الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عداوة الشيطان
إن الشيطان أعدى عدو للإنسان، قال تعالى:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} .
وهذه العداوة عميقة الجذور في التاريخ، ضاربة في القدم السحيق إذ نشأت يوم نشأ الإنسان الأول- آدم- وبرزت للوجود يوم أمر الله ملائكته بالسجود لهذا الإنسان {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} ولكن هذه العداوة للبشر لم يجن منها إلا الشر الذي لم تجن مثله عداوة منذ عرف هذا الكون العداوة.
إذ صيرته شيطانا رجيما بعد أن كان ملكا كريما وعابدا عظيما، ولا عجب، فهذه العداوة هي عداوة الحسد التي يكون وقود نارها الحسود قبل المحسود كما قيل:(لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله) فيجب أن يعتبر بذلك من يأكل الحسد قلبه.
وعداوة الحسد- كما أنها قديمة الميلاد عميقة الجذور في التاريخ- فهي باقيه على الزمان، مستعصية على سلطان الزوال، ولذا قيل:
كل العداوات قد ترجى إزالتها
…
إلا عداوة من عاداك من حسد
لذا عمرت عداوة الشيطان للإنسان كل هذا التعمير، ورافقت وجوده منذ نشأته الأولى إلى ساعته الحاضرة، إذ أوحى بها الحسد الصريح الوقح الذي رشحت به عبارته الوقحة إذ {قَالَ - ردا على أمر الله له بالسجود! - أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}
وإذا كان الشيطان قد صرح عن عداوته للإنسان، فإن الإنسان لم يزل حليف الشيطان يأتمر بأمره، وينتهي بنهيه رغم أن الله يقول:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} ويؤكد هذا النهي بيان ما يدعو إليه هذا العدو الكاشح الذي يلبس للإنسان ثوب الصديق الناصح إذ يقول- بعد الآية المتقدمة-: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} بل إن القرآن لا يأتلى يحذر من كيد الشيطان ويحرك مشاعر الإنسان ويثير مكامن الغيرة فيه، فلا يسمع لنصائحه المبطنه بالغش حتى لا تغتاله غوائله وتصطاده حبائله، كقوله تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} .
فأي تحذير من إغواء الشيطان كهذا التحذير؟ وأي إثارة لعوامل الغيرة والحمية في نفس الإنسان كهذه الإثارة؟ وإلا فأي عداوة أشد من عداوة من سعى في نفي أبويك من الفردوس الخالد وإخراجهما عاريين إلى دنيا الكد والكدح وتحصيل القوت والكساء فيها بالجهد والنصب؟ وهل يريد بك خيرا من أراد بأبويك شرا؟ هل ينصحك من غش أبويك؟ وأقوى وسيلة للشيطان في إغواء الإنسان أن يزين له القبيح من الأفعال والتروك كما قال تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} .
ولحرص الشيطان على إشاعة الشر في كل مكان، يقصد بإغوائه المراكز الرئيسية في المجتمع البشري كالحكام والقادة ورجال العلم والأدب، فإفساد الواحد من هؤلاء إفساد لمجتمع كامل، فيزين الظم والإستبداد للحكام والأمراء، ويزين الكبر والغرور للقادة والعلماء، ويزين المروق والفسوق للفنانين والأدباء، كل ذلك ليفسد الحياة الدينئة والأخلاقية في المجتمع، بإفساد المراكز الرئيسية في المجتمع ولله در أبي العلاء المعري إذ يقول.
وهل أفسد الدين إلا الملوك
…
وأحبار سوء ورهبانها؟
ولكن إذا ابتلى الله بالشيطان، فقد حمى منه عباده الذين لاذوا بحماه واعتصموا بحبله واتبعوا ما أنزل الله ولم يتبعوا خطوات الشيطان قال الله تعالى:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} وقال: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} ذلك
لأن الإيمان نور يكتسح كل ظلام ولأن الشيطان لص لا يسرق إلا في الظلام، لذلك يقول الله تعالى:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} وليس معنى هذا أن الشيطان لا يتعرض للصالحين من عباد الله ولكنهم لا ينخدعون له ولا يبيعون طاعة الله بطاعته، بل لعلهم معرضون لحرب الشيطان أكثر من غيرهم ولكنهم يكافحون أكثر من غيرهم لإنهم تغلبوا على جميع أهوائهم، فكيف لا يتغلبون على جميع أعدائهم، قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} .