الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن كان فيهم من لا يلزمه بعينه نفقته لكن يخاف عليه الضياع، كيتيم وأرملة ونحو ذلك
…
(1)
.
ولا بدَّ أن يرجع إلى كفاية له ولعياله على الدوام، إما ربح تجارةٍ أو صناعة، أو أجور عقارٍ ودوابَّ، أو رَيْع
(2)
وقف عليه بعينه، لأن
…
(3)
.
فإن أمكنه أن يأخذ من وقف الفقراء أو الفقهاء أو بيت المال
(4)
ونحوه من مال المصالح
…
(5)
.
والمراد بالكفاية: ما يحتاج إليه مثله من طعام وكسوة ونحو ذلك، ومن مسكن، فإنه لا بد له من السكنى، فليس عليه أن يبيع مسكنَه ثم يسكن بأجر أو في وقف. لكن إن كان واسعًا يُمكِنه الاعتياضُ عنه بما دونه من غير مشقة، لزمه أن يحج بالتفاوت.
و
إن كان له كتبُ علمٍ يحتاج
(6)
إليها لم يلزمه بيعها
، وإن لم يكن علمها فرضًا عليه
(7)
؛ لأن حاجة العالم إلى علمه
…
(8)
.
فإن كانت مما لا يحتاج إليها، أو كان له بكتابٍ نسختان يستغني عن
(1)
بياض في ق.
(2)
س: «وريع» .
(3)
بياض في النسختين.
(4)
«المال» ساقطة من المطبوع.
(5)
بياض في النسختين.
(6)
س: «محتاج» .
(7)
«عليه» ساقطة من س.
(8)
بياض في س.
إحداهما، باع ما لا يحتاج إليه.
وإن أراد أن يشتري كتب علم، أو ينفق في طلب العلم، فقد قال عبد الله
(1)
: سألت أبي عن رجل ملك خمسمائة درهم، وهو رجل جاهل، أيحج بها أم يطلب العلم؟ فقال: يحج
(2)
؛ لأن الحج فريضة، وليس الحديث
(3)
عليه فريضة، وينبغي له أن يطلب العلم.
والفرق بينهما أن
(4)
هذا لم يتعلَّم بعدُ
(5)
، فالابتداء بفرض العين قبل فرض الكفاية أو النافلة متعين، والأول قد تعلَّم العلم، وهو مقيّد بالكتاب، ففي بيع كتبه إخلالٌ
(6)
بما قد علمه مِن علمه.
وإذا كان له خادمٌ
(7)
يحتاج إلى خدمتها لم يلزمه بيعها. قال في رواية الميموني
(8)
: إذا كان للرجل المسكنُ والخادم والشيء الذي لا يمكنه بيعه لأنه كفاية لأهله= فلا يباع، فإذا خرج عن
(9)
كفايته ومُؤْنة عياله باع.
(1)
انظر «مسائله» (ص 197، 198).
(2)
في المسائل: «لا يحج» . وهو مخالف للسياق، ويمكن تصحيحه بوضع فاصل بعد «لا» .
(3)
في المسائل: «وطلب الحديث» بدل «وليس الحديث» . وهذا يعكس المعنى.
(4)
«أن» ساقطة من المطبوع.
(5)
«بعد» ساقطة من س.
(6)
س: «اخلا» .
(7)
يقع على الذكر والأنثى. انظر شواهد استعماله للمؤنث في «تاج العروس» (خدم).
(8)
انظر: «القواعد» لابن رجب (ص 295).
(9)
س: «من» .
وإذا كان به حاجة إلى النكاح، فقال أحمد في رواية أحمد بن سعيد: إذا كان مع الرجل مال فإن تزوج به لم يبقَ معه فضل، وإن حج خشي على نفسه، فإنه إذا لم يكن له صبرٌ عن التزويج تزوَّج، وترك الحج.
وكذلك نقل أبو داود
(1)
وغيره، وعلى هذا عامة أصحابنا
(2)
: أنه إن خشي العَنَتَ قدَّم النكاح؛ لأنه واجب عليه، ولا غنى به عنه، فهو كالنفقة.
وحكى ابن أبي موسى
(3)
عن بعض أصحابنا: أنه يبدأ بالحج. وقد قال أحمد في رواية جعفر بن محمد في رجل عنده أربعمائة درهم، ويخاف على نفسه العنت، ولم يحج، و
(4)
أبواه يأمرانه بالتزويج، قال: يحج ولا يطيعهما في ذلك. هكذا ذكرها أبو بكر
(5)
في «زاد المسافر» ، ثم فصَّل كما تقدم [ق 148] عن أحمد.
ووجه ذلك: أنه يتعيَّن عليه بوجود السبيل إليه، والعنت المخوف مشكوك فيه، وهو نادر، والغالب على الطباع خلاف ذلك، فلا يُفرِّط فيما تيقَّن وجوبه بما يشك فيه. وأما إن لم يخش العنتَ قدَّم الحج.
وإن قلنا: إن النكاح واجب، فإن كانت له سُرِّية لم يجب عليه بيعها واستبدالُ ما هو دونها. ولا يجب عليه أن يطلِّق امرأته ليستفضل نفقتها.
