التئام اشق وَمن ذَلِك سمي الآسي الَّذِي يأسو الْجرْح.
والمعضلة: المشكلة أَي: وَعِنْده حمل للأمور المعضلات وَعِنْده فك الأسرى. والأغلال: جمع غل بِالضَّمِّ وَهُوَ مَا يوضع فِي عنق الْأَسير وَنَحْوه من سلسلة حَدِيد أَو قد.
وَقَوله: وهوان أَي: وَعِنْده هوان أَي: إهانة النَّفس فِي الْحَرْب.
-
وَقَوله: ووفاء أَي: وَعِنْده وَفَاء إِذا أجرت أحدا من أَن يَظْلمه ظَالِم فيفي بِإِجَارَة من أَجَارَ من أصدقائه فَكيف لَا يَفِي هُوَ بِإِجَارَة من يجيره. وَهَذَا خطاب لكل من يصلح مَعَه الْخطاب.)
وَكَذَا قَوْله: وَعَطَاء إِذا سَأَلت أَي: وَعِنْده عَطاء إِذا سَأَلته. والعذرة بِالْكَسْرِ: الْعذر أَي: هُوَ يُعْطي وَلَا يعْتَذر كَمَا أَن البخلاء يَعْتَذِرُونَ وَلَا يُعْطون. وَعز من الْعِزَّة وَهِي الْقلَّة. والحبال مستعارة للعهود.
والأريحي: الَّذِي يرتاح للعطاء. والصلت بِالْفَتْح قَالَ شَارِحه: هُوَ الْقَاطِع. والراكد: الْقَائِم فَيكون قيامهم مصدرا تشبيهياً.
والغرام بِالْفَتْح قَالَ شَارِحه: هُوَ الموجع.
وَقَوله: يهب الجلة بِالْكَسْرِ جمع جليل وَهِي الْإِبِل المسنة. والجراجر بجيمين قَالَ صَاحب الصِّحَاح: هِيَ الْعِظَام من الْإِبِل. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. قَالَ: وَكَذَلِكَ الجرجور.
وَقَالَ شَارِحه: ويروى: الجراجير جمع جرجور وَهِي الْإِبِل الْكَثِيرَة. وتحنو: تعطف.
والدردق: الصغار من أَوْلَادهَا شبهها بالبستان.
وَقَوله: والبغايا أَي: ويهب البغايا قَالَ شَارِحه: البغايا هُنَا: أَوْلَاد الْإِمَاء. والإضريج: الْأَخْضَر من الْخَزّ. وَفِي الصِّحَاح: الشرعبي: ضرب من البرود.
وَقَوله: والمكاكيك أَي: ويهب المكاكيك قَالَ شَارِحه: المكاكيك: آنِية يشرب فِيهَا الْخمر.
والصحاف: القصاع. والضامرات: النجب من الْإِبِل.
وَقَوله: وجياداً أَي: ويهب خيلاً جياداً. والقضب: جمع قضيب وَهُوَ فرع الشّجر شبهها بِهِ لضمرها.
والشوحط: ضرب من شجر الْجبَال يتَّخذ مِنْهُ القسي. قَالَ شَارِحه: والشكة: السِّلَاح الْكَامِل.
-
وَقَوله: ودروعاً أَي: ويهب دروعاً. قَالَ شَارِحه: الوسوق: الْأَحْمَال جمع وسق. ويحملن: بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول. وَكَذَلِكَ قَوْله: لم ينشرن.
وَقَوله: رب رفد هرقته
…
إِلَخ خطاب مَعَ الْأسود بن الْمُنْذر يمدحه بِكَثْرَة قَتله وَكَثْرَة أسره.
وَقَوله: وشيوخ بِالْجَرِّ عطف على مَدْخُول رب. وَكَذَا قَوْله: وَنسَاء يقدر فِي الثَّلَاثَة سبيتهم.
وحربي: جمع حريب من حَرْب الرجل مَاله أَي: سلبه فَهُوَ محروب وحريب.
