الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لنتطهر
أخشى- أكثر ما أخشى- قوله عليه الصلاة والسلام: "كل لحم نبت من حرام، فالنار أولى به".
فأي بطن خلا من الحرام، في هذا العصر الذي عم فيه الحرام، وعطل فيه العمل بالإسلام، وأصبح الربا هو النظام الاقتصادي العام، يعيش عليه الخاص والعام؟ فمن لم يتعاطه مباشرة، تناوله من وظيفته أو من شركته، أو مما يوفره من مرتبه ويودعه المصرف أو دار البريد، وهل قوله- عليه الصلاة والسلام:"كل لحم نبت من حرام، فالنار أولى به"، إلا قبس من قوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا)؟ وهل اللحم الذي ينبت من الحرام، إلا كالنبات الطفيلي الخبيث الذي يعوق الزرع النافع الطيب عن النمو والاكتمال والاستواء، يجب أن يستأصل وتطهر منه الأرض التي اعدت لأطيب الزرع، وأنفع النبات؟
ثم إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال- تعالى-: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} الآية، وقال- تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟؟ " ولما تليت هذه الآية-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} ، قام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله أدع الله أن يجعلني مستجاب
الدعوة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده، إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه، ما يتقبل الله منه عملا أربعين يوما، وأيما عبد نبت لحمه من سحت، فالنار أولى به، وقال ابن عباس رضي الله عنه:(لا يقبل الله صلاة امرىء في جوفه حرام)، وروى الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنه قال: من اشترى ثوبا بعشرة دراهم في ثمنه درهم حرام، لم يتقبل الله له صلاته ما كان عليه، ثم أدخل أصبعيه في أذنيه فقال: صمتا: (أصابهما الصمم) إن لم أكن سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج.
وأخرج الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا خرج الرجل حاجا بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز (الركاب) فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك، وزادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور، غير مأزور، وإذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك غير مبرور.
ومعنى أن الله لا يستجيب لنا أنه يقطع صلته بنا، وفي هذا ما فيه من شقاء دنيانا وأخرانا، وهل معنى عبادتنا إياه بصلاتنا وصيامنا ونحوهما إلا السعي وراء ما يقوي صلتنا به فيهبنا ما به صلاحنا وفلاحنا وإذا لم يقبل دعاءنا، لم نكن على ثقة من قبول سائر عباداتنا، فالدعاء ليس إلا نوعا من العبادة بل هو مخ العبادة، كما في الحديث. وإذن فأكل الحرام لا يرد الدعاء فقط، وإنما يرد كل ما نقرب به من أنواع الطاعات والعبادات لأن الله طيب، لا يقبل إلا طيبا، وإذا كان غذاؤنا حراما، فمعنى ذلك أننا نبتنا من حرام، والنبات الخبيث لا يثمر إلا خبيثا، والله تعالى يقول:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} بل يقول: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} .
فإذا أردنا أن نتطهر، فأول ما نبدأ به أن ننتقي الغذاء الطاهر والمطعم الطيب كي نوجد المنبت الطيب للأعمال الطيبة، ثم نتطهر من الذنوب السالفة، بالتوبة، ومن الحاضرة بالإقلاع ومن الآتبة بالتوقي والإبتعاد، فإذا صدر منا بعد ذلك عمل أو
دعاء كان صادرا من قلب طاهر، فكان جديرا بالقبول من الله عز وجل، قيل لسعد بن أبي وقاص- وكان مجاب الدعوة- تستجاب دعوتك من بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما رفعت إلى في لقمة إلا وأنا عالم من أين مجيئها، ومن أين خرجت.
فإذا لم نفعل فلا نطمع في قبول دعوة أو عبادة، قال مالك بن دينار: أصاب بني إسرائيل بلاء فخرجوا مخرجا، فأوحى الله تعالى إلى نبيهم أن أخبرهم أنكم تخرجون إلى الصعيد بأبدان نجسة، وترفعون إلي أكفا، قد سفكتم بها الدماء، وملأتم بها بيوتكم من الحرام، الآن اشتد غضي عليكم، ولن تزدادوا مني إلا بعدا.
نحن ندعو الإله في كل كرب
…
ثم ننساه عند كشف الكروب
كيف نرجو إجابة لدعاء
…
قد سددنا طريقه بالذنوب؟.