الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نماذج من حسن المعاملة
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة الحسنة في المعاملة الحسنة، قال أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم: صحبت النبي عشر سنين فما قال لي في شيء فعلته: لم فعلته؟ ولا في شيء تركته: لم تركته؟ وتعاقب هو وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ورجل آخر من الصحابة في سفر على بعير فكان إذا جاءت نوبته في المشي مشى فيعزمان عليه أن لا يمشي فيأبى ويقول: ما أنتما بأقدر مني على مشي، وما أنا بأغنى منكما عن أجر.
ودعا علي بن أبي طالب غلاما له فلم يجبه فدعاه ثانيا وثالثا فرآه مضطجعا فقال: أما تسمع يا غلام؟ قال: نعم، قال: فما حملك على ترك جوابي؟ قال: أمنت عقوبتك فتكاسلت، فقال: اذهب فأنت حر لوجه الله تعالى وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه إذا رآى أحدا من عبيده يحسن صلاته يعتقه فعرفوا ذلك من خلقه فصاروا يحسنون الصلاة مراآة له فكان يعتقهم فقيل له في ذلك فقال: من خدعنا في الله أنخدعنا له، وقال رجاء بن حيوة: بت ليلة عند عمر بن عبد العزيز فهم السراج أن يخمد فقمت إليه لأصلحه فأقسم علي عمر لأقعدن وقام هو فأصلحه، قال: فقلت له: تقوم أنت يا أمير المؤمنين؟ فقال: قمت وأنا عمر ورجعت وأنا عمر، وقال يحي بن أكثم: بت ليلة مع المأمون فانتبه وقد عرض له السعال فجعلت أرمقه وهو يحشو فمه بكم قميصه يدفع به السعال حتى غلبه فسعل وأكب على الأرض لئلا يعلو صوته فانتبه، قال: ومشينا يوما في البستان كنت أنا مما يلي الشمس والمأمون مما يلي الظل فكان يجذبني أن أتحول أنا إلى الظل ويكون هو في الشمس فامتنع من ذلك حتى بلغنا آخر البستان، فلما رجعنا قال: يا يحيى والله لتكونن
في مكاني ولأكونن في مكانك حتى آخذ نصيبي من الشمس كما أخذت نصيبك منها وتأخذ نصيبك من الظل كما أخذت نصيبي منه، فقلت: والله يا أمير المؤمنين لو قدرت أن أقيك يوم الهول بنفسي لفعلت، فلم يزل بي حتى تحولت إلى الظل وتحول هو إلى الشمس ووضع يده على عاتقي وقال: بحياتي عليك إلا ما وضعت يدك على عاتقي مثل ما فعلت أنا فإنه لا خير في صحبة من لا ينصف.
وكان لأبي حنيفة جار بالكوفه يغني في غرفته ويسمع أبو حنيفه غناءه فيعجبه وكان كثيرا ما يغني:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا
…
ليوم كريهة وسداد ثغر
فلقيه العسس ليلة فأخذوه وحبس، ففقد أبو خنيفة صوته تلك الليلة فسأل من غد عنه فأخبر فركب إلى الوالي فقال له: إن لي جارا أخذه عسسك البارحة فحبس وما علمت منه إلا خيرا، فأمر الوالي العسس بأن يسلموا إلى أبي حنيفة كل من أخذوه في تلك الليلة فأطلقوا جميعا فلما خرج الفتى دعا به أبو حنيفة وقال له سرا: ألست كنت تغني يا فتى كل ليلة:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا
فهل أضعناك؟ قال: لا والله ولكن أحسنت وتكرمت أحسن الله جزاءك،
قال: فعد إلى ما كت تغنيه فإني كنت آنس به ولم أر به بأسا، قال: أفعل.
وكان عبد الله بن المبارك في أسفاره ينفق على أصحابه ويخدمهم ويشتري
لهم التحف والهدايا ليقدموا بها على أهلهم وأولادهم إذا رجعوا إلى ديارهم ثم يصلح لهم منازلهم ويزخرفها ويحمل إليها كل ما تحتاجه، وليس هذا بغريب من مثل ابن المبارك، فقد كان أمة وحده وحسبه شهادة الإمام إسماعيل بن عياش إذ يقول: ما على وجه الأرض مثل ابن المبارك ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير إلا وقد جعلها فيه.
وكان علي يقول: من كانت له إلي منكم حاجة فليرفعها إلي في كتاب لأصون وجوهكم عن المسألة.
وشتم رجل أبا ذر فقال: يا هذا لا تغرق ودع للصلح موضعا فإنا لا نكافيء من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه ودخل على الواثق معلمه فبالغ في إكرامه وإجلاله فقيل له في ذلك، فقال هو أول من فتق لساني بذكر الله وأدناني من رحمة الله.
إن هذا الخلق العظيم ليبلغ بالمؤمن الصادق حدا ينسى معه نفسه ويغيب عن ذاتيته، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يحلب للضعفاء ممن حوله بالسنح أغنامهم، فلما ولي الخلافة سمع جارية تقول: اليوم لا تحلب لنا منائحنا فسمعها فقال: بلى لعمري لأحلبنها لكم، فبقي يحلبها وهو خليفة.
وكان عمر رضي الله عنه في خلافة أبي بكر- يتعهد امرأة عمياء بالمدينة ويقوم بأمرها فكان إذا جاءها وجدها قد مضيت حاجتها فترصد عمر يوما فإذا أبو بكر هو الذي يكفيها مؤنتها لا تشغله عن ذلك الخلافة وتبعاتها عند ذلك صاح عمر حين رآه (أنت هو لعمري).
ومسك الختام لهذه الأقباس العلوية هو تلك المعاملة الفريدة في التاريخ
التي عامل بها الأنصار إخوانهم الملهاجرين لما قدموا عليهم فارين بدينهم وحده تاركين الأهل والولد والمال، فآووهم وأكرموهم ونصروهم وأشركوهم في أموالهم حتى خلدهم القرآن بشهادته الخالدة وسجل لهم تلك الكلمة الذهبيه إذ يقول: