الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هكذا يجب أن نكون
"قال سفيان الثوري رضي الله عنه: ما زلت أرائي- أي أعمل ما أعمل رياء- وأنا أشعر- إلى أن جالست أبا هاشم الزاهد، فأخذت منه ترك الرياء".
هكذا كان السلوك هو المعلم، والقدوة هي الموجه، وهكذا يعترف هذا الرجل الواقعي الخبير بأن الرياء أو حب الظهور، هو الخلق المسيطر على كل شعور، وهكذا يعترف أرباب القلوب بما فيهم من عيوب، طلبا للكمال، ومقاومة لأهواء النفس، فيعترف سفيان لمن فوقه بفضله، ويلفت من دونه إلى تأثير أصحاب السمو الروحي فيمن حولهم كما تؤثر الكواكب الدرية بضوئها الباهر فيما يلتف بها من كواكب لينتفع الناس بتجربته فيندفعوا وراء أطباء القلوب فيتأثروا تأثره وينتفعوا انتفاعه، وفي ذلك بلوغ مناه وري صداه وشفاء نفسه شأن أرباب القلوب الكبيرة وذوي الآفاق الواسعة الذين يحبون الخير للناس قاطبة ولا يحبون الخير مقصورا عليهم وحدهم كأكثر من نرى لهنذا العهد الذي تغلبت فيه الأنانية وأجدبت تربته من الكمالات الإنسانية، وأصبح النالس لا يتجاوزون بأنظارهم مواطيء أقدامهم، وضعف سلطان الروح، وقوي سلطان الحواس، وبذلك انقلب المجتمع الإنساني غابة ضواري كل فرد فيه لا هم له إلا أن يفترس وينشد:
"إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر"
أما في العهد الزاهر للإسىلام فقد كان الشعور بالأخوة العامة بين المسلمين، هو الشعور المتحكم في المسلمين والموجه لسلوكهم، وبذلك كان المسلمون وحدة
متماسكة تصمد لأحداث الزمان ومكاره الحياه، صمود الجبل الراسخ للريح العاتية والعاصفة الهوجاء.
إن مثل هذا الإمام الذي يعتبر من القمم الشامخة لمجد الإسلام يعترف بأنه مراء، ثم يعترف بأنه أشتفى من هذا الداء العضال بتأثير روح قوية وبمجالسة إمام أقوى سلطانا منه على نفسه، هو أبو هاشم الزاهد، إن هذا الذي صنع هذا الإمام لشيء عزيز المنال بعيد المرام، ولكنه العلاج الناجع والمنهج الذي يجب أن نسير عليه لبلوغ الهدف الذي نرمي إليه، فقد طغى سلطان الغرور، وحب الظهور، على كل شعور، ولاسيما في البيئات الخاصة حيث الأيدي الممسكة بأزمة الأمور وحيث الأطماع المتصارعة والأهواء المتدافعة حول قيادة الجمهور.
ويؤسفني أن يدفعني ما رأيت وما سمعت إلى أن أقول: إن أكثر الناس اليوم مراءون ولكنهم لا يعترفون وذووا نقائص وعيوب ولكن بدل أن يشغلهم علاجها يلصقون بالبقية الصالحة عيوبا ليست فيهم ليرضوا بذلك غرورهم، وإن ضاعفوا شرورهم.
إن اعتراف المريض بمرضه هو أولى خطوات العلاج، فلنعترف بما فينا من نقص وعبب، ولنسع- مخلصين- في العلاج، وأين نحن من أولئك الهداة الأعلام الذين يحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا، ويعين أنفسهم قبل أن يعابوا.
رآى محمد بن واسع ابنه بمشي الخيلاء فناداه وقال له: "ويلك، أتمشي هذه المشية وأبوك أبوك وأمك أمك، أما أمك فأمة ابتعتها بمائتي درهم، وأما أبوك فلا كثر الله في الناس مثله.
وبعث سعد بن أبي وقاص بعد انتصاره في موقعة القادسية إلى عمر بن الخطاب قباء كسرى وسيفه ومنطقته وسراويله وتاجه وقميصه وخفيه، فنظر عمر في وجوه القوم عنده، فكان أجسمهم وأمدهم قامة سراقة ابن مالك بن جعشم المدلجي فقال: يا سراق: قم فالبس، قال سراقة: طمعت فيه فقمت فلبست، فقال: أدبر، فأدبرت وقال: أقبل فأقبلت، قال: (بخ بخ أعرابي من بني مدلج عليه قباء كسرى وسراويله وسيفه ومنطف وتاجه وخفاه، رب يوم يا سراق لو كان عليك فيه دون هذا من متاع كسرى وآل كسرى لكان شرفا لك ولقومك، انزع قال: فنزعت فقال:
اللهم إنك منعت هذا نبيك ورسولك وكان أحب إليك مني وأكرم، ومنعت أبا بكر وكان أحب إليك مني وأكرم، ثم أعطيتنيه لتمكر بي، ثم بكى حتى رحمه من كان عنده، وقال لعبد الرحمن ابن عوف: أقسمت عليك لما بعته ثم قسمته قبل أن تمسي، فما أدركه المساء إلا وقد بيع وقسم ثمنه على المسلمين.
فاللهم بصرنا بعيوبنا، وأعنا على معالجتها، وجنبنا الغرور، فإنه أصل الشرور.