(1)
في «مسائله» (ص 150). وانظر «مسائل الإمام أحمد» رواية ابن هانئ (1/ 143).
(2)
انظر «المغني» (5/ 12) و «الإنصاف» (8/ 48).
(3)
في «الإرشاد» (ص 180).
(4)
الواو ساقطة من ق.
(5)
غلام الخلّال (ت 363). ترجمته في «طبقات الحنابلة» (2/ 119 - 127)، ولم يصل إلينا كتابه «زاد المسافر» .
فصل
ولا يجب عليه المسِيرُ حتى يقدر على المسير، بأن يكون يتسع الوقت للسير والأداء. فلو وجد ذلك قبل النحر بأيام، وبينه وبين مكة شهر ونحو ذلك، لم يجب عليه المسير للحج في تلك السنة. وليس عليه أن يسير إلا السير المعتاد وما يقاربه، وليس عليه أن يحمل على نفسه، ويسير سيرًا يجاوز العادة، أو يَعجِز معه عن تحصيل آلة السفر؛ لما في ذلك من المشقة التي لا يجب معها مثل هذه العبادات من الجمعة والجماعة ونحو ذلك.
وأن يكون الطريق خاليًا من العوائق المانعة، فإن كان فيه من يصدُّه عن الحج من قُطَّاع الطريق
(1)
، كالأعراب والأكراد الذين يقطعون الطريق
(2)
على القوافل، أو كفّار، أو بُغاة= لم يجب عليه السعي إلى الحج. فإن أمكن قتالهم
…
(3)
.
وإن أمكن بذلُ خَفارةٍ
(4)
لهم، فقال القاضي وأصحابه
(5)
: لا يجب بذلها وإن كانت يسيرةً، لوجهين:
أحدهما: أنها رشوة، فلا يلزم بذلُها في العبادة كالكثيرة.
الثاني: أنهم لا يُؤمَنون مع أخذها، فإن
(6)
من استحلّ أكل المال
(1)
س: «طريق» .
(2)
س: «الطرق» .
(3)
بياض في النسختين.
(4)
أي جُعْل للأمان، وهو مثلث الخاء.
(5)
انظر «المغني» (5/ 8).
(6)
ق: «فإنه» .
بالباطل من وفد الله، لم يُؤمَن على استحلال قتلهم أو نهبهم أو سرقتهم.
والثاني: يجب بذل الخفارة اليسيرة، قاله ابن حامد
(1)
؛ لأنها نفقة يقف
(2)
إمكان الحج على بذلها، فلم يمتنع الوجوب مع إمكان بذلها كالأثمان والأكرية، وقد بذل صُهيب للكفار جميع ماله الذي كان
(3)
بمكة حتى خَلَّوه يهاجر، فأنزل الله تعالى فيه
(4)
: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}
(5)
[البقرة: 207].
وفي معنى ذلك لو احتاج أن يَرشُو الولاةَ لتخليته، أو لحراسة طريقه
(6)
.
ولو احتاج أن يبذل مالًا لمن يخرج معه ليحرسه فهذا ليس برشوة، وإنما هو جَعالة
(7)
أو إجارة؛ لأنه لا يجب عليهم الخروج معه وحفظُه. وقياس المذهب: أن هذا واجب، كما يجب على المرأة نفقة مَحْرمها لأنه بمنزلة الحافظ لها، وكما يجب عليه
(8)
أجرة من يحفظ رَحْلَه من السُّراق.
(1)
انظر «المغني» (5/ 8) و «المستوعب» (1/ 442).
(2)
«يقف» ليست في ق.
(3)
«كان» ساقطة من س.
(4)
«فيه» ساقطة من س.
(5)
قصة بذل صهيب لماله ثابتة من وجوه. ورويت آثار مُرسلة في نزول الآية فيه. انظر «تفسير الطبري» (3/ 591 - 592) و «مستدرك الحاكم» (3/ 398، 400) و «تفسير ابن كثير» (2/ 271 - 272).
(6)
بعدها بياض في ق.
(7)
ما يُجعَل على العمل من أجر.
(8)
«عليه» ساقطة من س.
وسواء كانت الطريق قريبةً أو بعيدةً يبقى فيها سنين
…
(1)
.
وسواء كانت الطريق برًّا أو بحرًا إذا كان الغالب عليه السلامة، وإن كان الغالب على البحر الهلاك لم يجب السعي إلى الحج. وإن كان يَسْلَم قوم ويَتْلَف قوم، فقال القاضي
(2)
: يلزمه، وقال أبو محمد
(3)
: إن لم يكن الغالب السلامة لم يلزمه سلوكه.
فصل
ولا يجب عليه أن يحج بنفسه حتى يقدر على الركوب، فمتى قدر على الركوب في
(4)
حالٍ من الأحوال لزمه الحج بنفسه، فإن عجز عنه لمرضٍ أو كبرٍ لم يلزمه.
