الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَذَا سراقَة لِلْقُرْآنِ يدرسه على أَن الضَّمِير فِي يدرسه ضمير الْمصدر الْمَفْهُوم من يدرس أَي: يدرس الدَّرْس.
وَقد تقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الثَّانِي والثمانين.
وَتَمَامه:
والمرء عِنْد الرشا إِن يلقها ذيب وَأنْشد بعده: المديد
(غير مأسوف على زمن
…
يَنْقَضِي بالهم والحزن)
وَتقدم شَرحه فِي الشَّاهِد الثَّالِث وَالْخمسين من بَاب الْمُبْتَدَأ.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد السَّادِس وَالتِّسْعُونَ بعد السبعمائة)
وَهُوَ من شَوَاهِد س: الرجز يَا رب هيجا هِيَ خير من دَعه على أَنه يجوز أَن تقع الْجُمْلَة الاسمية نعتاً لمجرور رب ف هِيَ مُبْتَدأ وَخير خَبره وَالْجُمْلَة نعت
والدعة: الْخَفْض والراحة. وَالْهَاء عوض من الْوَاو تَقول مِنْهُ: ودُع الرجل بِالضَّمِّ فَهُوَ وديع أَي: سَاكن ووداعٌ أَيْضا. وَالْمُوَادَعَة:
الْمُصَالحَة. وَيَا: حرف تَنْبِيه أَو حرف نِدَاء والمنادى مَحْذُوف.
وَرب هُنَا للتكثير وَهِي اسْم مُبْتَدأ على مَا اخْتَارَهُ الشَّارِح الْمُحَقق لَا خبر لَهَا وَالْجُمْلَة الَّتِي هِيَ نعت مجرورها قد سدت مسد الْخَبَر لَا يقدر لَهَا جَوَاب يعلم فِي مَحل مجرورها.
وَهُوَ من رجز للبيد بن ربيعَة العامري الصَّحَابِيّ أوردهُ ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ وَهُوَ:
(لَا تزجر الفتيان عَن سوء الرعه
…
يَا رب هيجا هِيَ خير من دَعه)
(فِي كل يَوْم هامتي مقزعه
…
نَحن بَنو أم الْبَنِينَ الأربعه)
(نَحن خِيَار عَامر بن صعصعه
…
المطعمون الْجَفْنَة المدعدعه)
(والضاربون الْهَام تَحت الخيضعه
…
يَا واهب المَال الجزيل من سعه))
(إِلَيْك جاوزنا بلاداً مسبعه
…
إِذْ الفلاة أوحشت فِي المعمعه)
يُخْبِرك عَن هَذَا خَبِير فاسمعه فَقَالَ النُّعْمَان: مَا هُوَ فَقَالَ: مهلا أَبيت اللَّعْن لَا تَأْكُل مَعَه
إِن استه من برص ملمعه قَالَ النُّعْمَان: وَمَا عَليّ قَالَ:
(وَإنَّهُ يدْخل فِيهَا إصبعه
…
يدخلهَا حَتَّى يواري أشجعه)
كَأَنَّمَا يطْلب شَيْئا ضيعه الرعة: حَالَة الأحمق الَّتِي رَضِي بهَا.
وَقَوله: مقزعة يَقُول: أَنا
أقَاتل فِي كل يَوْم وأقاتل. والمدعدعة: المملوءة. والخيضعة: أصوات الْحَرْب. انْتهى.
وَهَذَا السِّيَاق مبتور لَا ينْتَفع بِهِ وأوفى مَا رَأَيْته مَا رَوَاهُ السَّيِّد المرتضى علم الْهدى فِي أَمَالِيهِ الْمُسَمَّاة بغرر الفرائد ودرر القلائد قَالَ: إِن عمَارَة وأنساً وقيساً وَالربيع بني زِيَاد العبسيين وفدوا على النُّعْمَان ابْن الْمُنْذر ووفد عَلَيْهِ العامريون بَنو أم الْبَنِينَ وَعَلَيْهِم أَبُو برَاء عَامر بن مَالك بن جَعْفَر بن كلاب وَهُوَ ملاعب الأسنة وَكَانَ العامريون ثَلَاثِينَ رجلا وَفِيهِمْ لبيد ابْن ربيعَة بن مَالك بن جَعْفَر بن كلاب وَهُوَ يَوْمئِذٍ غُلَام لَهُ ذؤابة.
