الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكأس على جَمِيع الجلساء.
قَالَ طليحة: وَكَانَ الترجمان إِلَى جَانِبي فَقلت لَهُ: مَا هَذَا الشّعْر الَّذِي أطرب الْملك هَذَا الطَّرب فَقَالَ: خرج يَوْمًا متنزهاً فلقي غُلَاما حسن الصُّورَة وَفِي يَمِينه ورد فَاسْتَحْسَنَهُ وَأمر أَن يصنع لَهُ فِيهِ شعر فَإِذا غناهُ الْمُغنِي ذَلِك الشّعْر طرب وَفعل مَا رَأَيْت.
فَقلت: مَا فِي هَذَا مِمَّا يطرب حَتَّى يبلغ فِيهِ هَذَا الْمبلغ فَسَأَلَ كسْرَى الترجمان عَمَّا حاورني فِيهِ فَأخْبرهُ فَقَالَ: قل لَهُ: إِذا كَانَ هَذَا لَا يطرب فَمَا الَّذِي يطربك أَنْت فَأدى إِلَيّ الترجمان قَوْله فَقلت: قَول الْأَعْشَى: مَا بكاء الْكَبِير بالأطلال الْبَيْت فَأخْبرهُ الترجمان بذلك فَقَالَ كسْرَى: وَمَا معنى هَذَا فَقلت: هَذَا شيخ مر بمنزل محبوبته فَوَجَدَهُ خَالِيا قد عَفا وَتغَير وَجعل يبكي. فَضَحِك كسْرَى وَقَالَ: وَمَا الَّذِي يطربك من شيخ وَاقِف فِي خربة وَهُوَ يبكي أوليس الَّذِي أطربنا نَحن أولى بِأَن يطرب لَهُ قَالَ طليحة: فثقل عَلَيْهِ جَانِبي بعد ذَلِك.
وَقَوله: لات هُنَا ذكري جبيرَة بِضَم الْجِيم: اسْم امْرَأَة وَهُوَ من شَوَاهِد النَّحْوِيين وَتقدم تَوْجِيهه فِي الشَّاهِد الثَّالِث والثمانين بعد الْمِائَتَيْنِ.
-
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ بعد السبعمائة)
الْكَامِل غلب تشذر بِالدُّخُولِ
وَهُوَ قِطْعَة من بَيت وَهُوَ:
(غلب تشذر بِالدُّخُولِ كَأَنَّهَا
…
جن الْبَدِيِّ رواسياً أَقْدَامهَا)
على أَن الْبَاء فِيهِ للسبية.
قَالَ الزوزني فِي شرح معلقَة لبيد: يَقُول: هم رجال غِلَاظ الْأَعْنَاق كالأسود أَي: خلقُوا خلقه الْأسود ويهدد بَعضهم بَعْضًا بِسَبَب الأحقاد الَّتِي بَينهم.
ثمَّ شبههم بجن هَذَا الْموضع فِي ثباتهم فِي الْخِصَام والجدال. يمدح خصومه وَكلما كَانَ الْخصم أقوى وَأَشد كَانَ غالبه أقوى وَأَشد.
وَالْبَيْت من معلقَة لبيد الصَّحَابِيّ وَقَبله:
(وكثيرة غرباؤها مَجْهُولَة
…
ترجى نوافلها ويخشى ذامها)
وَبعده:
(أنْكرت باطلها وبؤت بِحَقِّهَا
…
عِنْدِي وَلم يفخر عَليّ كرامها)
قَوْله: وكثيرة الْوَاو وَاو رب وجوابها: أنْكرت باطلها قَالَ ابْن
السَّيِّد فِي شرح أدب الْكَاتِب: يُرِيد قبَّة ملك فِيهَا قوم غرباء من كل قَبيلَة فاخروه بَين يَدي الْملك فَغَلَبَهُمْ وَظهر عَلَيْهِم.
وَقَوله: مَجْهُولَة أَرَادَ مَجْهُول من فِيهَا وَلم يرد أَن الْقبَّة نَفسهَا مَجْهُولَة. والنافلة: الْفضل. والذم: الْعَيْب والعار.
