الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القدوة الحسنة
لهذا الموضوع صلة وثيقة بالموضوع الذي قبله - موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- فكلاهما دعوة إلى الكمال ومقاومة للشر، والفرق بينهما أن أحدهما دعوه بالقول والآخر- وهو القدوة الحسنة- دعوة بالعمل والسلوك وهذا أبلغ تأثيرا لأن الناس تتأثر بالحقائق أكثر مما تتأثر بالأقوال، والداعية المستقيم السلوك الحسن السيرة، قلما يخفق في دعوته، وبالعكس منه أولئك الدعاة الأنانيون الإنتفاعيون الذين تنطلق ألسنتهم بالقول وتنقبض أيديهم عن العمل، أولئك الكسالى الذين لا تتحرك فيهم إلا ألسنتهم، فهم الذين وقفوا في طريق دعوتهم من حيث لا يشعرون، إذ شككوا الناس فيما يدعون إليه بمخالفتهم إياه، لأن الداعي إلى شيء يجب أن يعطي الأمثلة من نفسه والشهادة العملية من سيرته، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، فسيرته كلها دعوة إلى ما جاء به، وهذا من أسرار نجاحه في دعوته، ومن أجل هذا يأمرنا الله تعالى بأن نتبعه صلى الله عليه وسلم في سيرته وأعماله كما يأمرنا بإتباعه في أوامره وأقواله، إذ يقول:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} والقدوة برسول الله تكون في حياتة باقتفاء خطواته، وبعد صعوده إلى الملأ الأعلى بالرجوع إلى ما سجل من هذه السيرة الخالدة والائتساء بها والإسترشاد بأنوارها الهادية التي هي من نور الله والتي منذ عشونا عنها ونحن في ظلمات بعضها فوق بعض والتائه في الظلمات يمد يده إلى كل من يأخذ بيده ولو لم يعلم إلى أي هاوية يسير به، وذلك ما وقع لنا فبينما نحن في متاهتنا إذ مد إلينا شيطان الإستعمار الأروبي يده المضللة لا ليخرجنا من الظلمات إلى النور، بل ليخرجنا إلى ظلمات أشد منها ظلاما، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ
ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} وهذا الشيطان يوسوس لنا دائما بأن من الخير أن لا نلتفت إلى الماضي ويريد بذلك أن لا نعود إلى تاريخنا فنتأثر بتلك السيرة الملائكية ونهتدي بتلك الأنوار القدسية، وتكتمل حياتنا التهذيبية نقصها الفادح بذلك الجانب الأهم، جانب القدوة الحسنة، ولذلك نصبح خير خلف لخير سلف، فنسير سيرتهم ونأتي من أعمال الخير والفتح والعمران ما كرسوا له حياتهم، وفي ذلك كله تبديد ظلامه وظلمه، والقضاء على سلطانه وحكمه.
لذلك فلا أقض لمضجع الإستعمار من أن يرى الأمة التي أنشب فيها مخالبه وأخضعها لحكمه، تقبل على تاريخ أسلافها تستظهر صفحاته لتقبس منه الشعاع الهادي وتأخذ منه الحكمة البليغة والعظة البالغة، وتستمليه دروس الوطنية الصادقة وأمثلة البطولة العالية.
إن القدوة الحسنة هي التي تنشىء البيئة الصالحة وإن الله إذ يأمرنا بالدعوة
إلى الكمال إنما يأمرنا بإيجاد القدوة الحسنة التي تنشىء البيئة الصالحة، كما أنه إذ يأمرنا بمقاومة الشر إنما يأمرنا بقتل القدوة السيئة التي تنشىء البيئة السيئة، فكل رجل خير هو قدوة حسنة، وكل رجل شرير هو قدوة سيئة.
وإذا قارنا بين المجتمع الإسلامي الأول والمجتمع الإسلامي اليوم، وجدنا أن المجتمع الإسلامي الأول بلغ الذروة العليا في الكمال الإنساني، لأن القدوة إذ ذاك كانت قدوة صالحة كاملة كان الجو إذ ذاك تعطره أنفاس محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعلي وعثمان وأبي عبيدة وأمثالهم، ووجدنا أن المجتمع الإسلامي اليوم وصل في الإنحطاط والتسفل إلى الدرك الأسفل، لأن القدوة الصالحة انعدمت بالمرة، وبدل من أن يكون لنا من سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه قدوة، استعرنا قدوتنا من الخارج وبذلك أصبح مجتمعنا غير إسلامي، وأصبح يعج بكل ما حرمه الإسلام من بيوت للدعارة مفتحة الأبواب في الليل والنهار، وحانات تمتلىء بالمسلمين وتعيش على أموال المسلمين، وبنوك تتعامل بالربا، ولو كان هذا في البلدان التي لم تذق أي طعم للحكم الذاتي لهان الأمر بعض الشيء، ولكنه في البلدان التي تتمتع بقسم كبير من الإستقلال، وهكذا:
"أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد
…
تجده كالطير مقصوصا جناحاه"
"إنا مشينا وراء الغرب نقبس من
…
ضيائه فأصابتنا شظاياه"