وَكَانَ الرّبيع بن زِيَاد الْعَبْسِي ينادم النُّعْمَان وَيكثر عِنْده ويتقدم على من سواهُ وَكَانَ يدعى الْكَامِل لشطاطه وبياضه وكماله فَضرب النُّعْمَان قبَّة على أبي برَاء وأجرى عَلَيْهِ وعَلى من كَانَ مَعَه النزل وَكَانُوا يحْضرُون النُّعْمَان لحاجتهم فافتخروا يَوْمًا بِحَضْرَتِهِ فكاد العبسيون يغلبُونَ الْعَامِرِيين.
وَكَانَ الرّبيع إِذا خلا بالنعمان طعن فيهم. وَذكر معايبهم فَفعل ذَلِك مرَارًا لعداوتهم لبني جَعْفَر لأَنهم كَانُوا أسروه فصد النُّعْمَان عَنْهُم حَتَّى نزع الْقبَّة عَن أبي برَاء وَقطع النزل ودخلوا عَلَيْهِ يَوْمًا فَرَأَوْا مِنْهُ جفَاء وَقد كَانَ قبل ذَلِك يكرمهم وَيقدم مجلسهم فَخَرجُوا من عِنْده غضاباً وهموا بالانصراف ولبيد فِي رحالهم يحفظ أمتعتهم وَيَغْدُو بإبلهم فيرعاها فَإِذا أَمْسَى انْصَرف بهَا.
)
فَأَتَاهُم تِلْكَ اللَّيْلَة وهم يتذاكرون أَمر الرّبيع فَقَالَ لَهُم: مَا لكم تتناجون فَكَتَمُوهُ وَقَالُوا لَهُ: إِلَيْك عَنَّا.
فَقَالَ: أخبروني فَلَعَلَّ لكم عِنْدِي فرجا. فزجروه فَقَالَ: لَا وَالله لَا أحفظ لكم وَلَا أسرح لكم بَعِيرًا أَو تخبروني.
وَكَانَت أم لبيد عبسية فِي حجر الرّبيع فَقَالُوا لَهُ: إِن خَالك قد غلبنا على الْملك وَصد عَنَّا وَجهه.
فَقَالَ لَهُم: هَل تقدرون أَن تجمعُوا بيني وَبَينه غَدا حِين يقْعد الْملك فأرجز بِهِ رجزاً ممضاً مؤلماً لَا يلْتَفت إِلَيْهِ النُّعْمَان بعده أبدا قَالُوا لَهُ: وَهل عنْدك ذَلِك قَالَ: نعم.
قَالُوا: إِنَّا نبلوك بشتم هَذِه البقلة وقدامهم بقلة دقيقة القضبان قَليلَة الْوَرق لاصقة فروعها بِالْأَرْضِ تدعى التربة فاقتلعها من الأَرْض وَأَخذهَا بِيَدِهِ وَقَالَ: هَذِه البقلة التربة الثفلة الرذلة الَّتِي لَا تذكي نَارا وَلَا تسر جاراً عودهَا ضئيل وفرعها ذليل وَخَيرهَا قَلِيل. بَلَدهَا شاسع ونبتها خاشع وآكلها جَائِع والمقيم عَلَيْهَا قَانِع. أقصر الْبُقُول فرعا وأخبثها مرعى وأشدها قلعاً فحرباً لجارها وجدعاً. القوا بِي أَخا عبس أرجعه عَنْكُم بتعس ونكس وأتركه من أمره فِي لَيْسَ.
فَقَالُوا: نصبح ونرى فِيك رَأينَا. فَقَالَ لَهُم عَامر: انْظُرُوا إِلَى غلامكم هَذَا فَإِن رَأَيْتُمُوهُ نَائِما فَلَيْسَ أمره بِشَيْء إِنَّمَا تكلم بِمَا جرى على لِسَانه. وَإِن رَأَيْتُمُوهُ ساهراً فَهُوَ صَاحبكُم.
فرمقوه بِأَبْصَارِهِمْ فوجدوه قد ركب رحلاً يكدم واسطته حَتَّى أصبح. فَلَمَّا أَصْبحُوا قَالُوا: أَنْت وَالله صَاحبه. فحلقوا رَأسه وَتركُوا لَهُ ذؤابتين وألبسوه حلَّة وغدوا بِهِ مَعَهم فَدَخَلُوا على النُّعْمَان فوجدوه يتغدى وَمَعَهُ الرّبيع لَيْسَ مَعَه
غَيره وَالدَّار والمجالس مَمْلُوءَة بالوفد.
