الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى العلماء والمعلمين
أيها العالم:
إن في صلاحك أو فسادك صلاح العالم أو فساده، كما أن في إصلاح القلب أو فساده صلاح الجسد أو فساده " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل: ما البلاء؟ قال: "العلماء إذ فسدوا" ذلك لأنك القدوة والمثال، فكيف إذا وكل إليك أمر قيادة هذه الأمة إلى ما فيه رشدها وصلاحها؟ أترضى أن تكون بالمنزلة الدنيا وهي بالمنزلة العليا؟ أو ترضى أن تكون قائدا بالإسم والشكل ومقودا للأهواء والشهوات؟ أو ترضى أن تقودها ونفسك إلى الهاوية السحيقة في سواء الجحيم؟
أيها العالم:
إن مسؤولية العالم مسؤولية كبرى، هي مسؤولية القائد والرائد والدليل، لأن منزلتك من أمتك الجاهلة الحائرة منزلة المحرك من السيارة الضخمة في الصحراء المهلكة البعيدة عن العمران.
أيها العالم:
إذ سئل كل فرد عن نفسه وكل راع عن رعيته، فأنت تسأل عن كل فرد في أمتك.
أيها العالم:
إن مسؤوليتك أكبر من مسؤولية الحاكم، فالحاكم يصلح الرعية وأنت
تصلح الحاكم، ومن أجل ذلك يقول المفسرين في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} إن المراد بأولي الأمر هم العلماء العاملون، وبه قال مالك رضي الله عنه.
أيها العالم:
إن الخير أو الشر يبدأ منك كما يبدأ الصفاء أو الكدر من أول النهر وأعلاه، فلا تكن سبب بلاء على أمتك.
أيها العالم:
إن العلم وسيلة وإن الغاية هي تقوى الله ولذلك بدأ القرآن بالأمر بالقراءة،
ولم يبدأ بالأمر بالتقوى لأنها وسيلة لا لأنها أشرف من التقوى، كما بدأ بالجهاد بالمال ولم يبدأ بالنفس عندما قال:{جَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} لا لفضل المال على النفس، ولكن لأن المال وسيلة، ولأن المال قوام الأعمال، وختم القرآن بالأمر بالتقوى لأنها الغاية وهي قوله تعالى:{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} في قول من يقول: هي آخر ما نزل من القرآن وأن الله قال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ولم بقل: إن أكرمكم عند الله أعلمكم، فإذا لم ينفعك علمك ولم يعصمك من شهواتك وأهوائك، وهي أخطر من أعدائك كنت كمن بيده سلاح لا يدافع به عن نفسه وهو في معمعة الحرب وأعداؤه تحيط به من كل جهة.
أيها العالم:
إن الله يقول: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} هكذا بأداة الحصر، فكأنه
يقول: إن الذي لا يعرف الله لا يخشاه وهو كذلك، فخشية الله ثمرة معرفته ولذلك كلما دعانا القرآن إلى النظر والتفكر في آيات الله ختم ذلك بمثل قوله:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ومعنى ذلك أن النظر فيما خلق الله يعرفك بالله فتتقيه وتخشاه، وقد ضرب الله مثل من يعلم ولا يعمل بمثل الحمار الذي يحمل الكتب في أن كلا منهما غير مستفيد مما يحمل إذ قال:{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}
أيها العالم:
إن النبي صلى الله عليه وسلم أعتبر العلم الذي لا ينفع شرا تعوذ منه إذ قال من حديث:
(وأعوذ بك من علم لا ينفع) وهو كذلك لأن العلم بلا عمل حجة على صاحبه، كما قال صلى الله عليه وسلم في القرآن من حديث:"والقرآن حجة لك أو عليك فليتك إذا لم تعمل لم تعلم".
وما تصنع بالسيف إذا لم تك قتالا؟ فلا عجب بعد هذا أن يكون العلم جهلا في كثير من الأحيان لذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (إن من العلم لجهلا) ويقول علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: (لا تجعلوا علمكم جهلا، ولا يقينكم ظنا، إذا علمتم فاعملوا، وإذا تيقنتم فأقدموا).
وكم يؤلمني أن أرى واعظا يعظ الناس وهو لا يتعظ، كم يؤلمني هذا الطبيب المريض الذي يشفق على الناس وهو أحوجهم إلى الشفقة.
"وغير تقي يأمر الناس بالتقى
…
طبيب يداوي الناس وهو عليل"
وكم يؤلمني هذا الذي يقول:
"اعمل بعلمي وإن قصرت في عملي
…
ينفعك علمي ولا يضررك تقصري"
مسكين هذا الشاعر الذي لم ينتفع بعلمه ويدعي انتفاع الناس به {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} .
أيها العالم:
أذكر على الأقل قوله صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء" أو قوله: "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل" فأين عمل الأنبياء؟ وأين تقوى الأنبياء؟ وأين وقار الأنبياء؟ وأين جهاد الأنبياء لنفوسهم، وأعدائهم؟
وأنت أيها المعلم:
أذكر على الأقل قول شوقي:
وإذا المعلم ساء لحظ بصيرة
…
جاءت على يده البصائر حولا"
ولا تستكثر ذلك في منزلتك فشوقي نفسه يقول في أول القصيدة نفسها:
"كاد المعلم أن يكون رسولا"
وأذكر أن الأمانة التي بين يديك هي أغلى الأمانات، وهي نشء الأمة وأبناؤها وربحها ورأس مالها، فاتق الله في أمتك واتق الله في أمانتك.