الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إصلاح الخلق
إذا أردت أيها المسلم تعريفا شاملا ومختصرا للخلق الصالح أو لحسن الخلق فهو كل ما دعا إليه دينك وبعث نبيك الذي يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فهو إذ يقول: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن نفس عن مسلم كربة نفس الله عليه كربة من كرب يوم القيامة، من ستر مسلما ستره الله" إنما يريد حسن الخلق، وهو إذ يقول:"من غشنا فليس منا" إنما يريد حسن الخلق، وهو إذ يقول:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت" إنما يريد حسن الخلق، وهو إذ يقول:"إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون الآخر، من أجل أن ذلك يحزنه" إنما يريد حسن الخلق، وهكذا كل تعاليم الإسلام تدور على هذا المحور الكبير: حسن الخلق- فإن حسن الخلق هو الذي بحعلك قادرا على الإحسان إلى كل إنسان لأنه يسع ما لا يسع المال، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم" والإحسان هو الرباط الوثيق الذي يربط بين إنسان وإنسان، وحسن الخلق هو الذي يحيل العدو صديقا، وهو معنى قوله تعالى:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} وحسن الخلق هو الذي يجعلك صالحا للحياة لأنه يجعلك صالحا لمعاشرة الأحياء، وهذه وظيفة الإسلام فإنه جاء ليصلح المجتمع بإصلاح الفرد، وليصلح الفرد بإصلاح خلقه، فلا عجب بعد ذلك أن يحصر
النبي صلى الله عليه وسلم كل ما جاء به في هذا الجانب إذ يقول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ولا عجب أن يقول شاعرنا شوقي:
وإذ أصيب القوم في أخلاقهم
…
فأقم عليهم مأتما وعويلا
وما انحط المسلمون إلا بعد أن انحطوا في أخلاقهم وما انحطوا في أخلاقهم حتى انحرفوا عن دينهم الذي لم يكن إلا دستور أخلاق بشهادة الحديث المتقدم وهل أعجب في الآنحطاط من أن تكون الأمة التي يقول نبيها "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" هي الأمة التي يضرب بها المثل اليوم في انحطاط الأخلاق حتى اتخذ أعداؤنا ذلك حجة على ديننا لأننا أعطيناهم الشهادة العملية بفساد أخلاقنا، وبعد أن كانت أخلاق المسلم دعاية إلى الدخول في الإسلام أصبحت أخلاقه دعاية ضد الإسلام، ذلك هو ضعف الإيمان و "حسن الخلق من الإيمان" الإيمان هو الشجرة والخلق الحسن والعمل الصالح هو الثمرة، فمنذ ضعف الإيمان ضعفت الأخلاق، وأعان على فساد الأخلاق هذا المجتمع الغربي الذي لا إيمان له، والذي قدر علينا أن نعيش فيه ونتأثر به وأن نتخذه أستاذنا في كل شيء إن هذا المجتمع ليتناقض مع المجتمع الإسلامي تماما فما يراه أحدهما كمالا يراه الآخر نقصا فمثلا نشأ المجتمع الإسلامي على خلق الحياء لأن دينه يجعله من الإيمان إذ يقول صلى الله عليه وسلم "الحياء من الإيمان" بل يجعله محورا للفضائل كلها وأساسا لآداب الإسلام جميعها إذ يقول:"الحياء هو الدين كله" بحيث إذا زال الحياء انقلب الإنسان وحشا كاسرا لذلك يقول صلى الله عليه وسلم "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فافعل ما شئت" أما هذا المجتمع الذي ينعتونه- ظلما وزورا- بأنه متحضر فهو لا يقيم للحياء وزنا ولا يعرف له طعما، وهذا قد شاهده سائر من سكن الحواضر فلا سبيل إلى الشك فيه وصبياننا وشبابنا إذا نشأوا على مشاهدة المناظر المهدر فيها الحياء كالمغازلة في الشوارع والمقاهي والسيارات العامة، يصعب بعد ذلك أو يستحيل إقناعهم بأن ذلك مخالف للتربية الصحيحة والخلق الفاضل اللذين يهدف إليهما الإسلام في سائر تعاليمه إن المجتمع الصالح هو المجتمع الذي استقامت أخلاق أفراده وتهذبت طباعهم وسمت نفوسم فلا يصدر عنهم إلا الفعل الجميل ولا تلفظ شفاههم إلا الكلام الطيب ولا يفكرون إلا فيما فيه خير أمتهم وصالح بلادهم وأصبحوا قدوة لأبنائهم ومثالا
صالحا لغيرهم فانفعوا بأخلاقهم الطيبة وسيرتهم العطرة ونفعوا غيرهم بالقدوة الصالحه والأسوة الحسنة والمثال المحتذى، وهذا ما كان عليه سلف هذه الأمة الصالح، ففتحوا القلوب بأخلاقهم قبل أن يفتحوا البلاد بسيوفهم، وكانوا قدوة للناس بأعمالهم قبل أن يطلبوا إليهم أن يعملوا بأقوالهم، ولنا في رسول الله أسوة حسنة فهو -مثلا- ما دعا إلى الصدق وإلى الأمانة حتى لقب لصدقه ولأمانته بالصادق وبالأمين، وهو لم يقل، "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" حتى أيدته السماء بشهادة الوحي:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} .
فكيف نعرض عن هذا التراث العظيم من الأخلاق العظيمة. ونهجر هذا المعين الصافي من الشيم الكريمة ولا نجد في تعاليم ديننا ولا في أخلاق نبينا ما نتخذه منهاجا أخلاقيا في حياتنا، ثم نجد في أخلاق أوربا الكافرة وعاداتها الفاسدة الداعرة ما نجعله أساسا لتربيتنا ومنهاجا لأخلاقنا؟ إن هذا لهو الضلال البعيد والخسران المبين.