فَلَمَّا فرغ من الْغَدَاء أذن للجعفريين فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَالربيع إِلَى جَانِبه. فَذكرُوا
للنعمان حَاجتهم فاعترضهم الرّبيع فِي كَلَامهم فَقَالَ لبيد وَقد دهن أحد شقي رَأسه وأرخى إزَاره وانتعل نعلا
(يَا رب هيجا هِيَ خير من دَعه
…
إِذْ لَا تزَال هامتي مقزعه)
(نَحن بني أم الْبَنِينَ الْأَرْبَعَة
…
وَنحن خير عَامر بن صعصعه)
(المطعمون الْجَفْنَة المدعدعه
…
والضاربون الْهَام تَحت الخيضعه)
(مهلا أَبيت اللَّعْن لَا تَأْكُل مَعَه
…
إِن استه من برص ملمعه))
(وَإنَّهُ يدْخل فِيهَا إصبعه
…
يدخلهَا حَتَّى يواري أشجعه)
كَأَنَّمَا يطْلب شَيْئا ضيعه فَلَمَّا فرغ لبيد الْتفت النُّعْمَان إِلَى الرّبيع يرمقه شزراً. قَالَ: أَكَذَلِك أَنْت قَالَ: كذب وَالله ابْن الْحمق اللَّئِيم فَقَالَ النُّعْمَان: أُفٍّ لهَذَا الطَّعَام لقد خبث عَليّ طَعَامي. فَقَالَ الرّبيع: أَبيت اللَّعْن أما إِنِّي قد فعلت بِأُمِّهِ لَا يكني. وَكَانَت فِي حجره.
فَقَالَ لبيد: أَنْت لهَذَا الْكَلَام أهل أما إِنَّهَا من نسْوَة غير فعل وَأَنت الْمَرْء قَالَ هَذَا فِي يتيمته.
-
وَوجدت فِي رِوَايَة أُخْرَى: أما إِنَّهَا من نسْوَة فعل. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهَا كَانَت من قوم الرّبيع فنسهبا إِلَى لقبيح وَصدقه عَلَيْهَا تهجيناً لَهُ ولقومه.
فَأمر الْملك بهم جَمِيعًا فأخرجوا وَأعَاد أبي برَاء الْقبَّة وَانْصَرف الرّبيع إِلَى منزله فَبعث إِلَيْهِ النُّعْمَان بِضعْف مَا كَانَ يحبوه بِهِ وَأمره بالانصراف إِلَى أَهله. فَكتب إِلَيْهِ: إِنِّي قد تخوفت أَن يكون قد وَقع فِي صدرك مَا قَالَ لبيد وَلست برائم حَتَّى تبْعَث من يجردني ليعلم من حضرك من النَّاس أَنِّي لست كَمَا قَالَ.
فَأرْسل إِلَيْهِ إِنَّك لست صانعاً بانتفائك مِمَّا قَالَ لبيد شَيْئا وَلَا قَادِرًا على رد مَا زلت بِهِ الألسن فَالْحق بأهلك ثمَّ كتب إِلَيْهِ النُّعْمَان فِي جملَة مَا كتبه أبياتاً جَوَابا عَن أَبْيَات كتبهَا إِلَيْهِ الرّبيع مَشْهُورَة: الْبَسِيط
(شمر برحلك عني حَيْثُ شِئْت وَلَا
…
تكْثر عَليّ ودع عَنْك الأقاويلا)
(قد قيل ذَلِك إِن حَقًا وَإِن كذبا
…
فَمَا اعتذارك من شَيْء إِذا قيلا)
وَقد جَاءَنَا هَذَا الْخَبَر من عدَّة طرق وَفِي كل زِيَادَة على الآخر وَلم نأت بِجَمِيعِ الْخَبَر على وَجهه بل أسقطنا مِنْهُ مَا لم نحتج إِلَيْهِ. انْتهى.
وَقَالَ أَبُو الْحسن الطوسي فِي شرح ديوَان لبيد: إِن بني أم الْبَنِينَ وَجَمَاعَة مِنْهُم أَتَوا النُّعْمَان أول مَا ملك فِي أُسَارَى من بني عَامر يشترونهم مِنْهُ. إِلَى آخر مَا أوردناه فِي الشَّاهِد الثَّامِن وَالْأَرْبَعِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ فِي شرح قَوْله: قد قيل ذَلِك إِن حَقًا وَإِن كذبا
…
...