والمعتبر في ذلك: أن يُخشَى من ركوبه سقوطُه، أو مرضٌ، أو زيادةُ مرض، أو تباطؤُ بُرْءٍ، ونحو ذلك. فأما إن كان توهمًا أو جبنًا أو مرضًا
(5)
يعتريه أحيانًا، ويقدر أن يستطبَّ
…
(6)
.
ثم إن كان مأيوسًا
(7)
من بُرئه فإنه يُحِجَّ عن نفسه، قال أحمد في رواية أبي طالب
(8)
: يحجُّ الرجل عن الرجل وهو حيٌّ، وعن المرأة، وإذا كان
(1)
بياض في النسختين.
(2)
كما في «الإنصاف» (8/ 67).
(3)
في «المغني» (5/ 8). وكذلك القاضي في «التعليقة» (1/ 75).
(4)
س: «على» .
(5)
في النسختين: «مرة» ، تحريف.
(6)
بياض في النسختين.
(7)
في المطبوع: «ميؤسا» خلاف النسختين.
(8)
كما في «التعليقة» (1/ 71، 72).
شيخًا كبيرًا لا يستمسك على الراحلة يحجُّ عنه وليُّه، وإذا كانت امرأة ثقيلة لا يقدر مثلها يركب، والمريض الذي قد أُوْيِسَ
(1)
منه أن يبرأ، فيحجُّ عنهم وليُّهم. وهذا الذي أمر فيه
(2)
النبي صلى الله عليه وسلم الخثعمية، قالت: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير، وقد أدركته فريضة
(3)
الله في الإسلام، وهو لا يستمسك على الراحلة، أفأحجُّ عنه؟ قال:«نعم حُجِّي عن أبيك» .
فإذا كان الرجل والمرأة لا يقدرانِ على الحج، وقد وجب عليهما الحج، حجَّ عنهما وليهما.
وإحجاجه عن نفسه واجب عند أصحابنا على ما ذكره أبو عبد الله
(4)
، سواء بلغ وهو معضوب، أو عُضِب بعد ذلك، قبل وجود المال أو بعد وجود المال. وظاهر كلام أبي بكر وابن أبي موسى: أنه لا يجب؛ لأن ابن أبي موسى ذكر
(5)
أن شروط الوجوب: الحرية، والبلوغ، والإسلام، والعقل، والصحة، والزاد والراحلة، والمَحْرم للمرأة، وخلوُّ الطريق. وذكر أبو بكر أن الحج يجب على الرجل بثلاثة أوصاف: بالزاد، والراحلة، والصحة. وعلى المرأة بأربعة أوصاف: الزاد، والراحلة، والصحة، والمَحْرم؛ لِمَا تقدَّم من أن الخثعمية وغيرها أخبرت أن أباها قد فُرِض عليه الحج، وأقرَّها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وأمرها أن تحجَّ عنه، [ق 149] وشبَّه ذلك بالدين المقضيّ. ولولا
(1)
من الفعل الرباعي «آيَسَ» . وفي التعليقة: «أُيِسَ» .
(2)
«فيه» ليست في س.
(3)
س: «فرائض» .
(4)
كما في «مسائل ابن هانئ» (1/ 176). وانظر «المستوعب» (1/ 444).
(5)
في «الإرشاد» (ص 156).
أن الحج قد وجب على هذا المعضوب لما صح
(1)
ذلك.
فإن قيل: المراد أنه من أهل وجوب الحج
…
(2)
.
وأيضًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل: ما يوجب الحج؟ فقال: «الزاد والراحلة» . ولم يفرق بين القادر بنفسه والعاجز.
وأيضًا فإن فرائض الله إذا قدر أن يفعلها بأصل أو بدل وجب عليه ذلك، كما يجب بدل الصوم وهو الإطعام، وبدل الكفارات، وبدل الوضوء والغسل.
وأيضًا فإنه من أهل وجوب الحج، وهذه الحَجة تُجزِئ عنه، وتُسقِط عنه فرضَ الإسلام بنص النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أمكنتْه الاستنابة
(3)
من غير ضرر في دينه ولا دنياه؛ لأن النائب إن كان أجيرًا فلا ضرر مِنَّةٍ
(4)
عليه فيه؛ لأن عمله يقع مستحقًّا للمستأجر، كالاستئجار على البناء والخياطة والكتابة. وإن كان نائبًا محضًا فإن النفقة إنما تجب في مال المستنيب، فلا منةَ عليه في ذلك. يبقى عمل النائب فقط، وذلك لا منة فيه؛ لأن له غرضًا
(5)
صحيحًا في شهود المشاعر، وعمل المناسك، وحضور الموسم، وله بذلك عمل صالح غير إبراء ذمة النائب
(6)
من حجِّ الفرض، وإنما بلغ ذلك بمال المستنيب، فيصيران متعاونين على إقامة
(1)
في المطبوع: «صحح» ، خلاف النسختين.
(2)
بياض في النسختين.
(3)
س: «النيابة» .
(4)
س: «منه ضرر» . وفي المطبوع: «ضرر منه» .
(5)
في المطبوع وس: «عوضا» ، تحريف.
(6)
كذا في النسختين، ولعل الصواب:«المستنيب» .