الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نماذج من الأخلاق النبوية
اقترح أحد الإخوان عرض نماذج من الأخلاق النبوية، فقلت له: إن أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم يجب أن تكون قدوة تتبع لا مقالات تكتب، ولا خطبا تلقى، فإن هذا ربما قلل من قيمتها وجعلها من قبيل الحديث المعاد، والمنظر المتكرر الذي لا يلفت النظر، ولا يشغل الذهن، بل لقد ظهرت بوادر هذه الآفة واضحة للعيان، فمنذ أصبحت السيرة النبوية خطبا تلقى في الحفلات، ومقالات تكتب في الجرائد والمجلات، قل تأثر الناس بها، واهتداؤهم بنورها، عكس ما كان عليه سلف هذه الأمة، الذين لم يكونوا يعرفون هذه الحفلات، أو لم يكونوا بحاجة إليها، لأن صلتهم بهذه السيرة لم تنقطع حتى يجدوا أنفسم في حاجة إلى تجديدها بحفلات يقيمونها ليلة المولد من كل سنة، كما نفعل نحن الآن، وإنما كانت هذه السيرة دستورهم في الحياة على مدى الحياة، يسيرون على هداها، ويعملون بمقتضاها، ويدركون جيدا معنى قوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .
ورغم ذلك فإني أعرض- لقرائي الأفاضل- هذه النماذج الحية، والأقباس الروحيه، من الأخلاق النبوية، وأنا خجل من أنني ربما أعرضها للهوان والابتذال، لأنني أعلم أن حظها من أكثر القراء لا يتجاوز حد قراءتها، والإعجاب بها، ثم تنسى كما تنسى مواد القانون المنسوخة وشفيعي في ذلك قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} .
كان صلى الله عليه وسلم عائدا بجيشه من بعض الغزوات، فأدركتهم شدة الحر، فتفرقوا في ظلال الأشجار، طلبا للراحة، وقصد الرسول صلى الله عليه وسلم شجرة، علق فيها سيفه ونام
تحتها، فأقبل أعرابي يدعي الغوث من الحارث، فأخذ السيف وأستله وهم بقتله فانتبه النبي صلى الله عليه وسلم، والرجل على رأسه والسيف في يده، وهو يقول: من يمنعك مني يا محمد؟ قال: الله! فسقط السيف من يد الأعرابي، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له ومن يمنعك مني؟ فقال الرجل: كن. خير آخذ، فتركه وعفا عنه، ولما جاء الصحابة وعلموا الخبر، أرادوا قتله فمنعم صلى الله عليه وسلم، فأسلم الرجل ورجع إلى قومه وحدثهم بما جرى فأسلموا جميعا.
وباعه يهودي شيئا إلى أجل، فجاءه قبل الأجل يتقاضاه ثمنه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لم يحل الأجل، فقال اليهودى: إنكم لمطل يا بني عبد المطلب، فقام إليه الصحابة، وأرادوا قتله، فمنعهم صلى الله عليه وسلم، فقال الهودي: كل شيء منك قد عرفته من علامات النبوة، وبقيت واحدة، وهي أنك لا تزيدك شدة الجهل عليك إلا حلما فأردت أن أعرفها، فأسلم.
"وهذا سر قوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} . وتقاضاه غريم له دينا، فأغلظ عليه، فهم به عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(مه يا عمر، كنت أحوج إلى أن تأمرني بالوفاء، وكان أحوج إلى أن تأمره بالصبر).
وجاءه مال من البحرين، لم يجئه مال أكثر منه فطرحه على حصير، ثم قسمه، فما رد سائلا حتى فرغ منه، ثم جاءه رجل فسأله، فقال: ما عندي شيء، ولكن ابتع علي، فإذا جاءنا شيء قضيناه، فقال عمر: يارسول الله، أكلفك الله مالا تقدر عليه؟ فكره النبي ذلك، فقال الرجل:(أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا).
فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وعرف السرور في وجهه.
وسأله رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه وقال: أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقه.
وقال رافع:- مولى رسول الله عليه وسلم-: نزل به ضيف فقال: قل لفلان اليهودي: نزل بي ضيف فأسلفني شيئا من الدقيق إلى رجب، فقال اليهودي: والله
ما أسلفته إلا برهن، فأخبرته فقال: والله، إني لأمين في السماء، أمين في الأرض، ولو أسلفني لأديته، فاذهب بدرعي وأرهنه عنده.
وجاء أسامة بن زيد ليشفع في امرأة سرقت، ووجب عليها حد السرقة، فغضب وقال: أتشفع في حد من حدود الله، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.
وبعثت زينب بنت الحرث زوجة سلام بن مشكم اليهودي بشاة مسمومة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجيء بها إليه، فاعترفت بأنها أرادت قتله فقال: ما كان الله ليسلطك على ذلك، فقال بعض الصحابه: أفلا نقتلها؟ فقال: لا.
وكان في سفر فأمر أصحابه بإعداد شاة، فقال أحدهم: علي ذبحها، وقال آخر: علي سلخها، وقال ثالث علي طبخها، فقال صلى الله عليه وسلم: علي جمع الحطب، فقالوا: يا رسول الله نكفيك العمل، فقال: قد علمت أنكم تكفونني، ولكنني أكره أن أتميز عليكم، فإن الله يكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه.
وخرج إلى بئر يغستل عندها، فأمسك حذيفة بن اليمان الثوب وقام يستر رسول الله حتى اغتسل، ثم جلس حذيفة ليغتسل فتناول النبي صلى الله عليه وسلم الثوب وقام يستر حذيفه عن الناس، فأبى حذيفة وقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا تفعل، فابى صلى الله عليه وسلم إلا أن يستره حتى اغتسل.
إن هذا الذي يقضي حياته كلها متحريا العدل والإنصاف، وإعطاء كل ذي حق حقه، يقول في حجة الوداع التي ختم بها سفر حياته.
أيها الناس: (من أخذت له مالا، فهذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت شتمت له عرضا، فهذا عرضي، ومن ضربته ضربة، فليقتص مني قبل يوم القيامة) صلى الله عليه وسلم.