وَقَوله: وشريكين مَعْطُوف أَيْضا على مجرور رب وَهُوَ فِي مَحل رفع على الِابْتِدَاء. وَفِي كثير مُتَعَلق بِهِ وَجُمْلَة: قسما من الْفِعْل وَالْفَاعِل خَبره.)
وصرعى: جمع صريع أَي: مقتول. والمحالفة: المصاحبة. والإقلال: الْفقر وَالْحَاجة.
والطارف: المَال المستحدث. والتليد: المَال الْقَدِيم وحرف الْعَطف مِنْهُ مَحْذُوف. وَالْغنم بِالضَّمِّ: الْغَنِيمَة.
وآبا: رجعا. يَقُول: كَانَا فقيرين فَلَمَّا غزوا مَعَك استغنيا قسما بَينهمَا مَال الْغَنِيمَة الَّذِي كَانَ عِنْد صَاحبه طارفاً وتليداً.
قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: أريك بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الرَّاء المهلمة وَآخره كَاف: مَوضِع فِي ديار غَنِي بن يعصر.
وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَة: أريك فِي بِلَاد ذبيان قَالَ: وهما أريكان: أريك الْأسود وأريك الْأَبْيَض.
والأريك: الْجَبَل الصَّغِير. قَالَ: وبشط أريك قتل الْأسود بني ذبيان وَبني دودان وسبى نِسَاءَهُمْ.
قَالَ الْأَعْشَى فِي مدح الْأسود: وشيوخ صرعى بشط أريك
…
...
…
... الْبَيْت
ويدلك على أَن أريكاً جبل مشرف قَول جَابر بن حني يصف نَاقَة: الطَّوِيل
(تصعد فِي بطحاء عرق كَأَنَّمَا
…
ترقى إِلَى أَعلَى أريك بسلم)
وَقَالَ الْأَخْفَش: إِنَّمَا سمي أريكاً لِأَنَّهُ جبل كثير الْأَرَاك. انْتهى.
وَقَالَ أَيْضا فِي شرح أمالي القالي: هَذَا الْيَوْم الَّذِي ذكره فِي قَوْله: رب رفد هرقته ذَلِك الْيَوْم هُوَ الْيَوْم الَّذِي أغار فِيهِ الْأسود بن الْمُنْذر على الطف فَأصَاب نعما وَأسرى من بني سعد بن ضبيعة رَهْط الْأَعْشَى وَذَلِكَ منصرفة من غَزْو الحليفين أَسد وذبيان. وَكَانَ الْأَعْشَى غَائِبا فَلَمَّا قدم وجد الْحَيّ مُبَاحا فأنشده هَذِه القصيدة وَسَأَلَهُ أَن يهب لَهُ الأسرى فَفعل. انْتهى.
والطف: مَوضِع بِنَاحِيَة الْعرَاق من أَرض الْكُوفَة وَهُنَاكَ الْموضع الْمَعْرُوف بكربلاء الَّذِي قتل فِيهِ الْحُسَيْن بن عَليّ رضي الله عنهما.
وَقَول الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه: وَالصَّحِيح أَن الطف على فرسخين من الْبَصْرَة غلط وَخطأ.
وَسبب غَزْو الحليفين هُوَ مَا ذكره الْأَصْبَهَانِيّ فِي الأغاني: أَن الْحَارِث
بن ظَالِم المري لما قتل خَالِد بن جَعْفَر بن كلاب العامري وَهُوَ نَازل عِنْد النُّعْمَان بن الْمُنْذر سَأَلَ الْأسود بن الْمُنْذر عَن أَمر يبلغ من الْحَارِث فَقَالَ عُرْوَة بن عتبَة: إِن لَهُ جارات وَلَا أَرَاك تنَال مِنْهُ شَيْئا هُوَ أغْلظ عَلَيْهِ)
من أخذهن وَأخذ أموالهن. فَفعل فَبلغ ذَلِك الْحَارِث بن ظَالِم فَخرج من الْحَيَّيْنِ فَدخل فِي غمار النَّاس حَتَّى عرف مَوضِع جاراته ومرعى إبلهن فجمعهن مَعَ أموالهن وَسَار مَعَهُنَّ حَتَّى استقذهن.
