الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
(1)
: (ولا يجوز لمن أراد دخول مكة تجاوزُ الميقات غيرَ محرمٍ
(2)
إلا لقتال مباح، أو حاجةٍ تتكرَّر كالحطَّاب ونحوه. ثم إن أراد النسك أحرم من موضعه، وإن تجاوزه غيره
(3)
رجع فأحرم من الميقات، فإن أحرم مِن دونِه فعليه دم، سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع)
.
في هذا الكلام فصول:
الأول
أن من مرَّ بهذه المواقيت غيرَ مريدٍ لمكة، بل يريد موضعًا من الحلّ، فلا إحرام عليه.
وإن أراد موضعًا من الحرم غير مكة
…
(4)
.
وإن أراد مكة للحج أو العمرة لم يجز له تجاوز الميقات إلا محرمًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مُهَلُّ
(5)
أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن». وهذا أمر بصيغة الخبر، وكذلك قوله:«وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة» إلى قوله: «هنّ لهن ولمن
(1)
انظر: «المستوعب» (1/ 447، 448) و «المغني» (5/ 68) و «الشرح الكبير» (8/ 117) و «الفروع» (5/ 310، 311).
(2)
ق: «بغير إحرام» .
(3)
كذا في النسختين، وفي «العمدة»:«وإن جاوزه غير محرم» .
(4)
بياض في النسختين.
(5)
ق: «يهل» . و «أهل» ساقطة منها.
أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج والعمرة». وإنما فائدة التوقيت وجوب الإحرام من هذه المواقيت؛ لأن ما قبلها يجوز الإحرام منه، فلو كان ما بعدها يجوز تأخير الإحرام إليه لم يكن لها فائدة
(1)
.
وإن أراد دخول مكة لغير الحج والعمرة مثل تجارة أو زيارة أو سُكنى
(2)
أو طلب علم أو غير ذلك من الحاجات التي لا يشقُّ معها الإحرام، فإن السنة أن
(3)
لا يدخلها إلا محرمًا بحجة أو بعمرة
(4)
، سواء كان واجبًا أو تطوعًا، وهذا واجب عليه في أشهر الروايتين.
قال في رواية ابن منصور
(5)
: لا يدخلها أحد إلا بإحرام. وقال في رواية ابن إبراهيم
(6)
وقد سئل عن رجل
(7)
أراد أن يدخل مكة بتجارة: أيجوز أن يدخلها بغير إحرام؟ فقال: لا يدخل مكة إلا بإحرام، يطوف ويسعى ويحلق، ثم يحلُّ. وقد نصَّ على ذلك في مواضع.
والرواية الأخرى: أنه مستحب، وتركُ الإحرام مكروه، قال في رواية الأثرم والمرُّوذي
(8)
: لا يُعجِبني أن يدخل مكةَ تاجرٌ ولا غيره إلا بإحرام،
(1)
س: «خصيصة» .
(2)
في المطبوع: «سكن» .
(3)
«أن» ليست في ق.
(4)
س: «أو عمرة» .
(5)
كما في «التعليقة» (2/ 195). وهي في «مسائله» (1/ 524).
(6)
أي ابن هانئ في «مسائله» (1/ 153). ونقلها أبو يعلى في «التعليقة» (2/ 195).
(7)
«عن رجل» ليست في س.
(8)
كما في «التعليقة» (2/ 196).
تعظيمًا للحرم، وقد دخل ابن عمر بغير إحرام
(1)
.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أن الحج والعمرة إنما تجب مرةً واحدة، فلو أوجبنا على كل من [ق 179] دخلها أن يحج أو يعتمر لوجب أكثر من مرة.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المواقيت
(2)
: «هنّ لهنّ ولكل من أتى عليهنّ من غير أهلهنّ ممن كان يريد الحج والعمرة» ، وهذا لا يريد حجًّا ولا عمرة.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع هو وأصحابه من حنين إلى مكة
…
(3)
.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث عثمان عام الحديبية ليخبرهم بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَطُفْ بالبيت ولا بين الصفا والمروة
(4)
.
ولأن الصحابة الذين بعثهم لاستخراج خُبَيب
…
(5)
.
ولأن هذه قُربة مشروعة لتعظيم البقعة فلم تجب؛ كتحية المسجد الحرام بالطواف وتحية غيره بالصلاة.
وهل يجوز أن يحضر عرفةَ والموسمَ مع الناس من لم يَنْوِ الحج ولم
(1)
أخرجه مالك في «الموطأ» (1/ 423) وابن أبي شيبة (13700) والطحاوي في «أحكام القرآن» (1656 - 1658) من طُرق عن نافع عنه، وعلّقه البخاري في «صحيحه» (3/ 17) مختصرًا بصيغة الجزم. وستأتي بعض ألفاظه.
(2)
«في المواقيت» ليست في س.
(3)
بياض في النسختين.
(4)
أخرجه أحمد (18910) بإسناد حسن من حديث المِسْور بن مخرمة ومروان بن الحكم في قصة حديبية.
(5)
بياض في النسختين. والحديث أخرجه أحمد (17252) بإسناد ضعيف. وانظر «سيرة ابن هشام» (2/ 633 - 635) و «طبقات ابن سعد» (4/ 234).
يُحرِم من أهل مكة
(1)
أو غيرهم؟ ظاهر حديث عمر وابن عمر رضي الله عنهما
(2)
أنه لا يجوز، تعظيمًا للفعل كتعظيم المكان.
