الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شهر التوبة
نحن الآن في أول رمضان، وهو خير ميدان، لتسابق أهل الإيمان، فلنعرف كيف نكسب الرهان، في هذا الميدان، ولنعرف كيف نجني ثمرة الصيام، في هذا العام، ونتطهر من أوضار الذنوب والآثام، وإلا كان صيامنا في كل عام، تعبا بلا فائدة، وشجرة بلا ثمرة.
لنحرص على أن يكون صيامنا عبادة لا عادة، لنستغل هذه الأيام المباركة والليالي النيرة، إن رمضان شهر نزول القرآن وشهر ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وشهر يوم بدر العظيم القدر، وشهر الصيام والقيام، وشهر ضيافة الله ومدارسة كتاب الله، وشهر تغلب الروح على المادة، وانتصار العقل على الشهوة، فلنعرف لهذا الشهر ما خصه الله به من شرف وقدر، ولا ندنس شرفه بأفعالنا المنكرة، وألوالنا الآثمه، ونياتنا السيئة.
لنكن رشداء، فلا تذهب أتعابنا سدى، ونحن استقامتنا في هذا الشهر كفارة لما قبله وتدريبا على ما بعده.
إن رمضان شهر التوبة والإنابة، فلنغتنم هذه الفرصة قبل أن تفوت، ولنتب قبل أن نموت، فالتوبة إسراع ومبادرة لا إبطاء ومماطلة، قال الله تعالى:{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} .
وليست التوبة للذين يتعرفون إلى الله في رمضان، ويتمردون على دينه في شوال، ولا للذين يصلون إذا صاموا ويجعلون بينهم وبين الصلاة سدا إذا أفطروا، ولا للذين يعرفون الطريق إلى المسجد في رمضان، ويأخذون طريقهم إلى الحان بعد رمضان، ولسان حالهم يقول:
رمضان ولى هاتها يا ساقي
…
مشتاقة تسعى إلى مشتاق
إن رمضان شهر التوبة، فلنتب من ذنوبنا، وشهر التطهر فلنتطهر من عيوبنا، وشهر المحبة فلنتحاب من صميم قلوبنا، وشهر اجتماع الشمل فلنجعله نواة لجمع شملنا، وشهر الصبر والثبات والتغلب على الشهوات، فلنصبر ولنثبت ولنتغلب على شهواتنا.
إن الذي أصبح يحز في نفوسنا أكثر من كل شيء، أن مجتمعنا اليوم مجتمع غريب عنا لا يصح أن نسميه مجتمعا إسلاميا بالمعنى الصحيح، فلنجعله مجتمعا إسلاميا ولو في رمضان على الأقل، ولكن فريقا من المسلمين الذين باعوا دينهم في سوق الشهوات، بدراهم معدودات، يعز عليهم أن يروا المجتمع الإسلامي ينبعث في رمضان، واضح الملامح والسمات، يبعث في النفوس الأمل والرجاء، ويحي في القلوب روح الغبطة والتفاؤل.
لذلك نراهم يضاعفون نشاطهم كلما جاء رمضان، لا ليجعلوا منه مجتمعا إسلاميا، بل ليجعلوا منه سوق مجون وخلاعة وصورة من الإباحية الغربية التي لا تتلاقى مع الإسلام في طريق، فهل نسمي هؤلاء مسلمين وهم قد ضربوا الإسلام في الصميم، وحادوا الله في شهر يعود فيه المخطئون إلى الله؟ فحيثما توجه المسلم في ليالي رمضان، راعه ما يسمعه من ألحان وضرب عيدان، يطغى على صوت الآذان وترتيل القرآن، فكأن هؤلاء المفسدين الذين تسموا رغم أنوفنا مسلمين قد وكلوا بالإسلام يحاربونه ويطاردونه ويقعدون له كل مرصد، والعجب العجيب أن يجد هؤلاء الضالون من يشجعونهم على ضلالهم ويؤيدونهم بأموالهم، {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} . وهكذا فالتعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه قد حل محل التعاون على البر والتقوى الذي أمر الله به، وهكذ عكس المسلمون الآية؟ {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} . وهذا التشجيع للمبطلين قد غرهم
وزادهم ضلالا إذ حسبوا أنهم على الحق فتمادوا في الباطل وأصبحوا كما قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} . ولا أضل ممن ضل وحسب أنه على هدى لأن الذي يشعر بمرضه يتداوى منه، وهذا هو الضلال المركب كما يقال: الجهل المركب وهو جهل الجاهل بأنه جاهل كما يقال فيه: لا يدرى ولا يدرى أنه لا يدري.
فيا أيما المسلمون: أظهروا لأعدائكم في رمضان أنكم قد عزمتم على إعادة المجتمع الإسلامى إلى الوجود، فإنه لا يقض مضاجعهم ويطير النوم من أجفانهم ويذهب الطمأنينة من نفوسهم كأن يروا الحركة الإسلامية تمد مدها وتثبت وجودها وتزاحم حركات الشعوب بمنكبها.
ويا أيها المسلمون: لا تؤيدوا المفسدين ولا تكثروا سواد المبطلين وكونوا في رمضان- على الأقل- مسلمين.
{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} .