الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرأة المسلمة
كتب إلي أخ محترم من بجاية يقترح أن أتناول موضوع المرأة بشيء من العناية والإهتمام.
وأنا وإن كنت لا أرى فرقا بين الرجل والمرأة فما هو من هذا النوع الذي يكتب في هذه الفصول، ولذا لم يفرد القرآن المرأة بالخطاب إلا في مواضع معينة اقتضتها اعتبارات معينة.
فإني رغم هذا أكتب الكلمة التالية وأرجو أن يجد فيها الأخ ما يلائم ذوقه:
حقا- يا أخي- يجب أن نلتفت إلى نصفنا الآخر المريض وإلى جناحنا الآخر المهيض، إلى المرأة قلب المجتمع الذي إذا صلح صلح المجتمع كله، وإذا فسد فسد المجتمع كله.
حقا إن هذا النصف المريض والجناح المهيض لأولى بالعناية من كل شيء آخر، إذ أن الجانب أكبر من أسباب تأخرنا يرجع إلى تأخر المرأة عندنا، وهل يتقدم الرجل إذا تأخرت المرأه؟ وهل يطير طائر إلا بجناحيه معا؟ وهل تصفق اليمنى إلا باليسرى؟ كما يقول مثلنا الشعبي الجميل.
إن المرأة مديرة بيتنا ومربية أولادنا وأمينة سرنا وموضع كرامتنا وموقع المدح والذم منا، فهل يسعنا- وهذه صفتها- أن نتهاون بها أو نتجاهل مكانها، فندعها للظروف تسيرها أو نتركها في مهب الرياح تميل بها كل مميل؟
إن دواءنا دائما هو التعليم، لأن مرضنا المستفحل من زمن بعيد هو الجهل، وجهل المرأة عندنا أشد من جهل الرجل وأكبر، فلتكن عنايتنا بالمرأة- إذن- أشذ وأكبر.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المرأة هي الإناء، وإن لون الماء لون إنائه، أي أن حضن المرأة هو المكان الأول الذي يتربى فيه الطفل ويتأثر به بعد أن يخرج من بطن أمه قطعة من لحمها ودمها وعقلها وتفكيرها أيضا. هذا المخلوق العظيم الذي يؤثر في أولادنا قبل أن يخرجوا إلى دنياهم وبعد أن يخرجوا إليها، كيف لا نهتم به اهتمامنا بأغلى شيء لدينا وأعز عزيز علينا؟
إن للمرأة- في الغالب- أولادا هي مسؤولة عن تربيتهم وتهذيبهم أكثر منا، لأنها تقضي معهم من الوقت أكثر مما نقضي، فلنعلمها أصول تربية الأولاد والأساليب الناجعة لتهذيبهم، وإن للمرأة زوجا تسأله عن طاعته وراحته وإدخال السرور على قلبه، فلنعلمها حقوق الزوج وآداب المعاشرة الزوجية، وإن لها من البيت مملكة تدبرها فلنعلمها كيف تدبر مملكتها، وإن لها جيرانا تقضي معهم يومها كاملا فلنعلمها آداب الجوار وحقوق الجار، وإن لها لغة يجب أن يظهر أثرها على لسانها ليظهر أثر القرآن في سلوكها ومشاعرها، وإن لها دينا يجب أن تملكه زمامها، وإن لها تاريخا يجب أن تقبس من أنواره ما يهديها طريقها المحفوف بالأشواك والمخاطر، فلنعلمها لغتها ودينها وتاريخها، ولكن ملاك أمرها لزوم وكرها، فإن هذا الطائر الجميل لسريعة إليه سهام الصائدين، وإن المرأة إذا ألفت مفارقة بيتها شق عليها البقاء فيه، فقضت بذلك على رسالتها التي هي تدبير مملكة البيت.
على أني لا أعني بلزوم المرأة للبيت أن تكون فيه قطعة منه لا تنفصل عنه أو كما قال حافظ إبراهيم:
"ليست نساؤكم حلى وجواهرا
…
خوف الضياع تصان في الأحقاق"
وإنما أقصد بلزوم البيت أن تهجر بيوت الشيطان لا بيوت الله ولا بيوت العلم، أعني أن لا تذهب إلى السينما أو الأوبرا، فتسمع إلى الشيطان يلتي دروسه على الشابات والشبان ويلهب فيهم الشعور المجنون بالغريزة المجنونة فإن في هذا مصيبتين وشرا مزدوجا، فراغ البيت الذي يجب أن يعمر، وعمارة البيت الذي يجب أن يفرغ.
إن خروج المرأة المسلمة من بيتها متعطرة متأطرة بين غمز العيون واصطدام الصدور وهمس الشفاه، وحيث تلقي الفضيلة والآداب مصرعهما، جريمة تتولد منها جرائم
وبلية تنتج بلايا ومآثم، ولا عجب- إذن- أن يحرص نبي هذه الأمة عليه الصلاة والسلام على أن تعتصم المرأة ببيتها إذ يقول فيما رواه ابن مسعود رضي الله عنه:"المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها" وروي عن ابن مسعود أيضا: أن امرأته سألته أن يكسوها جلبابا فقال: إني أخشى أن تدعى جلباب الله الذي جلببك به، قالت: وما هو؟ قال: بيتك، أجنك (أي من أجل أنك) من أصحاب رسول الله.
فيا أيتها المرأة المسلمة: يجب أن تعلمي هذا كله، وتذكري هذا كله، وتقومي بهذا كله، فإن سلفك الصالح من النساء المسلمات قد قمن بهذا كله.
واذكري- أيتها المرأة المسلمة- أنك كنت المثل الأعلى للمرأة الفاضلة الكاملة فقد مضى لك عهد كنت فيه تزاحمين الرجل في طريق الكمال، فكنت في الدين في السابقين الأولين يوم أسلمت خديجة أم المؤمنين قبل الناس أجمعين وكنت في العلم بالدين موضع الرأي الأصيل والنظر الرصين يوم قال الرسول الأمين في عائشة أم المؤمنين:"خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء"(تصغير حمراء). ويوم أن قال لفاطمة إبنته: أي شيء خير للمرأة؟ فقالت: أن لا ترى الرجل ولا يراها الرجل فضمها إلى صدره وقال: ذرية بعضها من بعض"، وكنت مثال التضحية والمفاداة والصبر والثبات، يوم ثبتت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد وقد تفرق عنه المسلمون إلا جماعة يسيرة، حتى جرحت أثثى عشر جرحا، وحتى قال فيها صلى الله عليه وسلم كما يروي البخاري-: ما التفت يمينا ولا شمالا، إلا ورأيتها تقاتل دوني وقال لها: ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟
هكذا كنت وهكذا يجب أن تكوني، لتؤدي اليوم الرسالة التي كنت تؤدينها
قبل اليوم ..