الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإحسان هذه أوجبه الله في كل شيء إذ يقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الإحسان في كل شيء" الحديث.
هذا من ناحية الإحسان في العمل وهو لا يكفي بدون الثبات عليه لأن عدم الثبات على العمل إبطال له والله تعالى يقول: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} ولأن في الوقوف دون تمام العمل إضاعة لثمرة العمل فإن قيمة العمل ببدايته ونهايته ولذا يقول صلى الله عليه وسلم: "الأعمال بالخواتم" بل إنه صلى الله عليه وسلم ليعتبر ذلك حتى في أعمار الناس فلا يحكم بصلاح شخص بمجرد النظر إلى حسن بدايته بل يقول: "لا تعجبوا بعمل عامل حتى تنظروا بم يختم الله له" ولا عجب بعد ذلك أن يقول أبو الطيب المتنبي:
ولم أر في عيوب الناس شيئا
…
كنقص القادرين على التمام
البعث والجزاء
إن في البعث والجزاء لتأثيرا ودخلا كبيرا فيما يأتي الناس وما يدعون من أعمال في هذه الحياة، فلولا إيمان الناس بأنهم يبعثون من بعد موتهم ويجازون على أعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر، لشل حركتهم اليأس ولأقبلوا على لذائذهم يتناهبونها لا يبالون أصابوا حلالا أم حراما كما نرى في المجتمعات التي لا تؤمن ببعث ولا جزاء ولا تؤمن إلا بحاجات غرائزها وأهواء نفوسها، فلا غرو أن نرى القرآن- يهتم بهذا الجانب اهتماما زائدا ويقيم الأدلة القوية عليه:{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} وروي أن العاص بن وائل أخذ عظما رميما ففته وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: أترى يحي الله هذا بعدما بلى ورم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم ويدخلك النار، ونزل فيه قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} . وهذه كلها أدلة قوية على أن من خلق الخلق قادر على أن يعيدهم {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} ولكن الذين استحبوا العمى على الهدى {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ
غِشَاوَةٌ} لذلك لا يخلو زمان ولا مكان من منكرين للبعث والجزاء ولا سيما هذا العصر المادي الذي لا يؤمن أهله إلا بكل مادي محسوس ولقد رأينا كثيرا من المسلمين اليوم جرفهم هذا التيار، تيار الإنكار لعالم الغيب وعدم الإيمان بغير المادي المحسوس من الأشياء، ولاسيما من تثقف ثقافة غربية، فإذا حدثتهم عن العالم الآخر سخروا منك وضحكوا ملء أفواهم على بقائك متمسكا بهذه القشور (هكذا). ولولا أن الله لم يرد بهم خيرا لرأوا أن الإيمان بالبعث والجزاء لا يفوت عليهم شيئا من رغباتهم كما يفوته عليهم إنكارهم وكفرهم، وليتهم- على الأقل - آمنوا إيمان أبي العلاء المعري إذ يقول:
قال المنجم والطبيب كلاهما
…
لا تحشر الأجساد قلت إليكما
ان صح قولكما فلست بخاسر
…
أو صح قولي فالخسار عليكما