الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توجيه الشباب
لا شيء أضر على الأمم التي تريد أن تتحرر من قيودها، من ميوعة شبابها وضعف نفوسهم واندفاعهم في تيار الشهوات، كما أنه لا أجدى على هذه الأمم من رجولة شبابها وقوة نفوسهم،،الحقيقة المرة والواقع البغيض أن شبابنا- إلا القليل النادر - يلهو والحياة تجد، ويضحك وأفقه عابس، ويرقص والقيود في رجليه ويبذر أمواله في شهواته المحرمة من خمر وتدخين وشهود أفلام داعرة وحفلات خليعة وميزانية مشاريعه الحرة تشكو الإفلاس، وألوف البائسين يشكون الجوع والعرى والحرمان، يحز ف نفسي أن أجيل بصري في جوانب المسجد فلا أرى شبابنا في الصفوف الأمامية ونحن نأمل أن يكون الشباب في الصفوف الأمامية
…
ولكن شبابنا يجيبوننا بأنهم جنود الكفاح لا جنود الصلاة، ولكنا نجيبهم بأن صفوف الصلاة هي التجربة الأولى والتمرينات الرياضية لدخول معركة الكفاح، هي عملية التطهير قبل خوض معمعة التحرير هي إعداد النفوس للابتلاء والصبر والاحتمال، فمن فر من صفوف الصلاة لا بؤمن أن يفر من صفوف الكفاح: ومن عجز عن جهاد نفنسه فهو في جهاد عدوه أعجز، ومن خسر في الامتحان الأول لم يفز في الامتحان الثاني، ولكن شبابنا لقن غير هذا وتلعم غير هذا وأعد ليكون جنديا في صفوف أعدائه لا ليكون جنديا ضد أعدائه، إن شبابنا لم يجد البيئة الصالحة لهذا الإعداد الصالح وهذا التجنيد المقدس وإنما وجد بيئة صنعها الاستعمار بيده وطبعها بطابعه فكيف يقاوم شبابنا هذه الآفات كلها وكيف يحارب في هذه الواجهات جميعها؟
كيف يقاوم البيئة، والثقافة ويجاهد نفسه وعدوه؟
إن إصلاح البيئة هو الذي يجب أن يسبق كله إصلاح وإلا فشلت كل محاولة للإصلاح إن القلة الصالحة لفي خطر من الكثرة الفاسدة، إن الفساد إذا كان في زيادة لا يلبث أن يغمر البقية الصالحة، وكيف يسلم من البلل من القي في البحر مكتوفا؟
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له:
…
إياك. إياك. أن تبتل بالماء!
إن شبابنا لفي حاجة شديدة إلى إصلاح، وإن الأمة لأحوج منه إلى إصلاح شبابها لأنها لا تستطيع أن تستغني عن سواعدها، وإن الشباب لهم سواعد الأمة التي تحمي حماها وتذود عن كيانها، وإن مما يصلح الشباب تأسيس معاهد ليلية تنظم له فيها دروس توجيهية تشعره بمسئوليته وبأثره في نهضات الشعوب وحركات التحرير وتلهب فيه غيرته على ما وصلت إليه بلاده وأمته من هذه الحال السيئة التي لا يغضى عليها كل من له أدنى إحساس بالكرامة الإنسانية ويقرن ذلك مما كان لأمته من العزة القعساء والمنزلة السامية بين الأمم فإن شبابنا لا يعرف من تاريخه إلا ما ألصقه به أعداؤه فنشأ فاقد الشعور بتاريخه المجيد وماضيه العظيم، ومن جهل ماضيه ضل طريقه في حاضره وقعد عن العمل لمستقبله!
وإذا فاتك التفات إلى الما
…
ضي غاب عنك وجه التأسي
إنه لابد لكل أمة تريد أن تستأنف سيرها إلى حياة العزة والكرامة من ثلاثة أشياء يتألف منها كيانها وتثبت بها شخصيتها: لغتها ودينها وتاريخها، وإن شبابنا اليوم ضعيف الصلة: بهذه الثلاثة جميعا، فكيف- إذن- نعول على شبابنا وهو ضعيف الصلة بلغته ودينه وتاريخه، وهذه الثلاثة هي كل ما يربطه بأمته ومن الخطأ أن نشغله بشيء قبل أن نقوي صلته: بهذه الثلاثة التي تجعله قوي الشعور والاعتداد بأمته، إن الشباب هو الدعامة التي تقوم عليها نهضة الأمة فلنجعل هذه الدعامة صحيحة قوية لنكون على ثقة من هذه النهضة لنوجه شبابنا الوجهة الصالحة، لنتعهده بالرعاية لنجنبه مزالق الطريق، لنقده إلى شاطئ السلامة، فالطريق محفوف بالأخطار، مليئ بالأشواك، وإن أروبا الفاجرة إذ وجهت عنايتها إلى إفساد شبابنا كانت يصيرة بمقاتلنا، خبيرة بمستودع الذخيرة والعتاد الذي تعتمد عليه البلاد، فلننقذ شبابنا إن كنا نريد أن ننقذ بلادنا (1)
(1) كان هذا قبل الثورة وقبل الاستقلال وقبل أن يصحو شبابنا صحوته الأخيرة المباركه