الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين المعاملة
هكذا يقول عليه الصلاة والسلام، وهو من الأحاديث التي تجعل الدين كله محصورا في شيء يراه قي الإسلام دعامة من دعائم دعوته وركنا عظيما من أركان رسالته كقوله:"الدين النصيحة" وكقوله: "الحياء هو الدين كله" فكأنه يقول لا دين لمن ساءت معاملته، وهو كذلك فليس الدين إلا حسن المعاملة مع الله والناس وحيث تسوء هذه المعاملة فلا دين، وقد رسم رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة واضحة جميلة للمعاملة الحسنة بقوله وعمله، فمعظم أقواله دعوة إلى هذا الخلق الجامع كقوله:"رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا قضى وإذا اقتضى" وكقوله: "تهادوا تحابوا" وكقوله: "افشوا السلام تسلموا" وكقوله: "من دعي إلى وليمه فليجب" وكقوله: "المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه" وكقوله: "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يؤلمه".
وهكذا فمعظم أقواله صلى عليه وسلم تفسير لقوله: "الدين المعاملة" وكذلك أعماله وسيرته فقد كانت أجمل صورة لهذه المعاملة، إذ كان برا بأصحابه حفيا بهم يكرمهم ويحسن معاملتهم إذا حضروا، ويسأل عنهم ويزورهم إذا غابوا، وإذا لقيهم بدأهم بالسلام، ويدفع عنهم الكلفة فيمازحهم وينهاهم عن القيام له، وما أعظم تلك الكلمة التي قالها وقد رآهم قاموا له يوما "لا تقوموا إلي كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضا".
أي معاملة كهذه المعاملة؟ وأي عظمة كهذه العظمة، وأي درس للمغرورين والأنانيين كهذا الدرس؟ بل لقد كان يشعرهم دائما أنه كواحد منم لا يمتاز عنهم إلا بالرسالة، وقد كان يشاورهم في المهمات ويستعين بآرائهم وهو الراجح العقل البعيد
النظر المؤيد بالوحي، وإذا أحس من أحدهم فرقا منه أو هيبة أبدى له من التلطف والتحبب والتواضع ما يرده إلى اطمئنانه وهدوء باله.
أقبل أعرابي إلى مجلسه فجعل يرجف ويرتعد فزعا وهيبة فقال له: "هون عليك فإنما أنا ابن أمرأة كانت تأكل القديد بمكة".
وهذه المعاملة الطيبة والمعاشرة الحسنة هي التي أقامت المجتمع الإسلامي
لذلك العهد على أسس ثابتة ودعائم قوية من الواقع المحسوس المشاهد لأن التأثير بالقدوة أبلغ من التأثير بالقول فكان المسلمون يكونون بتآخيهم وتعاطفهم وتعاونهم أسرة واحدة رئيسها محمد صلى الله عليه وسلم، فكانوا بذلك على قلة عددهم قوة يخشى بأسها العالم ويحسب حسابها كل متجبر ظالم، وإذا أردنا أن نعرف جيدا قيمة حسن المعاملة فلنلق نظرة على المجتمع الإسلامي اليوم من هذه الناحية ثم لنقارن بعد ذلك بينه وبين المجتمع الإسلامي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين، فبضدها تتميز الأشياء.
ولكن- للأسف- لا نجد مجتمعا إسلاميا وإنما نجد مأساة مروعمة تدمي
لرؤيتها القلوب، وتقذى لمشهدها العيون، تذهب لسوق الخضر مثلا فتجد المسلم يعامل إخوانه بالغش علانية فيريك نوعا ويبيعك آخر، فأنت لا تشتري إلا ما ترى وهو لا يبيعك إلا ما لا ترى، وهذا بيع فاسد لا يجوز شرعا بل هو سرقة في وضح النهار وليس ببيع ولكن الفرق بين هذا البائع وبين السارق أن السارق تضربه ولا يتكلم وهذا يسرقك فلا تستطيع أن تتكلم، بل إذا أردت أن تسب أو تضرب فتكلم. وتمشي في الشارع فلا ترى التخاصم إلا بين المسلمين ولا تسمع التشاتم والتلاعن إلا بين المسلمين. وتذهب إلى التاجر الأجنبي فتجد عنده اللطف والكياسة وحسن المعاملة، وتذهب إلى التاجر المسلم فتجد الغلظة والجفاء والغلاء وسوء المعاملة إلا من رحم ربك.
والمأساة المكشوفة أننا ندعوا إخواننا إلى التعامل مع المسلمين فتصدمهم هذه الأخلاق فيعودون إلينا يقولون قبل أن تدعونا إلى الشراء من تجارنا أدعوا تجارنا إلى حسن المعاملة معنا وإلا فإننا مضطرون إلى شراء بضائعنا من غيرهم تيسيرا علينا وتأديبا لهم.
وسامحهم الله إذ يرون أن ذلك تيسير عليهم وتأديب لمن يرونهم خصومهم،
والحقيقة والواقع أن ذلك تيسير على الأجنبي وتأديب لنا أبناء الإسلام جميعا لأنه من باب إذا رميت يصبني سهمي، هذه كلمة في المعاملة ربما أتبعناها في فصل آخر بأمثلة، ونرجوا أن يكون ذلك قريبا إن شاء الله.