…
... الْبَيْت وسَاق هَذَا الْخَبَر كالطوسي الْخَطِيب التبريزي فِي شرح ذيل
المعلقات وَأورد
الأبيات كثعلب إِلَّا)
الْبَيْت الأول.
وَقَوله: يُخْبِرك عَن هَذَا خَبِير فاسمعه فَإِنَّهُ أسقطهما.
وَقَوله: فِي كل يَوْم هامتي مقزعه قَالَ السَّيِّد المرتضى: القزع: تساقط بعض الشّعْر وَالصُّوف وَبَقَاء بعضه. يُقَال: كَبْش أقزع وناقة قزعاء.
وَقَوله: نَحن بَنو أم
…
. إِلَخ هَذَا الْبَيْت من شَوَاهِد سِيبَوَيْهٍ أوردهُ فِي بَاب الِاخْتِصَاص الَّذِي يجْرِي على مَا جرى عَلَيْهِ النداء. قَالَ: وَأما قَول لبيد: نَحن بَنو أم الْبَنِينَ الْأَرْبَعَة فَلَا ينشدونه إِلَّا رفعا لِأَنَّهُ لم يرد أَن يجعلهم إِذا افْتَخرُوا أَن يعرفوا بِأَن عدتهمْ أَرْبَعَة وَلكنه وَخَالفهُ الْمبرد وَقَالَ: النصب فِيهِ جيد على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن أم الْبَنِينَ امْرَأَة شريفة وبنوها الْأَرْبَعَة كلهم سيد فينصب بني على الْفَخر.
وَالْوَجْه الآخر: على معنى أَعنِي بِلَا مدح وَلَا ذمّ.
قَالَ النّحاس بعد مَا نَقله: هَذَا الَّذِي ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ صَحِيح أَلا ترَاهُ قَالَ: إِنَّه لم يرد أَن يجعلهم
…
إِلَخ فَهَذَا قَول صَحِيح. فَيجوز أَن يكون بَنو خبر نَحن وَالْأَرْبَعَة نعت كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ والمطعمون
خبر بعد خبر.
-
وَيجوز أَن يكون بَدَلا من نَحن والمطعمون خبر وَالْأَرْبَعَة صفة للبنين. فَإِذا رفع فَإِنَّمَا أَفَادَ هَذَا النّسَب. فَإِذا نصب فَالْخَبَر مَا بعده ونصبه على الِاخْتِصَاص. انْتهى.
وَكَذَا ذهب ثَعْلَب فِي أَمَالِيهِ قَالَ بَعضهم ينصب بني وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مدحاً يمدح نَفسه بِأَن عَددهمْ أَرْبَعَة.
وَالْعرب تفعل هَذَا فِي بني ورهط ومعشر وَآل. قَالَ الْفراء: كَأَنَّهُمْ قَالُوا: نَحن جَمِيعًا نقُول ذَلِك. انْتهى.)
وَأم الْبَنِينَ: اسْمهَا ليلى بنت عَامر. قَالَه السُّهيْلي فِي الرَّوْض.
وَقَالَ السَّيِّد المرتضى: هِيَ بنت عَمْرو بن عَامر بن ربيعَة بن صعصعة وَكَانَت تَحت مَالك بن جَعْفَر بن كلاب ولدت لَهُ عَامر بن مَالك ملاعب الأسنة. وطفيل ابْن مَالك فَارس قرزل وَهُوَ أَبُو عَامر بن الطُّفَيْل وقرزل: فرس كَانَت لَهُ. وَرَبِيعَة ابْن مَالك أَبَا لبيد وَهُوَ ربيع المقترين.
وَمُعَاوِيَة بن مَالك معود الْحُكَمَاء. وَإِنَّمَا لقب بِهَذَا لقَوْله: الوافر
(أعوذ مثلهَا الْحُكَمَاء بعدِي
…
إِذا مَا الْحق فِي الأشياع نابا)
وَولدت عُبَيْدَة الوضاح. فَهَؤُلَاءِ خَمْسَة. وَقَالَ لبيد: أَرْبَعَة لِأَن الشّعْر لَا يُمكنهُ غير ذَلِك.
قَالَ السُّهيْلي: وَسمي ملاعب الأسنة فِي وَيَوْم سوبان وَهُوَ يَوْم كَانَت فِيهِ وقْعَة فِي أَيَّام جبلة وَهِي أَيَّام حَرْب كَانَت بَين قيس وَتَمِيم. وجبلة: اسْم لهضبة عالية.
