الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هدي القرآن
أنصح للدعاة أن يتوفروا على دراسة القرآن ويعكفوا على تدبره، فإنه الأداة
القوية والوسيلة الفعالة في الدعوة إلى الله، وتوجيه القلوب إلى الخير، وارتياد الآفاق المجهولة للفضائل والكمالات، لأن للقرآن أسلوبه الخاص في التأثير على القلوب والسيطرة على المشاعر والأحاسيس، وحسبنا من ذلك قوله تعالى:{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} وقوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} . أي لكان هذا القرآن.
فلا عجب- إذن- أن تتأثر الطلائع الأولى من المسلمين بالقرآن ذلك التأثر
العجيب الأخذ بأزمة القلوب، مما لفت خصوم الدعوة ونبههم إلى أن يحولوا بينه وبين أسماع الناس حتى لا ينتصر الحق وينهزم الباطل، فيخسروا المعركة، ويقص القرآن علينا ذلك إذ يقول:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} .
وإذا كان القرآن بهذه المنزلة من قوة التأثير بحيث أن الجبال تخشع وتتصدع من خشية الله لسماعه، فإن الميت حقيقة هو الذي {يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا} .
الميت حقا ليس هو الذي فارقت روحه جسده فحسب ولكن الميت (أكثر من ذلك هو الذي روحه بين جنبيه ولا يسمع آيات ربه إذ تتلى عليه ومن حوله الجبال الصم تتأثر بسحرها وتتصدع من خشية الله عند سماعها: فلا عجب - بعد ذلك- أن يشبه القرآن هذا الصنف الرخيص من المخلوقات بالأموات إذ يقول: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ
الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} ولكن العجب العاجب أن تموت أمة أحياها القرآن أو تشقى أمة أنزل عليها القرآن، والله تعالى يقول لنبي هذه الأمة:{طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} أو تضل أمة دليلها القرآن والله تعالى يقول: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} ولكن لا عجب أيضا فإن الأمة التي سعادتها في القرآن تشقى إذا تركت العمل بالقرآن، وإن الأمة التي هدايتها في القرآن تضل إذا تركت الإهتداء بالقرآن، فليس الذنب ذنب القرآن، وإنما هو ذنب من أعرض عن القرآن، كما ليس الذنب ذنب الدواء وإنما هو ذنب المريض الذي أعرض عن الدواء.
وإن القرآن الذي أسعد الأمة بعد شقائها، وهداها بعد ضلالها، ما زال
تحت سمعها وبصرها وفي صدور أبنائها، لم يعتره تغيير ولا تبديل ولا تشوبه ولا تحريف، ولا نسخ بكتاب آخر كما وقيم للكتب السماوية من قبله، لأن الله تكفل بحفظه وأكرم نبيه بخلوده {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . أي أن الدواء ما زال في أيدينا ولم يطرأ عليه أي فساد، بل إنه الدواء حقا بشهادة منزله إذ قال:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} .
فهلم إلى القرآن- إذن- أيها المسلمون، هلموا إلى الدواء الذي لا دواء لكم غيره، الدواء الذي جربتموه في سالف أيامكم، فأبرأكم من جميع أسقامكم، أيقتلكم الداء وفي أيديكم الدواء؟ أيحرق لهواتكم الظمأ وأمامكم الماء؟
"ومن العجائب والعجائب جمة
…
قرب الحبيب وما إليه وصول"
"كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ
…
والماء فوق ظهورها محمول"
وهكذا يصدق علينا المثل.
"يصبح ظمآن وفي الماء فمه".
أيها المسلمون:
إن أجدب بكم الزمان أو نبا بكم المكان فتعالوا إلى رياض القرآن، فإنكم ستجدون المرعى الخصيب، والجناب الرحيب ولكن لا ترتضوا الكفر بعد الإيمان ولا تخرجوا من عز الطاعة إلى ذل العصيان، فإن هذه الرحاب المقدسة لا تطؤها الأقدام المدنسة، إن المرعي الخصيب، ليهدى إليه هتاف القرآن المهيب إذ يقول:
{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} وإذ يقول: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} كما قال في أهل الكتاب: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} فتعالوا إلى القرآن فهو الدواء إن أعضل الداء وعز الدواء.