يُرِيد أَن من حضرها يَرْجُو أَن يكون لَهُ الظُّهُور والشرف ويرهب أَن يغلب وَيظْهر عَلَيْهِ فَيكون ذَلِك عاراً يبْقى فِي عقبه فَهُوَ لذَلِك يذب عَن نَفسه وَلَا يدع غَايَة من الْمُفَاخَرَة إِلَّا قَصدهَا.
وشبههم بِجَمَال غلب تشذر بأذنابها إِذا تصاولت وهاجت. يُقَال: تشذر الْبَعِير بِذَنبِهِ إِذا اسْتنْفرَ بِهِ وتشذر الرجل بِثَوْبِهِ عِنْد الْقِتَال إِذا تحزم وتهيأ للحرب.
والغلب: الْغِلَاظ الْأَعْنَاق الْوَاحِد أغلب. والبدي: وَاد تسكنه الْجِنّ فِيمَا يَزْعمُونَ.
والرواسي: الثَّابِتَة الَّتِي لَا تَبْرَح وَالْأَصْل: مَجْهُولَة غرباؤها فَحذف الْمُضَاف وَأقَام الضَّمِير)
الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه فاستتر فِي الصّفة. انْتهى.
وَمَا ذهب إِلَيْهَا من أَن المُرَاد بكثيرة قبَّة الْملك هُوَ الرَّاجِح الصَّحِيح وَهُوَ قَول الزوزني قَالَ: الْمَعْنى رب قبَّة أَو دَار كثرت غرباؤها وغاشيتها وجهلت لَا يعرف بعض الغرباء بَعْضًا. افتخر بالمناظرة الَّتِي جرت بَينه وَبَين الرّبيع بن زِيَاد فِي مجْلِس النُّعْمَان بن الْأسود ملك الْعَرَب وَلها قصَّة طَوِيلَة.
أَقُول: قد ذكرتها أَنا فِي تَرْجَمَة النُّعْمَان بن الْمُنْذر فِي الشَّاهِد الْخَامِس وَالْخمسين بعد الْمِائَة وَسَتَأْتِي فِي رب أَيْضا.
-
وَكَذَا ذهب إِلَى هَذَا أَبُو الْحسن الطوسي فِي شرح ديوَان لبيد قَالَ: يَعْنِي قبَّة كَانَت تضرب على بَاب الْملك يقْعد فِيهَا النَّاس حَتَّى يُؤذن لَهُم. ونوافلها: فضول من شرف وجوائز ومنازل. يخْشَى سقاط من كَلَام أَو فعل يلْحقهُ مِنْهُ ذام أَي: عيب. أَو أَنهم يرجعُونَ بِغَيْر جَائِزَة فَيكون ذَلِك عَيْبا عَلَيْهِم.
أَحدهَا: أَن الْمَعْنى وَجَمَاعَة كَثِيرَة غرباؤها. وَإِلَيْهِ ذهب الجواليقي فِي شرح أدب الْكَاتِب قَالَ: أَي: رب جمَاعَة كَثِيرَة غرباؤها. ثمَّ حذف الْمَوْصُوف وَأقَام الصّفة مقَامه. هَذَا أصح مَا قيل فِيهِ.
ثَانِيهَا: أَن الْمَعْنى رب خطة وشأن قد جهل الْقَضَاء فِيهَا وجهلت جهاتها.
ثَالِثهَا: أَن الْمَعْنى رب حَرْب كَثِيرَة غرباؤها لِأَن الْحَرْب مُؤَنّثَة. وَجعلهَا كَثِيرَة الغرباء لما يحضرها من ألفاف النَّاس وَغَيرهم. وَجعلهَا مَجْهُولَة لِأَن الْعَالم بهَا وَالْجَاهِل يجهلان عَاقبَتهَا.
وَقَوله: ترجى نوافلها أَي: الْغَنِيمَة وَالظفر. ويخشى ذامها أَي: خلَافهَا.