وَسبب تَسْمِيَته ملاعب الأسنة أَن أَخَاهُ
الَّذِي يُقَال لَهُ فَارس قرزل وَهُوَ الطُّفَيْل كَانَ أسلمه فِي ذَلِك الْيَوْم وفر فَقَالَ شَاعِر: الطَّوِيل
(فَرَرْت وَأسْلمت ابْن أمك عَامِرًا
…
يلاعب أَطْرَاف الوشيج المزعزع)
فَسُمي ملاعب الرماح وملاعب الأسنة. قَالَ لبيد:
(
وأبنا ملاعب الرماح
…
ومدره الكتيبة الرداح)
انْتهى.
وَقَالَ مغلطاي فِي الزهر الباسم: يخدش فِيهِ مَا ذكره سَابِقًا: أَن عَامر بن مَالك ملاعب الرماح ثمَّ قَالَ السُّهيْلي: وَسمي مُعَاوِيَة معود الْحُكَمَاء بقوله:
(يعود مثلهَا الْحُكَمَاء بعدِي
…
إِذا مَا الْأَمر فِي الْحدثَان نابا)
وَفِي هَذَا الشّعْر:
(إِذا سقط السَّمَاء بِأَرْض قوم
…
رعيناه وَإِن كَانُوا غضابا)
وَقَول السَّيِّد المرتضى: إِن لبيداً إِنَّمَا قَالَ أَرْبَعَة وهم خَمْسَة لضَرُورَة الشّعْر هَذَا قَول الْفراء وَهُوَ قَول فارغ. وَالصَّوَاب كَمَا قَالَ ابْن عُصْفُور فِي الضرائر: لم يقل إِلَّا أَرْبَعَة وهم خَمْسَة على جِهَة الْغَلَط. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن أَبَاهُ كَانَ مَاتَ وَبَقِي أَعْمَامه وهم أَرْبَعَة.
وَهُوَ مَسْبُوق بالسهيلي فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنَّمَا قَالَ الْأَرْبَعَة لِأَن أَبَاهُ كَانَ
قد مَاتَ قبل ذَلِك لَا كَمَا قَالَ بعض النَّاس. وَهُوَ قَول يعزى إِلَى الْفراء أَنه قَالَ: إِنَّمَا قَالَ أَرْبَعَة وَلم يقل خَمْسَة من أجل القوافي.)
فَيُقَال لَهُ: لَا يجوز للشاعر أَن يلحن لإِقَامَة وزن الشّعْر فَكيف بِأَن يكذب لإِقَامَة الْوَزْن.
وأعجب من هَذَا أَنه اسْتشْهد بِهِ على تَأْوِيل فَاسد تَأَوَّلَه فِي قَوْله سُبْحَانَهُ:
وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان وَقَالَ: أَرَادَ جنَّة وَاحِدَة وَجَاء بِلَفْظ التَّثْنِيَة لتتفق رُؤُوس الْآي وكلاماً هَذَا مَعْنَاهُ.
فصمي صمام مَا أشنع هَذَا الْكَلَام وأبعده عَن الْعلم وَفهم الْقُرْآن وأفل هَيْبَة قَائِله من أَن يتبوأ مَقْعَده من النَّار فحذار مِنْهُ حذار.
وَمِمَّا يدلك أَنهم كَانُوا أَرْبَعَة حِين قَالَ لبيد هَذِه الْمقَالة أَن فِي الْخَبَر يتم لبيد وَصغر سنه وَأَن أَعْمَامه الْأَرْبَعَة استصغروه أَن يدخلوه مَعَهم إِلَى النُّعْمَان. فَبَان بِهَذَا أَنهم كَانُوا أَرْبَعَة. وَلَو سكت الْجَاهِل لقل الْخلاف. انْتهى.
وَقَوله: المطعمون الْجَفْنَة المدعدعة الْجَفْنَة بِفَتْح الْجِيم: الْقَصعَة الْكَبِيرَة. قَالَ أَبُو حنيفَة فِي كتاب النَّبَات: وَلَا آنِية أكبر من الْجَفْنَة.
والمدعدعة فِي قَول لبيد هِيَ المملوءة فَهُوَ بِالدَّال الْمُهْملَة. قَالَ فِي الصِّحَاح: دعدعت الشَّيْء: ملأته.
