الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المأساة الكبرى
إن المرأه المسلمة اليوم لتجتاز ظرفا من أقسى الظروف وأعنفها على كيانها الديني والخلقي، نخشى أن يقضي على البقية الباقية من ميراثها الإسلامي (لا قدر الله) والذي ساعد على وجود هذا الظرف السيء بصفة واضحة هو النظام الأروبي الحديث، فكل أرض ثبت فيها قدمه وركز فيها علمه يضع لها جهازا خاصا يسمم فيها كل بذرة للحرية ويخنق فيها كل نفس للحياة، وهذا نفس ما صنعه عندما وطىء أرض الإسلام المقدسة بأقدامه النجسة، فقد عمد إلى مبعث يقظتها ومنبع نورها ومعقد عزها، وهو الإسلام، فقاومه أعنف مقاومة وقعد له كل مرصد، ووضع في طريقه مختلف العراقيل، وشغل المسلمين عن تعاليمه إلروحية بتعاليم مادية تغريهم بالرذيلة وتزين لهم الكفر والفسوق والعصيان، وتبث في نفوسهم النفور من الفضيلة والتنكر لكل ما يمت إلى الإسلام بصلة، هذا من الناحية الروحية، وأما من الناحية المادية فقد أستولى على كل منبع للثروة وكل مورد للرزق، وترك أبناء البلاد الأصلاء يقاسون الفقر المدقع ويصلون نار الحرمان المهلك، وهكذا الاستعمار الكافر يعطل الأمة من جناحيها معا ويرزؤها في قوتيها جميعا: القوة الروحية، والقوة المادية وما صلاح أمة رزئت في دينها وأبتليت بالفقر، والأمة إذا تركت دينها ضلت سبيلها، وإذا ذهبت ثروتها كثرت فيها الشرور، والفقر منبع الشرور كما يقولون، بل منبع الكفر والتمرد والفسوق، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"كاد الفقر أن يكون كفرا" فعدم الاعتراف باللغة العربية والتعاليم الإسلامية من جهة، وتفقير الشعب وحرمانه من خيرات بلاده من جهة أخرى، دفع بأبناء البلاد التعساء إلى تعلم لغة غير لغتهم المحكوم عليها بالموت، وإلى تشغي أبنائهم وبناتهم عند الأجانب الذين لا يرحمون
بؤسهم ولا يصونون شرفهم، وفي ظل هذه البيئة الخانقة، وتحت تأثير هذا الجو المتسمم نشأت مأساة المرأة المسلمة، وإلى القارىء الكريم بعض الأمثلة التي ليست إلا ثمرة لهذه البيئة الخطرة: كانت تعمل خادمة في بيت إفرنجي فتاة مسلمة، فأراد ابن صاحب البيت أن يعتدي على شرفها فتأبت ولما عادت في المساء إلى أبويها بادرتهما بأنها لن تعود إلى العمل في ذلك البيت الظالم أهله، ولكن (سيدها الإفرنجي) ألح على أبيها في عودة الفتاة للعمل في بيته، وتحت هذا الإلحاح وتحت تأثير الضرورة، أجبر الرجل إبنته على الرجوع كارهة إلى تلك المباءة الآثمة، ولم تمض غير أيام قليلة حتى عادت الفتاة إلى أبيها وفي يدها ثوبها ملطخا بالدم، فرمت به إليه وقالت له: خذ شرفك!!
وهكذا نسلب بلادنا، ونحارب في لغتنا وديننا، ويعتدى على شرفنا وكرامتنا.
وروى لي أحد الإخوان عمن كان أحد طرفي المأساة قال: كنت أسير في أحد شوارع العاصمة (الجزائر) إذ بصرت بامرأة على حافة الطريق تبينت من ملامحها ونوع وقفتها إنها بسبيل عرض شرفها على مريد شرائه، وبأيسر إشارة تبعتني إلى أحد الفنادق التي أعدها (محضرو الشعوب وممدنوها لهذا الغرض الذميم) ولما خلوت بها ولم يبق بيني وبين وأد شرفها إلا مثل لمح الطرف إذا بي ألمح دمعة كبيرة تنحدر على خدها ولما سألتها عن علة هذا البكاء؟ أجابتني والنشيج يخنقها ويحبس أنفاسها: إنني لم أتعود ما ترى ولست من سالكي هذا الطريق، ولكنه الفقر والمرض والأولاد ياسيدي، إن زوجى يعاني مرضا أقعده عن كسب القوت ولي أولاد ليس لهم صبر على الجوع لأنهم صغار، فإن أردت أن تحفظ لي شرفي بعد أن عجزت عن حفظه وتحفظ حياة هؤلاء الأطفال وتصون كرامة هذا الزوج المريض فقد برهنت على أنك من معدن كريم، فشل كلامها كل حركة في جسدي بل أحسست أن كياني كله يتحطم، وقمت وكلانا طاهر الذيل عف الإزار موفور الكرامة، وتركتها بعد أن ناولتها ما كان معي من دراهم. فأي قلب له إحساس لا ينخلع لهذه المأساة، وأي مأساة كمأساة امرأة لها زوج ولها أولاد ولها دين ولها شرف تمتحن فيها كلها في لحظة واحدة، لولا أن الله رحمها في اللحظة الحاسمة فقيض لها إنسانا لا شيطانا، أو قلب لها الشيطان إنسانا؟
أما المأساة التالية فأرويها بنفسي لأني رأيتها بعيني، وهي ليست مأساة فرد
أو أسرة، ولا شاب أو شابة، وإنما هي مأساة الإسلام تجدب أرضه ويصوح نبته وتنطفيء في النفوس شعلته:
بنت مسلمة قرأت العربية، ولكنها قبل ذلك وبعد ذلك وأثناء ذلك- قرأت اللغة، الإستعمارية، رأيتها مع شاب مسلم يتغازلان على الطريقة الأوروبية المفضوحة، فلما رأتني ورفيقي- بدل أن تختفي أو تستحي- كما هو شأن المسلمة، إذا بها تحدق فينا طويلا، ثم تطوق الشاب بساعديها وتفني فيه ضما وتقبيلا، كأنها تتحدانا أو تتحدى ديننا الذي تراه أكبر أعدائها، والذي ما زلنا نغايظها بالعمل به والمحافظة عليه، وليس هذا بالعمل الفردي الذي لا يتكرر كثيرا في أفراد كثيرين بل ليس هذا إلا مثلا لما عليه اليوم عائلات إسلامية كثيرة (كبيرة) ربما يشار إليها بالبنان، حيث جرفها تيار المدنية الغربية التي تبيح إتصال الأزواج قبل الزواج، هذه الطريقة المعوجة التي هي عكس شريعة الإسلام تماما، التي تجعل العقد سبيلا إلى الخلوة لا الخلوة سبيلا إلى العقد كما ترى ذلك مدنية الغرب المعبودة من شبابنا المثقف. والأدهى والأمر من كل ما مر أن نرى نساء الجزائر (العاصمة) من حلائل وكواعب يتزين ويتعطرن ويذهبن في يوم الجمعة (نعم يوم الجمعة) إلى المسرح (بيت الشيطان) أو (مذبح الفضيلة) أو (مقبرة الشرف) ليدفن هناك الدين أو الفضيلة والشرف هذه هي جمعة نساء الجزائر! - وإذن- فلنعالج مرضنا من الجذور، بمعالجة أسبابه
…