الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طبقات الناس
الناس ليسوا سواء، فمنهم من يفعل الخير ويعين عليه ويدعو إليه، وهذا النوع خير أنواع الناس وأشرفها، ومن الناس من يفعل الشر ويعين عليه ويدعو إليه، وهذا النوع شر أنواع الناس وأحطها.
وبين ذلك أنواع الأوساط في الخير والشر، فهذا يفعل الخير، ولكن لا يعين عليه ولا يدعو إليه، وهذا يعين على الخير، ولكن لا يفعله ولا يدعو إليه، وهذا يدعو إلى الخير، ولكن لا يفعله ولا يعين عليه، وهكذا الحال في الشر، فهذا يفعل الشر وكفى، دون أن يعين عليه أو يدعو إليه، وهذا يعين عليه، ولا يفعله ولا يدعو إليه وهذا يدعو إليه فقط دون أن يفعله أو يعين عليه،:
وما المرء إلا حيث يجعل نفسه
…
ففي صالح الأعمال نفسك فاجعل
إذن فخير مراتب الخير أن تفعل الخير وتعين عليه وتدعو إليه، وكل ذلك دعا الإسلام إليه:
دعا الإسلام إلى فعل الخير إذ قال الله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ودعا إلى التعاون على الخير إذ قال: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} ودعا إلى الدعوة إلى الخير إذ قال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} الآية، وإذ قال:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} وإذا قال عليه الصلاة والسلام: "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس"
هؤلاء الذين تجردوا للخير: يفعلونه ويعينون عليه ويدعون إليه، هم ملح الأرض يصلح الله بهم الأرض، وهم بذور الخير يبث الله بهم أنواع الخير، ولا يضع من قدرهم أنهم قلة فالخير قليل وكرام الناس قليل:
تعيرنا أنا قليل عديدنا
…
فقلت لها: إن الكرام قليل
وكل شيء كريم ونفيس قليل، لأن له من كرمه ونفاسته كثرة، فالمثقال من الذهب من حيث الكمية قليل، ولكنه في القيمة أكثر من أضعاف مضاعفة من الحديد، والرجل الذي يحيي أمة بعلمه أو رأيه أو ماله خير عند الناس وأفضل عند الله من ألف ليس فيهم من يغني غناءه أو يسد مسده:
والناس ألف منهم كواحد
…
وواحد كالألف إن أمر عنا
وهؤلاء الذين تجردوا للشر، يفعلونه ويعينون عليه ويدعون إليه، هم جراثيم البشرية، تشقى بهم البشرية وتفسد بهم الأرض ويتسمم بهم الهواء، ولا يرفع من قدرهم أنهم كثرة، فكم من كثير حقير، وهم إن كثروا في العدد قد قلوا في القيمة، بل على قدر كثرة الأشرار يعظم قدر الأخيار، إذ يعظم أجرهم ويتسع ميدان عملهم وجهادهم فالواحد من الأخيار، يصلح الله به أمة من الأشرار، فيعظم بذلك قدره عند الناس وأجره عند الله.
وهكذا الناس منذ كان الناس، منهم من جعله الله وعاء للخير، فلا يفعل إلا خيرا ولا يعين إلا على خير، ولا يدعو إلا إلى خير، ومنهم من جعله الله وعاء للشر، فلا يفعل إلا شرا ولا يعين إلا على شر ولا يدعو إلا إلى شر:
"وكل إناء بالذي فيه يرشح"
- أيها المسلم- يجب أن تكون في المنزلة العليا، واربأ بنفسك أن تكون
في المنزله الدنيا، فإنك من خير أمة أخرجت للناس، فافعل الخير وأعن عليه وادع إليه، واترك الشر، وقاوم من يفعل الشر أو يعين على الشر، أو يدعو إلى الشر.
وثق بأن الله في عونك ما دمت كذلك، وبأن الله ينصرك ما نصرت الحق، كما نصر نبيك الذي عاش لنصر الحق الذي بعث به، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} .