الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حال المسلمين اليوم
دخل أحد الزهاد على الرشيد فقال له: ما أزهدك! قال: أنت أزهد مني
يا أمير المؤمنين، قال: كيف؟ قال: لأني أزهد في الدنيا وأنت تزهد في الآخرة، والدنيا فانية والآخرة باقية.
ماذا يقول هذا الزاهد لو قدر له أن يعيش في هذا الزمن ويرى المسلمين؟
لاشك أنه يحكم عليهم جميعا بأنهم أزهد منه ومن صاحبه، لأنه يزهد في الدنيا وصاحبه يزهد في الآخرة، ونحن نزهد في الدنيا والآخرة معا لأن أسباب السعادة في الدنيا هي أسباب السعادة في الآخرة {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا} . ونحن لم نأخذ بهذه الأسباب وإنما تركنا الأخذ بالأسباب وجنحنا للراحة وأخلدنا إلى الأرض واتبعنا الهوى وقطعنا صلتنا بالله- مصدر القوة- فأصبحنا صورة بارزة للضعف، ولقمة سائغة للمستعمر. فنحن اليوم نعيش في مجتمع قد أصابه الضعف في جميع أجزائه كالمريض المجهد الذي يغالب أمراضا مختلفة تكاد تقضي عليه، وأكبر البلاء أن المرض يحتل أكبر مراكز القوه فيه وهو الشباب الذي توزعته المخامر والمقامر، وتقسمته المقاهي والملاهي، فهو صورة من الشهوة العارمة الصارمة الطاغية الباغية التي لا تبالي بأي شيء يقف في طريقها من حياء أو دين أو مروءة أو ضمير، فشبابنا يضعف عقله بالخمر ويضعف ماله بالقمار ويضعف صحته بالبغاء والتدخين ويضعف صلته بالله بقطع صلته بالدين، ويضعف صلته بتاريخه بقطع صلته بلغته، ويضعف صلته بأسرته بتقوية صفته بالمقهى والملهى ويضعف صلته بأمته بفرط أنانيته وعبادة شهوته، كل ذلك راجع إلى شيء واحد هو تنكبه الطريق الذي رسمه دينه وسار عليه سلفه فاهتدوا وهدوا وشادوا وبنوا، ولكن
المجتمع الإسلامي رغم ذلك كله يرجى له الشفاء لأن جراثيم الصحة تكمن في جسمه كما تكمن فيه جراثيم الداء، فداؤه منه ودواؤه فيه، ولأن ثورة نفسية عنيفة بدأت تهز كيانه وتحاول أن تنفس عن نفسها بالآنفجار، ولطول ما قاسى من ألوان الظلم والاضطهاد والإرهاق، صار لا يبالي بالموت في سبيل الخلاص، الخلاص بالموت أو الخلاص بالتحرر من العبودية التي هي أشد على المسلم من الموت:
والموت لا يكون إلا مره
…
والموت خير من حياة مره
والحياة الشقية خير منها ملاقاة المنية، ونعم المربي الشدائد، وكما يربي
الله عباده ببعثة أنبيائه يربيهم بمضاعفة بلائه، فالعالم الإسلامي قد أيقظه من سباته وقع أزماته، ونبهه إلى واجباته، وليس بعد هذه اليقطة إلا الحياة السعيدة، حياة الحرية في ظل راية الإسلام والعربية، ولكن الرجاء في الشفاء لا يغني عن الدواء، وليس لنا إلا دواء واحد وهو لا يوجد عند طبيب نصراني ولا صيدلي يهودي وإنما يوجد في كتاب الله الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} وإن في قوله صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" لشفاء للعالم الإسلامي كله من دائه كله، لأن الذي مزق العالم الإسلامي وفكك أجزاءه هو الأنانية، الفناء في المصلحة الشخصية.
ولكن إذا كان في ديننا دواؤنا فإن أكبر دائنا أننا نعرض عن دوائنا إذ نعرض
عن ديننا فلنعتصم بحبل الله فلا ينقذنا من هذا الغرق إلا الاعتصام بحبل الله، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .