الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واجب الأمة نحو التعليم
أيتها الأمة:
إذا اعتبر الإستعمار معلم العربية أكبر أعدائه، فاعتبري أنت الجهل أكبر أعدائك، واعتبري المعلم أقوى عتادك وأصدق أصدقائك، فما اعتبر الإستعمار المعلم أكبر أعدائه إلا لأنه يبدد الظلام، فيظهر اللص الملتحف بالظلام، فلا عجب أن يعشق اللص الظلام ولا عجب أن يقترن الظلم بالظلام، وأن يقول عليه الصلاة والسلام:"الظلم ظلمات يوم القيامة".
أيتها الأمة:
إن الإستعمار يحرص كل الحرص على أن يعيش دهرك كله في ظلام ليبلغ
منك كل مرام، فكذبي فأله، وخيبي آماله.
أيتها الأمة:
إنه لا يستعمر شعب شعبا إلا كان أحدهما عالما والآخر جاهلا، فحيث يوجد استعمار يوجد علم وجهل وحيث يوجد شعب جاهل محكوم يوجد شعب عالم حاكم، فليس من عدو للحرية كالجهل، وليس من قيد للأحرار كالجهل، وليس من وسيلة تعين المستعمر على استعباد الناس كالجهل، وإن الذي يجعل طفلا صغيرا يسوق غنما كثيرة تعد بالمئات هو الجهل، الجهل الذي جعل شعوبا كثيرة العدد تستعبدها شعوب قليلة العدد، فليست المسألة مسألة قلة وكثرة ولكنها مسألة علم وجهل، لذلك كان الإسلام من أول ظهوره ثورة على الجهل، لأن الإسلام ثورة على الإستعباد والعبودية لغير الله، وكان أول ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم
هو قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} وإن أسرى المسلمين من قريش يوم بدر ممن أعوزهم المال لم يخلصهم من أسرهم إلا علمهم بالقراءة والكتابة، حيث جعل الرسول صلى الله عليه وسلم فداء الواحد منهم تعليم عشرة من أبناء الأنصار القراءة والكتابة.
أيتها الأمة:
إن التعليم يقوي كيانك ويقيم أركانك ويعلي بنيانك ويرفع شأنك، فاجعليه
في أول القائمه من أعمالك، وضحي له بالضروري من قوتك، بل ضحي له بحياتك إن اقتضى الحال أن تضحي له بحياتك، فلا حياة لك بلا تعليم، لأنه لا حياه لك بلا لغة ولا دين ولا تاريخ.
أيتها الأمة:
لا يكن كل همك في طعامك وشرابك، فالحياه لا تقوم على الخبز وحده، وهو مصداق ما في الإنجيل:(لا يحيا الإنسان بالخبز وحده) لأن الإنسان ليس جسدا فقط، وإنما هو جسد وروح وعقل، وإن الجسد لا بقاء له بلا روح، ولا قيمة له بلا عقل، فالجسد مثله مثل مركبة محركها الروح وقائدها العقل إذا علمت هذا لم تجعلي التعليم كماليا، وإنما جعلته كالقوت ضروريا، فأنصفي نفسك من نفسك بإنصافك روحك وعقلك من جسمك.
أيتها الأمة:
ما أهون الحياة التي يحياها الإنسان مستعبدا لجهله، مسعبدا لهواه، مستعبدا لظالمه: إن هو- إذ يرضى بذلك- إلا حيوان وليس بإنسان، بل إننا لنظلم الحيوان إذ نشبهه بمثل هذا الإنسان، ولو نطق الحيوان لرد عن نفسه هذا الإفتراء والبهتان، ولقال: إني لخير من هذا الإنسان، لأني "بما جبلت عليه من جهل وطاعة عمياء لمالكي" أقوم بأداء وظيفتي كحيوان، أما الإنسان فإنه إذا تخلى عما فطره الله عليه من كمال فقد اهمل وظيفة الإنسان وهو ليس بحيوان، ولذلك فليس هو حينئذ بإنسان
ولا حيوان، لذلك يعقب القرآن على قوله:{إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ} بقوله: {بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} .
أيتها الأمة:
جاهدي في العلم حق جهاده، جاهدي بمالك ونفسك ولا يشغلك واجب
عن هذا الواجب، ولا يصدك عن هذه الوجهة أصوات المأجورين على خنق أنفاسك وإطفاء نبراسك، ولا يصرفك عن المضي في هذا الطريق ما يصادفك فيه من عراقيل، وما يضعه فيه أعداء النور من صخور، ولكن اسمعي لهتاف دعاتك المخلصين الصادقين، والتفتي إلى عهودك الزاهرة بأنوار العلوم والعرفان، الزاخرة بأنواع الفتوح والعمران، يوم كانت أروبا تعيش في الظلام، فتعشو إلى ضوء الإسلام، ويتردد أبناؤها على الأندلس وبغداد ليتزودوا من تراثهما الفكري خير الزاد، يوم كان المأمون يفرغ خزائن الذهب ليملأ خزائن الكتب بذخائر العلم والأدب ويدفع أبهض الأثمان على نقل فلسفة اليونان وعلوم اليونان، فكان المسلمون بذلك أساتذة العالم في تنوير الأذهان بنور العلم والعرفان، كما كانوا أساتذة العالم في تنوير القلوب بنور الهدى والإيمان.
أيتها الأمة:
هذا وهو ماضيك فسيري على ضوئه واهتدي بهديه، واحملي مشعل الهدايتين، هداية الدين، وهداية العلم كما كنت من قبل، والله يأخذ بيدك ويسدد خطاك.