ووجه الأول: ما روي عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا يَدْخُلْ
(3)
مكةَ تاجرٌ ولا طالبُ حاجةٍ إلا وهو محرم». رواه سعيد والأثرم
(4)
، وفي رواية قال:«لا يدخلنَّ أحد من الناس مكةَ من أهلها ولا من غيرهم غيرَ حرامٍ» . رواه حرب
(5)
. ولا يُعرَف له مخالف، وسنتكلم على أثر ابن عمر.
وأيضًا ما روي عن مجاهد وطاوس قالا
(6)
: ما دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
(7)
إلا وهم محرمون
(8)
.
وفي رواية عن هشام بن حُجَير أظنه عن طاوس قال: ما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة إلا محرمًا إلا عامَ الفتح
(9)
.
(1)
«مكة» ليست في س.
(2)
لعل المقصود بحديث عمر ما سبق تخريجه (ص 111).
(3)
س: «لا يدخلن» .
(4)
ومن طريق سعيد رواه الطحاويُّ في «شرح معاني الآثار» (2/ 263) و «أحكام القرآن» (1659) وإسناده حسن. ورواه في «الشرح» أيضًا بنحوه بإسناد آخر صحيح.
(5)
ورواه أيضًا البيهقي في «السنن الكبرى» (5/ 177) بنحوه.
(6)
س: «قال» .
(7)
ق: «هو وأصحابه» .
(8)
عزاه المؤلف إلى سعيد، وذكره القاضي في «التعليقة» (2/ 197) وقال: «روى أبو حفص في كتابه بإسناده عن مجاهد وطاوس
…
» إلخ. وأبو حفص هو عُمر بن إبراهيم العُكبري (ت 387).
(9)
أخرجه ابن أبي شيبة (13697) من هذا الطريق. وأخرجه الفاكهي في «أخبار مكة» (1826) بنحوه من طريق معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه.
وعن عطاء قال: ما نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل
(1)
مكةَ قطُّ إلا وهم محرمون
(2)
. رواهن سعيد.
وعن خُصَيف عن سعيد بن جبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يُجاوِزْ أحدٌ الميقاتَ إلا وهو محرم، إلا من كان أهله دون الميقات» . ذكره بعض الفقهاء
(3)
.
ولا فرق بين أن
(4)
يكون دون المواقيت إلى مكة، أو يكون وراء المواقيت. قال أحمد في رواية ابن القاسم وسندي
(5)
: لا يدخل أحد مكة بغير إحرام، وقد أرخص للحطَّابين والرِّعاء
(6)
، ونحو هؤلاء أن يدخلوا بغير إحرام. وقد رجع ابن عمر من
(7)
الطريق، فدخلها بغير إحرام
(8)
، فقيل له: إنهم يقولون: ابن عمر لم يكن بلغ الميقات، فمن أجل ذلك دخل بغير إحرام. فقال: الميقات وغيره سواء، وإنما رجع لاضطراب الناس والفتنة،
(1)
ق: «دخل رسول الله» .
(2)
لم أجده، ولكن صحّ عنه أنه قال:«لا يدخل أحد الحرم إلا بإحرام» . أخرجه ابن أبي شيبة (13695) والطحاويُّ في «شرح معاني الآثار» (2/ 263).
(3)
ذكره بهذا اللفظ أبو يعلى في «التعليقة» (2/ 197). وقد أخرجه ابن أبي شيبة (15702) وليس فيه: «إلا من كان
…
» إلخ. وإسناده ضعيف لإرساله ولضعف خُصيف الجزري.
(4)
ق: «من» .
(5)
كما في «التعليقة» (2/ 195، 196).
(6)
في المطبوع: «والرعاة» .
(7)
ق: «عن» .
(8)
«وقد رجع
…
إحرام» ساقطة من المطبوع.
فدخل كما هو
(1)
. وكان ابن عباس يُشدِّد في ذلك
(2)
. فقيل له: فالنبي صلى الله عليه وسلم دخلها عام الفتح بغير إحرام، فقال: ذلك من أجل الحرب، ألا تراه يقول:«حلَّت لي ساعةً من نهار»
(3)
. وهذا يدخل مع فعل ابن عمر.
وقال في رواية الأثرم في الرجل يقيم بمكة متمتعًا أو غيره ثم يخرج منها لبعض الحاجة: فيعجبني أن لا يدخلها إلا بإحرام، وأن لا يخرج منها أبدًا حتى يُودِّع البيت.
فقد أمر بالإحرام كلَّ داخلٍ إليها ممن خرج عنها أو لم يخرج، سواء كان رجوعه إليها من دون
(4)
الميقات أو من فوق، وهذا لأن المقصود بذلك تعظيم الحرم لشرفه وكرامته، وذلك يستوي فيه كلُّ داخلٍ إليه ممن قَرُبتْ داره أو بَعُدتْ
(5)
؛ ولهذا يستويان في وجوب الإحرام إذا أراد الحج أو العمرة.
وأما نفس مجاوزة الميقات فليس بموجب للإحرام، بدليل ما لو لم
(1)
سبق تخريجه قريبًا. وجاء التصريح في رواية ابن أبي شيبة (13700) وغيره أن ابن عمر رجع من أجل ما بلغه من «أن جيشًا من جيوش الفتنة دخلوا المدينة، فكره أن يدخل عليهم فرجع إلى مكة فدخلها بغير إحرام» .
(2)
يشير إلى الأثر السابق قريبًا.
(3)
متفق عليه، وسيأتي.
(4)
«دون» ساقطة من المطبوع.
(5)
في هامش النسختين هنا: «يتوجه الفرق بين من يكون من حاضري المسجد الحرام وغيرهم، كما فرَّق أصحابنا بينهم في طواف الوداع، وعلى كلامه يستحب الوداع لكل خارج إلى الحل. وعائشة لما خرجت إلى الحلّ لتحرم بالعمرة لم تودّع» .