الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - على مائدة القرآن
إذا كانت الآية السابقة-: "إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون) - عنوان مجد الخلود للقرآن فهذه الآية عنوان مجد الكمال للاسلام فهي تغلق الباب في وجه المبتدعين الذين لا تطيب لهم الحياه إلا على تعدى الحدود وتسور الأبواب، والإتيان- دائما- بجديد لا تسيغه إلا عقولهم الشاذة، فيحدثون في دين الله ما لم يأت به نص، ولم يقم عليه دليل، بدعوى الاستحسان فلا يجنون من صنيعهم إلا عكس ما أرادوا، وإذا بهذا الذي أدخلوه على دين الله هو الذي يخرجهم منه جزاء وفاقا، وذلك معنى قوله- عليه الصلاة والسلام: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وخفي عنهم أن الله ما سكت عما تبجحوا به إلا رحمة بهم وشفقة عليهم، قال- عليه الصلاة والسلام: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم، غير نسيان، فلا تبحثوا عنها" وأدهى وأمر، من كل ما مر، تلك الرسالة المفتعلة المنتحلة عن رسول الله التي يروجها (الشيخ أحمد خادم القبر الشريف) كما هو مثبت في صدر هذه الرسالة، التي أثارت ضجة وكثر حولها اللغط، وشغلت بال كثير من الناس، حتى كتب إلينا بعضهم يسأل عن حقيقة أمرها، إنها لجراءة منكرة على رسول الله، ودناءة مفضوحة في الاتجار بدين الله، وتحيل بارد ممقوت، للعيش على هامش الحياة، إن محمدا صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونام قرير العين مرتاح الضمير، ناعم البال، لأنه ما انتقل إلى جوار ربه حتى نزل عليه من ربه:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} أبعد هذا كله يأتي (الشيخ أحمد) أو غيره يكذب على الله ويتجرأ على رسول الله، ويأتينا برسالة جديده
من عنده ويطمع أن نصدقه؟ اللهم لا سبحانك، هذا بهتان عظيم، إنما ذلكم الشيطان يستعمل أعوانه ويستعمل {سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} وإنها الغباوة تفرض على أصحابها الشقاوة، والبلادة، تحرم أهلها السعادة، وإلا فكيف عدم (صاب الرسالة) كل حيلة لكسب قوته، غير الكذب على رسول الله، الذي يقول- في الحديث الذي أتفق أئمة الحديث على أنه أصح حديث-:"من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" على أن هذه النغمة ليست جديدة على أسماع الناس، فلربما كانت أكبر من عمر (الشيخ أحمد) فإن هذه الفرية لقدمها قد تكون متوارثة، لأنها جربت فصادفت عند بعض العامة تربة صالحة، وإنما راجت بصفة مدهشة، في هذه الفترة الحاسمة من حياة هذه الأمة، لغرض آخر جديد غير غرض (الشيخ أحمد) وأكبر منه، غرض تعين على فهمه وتفسيره الحالة الحاضرة، لعله يراد به صرف تفكير الأمة عما يسبب القلق لمستغليها وتخدير شعورها، فتخلد إلى الدعة، والسكون، وذلك ما لا يكون. كما أن هذه الآية الكريمة تقطع حجة الذين يرون أن الإسلام أصبح بحاجة أكيدة إلى أن تلحق به أشياء كثيره وتضاف إليه مسائل جديدة اقتضتها حالة العصر وأوضاعه الحديثة، فنقول لهم- على ضوء هذه الآية-: إن الإسلام غني عن كل زيادة، بريء من كل نقص، ولو كان يحتاج إلى زيادة أو بقي على شيء من النقص، لتكفل الله بتلك الزيادة ولسد ذلك النقص خصوصا وهو الدين الذي جعله الله خاتمة الأديان، وجعله صالحا لكل جيل ولكل زمان، فكيف يترك الباب مفتوحا لهؤلاء المتطفلين المتفلسفين.
ولكن الله أغلق الباب في وجه كل متطفل متفلسف، قوله:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ، والكلمات:(أكملت)، (أتممت)، (رضيت) في الآية، تنطق كلها بالعناية البالغة بهذا الدين وبهذه الأمة.
إن هذه الآية براعة الاختتام لهذا السفر الخالد، وتاج المجد لهذه الأمة التي أودع الله بذور حياتها فيه، فمهما تتأخر عن ركب الحياة، ومهما تفقد من وسائل الحياة، فإنها لابد ستتقدم الركب وتأخذ بالزمام، لأن القرآن الذي تكفل الله بحفظه، وأناط به حياتها مازال محفوظا في الصدور، منذ قال الله:{إنا نحن نزلنا الذكر}
أوضاع منذ قال الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} .
ولذا روى الأئمة عن طارق بن شهاب قال: (جاء رجل من اليهود إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرءونها لو علينا أنزلت معشر اليهود لاتخدنا ذلك اليوم عيدا {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ، فقال عمر:"إني لأعلم اليوم الذي أنزلت فيه، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة يوم جمعة".
على أن هذه الأمة مازالت تقيم للقرآن ثلاثين عيدا كلما أقبل رمضان، شهر نزول القرآن، ولكن العبرة بالعمل بالقرآن، لا بمجرد إقامة عيد أو احتفال بالقرآن.