الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كن صريحا
كم في الناس من يعجبك إذا قال، ولا يعجبك إذا فعل، فيتخذ من حسن ما يقول ستارا لسوء ما يفعل، وذلك قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} ومن الدليل على أنه يخفي سوء ما يفعل بحسن ما يقول قوله تعالى بعد: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} إنه يقول لك: اتق الله، ولكنه يغضب إذا قلت له: اتق الله، لأنه لا يريد أن يعمل ولكنه يريد أن يقول فحسب، وهو ضرب من النفاق رسمت هذه الآية الكريمة خطوطه وأوضحت معالمه، وإن هذا النفاق لا يولد إلا في تربة الكسل ولا يوجد أفراده في ميادين العمل، فكلمة: اتق الله تخزهم وخز الإبر لأنها تطلب منهم عملا يتطلب جهدا وتضحية، أو تحملهم على ترك شهوة، لذلك لا يستطيعون سماع هذه الجملة التي تتضمن التخلي عن كافة الرذائل، والتحلي بجميع الفضائل، وكلا الأمر ين لا يتوصل إليه إلا بمخالفة النفس أي بفطامها عن شهواتها- وما أشد فطام الكبير- كما يقولون، فلا عجب أن سمى نبي الإسلام مخالفة النفس، الجهاد الأكبر، أما الذين هيمنوا على حيوانيتهم وتغلبوا على شهواتهم في سبيل طاعة ربهم، فلا يأنفون من سماع هذه الكلمة بل يطربون لها ويحثون الناس على أن قولوها، لأنها لا تتنافى مع سلوكهم، ولا تشير لاتهام الناس لهم، وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخطب فسمع قائلا يقول: اتق الله يا عمر، فهم الناس به، فنهاهم عمر وقال:"دعوهم يقولونها فلا خير فيهم إذا لم يقولوها، ولا خير فينا إذا لم نسمعها".
وإننا اليوم نعيش في عصر راجت فيه سوق النفاق، وكثر فيه عديد المنافقين، لأن الناس أفلسوا من التقوى، وأقفرت قلوبهم من الإيمان، فهم يتعاملون بالنفاق لا يتآمرون بمعروف ولا يتناهون عن منكر، تضحية بدينهم في سبيل دنياهم، فصحت بذلك نبوءة عمر العبقري الملهم إذ قال:"سيأتي على الناس زمان يكون صالحهم فيه من لا يأمر بمعروف ولا ينهي عن منكر، فيقول الناس: ما رأينا منه إلا خيرا لكونه لم يغضب لله تعالى".
حتى الصفوة من إخوانك وخلصائك تخطر لهم الملاحظة عليك في سلوك أو رأي فلا يبدونها لك، بل ربما تسألهم رأيهم وتطلب إليهم أن يفيدوك بملاحظاتهم فيما أنت بسبيله من مهام فيجبنوا وربما أثنوا وشكروا حتى إذا غبت عنهم وأوليتهم ظهرك، أخذوا يتندرون عليك ويرسلون سهام نقدهم إليك.
إن هؤلاء المنافقين الجبناء لأخطر عليك من الأشرار الصرحاء الذين ليس لهم إلا وجه واحد تعرفه، أما هؤلاء الذين لهم في كل يوم وجه، ومع كل شخص كلام، فأمرهم مشتبه والاحتراس منهم عسير.
والدواء من مرضهم أن لا نلقاهم ولا نغشى مجالسهم، وإذا اضطرونا إلى لقائهم والاجتماع بهم فلا نسمع لقولهم ولا نغتر بتملقهم، وإذا أضطررنا إلى سماع قولهم فلا نقابل نفاقهم بنفاق وملقهم بملق، فإن ذلك لا يقطع الشر، ولا يحسم الداء، وإنما يجب أن نقابل نفاقهم بالصراحة وملقهم بالتأنيب، كي ينتهوا ويرتدعوا فما عاش الشر إلا في بيئة النفاق ولا كثر الفساد والمنكر إلا حيث يسكت عن الفساد ويمسك عن تغيير المنكر.
فيا أيها المسلم- اذكر دائما قوله صلى الله عليه وسلم: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات" فلا يوصل إلى خير إلا بتحمل ضروب من الآلام ولا تنال راحة إلا بعد عبور جسر من الأتعاب، وهكذا الصراحة في الحق وبث النصيحة للخلق، وأذكر ما تحمله نبيك صلى الله عليه وسلم في هذا السبيل من التضحيات الجسام حتى تغلب على سائر الصعوبات وانتصر دين الله، وأصبحت كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى،
فلولا التضحيات لما انتصرت الرسالات، ولما قامت للإسلام تلك الحضارة التي اقتبست منها سائر الحضارات.
فاقطع دابر الباطل بالصراحة، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وإن لك في رسول الله أسوة حسنة و {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} .
و {أَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} .