-
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَلحق بِبِلَاد قومه مستخفياً وَكَانَت أُخْته سلمى بنت ظَالِم عِنْد سِنَان بن أبي حَارِثَة المري وَكَانَ الْأسود بن الْمُنْذر دفع إِلَيْهَا ابْنه شُرَحْبِيل تكفله وَكَانَت بنت كثير بن ربيعَة من بني غنم بن دودان امْرَأَة سِنَان ترْضِعه وَهِي أم هرم.
فجَاء الْحَارِث بن ظَالِم وَكَانَ قد اندس بِلَاد غطفان فاستعار سرج سِنَان وَلَا يعلم سِنَان وهم نزُول بالشربة فَأتى أُخْته سلمى فَقَالَ: يَقُول لَك بعلك: ابعثي بِابْن الْملك مَعَ الْحَارِث حَتَّى أستأمن لَهُ مِنْهُ وَهَذَا سَرْجه آيَة إِلَيْك.
فزينته ثمَّ دَفعته إِلَى الْحَارِث فَأتى بالغلام نَاحيَة من الشربة فَقتله وهرب فغزا الْأسود بني ذبيان وَبني أَسد إِذْ نقضوا الْعَهْد بشط أريك.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هما أريكان: الْأسود والأبيض وَلَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا كَانَت الْوَقْعَة.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: إِن سلمى امْرَأَة سِنَان الَّتِي أَخذ الْحَارِث شُرَحْبِيل من عِنْدهَا من بني أَسد فَقتل فيهم قتلا ذريعاً وسبى لدفع الأَسدِية ابْنه إِلَى الْحَارِث. وَفِي ذَلِك يَقُول الْأَعْشَى يمدح الْأسود:
…
(وشيوخ صرعى بشط أريك
…
وَنسَاء كأنهن السعالي)
(من نواصي دودان إِذْ نقضوا العه
…
د وذبيان والهجان الغوالي)
(رب رفد هرقته ذَلِك اليو
…
م وَأسرى من معشر أقتال)
(هؤلا ثمَّ هؤلا كلا احذي
…
ت نعالاً محذوة بمثال)
قَالَ: وَوجدت نعل شُرَحْبِيل عِنْد أضاخ بِضَم الْألف وبالمعجمتين وَهِي من الشربة من ديار بني محَارب بن خصفة بن قيس عيلان.
قَالَ: فأحمى لَهُم الْأسود الصَّفَا بصحراء أضاخ وَقَالَ لَهُم: إِنِّي أحذيكم نعالاً. فأمشاهم على ذَلِك الصَّفَا فتساقط لحم أَقْدَامهم.
-
فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَام هجا جوشن الْكِنْدِيّ بني محَارب فعيرهم بتحريق الْأسود أَقْدَامهم فَقَالَ: الطَّوِيل
(على عهد كسى نعلتكم مُلُوكنَا
…
صفا من أضاخ حامياً يتهلب))
وَصَارَ ذَلِك مثلا يتوعد بِهِ الشُّعَرَاء.
وَمثل ذَلِك أَن ابْن عباد الْكلابِي ورد على بني البوس من جديلة طَيئ فسرقوا سهاماً لَهُ فَقَالَ يُحَذرهُمْ: الطَّوِيل
(بني البوس ردوا أسهمي إِن أسهمي
…
كنعل شُرَحْبِيل الَّتِي فِي محَارب)
وَإِنَّمَا فعل الْأسود ذَلِك ببني محَارب من أجل نعل شُرَحْبِيل الَّتِي وجدت عِنْدهم. انْتهى.
وَقَوله: لن يزَالُوا بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّة بضمير الْغَيْبَة الرَّاجِع لمجموع من ذكر مِمَّن قتلوا وأسروا ونهبواً من الْأَعْدَاء وَمِمَّنْ غزا مَعَه وَقتل وغنم من الْأَوْلِيَاء.
وَقَوله: لَا زلت بِالْخِطَابِ وَلَهُم بضمير الْغَيْبَة. فَظهر من هَذَا أَن رِوَايَته فِي كتب النَّحْو لن تزالوا بِالْخِطَابِ وَلَا زلت