الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إصلاح المال
(قليل المال تصلحه فيبقى
…
ولا يبقى الكثير مع الفساد)
المال مال الله قبل كل شيء يدل على ذلك صريح القرآن: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} وإنما عباده مستخلفون فيه يشهد لذلك صريح القرآن أيضا: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} ولكن أرباب المال حسبوا أنفسهم أربابا للمال، ولم يفهموا - أو لم يريدوا أن يفهموا- أن المال مال الله وهم خلفاؤه عليه، ومن هنا تبدأ العقدة فهم إذ حسبوا أن المال مالهم ضربوا دونه الأسداد وشحوا به على المحتاجين والفقراء من إخوانهم ثم أطلقوا فيه أيديهم يبعثرونه في شهواتهم وملذاتهم فجمعوا بين رذيلتي الشح والإسراف وتسابقوا إلى إسخاط الله وإسخاط إخوانهم الفقراء الذين فرض الله حقوقهم في هذه الأموال، وأصبحت هذه الأموال تصرف في كل شيء إلا فيما ينفع هذه الأمة ويصلح شأنها ويحفظ كيانها، وإذا كان للأمة أعداء حقيقيون فهم أغنياؤها الذين جمعوا أموالهم منها ثم بخلوا بها عنها، والمال جعله الله وقود الأعمال فإذا شح الناس بالمال تعطلت الأعمال وصاحب هذه الجريمة والمسئول عنها هم أغنياؤنا (المحترمون) الذين لا يشعرون إلا بأنفسهم ولا يحترمون إلا شهواتهم ولا يحتفلون بالأمة التي أغنتهم فأفقروها وسمنتهم فأهزلوها، حاشا فئة منهم عرفت ما لها وما عليها وتغلبت على أنانيتها وأشركت إخوانها في ماليتها فظهر عليها فضل الله ونعمته وكافأها بمحبة الخلق في الدنيا وبخلود الذكر على الألسنة، والقلوب {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} {وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} . أما أولئك الذين بخلوا بما أوتوا وشحوا بما منحوا ومنعوا عباد الله من مال الله، {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ
لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} وبشرهم قبل ذلك بالمقت والاحتقار والازدراء من إخوانهم الذين أودع الله حقوقهم عندهم فاستولوا عليها وخانوا أمانه الله فيها.
على أن متوسطي الحال مسؤولون كذلك بل هم أكثر مسؤولية لأنهم الطبقة التي بقيت تشعر بواجبها ولم يفسد الترف عليها ذوقها ولم يقتل الغنى وعيها الديني وشعورها الإنساني وبقيت وحدها في الميدان تبني لأمتها وتؤسس المشاريع النافعة وتنشر العربية والإسلام بفضل تضحياتها بضرورياتها، فإذا كان الإسراف قبيحا فهو منها أقبح، وإذا كان البذل في سبيل الله فضيلة فهو منها أفضل، وإذا كان الاقتصار على الضروريات لأجل القيام بالواجبات جميلا ومتأكدا فهو منها أجمل وعليها أوكد، وإذا كان غشيان محلات اللهو والعبث وارتياد حفلات الخلاعة والمجون ومؤازرة من يعملون لإبادتنا واستئصال شأفتنا، إذا كان كل ذلك جريمة وطنية ودينية كبرى فهي في حقهم أكثر جرما وأكبر إثما، فلتكن الطبقة التي نعدها هي الأمة وهي طبقة متوسطي الحال، على بال ولا تحتقر شيئا من مالها تنفقه في غير ما يعود عليها بالنفع في دينها أو دنياها، فمن القطرات يجتمع السيل ومن الذرات ينشأ الكثيب، والله الغني عن عباده لم يحتقر شيئا من أعمال عباده إذ يقول:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} وإذ يقول: {إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} . وأنتم أيها الأغنياء: إن الله جعل في أيديكم عصب الحياة، ووقود الأعمال والحركات، وهو المال فمسؤوليتكم عند الله وعند الأمة عظيمة ومنزلتكم من الابتلاء والامتحان كبيرة فلا تحسبوا أن الله اصطفاكم على خلقه أو فضلكم على عباده إذ زادكم بسطة في المال وإنما جعلكم موضع امتحان وابتلاء، {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} فلا تفرحوا بما آتاكم إن لم يكن لشكره هداكم، وليس شكره أن تقولوا بالسنتكم فقط: نحمد الله ونشكره وأيديكم مغلولة إلى أعناقكم لا تبسطونها بإحسان ولا تمدونها في تضحية، وأيدى إخوانكم الذين جعل الله حظهم في أيديكم لا تبرح ممدودة إليكم بالسؤال وإلى الله بالدعاء فإن لم تستجيبوا لهم بالعطاء، استجاب الله دعاءهم فيكم لأنهم مظلومون بمنعه حقهم، ودعاء المظلوم مستجاب، لأن المال مال الله والخلق عيال الله فلا تمنعوا مال الله عيال الله، {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} واحرصوا على أن تخرجوا
من امتحانكم فائزين، وفوزكم في أيديكم وهو أن تبذلوا لله مما في أيديكم وإلا عذبكم الله بأيديكم، {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} .