رَابِعهَا: أَن الْمَعْنى رب أَرض كَثِيرَة غرباؤها يُرِيد: أَرضًا يضل بهَا من سلكها إِذا جهل طرقها. قَالَ أَبُو جَعْفَر والجواليقي والخطيب: وَإِنَّمَا وَقع الِاخْتِلَاف فِي ذَلِك أَنه أَقَامَ الصّفة مقَام الْمَوْصُوف فَاحْتمل هَذَا الْمعَانِي إِلَّا أَن الْأَشْبَه بِمَا يرد الْجَمَاعَة لِأَن بعده: أنْكرت باطلها وبؤت بِحَقِّهَا وَإِقَامَة الصّفة مقَام الْمَوْصُوف فِي مثل هَذَا قَبِيح لما يَقع بِهِ من الْإِشْكَال.
أَلا ترى أَنَّك لَو قلت: مَرَرْت بجالس كَانَ قبيحاً وَلَو قلت: بظريف كَانَ حسنا. وغرباؤها مَرْفُوع بكثيرة أَي: كثرت غرباؤها.
)
وَقَوله: غلب تشذر
…
إِلَخ هُوَ خبر لمبتدأ مَحْذُوف هُوَ ضمير الغرباء أَي: هم غلب جمع أغلب وَالْأُنْثَى غلباء. قَالَ الطوسي: غلب: أَسد غِلَاظ الرّقاب. وَقَالَ ابْن السَّيِّد: شبههم بِالْإِبِلِ. وَعَلَيْهِمَا فَهُوَ اسْتِعَارَة تصريحية. وتشذر أَصله تتشذر بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. وَفِيه أَقْوَال: أَحدهَا: أَن التشذر رفع الْيَد ووضعها أَي: إِنَّهُم كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك إِذا تفاخروا
وتثالبوا.
وَإِلَيْهِ ذهب الجاحظ فِي كتاب الْبَيَان والتبيين قَالَ: كَانَت الْعَرَب تخْطب بالمخاصر وتعتمد على الأَرْض بالقسي وتشير بِالْعِصِيِّ والقني. وَقَالَ لبيد فِي الْإِشَارَة: غلب تشذر بالذحول
…
...
…
...
…
. الْبَيْت وَقيل: التشذر: الإيعاد أَي: يوعد بَعضهم بَعْضًا. وَحكى ابْن السّكيت: تشذرت النَّاقة. إِذا شالت بذنبها.
وَقَالَ الطوسي: التشذر من الْفَحْل بالذنب تغْضب وإيعاد. وَمن هُنَا قَالَ ابْن السّكيت: شبههم بِالْإِبِلِ. وروى: غلب تشازر بِتَقْدِيم الْمُعْجَمَة. وتشازرهم: نظر بَعضهم إِلَى بعض بمؤخر عينه.
والذحول: جمع ذحل بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَهُوَ الحقد. وَجُمْلَة: كَأَنَّهَا جن حَال من ضمير غلب فِي تشذر.
والبدي بِفَتْح الْمُوَحدَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء من غير همز قَالَ
أَبُو عبيد: الْبَادِيَة وَقَالَ ابْن السَّيِّد: وَاد تسكنه الْجِنّ. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: هُوَ وَاد لبني عَامر وَقيل: مَوضِع.
وَقَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: وَاد لبني عَامر. وَقَالَ أَبُو حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي: وَاد لبني سعد.
وَذكره أَبُو عبيد أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْهَرَوِيّ مهموزاً وَذَلِكَ أَنه ذكر حَدِيث ابْن الْمسيب فِي حَرِيم الْبِئْر فَقَالَ: البديء الْبِئْر الَّتِي ابتدئت فحفرت وَلَيْسَت عَادِية. قَالَ: والبدي فِي غير هَذَا الْموضع: بلد تسكنه الْجِنّ. فَإِن كَانَ هَذَا الَّذِي ذكره الْهَرَوِيّ صَحِيحا