وجفنة مدعدعة أَي: مَمْلُوءَة. وَقَوله: تَحت الخيضعة بِالْخَاءِ وَالضَّاد المعجمتين.
قَالَ السَّيِّد: ذكر الْأَصْمَعِي أَن لبيداً قَالَ: تَحت الخضعة يَعْنِي الجلبة والأصوات فغيرته الروَاة.
وَقيل: إِن الخيضعة أصوات وَقع السيوف. والخيضعة أَيْضا: الْبَيْضَة الَّتِي تلبس على الرَّأْس.
والخيضعة: الْغُبَار. وَالْقَوْل يحْتَمل كل ذَلِك. انْتهى.
وَقَالَ أَبُو عبيد فِي الْغَرِيب المُصَنّف: الخيضعة: الْبَيْضَة. وَأنْشد هَذَا الْبَيْت. ورد عَلَيْهِ عَليّ بن حَمْزَة فِي كتاب التَّنْبِيهَات بِأَن هَذَا لم يقلهُ أحد قطّ وَإِنَّمَا
اخْتِلَاف أهل الْعلم فِي رِوَايَة الشّعْر فَرَوَاهُ قوم: تَحت الخيضعة كَمَا رُوِيَ وفسروه بِأَن قَالُوا: الخيضعة: اخْتِلَاط الْأَصْوَات فِي وَرَوَاهُ آخَرُونَ: تَحت الخضعة وَقَالُوا: هِيَ السيوف. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: إِنَّمَا قَالَ لبيد تَحت الخضعة فزادوا الْيَاء فِرَارًا من الزحاف. انْتهى.
وَقَوله: بلاداً مسبعَة الْبِلَاد: الْأَرَاضِي. وَأَرْض مسبعَة بِالْفَتْح أَي: ذَات سِبَاع. والمعمعة قَالَ صَاحب الصِّحَاح: هِيَ صَوت الْحَرِيق فِي الْقصب وَنَحْوه وَصَوت الْأَبْطَال فِي الْحَرْب.
والملمع: الَّذِي يكون فِي جسده بقع تخَالف سَائِر لَونه. والأشجع: أصُول الْأَصَابِع الَّتِي تتصل بعصب ظَاهر الْكَفّ.)
وترجمة لبيد تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالْعِشْرين بعد الْمِائَة.
وَأورد ابْن الْحباب السَّعْدِيّ فِي كتاب مساوي الْخمر حِكَايَة مُنَاسبَة رَأينَا إيرادها هُنَا قَالَ: ذكر بديع الزَّمَان الهمذاني أَنه لاعب أَبَا سعيد خَليفَة أبي عَليّ الْحُسَيْن بن أَحْمد بجرجان الشطرنج على خاتمين قمره البديع عَلَيْهِمَا فَأبى أَن يُعْطِيهِ إيَّاهُمَا فَذكر قصَّة طَوِيلَة أفضت الْحَال فِيهَا بَينهمَا بعد مراسلات بِهِجَاء من البديع وإغلاظ من الآخر إِلَى أَن اجْتمع هُوَ والبديع على مائدة صَاحب أبي عَليّ الْحُسَيْن.
قَالَ البديع: وَكَانَ هَذَا الرجل أَقرع وَلم يكن أحد يَجْسُر أَن يذكر بِحَضْرَتِهِ القرع وَلَا الْقرعَة وَلَا تقارع الأقران وَلَا الْأَقْرَع بن حَابِس وَلَا بني قريع وَلَا يقْرَأ سُورَة القارعة. فَلَمَّا وضعت الْمَائِدَة
(
مهلا أَبيت اللَّعْن لَا تَأْكُل مَعَه
…
استقذرته وتجنب قرعه)
(فَإِنَّهُ ينحي عَلَيْهَا إصبعه
…
يحك تِلْكَ الهامة الملمعه)
(لَا تدنه وَذَلِكَ الرَّأْس مَعَه
…
ومره إِن أدنيته أَن يَضَعهُ)
(إِن لم يزايل عَن حماك مَوْضِعه
…
فارسم لفراشك ذَا أَن يصفعه)
قَالَ: فأطرقت الْجَمَاعَة وَبَقِي الْأُسْتَاذ داهشاً ثمَّ قَالَ: يَا مولَايَ إِن لم يحتشمني مَا يحتشم الْمَائِدَة فَقلت لَهُ: أَطَالَ الله بَقَاءَك مَا أسْرع