الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من لم يكن له شيخ
كتب أحد القراء يسأل عن قولهم: (من لم يكن له شيخ، فالشيطان شيخه) وما نصيبه من الصحة؟
ولحرصنا على إجابة طلبات القراء، نجيب هذا الأخ بما يلي:
يخيل إلي- أيها الأخ- أن الطريق إلى الله قد سدت في وجهك فأردت اصطحاب دليل يهديك السبيل فاعلم- أيها الأخ- (أن الطريق إلى الله لا تخفى على أحد) كما يقولون، والله تعالى يقول:{أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} ؟ لأنه- تعالى- أرحم بنا من قطع صلته بنا إلا بواسطة وكيف وهو يقول: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} وإن دين الإسلام لمن اليسر والبساطة والوضوح بحيث لا يحوجنا إلى هذا الشيخ المفروض عليه والمحمول على الناس، كما حمل على المسيحية وسطاء من الرهبان يهيبون الغفران، وإذا كان لا بد من شيخ، فشيخ العلم الذي يزودك بحسن الفهم، ويزيل عن قلبك حجب الوهم، وران الإثم، ويقيم عقيدتك على الأساس الصحيح من النظر السديد، ويعصمك من الزيغ والضلال، ويحميك من الإلحاد والحلول، ويحول بينك وبين الإتجاهات المنحرفة والتيارات المختلفة ثم يقيم على هذا الأساس الصحيح، وثيق البناء من حسن السلوك والسيرة والخلق، ويوضح لك الفروق بين الحلال والحرام، والحسنة والسيئة، والطاعة والمعصية، والسنة والبدعة، والفضيلة والرذيلة.
وهذا هو الشيخ المراد في قول ابن عاشر:
يصحب شيخا عارف المسالك
…
يقيه في طريقه المهالك
كما أنه هو المراد من وجهة النظر الصوفية، فإذا كان هذا الشيخ هو المقصود فإن الإسلام لا ينكره بل إن المسلمين اليوم لفي حاجة شديدة ملحة إلى مثل هذا الموجه الكفء الذي يأخذ بزمامهم إلى الغرض النبيل، في أقوم سبيل، ويعيد إليهم عهدا كان في مخيلة البشرية حلما من الأحلام، فحققه الإسلام، أما هذا الشيخ الذي يفرض على كل إنسان، وإلا تسلم زمامه الشيطان، فهذا مما لا نعرفه في كتاب الله، ولا سنة رسول الله، ولا سنة خلفائه الراشدين، ولا في أقوال الأئمة المجتهدين.
وإن الشيطان لا يدخل قلبا يعمره الإيمان بالله، والإلتجاء إلى الله، وإنما يدخل القلوب الخربة من الإيمان الخاضعة لهوى النفس، وإرادة الشيطان،:{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} .
نعم إن قولهم: من لم يكن له شيخ فالشيطان شيخه، ليس بآية ولا بحديث، وإنما هو قول بعض مشائخ الطرق المتأخرين لعلهم أرادوا به توجيه الأنظار إلى دعوتهم وتكوين الأتباع والأنصار لها، أو قيل في وقت جف فيه معين العلم، وقل علماء الدين وخيف على الحاسة الدينية أن تنعدم، أو قيل في جماعة خاصة ركبت رأسها وتمردت على نظام بيئتها، فأريد ضبطها بهذه الطريقة تحت تصرف قائل هذه الكلمة الذي لا بد أن يكون قد عرف بالصلاح والتقوى وسداد الرأي.
ذلك لأننا إذا رجعنا إلى كتاب الله الذي هو المورد الأصيل للتشريع نجد أن الله لم يأمرنا بطاعة أحد من خلقه وإنما أمرنا بطاعة رسوله فقط التي ليست إلا طاعة لله إذ قال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} حتى أبوينا لم يقل لنا: أطيعوهما وإنما أمرنا بالإحسان إليهما إذ قال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} وإذ قال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} ، وحتى طاعة أولي الأمر في قوله تعالي:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ،
إنما يقصد بها طاعة الله، لأن إمام المسلمين مكلف بتنفيذ شريعة الله، وإلا فلا تلزم طاعته، كما قال أبو بكر رضي الله عنه بعد مبايعته بالخلافة:(أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم)، وهذا هو السر في إضافة قوله: منكم، إلى أولي الأمر، أي أن الطاعة لأولي الأمر مقيدة بأن يكونوا من المسلمين عملا، لا نسبة، لتكون طاعتهم لله.
وإنما أمر الناس أن يسألوا عما جهلوا إذ قال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ، وأمر العلماء أن لا يكتموا ما علمهم الله وكتب اللعنة على من كتم ما أنزل الله إذ قال:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} ، ورغب في هداية الناس على لسان نبيه القائل:"لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم"، والقائل "الدال على الخير كفاعله"، بل جعل الدعوة إلى الله وقيادة الناس إلى ساحل النجاة وظيفة للعلماء ورثة الأنبياء، إذ قال:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} ، وجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعار هذه الأمة إذ قال:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} ، فلم يذكر بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا الإيمان بالله وإن الله- بعد هذا كله- قد ربط بين المسلمين جميعا برباط الأخوة الدينية، ولم يربط بينهم برباط سيادة بعضهم على بعض، إذ قال:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} ، بل إن الإسلام ليذهب أبعد من ذلك فيجعل السيادة للخادم لا للمخدوم إذ يقول صلى الله عليه وسلم:"سيد القوم خادمهم".
ونحن- بعد هذا- نؤيد كل داع إلى الله على بصيرة بالمنهج الديني المشروع.